«ثورة الأرز»..

«ثورة الأرز»..
افتضح زيفها فانهارت؟

العميد الدكتور أمين محمد حطيط

ادعت في لبنان فئات سياسية اسمت نفسها جماعة “14 اذار” ادعت انها قامت بثورة اسمتها “ثورة الارز” ونظرا لظروف داخلية و خارجية تشكلت بعد اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005 استطاعت تلك الجماعة ان تصل الى الحكم من باب الثورة المزعومة وان تستأثر بالسلطة بعد ان ارتمت بالحضن الاميركي واستندت الى قوة اميركا، وارست في الحياة اللبنانية قاعدة “الحكم في مواجهة القانون “وهي القاعدة التي قادتها الى جرائم بحق الحكم الديمقرلطي فبدأت حكمها بتعطيل المجلس الدستوري اولا حتى تتفلت من الرقابة على اعمالها في التشريع و تتفلت من تزوير الانتخابات. ثم انشأت لنفسها جهازا امنيا رسميا خارج القانون وجعلته الاهم عديدا وقدرات بين الاجهزه الامنيةالرسمية، وتابعت سيرها بوضع اليد على القضاء وباستباحة المال العام الى درجة الانفاق العام من غير موازنة لمدة 6 سنوات، وطبعا من غير قطع حساب يمكن ديوان المحاسبة من ممارسة صلاحيته في الرقابة المؤخرة ان لم يكن مارسها مقدما. ولم تكتف تلك الفئة الحاكمة باسم “ثورة الارز” بما فعلت بل أفرغت الادارة من العنصر البشري العامل للدولة، واقامت الادارة الرديفة من تابعين يتلقون الاجر من الدولة تحت عنوان المستشار او الجهاز المساند ويعملون لمصلحة الفريق الحاكم على حساب مصلحة الوطن، ووصل الامر الى مشهد نرى فيه شبح دولة رسمية وواقع شركة خاصة فعلية يشكل مجلس ادراتها من “الشيخ الحاكم واعوانه”. اما على الصعيد الخارجي فقد توصلت تلك الجماعة الى التنازل عن السيادة اللبنانية لاميركا بشكل خاص وبات السفير الاميركي في لبنان هو صاحب الكلمة الفصل ما انشأ واقع استعمار جديد وانتج مقولة الثورة من اجل عودة الاستعمار.

ولان النظام السياسي كما هو معروف هو جمع من ثلاث عناصر: سياسات تعتمد ومؤسسات تنفذ تلك السياسات وتخطط لها واشخاص يديرون تلك المؤسسات بما يمكن من التنفيذ، فان “ثورة الارز” استطاعت ان تؤثر في كل هذه العناصر. و غاب عن اصحابها ان الثورة الحقيقية هي ما يقوم به الشعب من اجل اقامة المؤسسات التي تمارس السيادة بقرار مستقل، وترسي التشريعات التي تراعي المصالح الحقيقية للشعب، وتقيم القضاء الموثوق الذي يأخذ من المعتدي ليقيم العدل وينصف المظلوم. اما “ثورة الارز” فجاءت على خلاف ذلك حيث نجحت في الغاء الدولة اللبنانية بشكل كلي لتقيم مكانها “المشيخة الحريرية” بسياسات فرضت ومؤسسات رديفة اختلقت واشخاص تابعين اعتمدوا الى ان ظن اصحاب المشيخة بان نظامها بات نهائياً لا يمكن ان يمس في سياساته ومؤسساته واشخاصه، وباتوا مطمئنين يسندون طمانينتهم الى:

– الترهيب الممارس على الفئات اللبنانية والجهات الاقليمية المؤثرة في لبنان عبر سيف المحكمة الدولية وجهوزية هذه المحكمة لمد هذا الفريق الحاكم بالوقود اللازم لحركته بقرارات “غب الطلب” والتسريب المسبق او التهويل بالزلزال الذي سيحدثه ما يسمى “قرار ظني” وما سيرافقه من مذكرات توقيف لن تبقي احد من الخصوم بمنأى عن الاستدعاء (بدأت بالصدور بحق اربعة ويتوقع البعض ان يصل عددها الى 500 مذكرة تصدر على مدى 3 سنوات وتطال كل القيادات والفعاليات السياسية والفكرية والاعلامية في جبهة المقاومة والممانعة من لبنان الى سوريا الى ايران وقد لا يترك الفلسطنيون ايضا بعيدا عن هذ الاتهام).

– التهويل بالصراع الطائفي والفتنة بين السنة والشيعة، من اجل ابتزاز الفريق الوطني المقاوم الذي يخشى من نار في الشارع اللبناني ترغمه على تخصيص جهدا ميداني معين للدفاع عن نفسه وعن جمهوره.

– الارتكاز الى دعم اجنبي بقيادة اميركية غربية، يكون من شأنه التضيق على الفريق الوطني ومحاصرته ومنعه من التصدي لمسالة السلطة في لبنان او الطموح بمجرد المشاركة الحقيقية فيها.

ورغم ما في هذا السلوك من ظلم ومجافاة لمنطق الثورة الشعبية التي تهدف لتحقيق مصالح الوطن والمواطن فقد تجرع الفريق الوطني المقاوم المر وتساهل بالرد عليه حرصا على ما هو اهم من السلطة: “الوطن والدفاع عنه وجودا و حقوقا ًَ المهددة بالخطر الصهيوني”، و من اجل حماية المقاومة التي تدفع هذا الخطر كان التساهل كبيرا في المسالة الداخلية انطلاقا من قاعدة اساس: “دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة”، وبين السيء والاسوء يقبل بالسيء. و قد فسر فريق “المشيخة” تساهل الفريق الوطني ضعفا او خوفا، فتمادى في غيه وتجرأ على ارتكاب المحرمات ضد الفريق المقاوم: بدءا من تسهيل عمل المحكمة ضد هذا الفريق وتلفيق الشهادات الزور التي تؤدي الى اتهامه، وصلا الى التجرؤ على سلاحه ما اجبره على الرد الميداني بعد ان كان قد مارس الاعتراض السلمي لنيف وسنتين، ثم كانت الواقعة الاخيرة باخراج “الثائر على الدستور وسيادة الوطن” من الحكم لاتقاء خطره.

لقد اثبتت مجريات الامور بان ما اسمي “ثورة الارز” هو في الحقيقة ثورة ضد دولة الارز، ما استوجب الرد التصحيحي وكانت الثورة الحقيقية بعد ان طفح الكيل، ثورة من اجل تفعيل ما عطل من مؤسسات والغاء غير الشرعي منها، وتصحيح السياسات واسقاط التبعية للاجنبي، وابعاد الاشخاص الذين قبلوا برهن انفسهم ووطنهم للخارج.و تواجهت الثورتان: المزيفة و الصحيحة، او تواجه الانقلاب على الدستور بانقلاب للعودة الى الدستور من اجل استقلال حقيقي للبنان وتحريره من القرار الاجنبي و النتيجة كانت خسارة انقلابيي 14 اذار للمعركة، لكنهم ورغم تضعضعهم وتشتتهم فكرا وبنية لا زالوا يمنون النفس بالعودة الى السلطة مراهنين على:

– الفتنة الطائفية والنفخ في بوق التعصب الطائفي والمذهبي. متناسين ما ظهر من عجزهم عن تحريك غرائز الناس الذين باتوا في درجة من الوعي تعلو تصور الاخرين وخاصة انهم لا يتذكرون من الحرب الطائفية الا ما يرعبهم ولذا لن يكونوا على استعداد للدخول فيها مجددا فضلا عن ان القوى الرسمية والاهلية الحريصة على امن الوطن تملك من القدرات ما يمنع وصول فريق “البكاء على السلطة الضائعة” الى اهدافه.

– الحصار المالي والاقتصادي الخارجي، وهذا ايضا وهم لا يقوم لان للدول مصالحها وتبني سياساتها على اساس هذه المصالح، فالدول مؤسسات اولا والشخص تجميل للمؤسسة وليس الاساس فيها، وبهذا نفهم المواقف الدولية كما مواقف ارباب القطاعات الاقتصادية والمال من الضجيج حول الاقتصاد، ونجد تفعيلا للنشاط المشترك مع لبنان بما يدعم الاقتصاد اللبناني وبدرجة تتعدى ما كان قائما قبلا.

– وتبقى احلام التدخل الاجنبي لاعادة “البكائين على السلطة الضائعة” الى كراسييهم، وهنا نكتفي بالتذكير بانه لو كان لهذا الخارج هيبة او قوة ردع او قوة فرض السلطان في لبنان، لما تجرأت القوى الوطنية على عزل الحاكم الحريري من رئاسة الحكومة بمجرد دخوله الى مكتب الرئيس الاميركي. اضافة الى ذلك فاننا نرى من مواقف الدول والهيئات الدولية ما يكفي ليقنع هؤلاء بان التعويل على الخارج لاعادتهم الى السلطة هو حلم لن يتحقق.

لكل ذلك نقول ان على من خسر سلطة استلبها ان يستفيق من سباته و يضع حدا لاحلامه غير الواقعية (امتلاك لبنان و الاستئثار به)، ويقلع عن استعمال الوسائل غير المشروعة لان الامعان فيها سيرتد عليه خسارة ادهى وامر، اما من حل في المسؤولية الان فعليه ان يلتفت الى كل شيئ افسده السلف ومراجعة السياسات وتصويبها والمؤسسات وتصحيححها والاشخاص وتطهيرهم حتى نقول نجحت ثورة الاكثرية الشعبية في بناء دولة.

:::::

نشر في جريدة “البناء” اللبنانية بتاريخ اليوم 2272011