المعارضة … وسراب الدعم الخارجي
ليلى نقولا الرحباني
لم يأتِ الموقفان الاوروبي والفرنسي الداعمان للحكومة اللبنانية خارج سياق التطورات الاقليمية وخارج اطار التحولات في الوضع السوري. وهكذا يبدو ان تعويل المستقبل وحلفاؤه على العودة الى الحكم مستندين الى ضغوط خارجية تواجه الحكومة اللبنانية مرفقة باختلال أمني واقتصادي- كما كانت الخطة تقضي- ستبوء بالفشل.
من الناحية الامنية، يكتشف المستقبل وأذرعه الامنية يومًا بعد يوم أن الفتنة خط أحمر وان اللعب بالاستقرار الامني لن ينجو منه أحد وبالتالي سيرتد سلبًا على محاولي اشعاله، أما من الناحية الاقتصادية والتي منّى الحريريون النفس، بهز الاقتصاد اللبناني وتجويع اللبنانيين وتهديدهم بلقمة عيشهم كوسيلة للعودة الى الحكم على حصان أبيض، فيظهر أيضًا أنها لن تكون خطة صالحة للعمل بموجبها بدليل المناخات العربية التي عبرت عنها أكثر من دولة عربية وخليجية بتشجيع حركة السياحة العربية الى لبنان والتعامل مع حكومة نجيب ميقاتي بصفتها حكومة لبنان الكاملة الشرعية والمشروعية.
تعكس الاجواء العربية أجواء الخيارات الجديدة للأميركيين والاوروبيين بالتعاون مع الحكومة اللبنانية والتي تمثلت في رسالة الدعم الاوروبية الواضحة التي عبر عنها وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، والرسالة الفرنسية الواضحة ايضا في هذا المجال. ويأتي التطور الاوروبي في اعلان النوايا الايجابية من الحكومة اللبنانية، مترافقًا مع المناخات الاميركية المتحولة في التعامل مع سوريا بعدما رفضت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، الموجودة على بعد أميال من مقر المؤتمر السوري المعارض في اسطمبول، لقاء أقطاب المعارضة السورية، بالاضافة الى التصريحات الاميركية المختلفة التي عكست اقتناع الاميركيين بضرورة استعمال ” الخيارات الاخرى المتاحة” في القضية السورية وذلك نتيجة فشل الخيارات السابقة.
يعكس الموقف الاميركي المستجد من سوريا، فشل الخيارات التي راهنت على قدرة نجاح المشاريع السلفية والاخوانية في هز اركان النظام السوري، أو قدرتهم على السيطرة الامنية التامة على بعض المناطق السورية في محاولة لخلق مناطق عازلة على الحدود مع تركيا تمهيدًا لتكرارالسيناريو الليبي، كما بدا التهويل بتدخل عسكري أممي من قبل مجلس الامن أو تفويض تركيا بهذا التدخل فارغًا من أي مضمون بعد الموقفين الروسي والصيني الرافضين بشدة لأي تدخل، وأخيرًا وليس أخرًا، فشل محاولات اغراء قادة من الجيش السوري للانقلاب على النظام …وهكذا بقي النظام السوري محافظًا على تماسكه، وبقي التأييد الشعبي للأسد محافظًا على معدلاته المرتفعة.
يعكس فشل كل تلك الخيارات ان “الثورة” في سوريا لم تتوافر معطيات نجاحها من الاساس، فالثورات- بشكل عام- تحتاج الى تقاطع عوامل خارجية وداخلية عدة لنجاحها. فان نضجت الظروف الخارجية ولم تتوفر الظروف الداخلية، ضاعت اللحظة التاريخية المناسبة للثورة والعكس صحيح.
في المعطيات الداخلية لنجاح الثورات، يجب أن يكون النظام قد وصل الى نقطة القطيعة النهائية مع شعبه بسبب ظلم كبير لا يطاق وظهوره بمظهر الخطر الشديد على مستقبل البلاد، فتنأى النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية بنفسها عن النظام او تنقلب عليه، وان تستطيع المعارضة تأليب غالبية الراي العام ضده، فتصبح الاغلبية العظمى من الطبقات الاجتماعية – الاقتصادية شريكًا في الثورة ضد النظام القائم الخ.. أما في العوامل الخارجية، فيجب ان تتكون ظروف موضوعية اقليمية ودولية ضد النظام القائم، تترافق مع امتناع الحلفاء او عدم رغبتهم في تقديم الدعم للنظام او المحافظة عليه.
من هنا، لا تبدو عوامل النجاح في سوريا قائمة، فالجيش السوري أثبت تماسكه وولاءه لنظامه، كما ان الفئات الاجتماعية المختلفة ما زالت حتى الآن لا تجد في النظام السوري خطرًا على مصالحها، لاسباب عدة:
– الفئات الشعبية الفقيرة: وهنا لا بد من لفت الانتباه، الى أن المواطن السوري، وبالرغم من الفقر المنتشر في الارياف، يتمتع قياسًا الى الشعوب العربية الاخرى التي انتفضت، بنوع من الامن الاجتماعي والاقتصادي، فالدولة السورية تؤمن له الحد الادنى من متطلبات التعليم والصحة والطبابة ورغيف الخبز وغيرها، بينما نجد ان الملايين من المصريين على سبيل المثال يعيشون في المقابر ولا يتمتعون بالحد الادنى من مقومات العيش وهو ما لا نجده في الحالة السورية.
– الطبقات البرجوازية: ترى أيضًا في الاستقرار الذي فرضه نظام الاسد والامن الذي تمتعت به سوريا سابقا، ضرورة لاستقرار لمصالحها ومصدرا للاستثمار الاقتصادي، لذلك هي تخشى التغيير الذي قد يجلب معه فوضى أمنية وعدم استقرار، او تشكيل “امارة” تجعل االرساميل المحلية والخارجية تهرب الى الخارج.
– الفئات الاجتماعية – الطائفية: وهي تنقسم الى فئتين: أقلوية وأكثرية. ترى الفئات الاقلوية في نظام الاسد ضمانًا لوجودها وترى في البديل خطرًا وجوديًا أساسيًا. أما الفئات الاكثرية فلم يستطع المعارضون، خاصة معارضة الخارج، ان تكسب الاغلبية منهم الى جانبها، لسبب رئيسي هام وهو ان هذه المعارضة تسير عكس الحس الشعبي والقومي التاريخي للشعب السوري بكافة اطيافه، وخاصة بعدما قدموا الدليل على ارتباطهم بالموساد الاسرائيلي، من خلال مؤتمر باريس الذي اعده برنار ليفي وحضره شخصيات صهيونية واسرائيلية وتكلم باسم السوريين عضو سابق في الكنيست الاسرائيلي.
أما بالنسبة للعوامل الخارجية، فالواضح ان اعداء النظام السوري لم يستطيعوا امتلاك القدرات التي تخولهم عزله دوليًا بسبب امتلاكه لكثير من الاوراق الاستراتيجية الهامة، كما لم يظهر من الحلفاء أدنى رغبة بالتخلي عنه كما فعلت أميركا مع حليفيها مبارك وبن علي.
وهكذا إذا، تنعكس التطورات الاقليمية على لبنان، وتعكس الرسائل الاوروبية الايجابية رغبة اوروبية ببقاء نفوذهم في الشرق الاوسط بعدما وضعهم الاميركيون في مواجهة مع نظام الاسد باغلاق باب التفاوض من خلال العقوبات التي اعقبها موقف متشدد للوزير المعلم تجاه اوروبا. وبالرغم من كل شيء، يبقى المراهنون اللبنانيون على الخارج ورقة في مهب الرياح الاقليمية وتطورات المواقف الدولية منها. المؤسف أن هؤلاء لم يتعظوا من تجاربهم السابقة في الاتكال على الدعم الخارجي، بالضبط كما لم يتعظ المعارضون السوريون من تجارب من سبقهم، ومنها تجارب حديثة في التخلي الاميركي عن الحلفاء الاستراتيجين كمبارك وبن علي، عندما دقت ساعة تحقيق المصالح بالتغيير.
:::::
استاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية