تلونات الموقف التركي إزاء الحدث السوري
المحامي محمد احمد الروسان*
منذ بدء ربيع الثورة التونسية والمصرية, وانطلاق قطار ما سميّ, بربيع الشارع العربي, قامت تركيا(حزب التنمية والعدالة – كحزب حاكم) وما زالت, بدور سياسي – دبلوماسي – نوعي وكمي موازي, لحركة الشارع التونسي والمصري, ثم في ساحات ربيع الشارع العربي الأخرى, فكان لسان دبلوماسية تركيا, يجترح من المصطلحات والعبارات والتصريحات المتزامنة, مع حراكات الاحتجاجات في تونس ومصر, ودفع كلا الرئيسين, إلى ضرورة الاستجابة السريعة, للهتافات الثورية الصادقة.
لكن من حقنا أن نتساءل تساؤلات مشروعة, حول تلونات لسان دبلوماسية تركيا ما بعد بعد الربيعين: التونسي والمصري, وعلى شاكلة:-
لماذا كانت التصريحات التركية والمستمرة, تجيء بعد تصريحات العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي, والعاصمتين, الفرنسية والبريطانية؟ لماذا مارست تركيا مذهبية الدبلوماسية الانتقائية – بايجابية متنحية, ودعم مفاعيل التهدئة, إزاء الحدث اليمني, والحدث البحريني؟ بعبارة أخرى, لماذا مارست دبلوماسية, غمض عين وفتح أخرى, مع كلا الحدثين الأنف ذكرهما؟ لماذا فتحت عينيها بجحوظ, على الحدث الليبي والحدث السوري؟ لماذا تماثلت وتساوقت, الانتقائية التركية في التصريحات الدبلوماسية, مع انتقائية أطراف المؤامرة الدولية: واشنطن, باريس, لندن؟ بمعنى آخر, تعاملت تركيا بسلبية مفرطة مع الحدث السوري والحدث الليبي, وكالت من الانتقادات والتهم, من تحت الطاولة ومن فوقها, وقالت في ذلك, ما لم يقله مالك بالخمر, في حين كانت ايجابيتها مفرطة بشكل متنحي, غمض عين وفتح أخرى, لصالح النسق اليمني والنسق البحريني؟.
في ظني وتقديري, تشي جل هذه المذهبية, الانتقائية التركية الدبلوماسية التدخلية, في التعامل مع ربيع الثورات العربية, كما تشي سلبيتها المفرطة, وايجابيتها المتنحية المفرطة, إلى أنّ بنك الأهداف التركي, وعبر النخب السياسية والعسكرية والأمنية – المخابراتية, لحزب التنمية والعدالة التركي, صارت أكثر اهتماماً, في استعادة الدور التركي القائد الإقليمي, في ساحات الشرق الأوسط, ولجهة القوقاز الشمالي والجنوبي, وبالتفاهم مع واشنطن, لتسييد نموذج حزب التمنية والعدالة التركي, الذي نجح في المزواجة, مابين العلماني والديني, وإسقاطات مفاعيل وتفاعلات ذلك, على واقع وتعاملت الحياة, بتعبيراتها المختلفة والمتعددة.
وأتساءل: هل الدور التركي القائد, في الشرق الأوسط, سيكون وفقاً للشروط والمواصفات المرسومة والمحددة من قبل واشنطن؟.
تركيا صارت تمارس خيار إدارة التصعيد مع الحدث الليبي, وأصبحت متورطة في استخدام, جل الوسائل السياسية, والدبلوماسية, والعسكرية, والمخابراتية, والإعلامية, بحيث تورطت من رأسها إلى أخمس قدميها, كنسق سياسي شامل, مع أطراف محور واشنطن – باريس – لندن, لجهة القيام بتوسيع نطاقات ولاية القرارات الدولية الخاصة بليبيا, مع موافقتها على إضافة “سلّة” من اختصاصات ومهام جديدة, غير منصوص عليها في القرار 1970 و القرار 1973, ويمكن أن نصف الموقف التركي إزاء الحدث السوري الحالي, والنسق بشكل عام في دمشق, بأنّه موقف متلون سياسياً بامتياز, وصار يتجه إلى استخدام مخالب عسكرية, في خدمة أطراف المؤامرة الأممية, بمعنى سياسي متعدد, تركيا تتعامل مع من تسمى بأطراف المعارضة السورية الخارجية, وفقاً للرؤية والمنهج الأمريكي والفرنسي والبريطاني, وفي ذات الوقت, تفتح خيوط وقنوات مع النسق السوري, ليس لترميم علاقاتها معه, بقدر تقليل كلف الخسائر السياسية, نتيجة لتلون مواقفها, ولتحقيق الهدف الذهبي التالي: التعامل مع أطراف المعارضة السورية الخارجية والداخلية, يقود لتصعيد الحدث السوري, وقنواتها وخيوطها مع دمشق, يتيح دعم فعاليات التهدئة, عبر النسق وأدواته .
والسؤال هنا أيضاً: هل صارت تركيا, تلعب دور الطرف الراعي, لتصعيد فعاليات النزاع السوري والليبي, بشكل رأسي وعرضي؟ هل تركت دورها كطرف وسيط في حل النزاعات؟.
وبالرغم من تلونات الموقف التركي, لجهة الحدث السوري, وانخراط تركيا في خيارات التصعيد, إلاّ أنّ أنقرا ما زالت تتردد, في إقامة منطقة عازلة في الداخل السوري, وفقاً للرؤية الأمريكية, وهذا التردد التركي, دفع أطراف المؤامرة الدولية, إلى إنفاذ سياسات محددة, لدفع حلفاء وأعضاء الناتو, للدفع والعمل باتجاه المنطقة العازلة – تركيّاً, داخل جغرافية القطر السوري المتعب بهموم أمته, فالتوجهات الأمريكية, والأوروبية والإسرائيلية, وعبر شبكات مخابرات هذه الأطراف, تعمل وتسعى لتفعيل وتسخين, معطيات التوازنات التركية الديمقراطية في الداخل التركي, لرفع مفاعيل وتائر, التصعيدات الداخلية التركية, لأحداث حالات غير مستقرة في مناطق جنوب شرق تركيا, وما عملية حزب العمال الكردستاني الأخيرة, والتي ذهب ضحيتها أكثر من 12 جندي تركي من النخبة, إلاّ مؤشر على ذلك, لأنّه من شأن ذلك أن يقود إلى, تدهور الأوضاع في تركيا, مما يشكل كتل من الضغوط الثقيلة, على صانع القرار السياسي والمخابراتي والعسكري التركي, وخاصة مجاميع الجنرالات الأتراك, للموافقة على إقامة المنطقة العازلة التركية, في الداخل السوري, فبجانب هذا الأجراء من الخارج السوري, كحدث أممي لتصعيد موجبات الحدث السوري, هناك سعي حثيث من أطراف مربع المؤامرة الدولية, ومعه بعض العرب المتصهين, لأخذ ملفات الحدث السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية, مع ما تؤكده المعلومات, أنّ الولايات المتحدة الأمريكية, بصدد إصدار تشريع من الكونغرس, لنزع سلاح حزب الله اللبناني, وعزل حكومة ميقاتي, وأي حكومة لبنانية لاحقاً, يشارك فيها حزب الله, مع وجود برامج أمريكية وأوروبية, بالتشارك مع بعض الساحات العربية, تستهدف عائدات النفط السوري, والتي تساهم في مصادر, ميزانية النسق السوري بنسبة 20 % .
كل هذه المؤشرات تقود, بوضوح في قدرات جديدة- مستحدثة, لخصوم دمشق في الداخل, تزامن مع ارتفاع مجهود كبير, في جهود خصوم النسق السوري الخارجي, ويشي هذا, بأنّ زمام المبادرة والسيطرة, لم يكن أصلا في يد خصوم الداخل السوري, بقدر ما كان وما زال وبشكل واضح وفعلي, في يد خصوم الخارج السوري.
أطراف مربعات المؤامرة على النسق في دمشق, يصعّدون تصريحاً وتقريعاً وتلويحاً, بالتدويل للحدث السوري, واستخدام العقوبات والعزل الدبلوماسي, وفي ذات الوقت يمارسون, سلاسل من التحركات الدبلوماسية والأمنية والعسكرية, حيث قام البنتاغون وبعد تولي ليون بانيتا رئاسته, بتحريك حاملة الطائرات الأمريكية(باثان), ومجموعة الضربة العسكرية التابعة لها, بحيث تتواجد هذه القطع الحربية, قبالة السواحل السورية, وتقول المعلومات, إن (باثان) هذه, تضم 2000 جندي من عناصر مشاة البحرية( المارينز), وعشرة طائرات حربية, و8 هليكوبتر هجومية, إضافة إلى قوارب الإنزال البحري, أيضأ تم تحريك حاملة الطائرات مونتيري, والمزودة بقدرات الدفاع الصاروخي, حيث غادرت البحر الأسود, باتجاه السواحل اللبنانية السورية العربية, بحيث سيتم توظيفها لحماية الكيان الصهيوني, من صواريخ حزب الله اللبناني, وتزامن ذلك مع ضغوط عربية وتحديداً قطرية وسعودية, تمارس على تركيا, لتسمح باستخدام القواعد العسكرية الأمريكية, وقواعد الناتو في حالة الوصول إلى الخيار صفر, مع النسق السوري.
الجهد الدولي في تصعيد الحدث السوري, صار يتقاسم الأدوار, بحيث فرنسا وألمانيا وبريطانيا, يعملون على تشديد العقوبات الأوروبية, على دمشق, وتشاركهم أحياناً واشنطن, والأخيرة تسعى من أجل دفع وإجبار موسكو, بضرورة صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يدين سوريا, أو على الأقل, امتناع موسكو عن التصويت, كما تضغط واشنطن على الصين, من أجل ذلك, كان لقاء أوباما مع الدلاي لاما مؤخراً في البيت الأبيض.
وتقول المعلومات, أنّ موسكو لم ولن تغير موقفها الرافض لذلك, لا بل الموقف الصيني- بعد لقاء أوباما – دلاي لاما, صار أكثر مساندةً للموقف الروسي, داخل أروقة المؤسسات الأممية, وخاصةً في مجلس الأمن الدولي, حيث ما زال القرار 1973 والقرار 1970 الخاصين بليبيا, ماثلين أمام موسكو وبكين, ولأنّ روسيا تعلم أنّه, في حالة سقوط النسق السوري, فإنّها سوف تخسر آخر حلفائها المؤثرين في المنطقة, وآخر منافذها الإستراتيجية على المياه الدافئة, وسيتم حصرها في البحر الأسود, وبالتالي سوف يأتي عليها الدور, لذلك اعتبرت الفدرالية الروسية, وعلى لسان وزير خارجيتها, أنّ اعتراف عدد من الدول العربية والأوروبية, واعتراف واشنطن بالمجلس الانتقالي الليبي, من شأنه أن يدعم الحرب الأهلية الليبية الليبية, ويقطع أي أفق سياسي, لحل الأزمة الليبية, ولا حقاً أزمة النزاع السوري.
وتتحدث المعلومات, أنّ هناك تفاهمات سعودية, تركية, قطرية, بموافقات أمريكية إسرائيلية أوروبية, بدعم الحركات الوهابية السلفية السنيّة في مناطق القوقاز الشمالي, بحيث تتواجد في كل من باكو, تبليسي, المناطق التركية, وفي الشيشان, وتحديداً في أنغوشيا, الشيشان, داغستان, كاباردينو – بلغاريا, لكي تنشط في مناطق القوقاز الشمالي, والقوقاز الجنوبي, حيث تعد هذه الساحات, جزءً هاماً من الأمن القومي الروسي الفدرالي, كل ذلك من أجل زعزعة روسيا الفدرالية, حيث المطلوب أمريكياً وأوروبياً, تنشيط الحركات الجهادية السلفية القوقازية المتطرفة, وخاصةً الوهابية منها, من أجل زعزعة استقرار موسكو, واستقرارها مع مجالاتها الحيوية, مع إثارة الفتن والمشاكل بين (بوتي وميدو), مع قرب الانتخابات الرئاسية الروسية والسبب في ذلك واضح: الموقف الروسي الرافض لتوجهات واشنطن وحلفائها, إزاء ملف الحدث السوري تحديداً, وملف الحدث الليبي, كما الهدف من إحياء فعاليات الصراعات القوقازية المجمدة, هو دفع موسكو لعدم عرقلة توجهات واشنطن, باريس, لندن,قطر, السعودية وآخرين, في المؤسسات الدولية, وخاصة في مجلس الأمن الدولي, لإدانة النسق السوري, وبالتالي تدويل ملف الأزمة السورية, ليصار لتطبيق السيناريو الليبي على دمشق, كذلك تنشيط فعاليات الحركات الجهادية السلفية, في مجالات الأمن القومي الروسي, لأضعاف الموقف السياسي والمخابراتي والشعبي لبوتي, ليصعد ميدو مرةً ثانيةًً, رئيساً لروسيا الفدرالية في الانتخابات القادمة.
تركيا والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وواشنطن
تقول المعلومات, في مصر وبتوجيه سياسي – مخابراتي, من قبل واشنطن وفرنسا وبريطانيا, مع تشاركات عبرية غير مباشرة, يتم هذا الأوان العربي – المصري, نسج سيناريوهات, للعبة سياسية مخابراتية بامتياز, منفذها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين, عبر جماعة مصر على الساحة المصرية, والجماعات الإسلامية, في باقي الساحات, وبالتفاهم مع حزب التنمية والعدالة التركي, وذلك عبر تفاهمات تحالف تكتيكي يتم تطويره, ليكون استراتيجي نستولوجي مستقبلي, بين الأخوان المسلمين في مصر, مع المجلس العسكري الحاكم, حيث من شأن هذا أن يقود, إلى تخفيف الضغط الشعبي على المجلس العسكري, عبر ميدان التحرير, مع منح المجلس الحاكم هناك, فرص أخرى لتأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية, مع توفير الفرص المتعددة, لأجهزة أمن المجلس العسكري, لاحتواء شباب الثورة في ميدان التحرير, عبر العنف تارةً, وعبر حوافز سياسية وأخرى تارةً أخرى, وواحدة أخرى على عجل.
كذلك تتحدث المعلومات, أنّه بدأت حركة الأخوان المسلمين في مصر ومعها التنظيم الدولي, في استثمارات لعلاقاتهما الوطيدة مع الإيرانيين, لفتح قنوات سريّة خلفية, بين طهران وحركة الأخوان المسلمين في سوريا, للوصول إلى تفاهمات شاملة بينهما, وفي ذات الوقت, تزامن كل ذلك مع سعي حثيث, لحزب التنمية والعدالة التركي الإسلامي, لفتح قنوات سريّة خلفية للتفاهم مع إيران لذات الغايات.
:::::
عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية