لماذا ترفض “14 اذار” حماية النفط اللبناني؟
العميد الدكتور امين محمد حطيط
رغم كل الصخب الذي دفعت اليه اميركا واسرائيل منذ العام 2000 لاسقاط شرعية المقاومة وشرعية سلاحها، فان الشعب الللبناني في جزئة الاكبر حضن هذا السلاح وتمسك به باعتباره الاداة المتاحة للاقتران بقوة بالجيش والارادة الشعبية الواعية من اجل تحرير لبنان من محتل ومنع احتلال لبنان اذا استهدفه طامع. ورغم القرارات الدولية الكيدية بدءا بالقرار 1559 وما تلاه فقد استمرت المقاومة و سلاحها في خطها االتصاعدي في تراكم القوة الى ان بلغت مبلغاً من القدرة ادخلت فيه اسرائيل في دائرة العجز او اليأس من استعادة قدرتها الردعية وهيبتها مسجلة عليها انتصارات على الجبهات الثلاث:
في الميدان منعت اسرائيل من تحقيق اهدافها (وهذا يوصف في المصطلح العسكري هزيمة رغم انكار الناكرين)
وفي الحرب النفسية تفوقت المقاومة على اسرائيل بحيث ان صراعا استمر 5 سنوات منذ حرب تموز انتهى راهنا الى القول بان المقاومة وجمهورها في مستوى معنوي متقدم على اسرائيل وجيشها وشعبها،
اما الجبهة الثالثة وهي الوجه الاستراتيجي للصراع فقد كان للمقاومة اانجاز هام تمثل بالانتقال من المواجهة الاحادية الى استراتيجية الحرب الشاملة والجبهات المتعددة و العمل على خط نار يمتد من شمالي شرقي ايران في مشهد الى جنوب غربي لبنان في الناقورة من دون اسقاط ما ستواجهه اسرائيل في الداخل ومن غزة. اي ان اسرائيل تعلم ان اي حرب تندلع شراراتها لن تبقى محصورة في ميدان تحدده ولن تنتهي في توقيت تراه.
واذا كانت اسرائيل تعول على الامم المتحدة ومجلس امنها الذي اعتاد على تقديم القرارات المناسبة للمصلحة الاسرائيلية لتكريس امر واقع تفرضه قوتها او لتعطيل مفاعيل هزيمة تمناها فان الوضع الدولي والاقليمي وحال القوى المقاومة اليوم تغيرت الى الحد الذي جعل هذه القرارات محدودة المفاعيل. وبالتالي فان اسرائيل تعرف الان ان ركني القوة اللذين استندت اليهما في قيامها واستمرارها (القوة المادية الميدانية، وقوة الشرعية الدولية المكرسة في المم المتحدة) لم يعد لهما ذاك الدور و الفعالية في مواجهة كيانات امتلكت القوة الميدانية وعرفت كيف تتعامل مع القرارات الدولية الظالمة، ومن اجل ذلك انتهى الامر الى القول بان اليد الاسرائيلة باتت مكبلة ومغلولة لا تستطيع الولوج الى حرب تفرض عبرها ما تشاء.
في ظل هذا الواقع يطل موضوع نزاع اضافي بين لبنان واسرائيل، ليراكم المواضيع الخلافية بين الطرفين نزاع يتمثل في استثمار الثروة النفطية التي اكتشفت في المنطقة الاقتصادية اللبنانية مقابل الساحل اللبناني في قسمه الجنوبي.(وللتذكير فقط نقول بان قانون البحار الذي وقع عليه لبنان في العام 1993 ولم توقعه اسرائيل، يعطي لبنان الحق بمنطقة مياه اقليمية تمتد الى 12 ميل بحري من الشاطئ، ومنطقة اقتصادية تليها و تمتد الى 200 ميل بحري بعد المنطقة الاولى) وتحاول اسرائيل ان تقتطع مساحة 856 كلم2 من هذه المنطقة لاستثمار ما فيها من حقول نفط وغاز وتقدر قيمتها بالمليارات من الدولارات بحيث تمكن لبنان في حال استثمارها من الاستفادة من عائدات سنوية قد تصل الى 12مليار دولار.
وهنا ودون الخوض في المسائل القانونية وموجبات لبنان المفروضة عليه بموجب قانون البحار، (والتي قصرت الحكومات الحريرية بالقيام بها منذ العام 1993) فاننا نتذكر بان اسرائيل كانت تهدد دائما بالقوة التي تملكها لمنع لبنان والعرب من ممارسة حقوقهم في ثراوتهم المائية او مشاريعهم العلمية فمنعت عبر عقود من الزمن استغلال مياه الانهار المحيطة بها وكانت الحكومات العربية ترضخ للتهديد و تمتنع عن ممارسة الحقوق السيادية (وبهذا التهويل امتنع لبنان حتى الان من تنفيذ مشروع الليطاني الذي كانت خططه وخرائطه جاهزة منذ العام 1965، وبرر الاحجام بالخلافات حول التنفيذ على منسوب 600 او 800م) واذا رفضت الحكومات الرضوخ تولت اسرائيل بقوتها العسكرية تدمير المنشآت كما فعلت في العراق ودمرت المفاعل النووي فيه). وبالخلاصة كانت القوة الاسرائيلية دائما هي الاداة في منع العرب عن استغلال ثراوتهم.
اما اليوم ومع ظهور متغير جديد في المنطقة تمثل بالمقاومة التي تمتلك سلاحا يستطيع ان يواجه الغطرسة الاسرائيلية و يجعل لجوء اسرائيل الى القوة امرا مكلفا عليها في اكثر من مجال، مع هذا المتغير بات استثمار الثروات الطبيعية العربية امرا متاحا اذا توفرت الارادة الرسمية الوطنية لمثل هذا الاستثمار، ودون ان يقع المسؤول تحت وطأة الضغوط الدبلوماسية و السياسية الخارجية التي لا تعمل الا لمصلحة اسرائيل، وبوضوح كلي نقول ان المسؤول في لبنان سيجد قراره بالاستثمار النفطي محميا بسلاح المقاومة خاصة وانها اعلنت جهوزيتها لهذا الامر في اطار الشرعية الوطنية التي لا شك و لا التباس حولها. فقد انطلقت المقاومة من الاقرار الرسمي اللبناني المؤكد بارادة مجلس النواب اللبناني ان لبنان يستند في قوته الدفاعية الى ثالوث الجيش والشعب والمقاومة، ومن القرار الرسمي للحكومة اللبنانية الذي يحدد المنطقة الاقتصادية اللبنانية في البحر المتوسط، واعتبرت ان مساحة ال 856 كلم التي تطمع بها اسرائيل ستكون مساحة معتدى عليها فيما لو نفذت اسرائيل قرارها ووضعت يدها فعليا عليها.
انطلقت المقاومة من كل ذلك لتقول بانها جاهزة لصد اي عدوان اسرائيلي وذلك باللجوء الى ما تملك من قوة نارية يحدثها سلاحها الذي راكمته في سياق العمل للدفاع عن لبنان وثرواته، واختصرت المقاومة الامر بارساء معادلة جديدة تضاف الى المعادلات التي تراكمت لتشكيل استراتيجيتها الدفاعية، و هي معادلة “النفط مقابل االنفط “، والتي تنطوي على دلالة بالغة تفهمها اسرائيل مؤداها القول ان حرمان لبنان من نفطه سيستبع بحرمان اسرائيل من الاستغلال النفطي خارج المنطقة الاقتصادية اللبنانية وداخلها. وبهذا التحذير تكون المقاومة طورت وظيفة السلاح من اجل المصلحة اللبنانية العليا، ما يطرح السؤال المحرج على الفئة اللبنانية التي تطالب بنزع سلاح المقاومة و التي انبرت لرفض تصدي المقاومة لحماية الثروية النفطية اللبنانية. وهنا نذكر بوقائع لا يمكن ان يخفيها نسيان: لقد عجزت الامم لمتحدة عن تحرير الجنوب في العام 1978، فجاء السلاح االمقاوم و حرره، وعجزت الامم المتحدة عن ردع اسرائيل عن وضع اليد على المياه اللبنانية في الوزاني فجاء السلاح وفرض الحق باستثماره، وعجزت الامم المتحدة عن منع اسرائيل من الهجوم على لبنان في العام 2006 و برز السلاح المقاوم ومنع الاحتلال، والان تنصلت الامم المتحدة كما تنصلت اميركا من اي مسؤولية عن تمكين لبنان من استثمار ثروته النفطية فجاءت المقاومة وفرضت المعادلة الدفاعية و فتحت الطريق امام لبنان لامتلاك نفطه.
ومع هذه الحقائق والوقائع هل يبقى للاقلية الرافضة والتي تطالب بنزع هذا السلاح، وترفض دوره في حماية الثروة اللبنانية دون ان تقدم البديل هل يبقى لها حجة او ذريعة تبرر بها الطلب؟ ام انها ستواجه السؤال الملح: لمصلحة من و لخدمة من تعمل؟؟
طبعا ستكون الاجابة بسيطة لدى من ملك منطقا سليما وفكرا حرا حيث سيرى ان هذه الجماعت كما وقفت ضد المقاومة وهي تعمل على تحرير لبنان، وضدها يوم منعت احتلال لبنان، وكما استجابت للاملاء الاميركي بانكار شرعية المقاومة (والمقاومة ليست بحاجة الى من يعترف بشرعيتها اصلا) فانها تستمر اليوم عاملة في النهج ذاته خدمة للمشروع الغربي….ممنية النفس بمكافأة في كرسي حكم تقدم للاجنبي عبره ما يريد…