خطاب نصر الله:

خطاب نصر الله: أبعد من توازن السلاح

وأكثر من حرب ممكنة

عادل سمارة

هناك مرتكزات هامة وحساسة في خطاب السيد حسن نصر الله الأخير، ربما أهمها ذلك الذي يجمعها معاً، وهو وجود قوة وموقف في الوطن العربي، غاب منذ نصف قرن،  يتحدى الهيمنة الأميركية والكيان تحدياً يتضح في القطيعة مع تاريخ مديد من التذلُّل الرسمي العربي لأمريكا، والتلطي من الكيان الصهيوني. وهو موقف يذكرنا بموقف كوبا وكوريا الديمقراطية. أي موقف يبين ان ما يخاله كثيرون مستحيلاً هو ممكن التجسيد. وقد يكون هذا الموقف أكثر أهمية حتى من كوريا وكوبا لأنه يُتَّخذ في بلد له تاريخ طويل من الارتباط بحبل سُرِّي مع الاستعمارين الأوروبي والأميركي لدرجة جعلت منه ميدان التجسس والخدمات بما فيها المُهينة، وبلد يعج بالثورة المضادة ليس ضد القوى الوطنية بل ضد الأرض نفسها.

تضمن الخطاب تبياناً لمسألة هامة هي أن المنطقة على ابواب الانتقال من الاختلال في القوى إلى

التوازنات وهي المرحلة الوسطى  باتجاه الوضع الطبيعي في المنطقة اي استعادة العرب لحقهم في التحكم بوطنهم في مواجهة الاستعمار والاستيطان. ومن هنا كان تركيز الخطاب على توازن السلاح والدخول إلى توازن الاقتصاد بإدخال المسألة النفطية في معادلة الصراع. وهذا الربط بين القوة التسليحية والاقتصاد هو تجسيد لمسألة هامة في التطور والنمو والتنمية الاقتصادية وخاصة في عصر الاستعمار والامبريالية والعولمة بأن التطور الاقتصادي مشروط بقوة سلاح تحميه[1].

وبغض النظر عن اسباب ودوافع عدوان تموز 2006، فقد كانت من نتائجه عجز جيش الكيان بمختلف تجهيزاته ودعم المركز الإمبريالي له، عجزه عن قهر المقاومة وتحديداً عجزه عن الثأر لهزيمته عام 2000. فالكيان جرياً على النهج الغربي وخاصة الأميركي يصر على ان تكون يده هي العليا وبالتالي الثأر لهزائمه وهذا ما كان أميركياً ضد العراق تعويضاً لهزيمة فيتنام، وها هي النتيجة  تتضح أكثر في العراق حيث أُنهك العدو هناك اقتصاديا وعسكرياً ونفسياً وبات يحاور عملائه في السلطة كي يفرضوا على الشعب تمديداً آمناً لبقائه هناك مدة اطول. هذا مع أهمية التأكيد على أن معركة العراق هي الأقسى عالمياً بمختلف المعايير، ويكفي أنه مقابل الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية  كقوى محيطة وداعمة لفيتنام كانت الأنظمة العربية مشاركة في العدوان على العراق! فمن هزم العدوان الأميركي والغربي عامة ليست الحكومة العميلة الحالية.

ولعل ما يقلق الولايات المتحدة واوروبا والكيان تلك التحولات الإيجابية الناتجة عن العدوان نفسه، فالصمود والمقاومة العراقية أدت إلى عجز العدو الأميركي عن فرض شروطه أو ضرب سوريا، وسوريا التي بدورها دعمت المقاومة في لبنان مما قاد إلى انتصار تموز.  وحيث قادت حرب تموز إلى توازن الرعب التسليحي بين المقاومة والكيان يركز تحالف الأعداء الآن على كسر سوريا كي يتمكن من المشرق العربي بأسره.

هناك قاعدة التوازن الداخلي في لبنان. فقد حسمت حرب تموز إن لم نقل عام 2000 حقبة سيطرة بقايا القوى المرتبطة بالأجنبي في لبنان دون أن تنفي وجودها. وتمكنت المقاومة من إرساء مسألة اساسية جوهرها أن المقاومة تمكنت من تنظيف الدولة اللبنانية بمعنى سلطة الدولة من القوى المرتبطة بالقوى المعادية سواء من العرب أو الغرب. وبوجود الحكومة الحالية لم يعد هناك تناقضا بين الدولة والمقاومة، وهذا ما يزيد تكريس معادلة الشعب والجيش والمقاومة. وربما لا نبالغ بالقول إن وجود حكومة وطنية في لبنان يخلق حالة جديدة دفاعياً جوهرها وجود الجيش بالمعنى التقليدي ووجود قوى حرب الغوار التي بوسعها المقاومة في حالة عدم قدرة الجيش النظامي على التحول إلى حرب الغوار. وهذا يسمح للشعب بالصمود طالما قواه الجيش والمقاومة يقاتلان على محور مرن وتعاوني وتبادلي.

وهذا التوازن هو الذي فتح على معادلة التوازن الاقتصادي بمعنى ضرراً مقابل ضرر بالضرورة لا سيما أن لبنان لم يعد امام خطر ضرب مجاني لبنيته التحتية فقط ومواطنيه بالطبع بل غدت له إمكانات اقتصادية ابعد من خدماتية وتستحق بالطبع قوة ردع فعلية. ولنا أن نتخيل لبنان بدون المقاومة في وضع النفط هذا؟ ماذا سيفعل غير التشكي إلى الأمم المتحدة التي شبعت شكاوى العرب مما زاد احتقارها للعرب ربما كجنس وليس فقط كأنظمة تابعة! وإذا كان السيد يطمئن الشركات التي سوف  تتقدم للحفر على النفط، فإن الكيان الصهيوني لا شك يدرس هذا ويعلم معناه.

ولو أردنا مقارنة الحالة الاستثمارية بين انتقال لبنان  من العجز عن ضمان امن أو استثمار اية شركة إلى حماية هذه الاستثمارات مقابل انتقال الكيان من الاطمئنان المفتوح واطمئنان كافة المستثمرين في فلسطين المحتلة، انتقاله أي الكيان إلى وضعية الارتباك وارتباط اطئمنانه باطمئنان لبنان لرأينا أن هناك متغيرا جوهريا.

تدرك المقاومة معنى ودور النفط والغاز، فهما سوف يشكلان ضربة قاسية لأنظمة النفط العربية التي دوماً ترهن مساعدتها إلى لبنان بالحفاظ على أدوات الغرب هناك اي قوى 14 آذار، وتغطي هذه الأنظمة نفسها  بتحويل بعض فوائضها لإعمار لبنان بهدف إبقائه في دائرة التبعية للمعسكر الغربي وبعيداً عن محور المقاومة والممانعة، اي لحماية الكيان وجعله طبيعياً من جانب العرب، وليس من حيث معتقده هو بالذات، فهو لن يكون طبيعيا طالما بوسعه التوسع وتقويض التنمية والوحدة العربية.

سيكون لحماية النفط واستثماره دوره في تعميق وحدة لبنان، فالنفط في شواطىء مناطق المقاومة، وهذا يجرد قوى 14 آذار من نزوعها الانفصالي لأن شارعها الطائفي الذي ترشيه بالفتات المعيشي وفتات الوعي المشوه، سيلاحظ أن أي انفصال سوف يواجهه بالرفض الشعبي العام، وهذا بدوره سوف يساهم في تقويض العقيدة أو العقائد الطائفية التي تحكم البنية السياسية في هذا البلد. وإذا كان الغرب قد استخدم قيادات طائفية في لبنان لإبقائه قاعدة تجسس في الوطن العربي وحتى تقسيمه، فإن هذا الغرب وخاصة فرنسا والولايات المتحدة لم تكونا مستعدتين للإنفاق على كيان صهيوني غير الكيان الصهيوني[2]، ومن هنا قرر الغرب وتوابعه العرب تحويل كامل لبنان إلى نسخة عن الكيان مضادة للتحرير والوحدة وذلك عبر الاستماتة لإبقاء الدولة بايدي هذه القوى التي آخرها 14 آذار. وبهزيمة هذه القوى مؤخراً وعودة السلطة إلى القوى الوطنية والمقاومة، يكون المشروع الغربي في لبنان على شفير النهاية.

صحيح ان خطاب السيد احتوى على تأكيد الردع بالسلاح والردع بالاقتصاد والردع بالعامل النفسي وقرار القتال، ولكن هذا لا يعني باي حال أن العدو لن يعتدي. فالذي أجبر الكيان على تمديد حرب تموز من سبعة ايام إلى 33 يوماً يمكن أن يدفعه لحرب جديدة. الذي وعد بالنصر مجدداً لم يعد ب اللاحرب أبداً.

ولكن، أليست هناك حرباً الآن؟

وهل يجب أن تكون الحرب على مكان معين وحده كي يقال هناك حرباً؟ ألم تحاول قوى 14 آذار السيطرة على لبنان لولا قوة المقاومة؟

ما الذي يجري في سوريا؟ أليست هناك حربا تدريجية ومتواصلة؟ أليس تسريب السلاح والمسلحين إلى سوريا، وضغط الغرب في مجلس الأمن لانتزاع قرار العدوان على سوريا، ودور تركيا التوسعي والعدواني والغادر كلها حروبا من النوع الجديد الذي هو بالنسبة للغرب استخدام المحلي في تدمير البلد نفسه وهو مكرس لصالح الشكل العدواني الغربي الجديد اي الهيمنة الثالثة؟ وما معنى فتوى الشيخ القرضاوي بقتل ثلث الشعب السوري ليصل السلفيين إلى الحكم، فقط إلى الحكم! وبعد هذه الفتوى نقول الغرب ضد الإسلام.

وبعيداً عن سوريا، ما معنى استماتة الولايات المتحدة في تمويل منظمات الأنجزة في مصر كي تواصل اختراق القوى الشعبية الحقيقية للثورة؟

وما معنى الحرب على ليبيا، وما معنى تقسيم السودان، وما معنى مواصلة تفتيت الصومال منذ عام 1993 تحت تسمية عملية “إعادة الأمل”.؟ وما معنى تشجيع الطائفيين السنة والشيعة في العراق على حد سواء لتقسيم العراق ناهيك عن الانقسام الفعلي  للكيان الكردي كنسخة صهيونية؟

لا بد من تجميع قطع اللوحة العربية حتى نرى بوضوح الحرب الدائمة التي تُشن على هذا الوطن، ولا داع للتفصيل هنا عن الحرب التي يتجند فيها الكثير من المثقفين المتغربنين والمتخارجين كلٍّ في القطر الذي يعيش فيه بل ضد اقطار عربية أخرى. ونختم بتاكيد ان اشرس حرب هي حماية الغرب لأنظمة النفط التي تعيث في الكون فساداً.


[1] تفيد دراسات تاريخ التطور الاقتصادي أن القوة العسكرية لأوروبا هي التي سمحت لها باحتلال الصين والهند وتخريب صناعاتها التي كانت متقدمة على اوروبا وجعلت منها اسواقاً ومستعمرات لها وبالتالي احتجزت تطورها.

[2] يذكرنا هذا بمزاعم قيادة م.ت.ف قبيل أوسلو بأنها سوف تقيم في الضفة والقطاع تايوان وسنغافورة وها هو التمويل الأجنبي والعربي الرسمي يحولهما إلى منطقتين تحت العلاج!