الرفيق محمود فنون،
وجدت نفسي أكتب لك فور قراءة مقالك الجميلة.
لا غرابة أن تحتفظ بأصالتك ووفائك في زمن أوغاد المرحلة. ما أجمل أن تقض مضاجع الكثيرين الذين استمرؤا الاحتلال والاستعمار للوطن الصغير والوطن الكبير. من هو إبراهيم عطا الله، رفيق المحراث، خشن اليدين متشقق الكعب، من هو هذا الذي لا يلبس الجديد حتى يوم عيد الله! من هو هذا الذي يصابح الأرض مع زمهرير الصباح، ويتغنى بها حين يكسوها الثلج كبياض قلبه؟ من هو هذا الذي قاتل كما يقاتل أهل حرب الغوار من أجل الأرض ؟ من هو مقابل من يعتبر الاعتراف بالكيان براءة اختراع وقدرة على التنبؤ والتحليل المبكر! مقارنة مع من يسمي الضفة الغربية فلسطين، ويسمي ثلاثة أرباع فلسطين ارض إسرائيل؟ من هو هذا الذي حين يطوا نهاره في الأرض ينام في المغارة يفترش التراب، ويجعل من بيت خُلد مخدة لخده الأسمر المشطر بتجاعيد وأخاديد. من هو مقارنة مع أولاد ونساء الأنجزة ذوي راحات اليد الحريرية ولابسي الشفوف، ومن هو مقارنة بمن ينقرون الدفوف اليوم مصرين على أن ما ينقص شعبنا هو فقط الرقص الغربي المعولم؟
ولكن هل تعرف أن هؤلاء يكتبون عنه بابلغ مما تكتب لأنهم يعرفون تدبيج اللغة ويرون العلاقة بالوطن في استخلاق رومانسية جميلة عن حياة قاسية حتى دون إرهاب الاستيطان الأبيض الذي لم يهز ابراهيم عطا الله لا شابا ولا كهلاً.
من اين أتيت يا محمود بهذا العجوز الذي يستحم من فصل لفصل أو حول لحول؟ ما الذي يربطه بالذين يتعطرون صباح مساء ويقودون حافلات لم أراها في واشنطن دي سي، ويرسلون النساء في بعثات لشد الوجوه في لندن؟
هل سيقيم هؤلاء تمثالاً له؟ وركن معذرة ريم، لأنهم سوف يكتبون من أجل ذلك بربوزال يستحلبون له مالا من الثور الغربي الذي يعيشون في كنفه، وسيقولوا في ذلك البربوزال: عاش ومات وهو يؤمن بالسلام بين الأديان الثلاثة، كان رمز تعايش العرب واليهود”.
ماذا تساوي ارض ابراهيم عطا الله بنظر هؤلاء؟ بل ماذا تساوي حيفا ويافا وحتى بيت إسكاريا مقابل استحقاق ايلول حيث الامبراطورية التي سوف تؤوي كل خلق الله. قل لي بربك كم واحد وواحدة يشعرون بالخطر والخزي من هذا الاستحقاق! وتريد، من أهل التسوية سامحك الله، تمثالاً لهذا الفلاح العجوز!
من هو ابراهيم عطا الله مقابل سيدة فلسطينية قالت ذات يوم لصحيفة هآرتس:”عندما يُذكر اسم صدام حسين اشعر بالتقيؤ“!
ومن هو بنظر مثقفين ومثقفات حتى منهم لاجئين اساساً، يتمنون أن يحل بسوريا ما حل بالعراق، ويعتبون على الناتو بطئ ذبح ليبيا، وينكرون أن مجاعة الصومال اليوم هي صناعة البنك الدولي وأميركل خاصة… وكل ذلك لأنهم ديمقراطيين جدا. اكتشفوا طعم الديمقراطية والحرية حينما رأوا كيف قام جنود بوش الطيبين بإبادة مليون ونصف وغد عربي عراقي! واغتصبوا عشرات آلاف العراقيات. ومع ذلك، هل تعرف؟ يذهب هؤلاء الفلسطينيين والعرب إلى المسجد قبلك ويتغنون بحماية الأعراض!
لم تخطىء أنت ولست أنت حالماً. لإبراهيم عطا الله إخوة كُثر. كان صبحي مرمش لا يقرأ ولا يكتب، عاش ورحل في بلدة بيتونيا. في منتصف الخمسينات كان في الجهاز الفدائي الذي كان يقوده في سوريا عبد الحميد السراج. وجاء الاحتلال وقد شاخ الرجل، لكنه كان يركب بغلته كل يوم إلى ارضه تجر عربة (قارَّة- أكبر من قارة آسيا) وخاصة إلى منطقة مفرق الجيب الذي تتفرع منه الطريق إلى القدس وإلى رام الله. كانت قطعة من أرضه تعيق شق الطريق، هددوه واعتقلوه وعرضو عليه حقيبة ملأى بالدولارات وظلت ارضه كالدلتا تفصل فرعي الطريق ليصادروها عنوة.
جميل أن نكتب عن هؤلاء، وجميل أن نحتفظ بأصالتنا، فنحن، ولا فخر ولا غرور، نعشق الوطن أولاً، أو كما كتب أنطون سعادة إلى حبيبته: “حبيتب فيديرك، أنا احبك، ولكني أحب سوريا أولاً”. نحن نرى ما لا يرى أهل التسوية والقُطرية والتبعية، وسنبقى نرى حتى لو لاقينا مصير زرقاء اليمامة.