لو كانت هناك امكانية حقيقية لفتح ملفات اغلب الحكام العرب من محيطهم الى خليجهم، لما فلت احدهم من دخول القفص الحديدي، ولو تمكن المحتجون والمستائون والناقمون والمكتومون والمتعايشون على مضض مع احوالهم، اقول لو تمكنوا في بلدانهم الموبوءة بكل ما يبعث على التعاسة، لوضعوهم جميعا ومن دون استثناء بقفص حديدي واحد، ينقلونه من عاصمة لاخرى، لتقام لهم في كل واحدة منها، زفة حية، الى محاكمات شفافة وعادلة تجعلهم فرجة للعالمين .
ليس كل من دخل قفصا صار فرجة، فهناك من دخل القفص الذهبي عن طيب خاطر، وهناك من دخل القفص الحديدي مروضا للاسود والنمور، وهناك من دخل قفص الاتهام مرفوع الرأس واثق الخطى، يمشي ملكا بروحه التي تحاكم من يحاكموه، فالقضية ليست اسيرة لوظيفة القفص، وانما هي مرتبطة بوظيفة وماهية المقفص!
حُجز لمبارك مكان براح في قفص الحكام الحديدي، ليتسع له وسريره الذي يناور به المسارالمتنقل على قاطرة الثورة التي تمهل ولا تهمل، وخُصص لزميله بالخلع بن علي مكان غيابيا الى جانبه، كما حددت وبالتساوي اماكن اخرى في القفص بعدد ما تبقى من حكام التيه والانحطاط، فهنا مثلا مكان للعقيد وهناك مكان لعلي صالح، وفي الطرف مكان لجلال الطالباني ” الذي ربما لسماكة جلده وبالتالي لضعف استشعاره يعترض على انخراطه بصفوف المقفصين من الحكام العرب لاعتبارات اصوله غير العربية، لكنه يفطن بالنتيجة الى قانون القفص الذي لا يميز الحكام على قاعدة النسب، وانما على قاعدة الذنب المرتكب في حكم قطر من اقطار العرب ” والى جانبه مكان يتسع للمتبقين من الاقران، رؤساءاً وملوكاً لان الجريمة واحدة ملكية كانت ام جمهورية .
كتب مظفر النواب تماهيا مع نبض الشارع العربي حينها “وهذا قبل ان يضعف ويخسر رمزيته عندما وقف بباب احد الحكام القتلة، وهو يتكسب على حساب ما احترمه الناس فيه ” : النملة حتى النملة تحفظ ثقب الارض، واما انتم فأن حضيرة… ، ثم اكد على شمولهم جميعا بهذا المستوى من “الطهارة” عندما قال : لا استثني منهم احدا!
هذا الحكم ليس لمظفر انه حكم الناس الذي استعاره منهم وردده، ليكون مقربا من نبضهم، وتراجعه عنه لا يعني بطلانه، او انه هو من يملك حق مسحه، ذلك لانه حكم الملايين الذي يتجاوز حالة شاعر حاول الانغماس في تلافيف احاسيس الناس .
كما الارض التي تتكلم عربي لانها تشبعت بطقس ودماء ما عليها من ابناء، فان الضمير والعقل والوجدان على هذه الارض، يحكم بالعربي ايضا، على حكام لا يستحقون غير الادانة والعزل، حكام من العلم والايمان تجريدهم من كل ما ملكت ايمانهم وما شفطت جيوبهم، وان يحاسبوا على كل جرائمهم التي ارتكبوها بحق ابناء جلدتهم، لقد قتلوا واغتصبوا وسجنوا وعذبوا ونهبوا وسرقوا وافسدوا وخانوا واذلوا ما عزه الله، انهم يستحقون على اقل تقدير محاكمات، حقة، شفافة، تعريهم امام العالمين ليكونوا
عبرة لمن يعتبر.