أحمد حسين
لا يوجد حتى الأن فعل عربي شعبي مبادر يرد على الغزوة الغربية لبلاده ومستقبله القومي والإجتماعي. هذا الحراك الشعبي العربي، المفروض أن يتم بنفس ثوري واع لفداحة الغزو وأهدافه، وهي كلها أهداف أصبحت مكشوفة للعلن السياسي، لن يكون حراكا تام الفعالية والجدوى إذا جاء متأخرا. تجربة العراق تقول أن الثورة الشعبية ضد أمريكا وأدواتها المحلية يجب أن تكون هذه المرة ثورة في موقع الهجوم الإستباقي والمبادرة الشعبية والأنظمة القومية الممانعة للثورة الرد، وليس في موقف الدفاع. إذا أتت أمريكا أو حلفائها إلى سوريا فيجب أن يأتوا إلى ساحة مملوكة ميدانيا للشعب السوري، وليس إلى ساحة تغص بقطعان عملائها الثورويين، يقدمون لها العون الميداني ويملأون فراغات الإجتياح كما حدث في العراق. إن الهجوم الثوري القومي الإستباقي يجب أن يدحر طلائع الغزو المحلية ويسيطر على الساحة الوطنية قبل مجيء الغزو الخارجي بأي من سينورياهاته المحتملة. وعلى النظام السوري رعاية هذا الفعل الثوري استنفارا وتسليحا وتدريبا وتنظيما والنزول بكوادره القيادية المدنية والعسكرية إلى الشارع لتحقيق التلاحم التام مع الشعب والثورة الرد، وتوفير القيادات المتخصصة سياسيا وعسكريا لها. والمهمة الثانية للثورة بعد الدفاع عن الساحة الوطنية هو المداخلة التدميرية والتثويرية في أي بلد عربي من دول الجوار السوري يدعم الغزو لوجستيا، والتصدي المباشر لكل أوكار الإمداد المادي والمعنوي على الساحة القومية.
ولعل الزخم الثوري لمثل هذه الثورة في سوريا سينتقل إلى بلاد عربية أخرى على شكل تنظيمات ثورية صغيرة تقوم بضرب المصالح الغربية في المنطقة بشكل مؤثر وتنكيلي يوازي تنكيل الغرب بالوجودية العربية. وفي هذه الحالة ستشتعل المنطقة تدريجيا وتختل كل حسابات الغزو كما يخشى الغربيون فعلا.
مما لا شك فيه كما تؤكد تحركات الدول المجاورة لسوريا وعلى رأسها تركيا أردوغان، أن التدخل الخارجي هو الإجندة التالية في سوريا. وحتى لو كان هذا التدخل مستبعدا كما يقول البعض، فإن انتصار آلياته المحلية على أية ساحة وطنية عربية، أوخم عاقبة على البنية القومية والتحررية من أي غزو خارجي مباشر. إن قطعان الثوروية هي التي من المفروض أن تشكل الذراع التنفيذية المباشرة لتحقيق أهداف الغزو في التخريب البنيوي القومي والتحرري على الساحات العربية. والتدخل الخارجي إذا حصل، فسيكون فقط كما قلنا لملء الفراغ الإستراتيجي الذي هيإته القطعان الثوروية. لذلك فإن دحر تلك القطعان أكثر أهمية في نتائجه من دحر أي غزو خارجي، لأنها تشكل خرابا بنيويا مقيما داخل البنية الوجودية للعرب، له آلياته المحلية وأهمها الدينوية وعدمية الوسائل ولاأخلاقيتها. لذلك فإن الثورة الشعبية هي الفرصة السانحة الأن لدحرهم وإلى الأبد وخروجهم التاريخي من السياق السياسي والتنموي. لقد كان هؤلاء على مدار التجربة التاريخية، يشكلون فصائل التصدي لآية نهضة تنموية مادية أو بشرية على الساحة العربية، وهو ما جعل منهم بالتلقائية حلفاء استراتيجيين للغرب، وموقعا لوجستيا مجانيا أو تحالفيا أو عميلا لكل القوى المعادية للعرب.
لا يمكن تجاهل أن المواجهة الحالية تشكل معركة العرب ألأخيرة والحاسمة في تاريخهم المعاصر. إما النكوص إلى دائرة الحياد والتوظيف السياسي عديم الهوية، وإما تزعم النهضة العالمية للشعوب نحو الخلاص التحرري والسياسي من إمبراطورية الشر العالمي ممثلة بالغرب والصهيونية. لم تعد الشعوب العربية غائبة عن الوعي. سنوات التنكيل والنهب والإذلال السياسي والنظامي وألاعيب القتل المجاني فرضت عليهم الوعي فرضا وجعلت منهم شعوبا مستفزة الوعي إلى درجة الغليان. والثورات الورائية الأخيرة كشفت لهم عن أعدائهم الحتميين محليين وعالميين وعما يريدونه بهم. ما ينقصهم الآن هو اندفاعة فعل الرفض والتصدي بأقصى ثوريتها. وهذه قد آن أوانها موضوعيا. والأنظمة العربية المستهدفة أيضا آن أوان امتحان التزامها القومي. من هو الأهم ؟ ذاتية النظام الشكلية أم مضمونه الموضوعي كطليعة قومية وتحررية واجتماعية ؟
لا فائدة أو معنى أو حاجة لأي بديل عن الثورة الرد. إنه العمل الذي لا تقبل الموضوعية أقل منه. ثورة يقوم بها كل من الشعب والنظام القومي من حدود الإلتزام القصوى، موجهة نقديا ضد الذات الشعبية والنظامية السابقة، وموجهة تحريريا إلى الغرب، وتحرريا إلى بناء حركة اجتماعية قومية برقابة شعبية مباشرة، من خلال ديموقراطية ثورية هدفها الإستراتيجي هو التنمية الشعبية من أجل الجميع. ويجب أن يكون واضحا في الوعي أن نجاح هذه الحركة هو مستحيل موضوعي مع أي حضور مؤثر للغرب والصهيونيية أو للدينوية السياسية. على كبح هذه القوى تحديدا يجب أن تقوم استراتيجية الثورة. وعلى هذه الثورة أن ترفع شعار التحرر العالمي إلى جانب شعار التحرر القومي.
هذا ليس خطابا لتعالي الوعي الذاتي. أنه خطاب الموضوعية المرحلي الملزم الذي ستص إليه كل محاكمات الوعي البسيط. الغرب يريد بوضوح عال في الشفافية رأس العرب في هذه المرحلة، ورأس العالم كله في مرحلة لاحقة. وباستطاعة الشعب العربي أن يحمي نفسه إذا أراد، ويكون صاحب المبادرة التحررية لشعوب العالم الأخرى، من أخطر مشروع للنطبيع مع عالم مستعبد.