الامريكان باقون في العراق بمدربيهم ومدبريهم!

جمال محمد تقي

لا يحتاج البنتاغون لاستبقاء اكثر من 15 ـ 20 الف عسكري وامني امريكي في العراق لاستكمال مهامه المتبقية والتي من اجلها تم غزو العراق واحتلاله، فالاجندة الامريكية ستنفذ بالوكالة وبايادي عراقية جاهزة للاستعمال الامريكي المباشر وغير المباشر، بل هي مستعملة من قبلهم ومنذ ماقبل الغزو، فلكل الفاعلين في العملية السياسية القائمة في العراق وصل بامريكا التي جاءت بهم ليكونوا ادواتها المحلية لتنفيذ ما رسمته مسبقا!

ان التدقيق ببنود ومفردات اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين الحكومة الامريكية والعراقية والغير محددة بزمن، يجعلنا على يقين بان الامريكان باقون حتى لو تطلب الامر استبدال البزة العسكرية باخرى مدنية، لان جسامة ما احتوته من التزامات وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والدبلوماسية وحتى السياحية تفضي بالنتيجة الى التزام عسكري يحمي هذا الاطار الاستراتيجي الذي مازالت ضماناته هشة، وهي تحتاج لزمن طويل حتى تترسخ، فالاساسات محفورة برمال عراقية متحركة، ولم يستطع الوجود الامريكي المكثف حمايتها من التمايل، فمن سيحميها من السقوط لو انسحب الامريكان عن بكرة ابيهم؟

صحيح ان الامريكان سيتركون ضلا لهم من العراقيين، وصحيح ان الكثير من مسارات الوضع العراقي ستسير على هوى البرمجة الامريكية التي انتجت الحالة القائمة منذ 9 نيسان 2003 وحتى الان لكن الصحيح ايضا ان كل اوضاع العراق حاليا قابلة للانقلاب، فهي حاصلة بفعل قوة الوجود الامريكي المباشر ذاته، وهي لم تجلب للعراق غير المزيد من المتاعب والمصاعب، حتى صاراستمرارها خطرا موقوتا يهدد وجوده ككيان موحد له سيادة وارادة حرة، وقادر على حماية نفسه بنفسه!

ان بنود الاتفاقية الامنية الموقعة بين الطرفين عام 2008 والتي تشرعن لبقاء القوات الامريكية حتى نهاية عام 2011 قد تركت الباب مفتوحا على مصراعيه لتمديد بقاء تلك القوات او جزءا منها تحت بنود واعذار مختلفة يمكن اختلاقها لاعادة النظر بالاتفاقية مجددا وبما يخدم الطرف الاقوى فيها، وبطبيعة الحال فان المحتل الامريكي هو الاقوى امام حكومة تحتمي به، ومن المسلم به سيكون هو وحده صاحب الكلمة العليا في اعادة جدولتها، ولما كان الانسحاب الامريكي الكامل من العراق ومايزال هدفا وطنيا تجمع عليه كل فصائل المقاومة العراقية التي كبدت الامريكان خسائر فادحة وعرقلت مشروعهم، وفضحت اهدافه وعرته امام شعوب العالم ودوله، والتي لها وحدها الفضل في جعلهم يبحثون عن مخارج فورية لورطتهم السياسية والعسكرية، فانهم يحاولون تورية وجودهم المباشر بوجود غيرمباشر يستجيب ظاهريا لمطلب المقاومة الداعي للانسحاب من العراق وبنفس الوقت لا يخسرون من خلاله نفوذهم المستحدث فيه.

الامريكان يريدون استبقاء قوة عسكرية ومخابراتية وامنية ودبلوماسية قادرة على مسك الخيوط الفاعلة في لعبة العملية السياسية القائمة في العراق وحمايتها من الانهيار، فانهيارها يعني خروج العراق مجددا من بيت الطاعة الامريكي، بل واكثر من ذلك، يعني انه قادر على احراجها ومطالبتها بتعويضه عن كل ما لحق به بسبب عمليات الغزو والاحتلال، ولهذا السبب سيستبقون على اعداد نوعية قادرة على تحقيق هذا الهدف وربطه باهداف مجاورة لوجودهم المكثف في دول الخليج.

استبقاء الامريكان لعشرة الاف او عشرين الف عسكري امريكي من اصل 46 الف يتواجدون في العراق بقواعد ثابتة ومتحركة ولديها اسلحة قتالية هجومية ودفاعية متفوقة على كل ما يملكه المليون عسكري عراقي حكومي، تحت عناوين مضللة، كمدربين ومستشارين، وحمايات امنية لسفارتهم التي يعمل فيها حوالي 10 الاف موظف، وحمايات لقنصلياتهم الموزعة على شمال ووسط وجنوب العراق، يعني ان الامريكان مازالوا متمسكين باحتلالهم للبلاد، وهم غير مستعدين لانهاء تواجدهم العسكري فيه على المدى المنظور، حتى وان ذكروا تاريخا لانسحابهم الكامل!

التمديد للتواجد العسكري الامريكي سيكون دافعا قويا لتشديد العمليات النوعية ضد المحتلين واعوانهم، وسيعري الشعارات الكاذبة لحكومة المنطقة الخضراء، مثلما سيعري الشعارات الكاذبة التي تبجح بها اوباما في حملته الانتخابية الاولى.

طرد المحتلين الامريكان ومطالبتهم باستحقاق التعويض عن جرائم الغزو والحرب والاحتلال، هو الحلقة المركزية في نضال قوى المقاومة العراقية، العازمة على قبر كل مشاريع التقسيم والشرذمة، والتي تعي تماما بان قطع رأس الافعى سيكون كافيا لقطع دابر كل مالحق بالبلاد من استبداد وفساد، وما سيتبقى، ذيول يسهل على ابناء الرافدين قطعها بالتدريج، وكما يقول المثل الشعبي العراقي، العافية بالتداريج .