بادية ربيع
مفارقة لافتة أن تكون مؤسسة الصليب الأحمر كمنظمة إنسانية هي من صلب وصنع البلدان الراسمالية الغربية التي تصنع المآسي والجرائم التي تحاول مؤسسة الصليب الأحمر تخفيف آثارها على ضحاياها.
بالنسبة لراس المال، هي صناعة. يخلق راس المال الكوارث ثم يبدأ بمعالجتها. وهو أمر لا يختلف كثيراً عن دور المصرف الدولي، الذي أُقيم بعد الحرب العالمية الثانية وكان اسمه بنك التطوير وإعادة التعمير، بمعنى أن رأس المال يدمر وهذا يفتح متسعاً للتعمير، أي أن الحرب صناعة رأس المال التي تفتح لإعادة الإعمار. وفي التحليل الأخير، تشغيل راس المال وتوليد الربح بغض النظر عن أخلاقية أو لا أخلاقية الفعل. فخطاب راس المال يتحدث عن الهدم والبناء وليس عن ضحاياه من البشر.
قال رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق ماغني بارث في مؤتمر صحافي أن هناك “أكثر من مليون إمرأة معيلة في العراق”، وهذا الرقم يشمل الأرامل والنساء اللواتي أضحى أزواجهن في عداد المفقودين أو المحتجزين، إضافة إلى المطلقات.
وأكد حوالي ربع النساء المعنيات بالدراسة أنهن يعانين من الانهاك، فيما أن الربع الآخر يشعرن بالحزن، و18 بالمئة منهن يعانين من الكآبة، وثمانية في المئة فقط يشعرن أنهن على ما يرام.
كل هذا صحيح، ولكن من الذي تعنيه هذه الحقائق البشعة وإلى أين تُوجه؟ هي بالقطع لا تعني الولايات المتحدة وحلفائها الذين ارتكبوا فظاعة هذه المجزرة الممتدة، ولا تعني الأنظمة العربية التي شاركت وباركت تلك المجزرة. وبالتأكيد لا تتوقع النسوة العراقيات من هذه الأنظمة إلا ما حصل. وهي كحقائق لا تعني حتى فريق الصليب الأحمر الذي يتعاطى مع هذه الجرائم بأعصاب باردة كما لو كانت الناس أرقاماً.
هذه الجرائم يجب أن تعني العرب، وخاصة النساء العربيات والمنظمات النسوية العربية. ما موقفهن من هذه الجرائم؟ وهذا الجرائم ليست بنت اليوم، فماذا فعلت هاتيك النسويات؟ لم نسمع أن منظمات نسوية عربية طالبت قريناتها الغربية بموقف ضد هذه الجرائم؟ لم نسمع إن كانت منظمات نسوية عربية قد قاطعت منظمات نسوية غربية لرفض الأخيرات شجب جرائم جيوش بلادها في العراق. هل اثارت النسويات العربية هذه الجرائم في المؤتمرات النسوية الدولية؟ بالطبع لا!
يجدر في أمر كهذا السؤال: ما السبب في هذا الخنوع النسوي طالما أن الحقائق موجودة وتبرزها مؤسسة دولية غير عربية مما يعفيها من تهمة المبالغة.
هل الحركات النسوية العربية تابعة تمويلياً لمنظمات نسوية غربية؟ هل نسويات عربية تابعات فكريا وثقافياً لمنظمات نسوية غربية سواء النسويات اللبراليات والرديكاليات والاشتراكيات؟ لا شك أن هذه اسباب إلى جانب أسباب أخرى. وعلى ضوء اسباب كهذه تكون العلاقة بين النسويات العربية والنسويات الغربية علاقة استعمارية (كولونيالية) نسوية من جهة وعلاقة تبعية النسويات الغربية للمؤسسات الذكورية الحاكمة في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة بما هي ألدولة التي تحتل العراق والتي قام جيشها بهذه الفظائع من جهة ثانية؟
ولكن، إذا كانت النسويات اللبراليات العربيات والراديكاليات والاشتراكيات عاجزات عن هذا الدور الضروري، فماذا عن النساء في حركات الإسلام السياسي؟ لماذا لا يقمن بالتحريض والتوعية؟ أم أن المرأة لا تهم هذه النسويات الإسلاميات تماشياً مع موقف الذكورية من المرأة؟
ما الذي تفعله منظمات ما يسمى الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي ومنظمات المجتمع المدني في هذا الصدد، ما الذي تفعله المؤسسات الأكاديمية؟ لماذا لا تطالب المحافل الدولية ذات العلاقة بها بمقاطعة المؤسسات الغربية النظيرة لها؟ أم أن هذا مثل ذاك مرتبط بالتمويل؟
ترى، هل تقوم الأحزاب السياسية العربية بدور في هذا المستوى؟ أم أن هذه الأحزاب محصورة في نطاق القطرية؟ نطاق قطرية القطر الواحد، وهو الانحطاط الذي قادها لمساومة النظام القطري نفسه، مساومته على كل سشىء.
نتأسى اليوم على نساء العراق، وها قد بدأنا نتاسى على نساء ليبيا. وهذا يثير السؤال: ما جدوى وضرورة هذه المنظمات النسوية العربية إن لم تناضل على جبهة المرأة؟ أم أن هذه المنظمات النسوية ليست إلا صناعة النسويات الغربية يستجلبن الخطاب والسياسات إلى الحد الذي يجعلهن متخارجات عن الواقع والثقافة المحليين فلا تعود المرأة العربية بالنسبة لهن سوى حالة دراسية بل حالة استجداء التموُّل!