في رحيل المناضل العربي البحريني عبد الرحمن النعيمي

لا… لن نقل للشهيد تمهَّل

عادل سمارة

بوعيه بدأ وبوعيه رحل وبوعيه لم يعرف التردد، وبوعيه حدد موقفه وموقعه حتى رحل وهو في الخندق الدقيق والصحيح فلا نامت أعين المتراقصين/ات وطنياً وقوميا وطبقياً.

هو الذي كان اسمه عبد الرحمن النعيمي في البحرين، وصار اسمه سعيد سيف لخمس وعشرين عاماً قضاها في المنفى في دمشق حيث طارده عسس من اسمى نفسه تعظُّماً لا عظمة: “صاحب العظمة”. يا لبؤس المرحلة. قصر صاحب العظمة مرتعاً للأسطول السادس.

بدأ ورحل واضحاً منحازاً دون مواربة، بدأ وظل عروبياً، متمرداً، منتمياً للطبقات الشعبية في كل الوطن الجريح. لم يرض ولم يساوم كما لم يرض عنه أي نظام عربي. كان لمصر ولفلسطين وللعراق ولسوريا ولليبيا والجزائر ولكل شبر عربي كما كان للبحرين.

وها قد رحل وكل هذا الوطن أمام مخاطر أن لا يكون لنفسه ولا لأهله، أو يكون.

ليت شعري لو كان لي أن اقول للشهيد تمهّل فهي على أشدِّها، وما كان له ليقضي لولا أنه في غمارها.

رحل ابو خالد في مسقط راسه وقد تضاعف احتلاله إلى ثلاثة: احتلال النظام المحلي التابع والمحمي بالأسطول السادس، واحتلال “درع الجزيرة” وهو درع حكام الجزيرة من الجزيرة، واحتلال

العدو الأكبر الولايات المتحدة حاملة ساطور قتل الكون، أفلا يكفي هذا للاستشهاد؟

معيار القوة ليس بالسلاح، بل بأن تخنع أو لا تخنع. هكذا كان الرجل حالة تحدٍّ دائم، كان صقراً مستنفِرا متوفزاً لا يكاد يحط حتى يعتلي في السماء.

في لحظة اختلاط كل شيء بكل شيء، يذكرني رحيلك، ايها السيد، بفيالق من المثقفين والمناضلين والساسة الذين سقطوا وتساقطوا ويتساقطون. الذين يجلسون اليوم على قارعة الإمبريالية والصهيونية والتابعين العرب يستجدون مكانا او مالا أو مكانة، يكتبون ما لا يُقرأ، ولا يقرأون ما يُكتب! باعوا انفسهم للسوق، لكل سوق، من سوق راس المال بعولمته الهائلة إلى سوق صغيرة بحجم مديح هذا أو تلك. نعم لا يليق أن أقول هذا في حضورك الكبير، ولكنهم إذ يقبضون،  فلا هم ساكتون ولا هم فاعلون.

يهنؤون العملاء باحتلال ليبيا ويضربون كأس نفط بكأس دم، ويناموا ويصبحوا على احتلال سوريا. منهم من يهنىء الاستعمار باسم الإسلام السني أو باسم او باسم الشيعي، او باسم فلسطين. فيا للهول، هل هانت العرب حتى تهنىء ليبيا بالاغتصاب وحتى تطلب من سوريا عرض مفاتنها للإيقاع بها؟

وأقول لِمَ ترحل! ألا يكفي هذا السقوط لحصول “الانفجار الكوني” مرة أخرى. ولأن الشهداء يعودون، بل لا يرحلون، هل تذكر ماذا قلت لي في الإمارات، بعد كلمتي 13 ايار 2002؟ “لو كان لديك حزباً لفجرت الوطن العربي”. آه يا سيدي، لست لهذا القدر أنا، بل انت. ويكون أي منا بهذا القدر لولا فيالق الخصيان الباحثين عن المال، عبيد السوق، المتسولين باسم ماضيهم الثوري على موائد او فلوس عملاء المرحلة، ولا يصمتون ويخرسون. لو كان للواحد منهم جرأة جرو ضال لانتزع بيده لسانه الذي تحول في فمه إلى أفعىٍ.

أعلم أنك صارعت الموت طويلاً، كما صارعت من اجل الحرية والوحدة القومية والاشتراكية. في صراعك مع الموت، وصلت هذه “الإمارات” إلى ممارسة الخيانة للأمة. صارت حصان طروادة العلني ضد ليبيا العربية، وصارت قَطَرُ أخطر من الكيان الصهيوني على الأمة كلها، ألا يكفي هذا لتعلن الرحيل!

لا أقول ارقد، فأنت لم تنم ولن تنام، بل اقول نحن كما نحن. والأمة التي أنجبتك هي من بُناة التاريخ وستبقى. نعم، يعيق مسيرتها أوباش التاريخ، متساقطو العقائد، مستغلِّو الإسلام والشيوعية، توابع الصهيونية وراس المال، وحتى بانحطاطه إلى بضعة دراهم، او شواقل بلغة عملاء الأرض المحتلة، لكن العنقاء تنهض، ابداً تنهض.