عبد اللطيف مهنا
يقول الإسرائيليون، أو بعضهم، أنهم قد ارتكبوا مؤخرً خطأً استراتيجياً كبيراً. ايقظت عدوانيتهم الفجة و المتأصلة فيهم كوامن مخزون هائل من الغضبة الشعبية المصرية المزمنة المتحفزة للثوران. وهم اذ يعترفون بهذا قبل أن يقوله سواهم، لم يتوقع منهم أحد أن يعترفوا بأن هذه واحدة من سمات طبيعتهم العدوانية الاستعمارية التي لاشفاء لهم منها. استفزت عنجهيتهم الكريهة وصلفهم الزائد عن الحدود ما تختزنه لهم قوانين التاريخ والجغرافيا من كراهية محقة ورفض قاطع من منطقة تلفظهم، أي ليس في مصر وحدها وإنما لدى أمة بأسرها وجوارها يرفضانها كلياً. أما ونحن نتحدث عن مصر مابعد 25 يناير، فلا يحتاج الأمر منهم أكثر من فعلتهم الغادرة والمقصودة مع سبق الإصرار والترصد على حدود سيناء مع فلسطين المحتلة، ليخرجوا بها من قمقم عقود الاستكانة الكامب ديفيدية المهينة التي فرضت على العرب المصريين، والملحقة لكل تلك المذبحة السياسية التي نزلت بالإرادة الرسمية للأمة العربية طيلة هذه العقود الاخيرة، كل مثل هذا الجيشان الثوري الغاضب ضدهم، والذي ينذرهم بما هو آت بعده…
دماء الشهداء، والعرب أمة شهادة ولها نظرتها الثقافية الخاصة لفلسفة الاستشهاد، هي دائماً بحق كلمة سر التحولات الكبرى لدى الأمم ونذيراً منها بالقادم، وكانت أبداً وقود التغيير التاريخي حيثما يحل أوانه… في مصر المنتفضة إنتصاراً لدم شهدائها، حدث أن فتى الشرقية الأغر أحمد الشحات اختصرمتسلقاً بخفة الفهد الطوابق العشرين لعمارة الجيزة المنكودة بوجود سفارة العدو فيها كل ماكان يعتلج عميقاً ومنذ أمد بعيد في وجدان أمة بكاملها، وعندما انزل الفهد الشرقاوي علم الأعداء ورفع علم الوطن محله، قالت لنا الحالة ذات الرمزية والدلالة والفائضة بالمعاني، إن الشرارة هي دائماً مجرد إعلان عن بداية لاندلاع اللهب. أما ميدان التحرير، أو منطلق لهب التحول العربي الواعد، فيقول لنا في جمعته الأخيرة في مسلسل جمع صناعة الغد المصري المؤشرة على الغد العربي، إن شرارة الشحات غدت مشعلاً لتذكي اللهب الشعبي وتطلق العنان لمستحق من النقاش المصري المتصاعد لأوزار تركه كامب ديفيد المشينة.
… بعد اندلاع ثورة 25 ينايرسمعنا الجماهير تقول : “الشعب يريد اسقاط السفارة وطرد السفير”’، الآن هذا الشعب يريد من أولياء الأمور الانتقاليين، والأوصياء على الثورة المقررين إلى حين، قرارات… قرارات، المصريون ليسو منذ اليوم في وارد التساهل في ملهاة انتظارها طويلاً… يريدون رداً مستحقاً يليق بكرامة مصر ميدان التحرير ومصردولة ما بعد 25 يناير… تليق بمكانة أم العرب في عينها وعين عربها، وأم الدنيا في عين ناسها واُمتها.
من الآن فصاعداً، وبغض النظر عن مدى الاستجابة المتوقعة لما يريده الجيشان الشعبي العارم، في شكله، أو في مستواه، أو سبل اخراجه، لن تعد العلاقة المرذولة شعبياً ووطنياً وقومياً بين قاهرة المعز واعدائها الفجرة القتلة كما كانت… والأمر مجرد بداية، هاهوكامب ديفيد وتجلياته المقيتة قد غدا وبالفم المصري الملآن عرضه للمراجعة، ولم يعد بعيداً اليوم الذي نسمع فيه : الشعب يريد اسقاط المعاهدة… هل هو قول حالمين من أمثالنا؟
ربما، لكنما مصر التي استعادت مصر، وبهذه الاستعادة استعادت عروبتها، بمعنى دورها التاريخي كقائدة ورائدة لأمتها وبها تستعيد الأمة عروبتها، ليس من طريق أمامها أو خيار بديل لها، ولا لأمتها، إلا هذا الذي بدأ خطواتة الميمونة في ميدان التحرير، والذي لن ينتهي إلا في اطراف الأمة في مشارقها الأمة ومغاربها… لماذا؟
هل من جدال في أن مصر الحرة الديموقراطية، المالكة لقرارها وخياراتها، الذائدة عن كرامتها ومصالحها، والباحثة عن المساواة والعدالة الاجتماعية على كرامته، والغيورة على مصائر أمتها التي يعبثون بها، ليست ولن تكون أبداً في موقع المرضي عنه أو المسكوت عليه لدى اعداء الانسانية وكبيرهم الأميركي وملحقاته الأوروبية، ولا من خاسري صهاينة العرب ودونييهم المستلبين؟
لذا، فإنه حتام حتام الاصتدام والمواجهة، إن آجلاً أو عاجلاً، بين مصر التي يريدها المصريون ويُمنّي العرب انفسهم بها، وبين جبهة الشر هذه… كان هذا منذ أن أطلق البوعزيزي شرارته وارتفع المشعل المصري وتردد الصدى مجلجلاً في أرض سبأ. لذا هم يعيقون القادم في اليمن، ويتآمرون على سوريا محاولين ركوب موجة حق يريدونها أن تنحو في توجهاتها باطلاً… بعد أن ترجموا قلقهم الدموي أطلسياً في ليبيا ويريدون تعميم ما ترجموه أنّا تسنى لهم ذلك في دنيا العرب…
يريدون مواجهة أحمد الشحات بمثل ذاك المشوّه الوعي الذي قبّل العلم الأميركي في طرابلس مذكرنا بمثيله الذي فعلها ذات يوم مشؤوم في بغداد… نسوا أن أحمد الشحات هو أمة بكاملها، تاريخ وجغرافيا ووجدان… لم يتسلق أحمد مجرد عمارة، وإنما جال الفتى في فؤاد أمة مجزأة لقطريات مصطنعة يزيد عددها على عديد طوابق عمارة الجيزة العشرين…قطريات بائسة تطل جامعتها الكسيحة متثائبةً على من يصنعون تاريخاً لايعنيها في ميدان التحرير…
بالمناسبة، تناقلت وسائل الإعلام أن محافظ الشرقية الجديد، في المابعد 25 يناير، قد كرّم بطل مصر وفهد الشرقية أحمد الشحات رسمياً… لاعجب هنا ولا عجاب من أن تأتي مثل هذه المبادرة ذات المغزى من مثقف مناضل وقومي عنيد يحمل هموم أمته من أمثال الزميل والصديق عزّازي علي عزّازي… كانت مبادرة المحافظ عزازي باسم مصره التي يريدها وامته التي اعلم منذ ان التقيته قبل سنين كم آمن عزّازي المناضل بوعدها الحتمي القادم… هنيئاً للشرقية بطلها ومحافظها معاً.