ليبيا واللحاق ب ألبانيا

“ديمقراطية”  “تأميم/عولمة” النساء

عادل سمارة و بادية ربيع

ملاحظة: وصلتنا ملاحظات من صديق يحتج على ما ورد في مقالة عادل سمارة عن ” ليبيا والعالميات الثلاث” كنعان الإلكترونية العدد 2660 يوم 25 آب 2011. ا حيث ورد فيها عن عيش النساء في كوسوفو من البغاء وتحول ليبيا إلى وكر دعارة…الخ.

ومع تقديرنا لطيبة المحتجين، إلا أن الطيبة أمر والحقائق أمر آخر. حقائق مرة وسوداء، لكنها حقائق. وهذا يطرح السؤال بل الاحتجاج على العرب والمسلمين الذين يعرفون تماماً هذه الحقائق ويخفونها، بل ويهنئون “ثوار الناتو بالانتصار”! هل يغطونها خجلاً أم اتفاقاً؟ باحترام نترك الإجابة لهم، ونترك للقارىء العربي حق مطالبة الناس بالمكاشفة.

***

مر  تفكك، بل تفكيك، دول الاشتراكية المحققة في تسعينات القرن الماضي  مروراً سلساً لا سيما في الوطن العربي كما لو كان ذلك عملاً ثوريا، وذلك لمجرد أن الناس خرجت تهتف بلغة السوق وديمقراطيته ولأن الناس كانت، ولا زالت، مأخوذة بأفيون الإعلام الغربي وتوابعه العرب وليتكشف الأمر عن انتقال من ديكتاتورية الاشتراكية إلى عبودية السوق والجنس بالاختيار!. قلة من العرب رأت أن المنتصر هو السوق مجسداً في الغرب الرأسمالي، وربما أن العرب كانوا أكبر الخاسرين من ضياع الكتلة الشرقية هذه سواء بغياب نصيرهم السوفييتي أو لأن وجوده، وهو الشيوعي، كان يحمي نساء مسلمات كثيرات من الفجر والاغتصاب سواء في العراق أو غيره، يحميهن ممَّن؟ من الغرب المؤمن كما كان يكرر الرئيس المصري السابق أنور السادات. لكن درس التاريخ لا رادَّ له. فالتاريخ لا يتكرر لا بالمأساة ولا بالملهاة، ما مضى لن يعود. وكما تموت الأفراد تموت المراحل والعبرة لمن يعتبر.

تحولت الكتلة الشرقية من مركز لتعميم الثورة “الاشتراكية” وتصدير السلاح للثوار إلى مخزن لتسويق الجنس، وما اسموه فراشات الليل[1]! يا للحياء والخفر وانتقاء المفردات. والغائب المغيَّب عن هذ التجارة القذرة كان الشعب العربي الذي لم يعرف عن ولم يشاهد أو يقرأ المقالات والأفلام التي كُتبت وأُنتجت عن المتاجرة بالنساء ومضاجعتهن بالاغتصاب وبسبب الجوع والتجويع. واليوم يُغيَّب هذا الشعب عن مصير ليبيا، بل يتم حقنه بضخ إعلامي ضد القومية العربية عبر تغييب هائل لدور الناتو ومطامع الغرب إلى درجة تجعل هذه الأطماع حقوقاً. هل ينطلي هذا على كثيرين؟ نعم. حينما تتحول الجماهير إلى رعاع وسوقة.

روجت الأنظمة العربية ولا سيما الخليجية السلفية والوهابية لسقوط الاشتراكية والشيوعية واحتفلت بذلك اكثر مما احتفل الغرب المنتصر، لكنها لم تسمح بمعلومة واحدة عن نساء كوسوفو وألبانيا وايضا ًنساء جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق حيث تم اقتيادهن لأسواق نخاسة الجنس. نخص بالذكر كوسوفو والبانيا لأن حكام العرب (باستثناء لبنان) ومثقفي اللبرالية العرب هم مسلمون وهاتيك النسوة مسلمات! وهذا فقط للمقارنة بين السيدة العربية التي اختطفها الروم وكيف تصرف المعتصم حين قالت “وامعتصماه” وبين حكام العرب الذين غطوا على كل هذه الجرائم، بل واستجلبوا كثيراً من النساء الحرائر ليغتصبوهن بمال النفط. أرسل المعتصم جيشاً ليسحق الروم، وارسلت هذه الأنظمة جيشين: جيش من المال وجيش من المسلحين لاحتلال البحرين وليبيا، وتجهز لاحتلال سوريا. ومع ذلك تتدفق مقالات كتاب ونشرات فضائيات لتنظيمات باسم الإسلام تهنىء من يُضاجعون هاتيك الحرائر! وتبارك للقاعدة تحالفها مجدداً مع الناتو هناك في ليبيا[2]. ورغم وضوح معالم الجريمة، لن يتراجع هؤلاء عن سقطاتهم هذه، فموقف التنظيم أو الكاتب أو القائد أعلى من الوطن ومن الشعب المحوَّل منه الكثير من جماهير إلى رعاع…فكيف يعتذر أي من هؤلاء!  فهل ستحمي القاعدة نساء ليبيا، أم أن السلطة أفضل وأعلى؟ وهل حمى الإسلام السياسي الشيعي والسني في العراق في تحالفهما مع وحوش الجنس الأميركيين، هل حموا نساء العراق؟ كلا، كما أن هذا الإسلام السياسي لم يعتذر. وما أكثر التمفصلات التنظيمية اليسارية والشيوعية التي تتحدث عن العراق دون أن تذكر الاحتلال الأميركي والغربي حتى بكلمة، وكأنه لم يمر من هناك! موقف هؤلاء وأولئك يطرح للنقاش الجاد: اين مفهومهم للأمة؟ أمة الإسلام؟ واين مفهومهم للطبقة؟ الطبقات الشعبية؟ وإذا كانوا لا لهذا ولا لذاك فهل من لغة وخطاب جديدين؟ هل الوطن العربي مقبلٌ بعد أنظمة الديكتاتورية على أنظمة تسليم كل شيء لمن يُتقن الحكم والجنس والقتل والنهب؟ الغرب الراسمالي؟ هل لا خيار سوى أحد هذين؟

عن الإسلام السياسي لا نذكر هنا تركيا لأن تجارة الجنس الرسمية في ظل حكومة الإسلام السياسي هي “ابهى” مما كانت عليه منذ حكم أتاتورك وحتى آخر حكومة طورانية.

وتجارة الجنس والسلاح في النظام الراسمالي العالمي مقترنتان متكاتفتان وخاصة في بلدان المركز، بل تأخذ المسألة حالة مبادلة السلاح من المركز والجنس من المحيط، وكأن هذه المبادلات تأكيداً على نظرية الاقتصادي الكلاسيكي ديفيد ريكاردو، الميزة النسبية لكل بلد! فأي إحياء لما لا ينفع الناس!

ترافقت تجارة الجنس مع الاستعمار، والاستعمار بالطبع هو رأسمالية المركز في دورها الخارجي، اي في محيط النظام العالمي. على أن هذه التجارة قد ازدهرت أكثر في حقبة العولمة كما يقول ديفيد ماكنلي حيث صار من الضروري تلبية المتطلبات الجنسية لرجال الشركات متعدية الجنسية أي لتأمين نساء لهم أنَّى حلُّوا وكانت بلدان شرق آسيا أكثر البلدان التي وفرت هذه الخدمات.

” هناك قرابة مليون امرأة من تايلند  ما بين أعمار 15-34 يبعن الجنس في النوادي الليلية وردهات المساج في الفنادق…. وفي عام 1979 اصدرت وزارة العمل في  الفلبين، التي بها صناعة هائلة للجنس، مئة ألف رخصة وشهادة صحية لفتيات الاستقبال  واللواتي كثيرات منهن تسربن للعمل في تجارة الجنس”[3]. هل هي تجارة جنس أم اغتصاب بحكم الضرورة؟ هذا متروك للمسلمين العرب في تجربة ليبيا، أولئك الذين باركوا احتلال ليبيا حيث ستُفتح هناك اسواق البغاء للشركات متعددة الجنسية واسواق السلاح واسواق المخدرات. ومن الذي سيرفض أو سينتضي سيفه بعد أن استدعاهم إلى هناك ليُسقطوا نظام القذافي ؟ أم هل سيقوم من هنأوا باحتلال طرابلس الغرب بتحريرها إذا ما اغتصبت سيدة؟ كان ذلك حينما انطلق من مصر المعز لدين الله الفاطمي ليحرر طرابلس الشام من الروم قبل الف عام، كان ذلك قبل الف عام.

البانيا، ذات التوجه الماوي (تيار الشيوعية الصينية)، جرى الزعم أنها أُعيدت إلى “ألبانيا   المسلمة”، ودخلها السوق مجدداً ليختار لها ما لم يختاره الإسلام قط، فغدت ساحة لبيع الجنس. من يتحدث عن هذا؟ لا أحد!

ثلاثة تجارات غدت مصدر عيش أهلها، السلاح والمخدرات مع بلدان عديدة، وتجارة النساء مع إيطاليا بشكل خاص ومتخصص!  وفاضت أموال المافيا الإيطالية المدفوعة مقابل شحن النساء للجنس إلى إيطاليا وجرت مراكمتها في صناديق المقامرة والمضاربات التي امتصت كل فلوس الفقراء الذين حلموا بالغنى بعد الشيوعية، ففقدوا المال وأُذلَّت النساء بالمضاجعة لسد الجوع! وطبقاً لما كتبته لجنة ألبان هلسنكي: ” إن قرابة ثلث مومسات إيطاليا هن من ألبانيا”[4] وفي تقدير آخر فإن عدد المومسات الألبانيات في إيطاليا يتراوح ما بين 4000-7000″.[5]

اللافت للنظر أن كل هذا حصل في ظل حكم صالح بيريشا الذي كان سكرتير عام الحزب الشيوعي الألباني ومن الدائرة المقربة لأنور خوجا وأصبح رئيس ألبانيا بعد سقوط الحكم الشيوعي هناك.

أليس مدهشاً ذلك التشابه بين مرتدي الشيوعية ومرتدي الإسلام السياسي ! أليس مدهشاً ويحتاج إلى قراءة معمقة ذلك العشق للمال والسلطة؟

لقد تقاسمت الشركات الأوروبية ثروات وصناعة هذا البلد وخاصة النفط والنحاس  والكروم. بثلاثة ونصف مليون دولار تمكنت الشركة الألمانية بريوساج إيه جي من الحصول على 80 بالمئة من صناعة الكروم في ألبانيا لتصبح مالكة لأعظم احتياطي منه في كل أوروبا. كل هذا كان يتم مغلفاً بنشيد الحرية والديمقراطية وسحق الشمولية الاشتراكية.

قبل ايام قال آلان جوبيه وزير خارجية فرنسا ان بلاده ستحصل على 35 بالمئة من نفط ليبيا، وأكدت إيطاليا أن استثماراتها في ليبيا مصانة تماماً، وأكد رئيس المجلس الانتقالي لثوار الناتو أن هذا المجلس سيقدم ما تطلبه الدول التي ساعدته ضد نظام القذافي. وفي حقيقة الأمر أن هذا المجلس هو الذي ساعد الناتو بما هو اي الناتو هو الذي احتل ليبيا.

لقد اصبح النفط الليبي بيد الشركات التي قاتلها النظام السابق كي تخضع لشروط بلاده، كما تدفقت الأسلحة على ليبيا من كل حدب وصوب، وخاصة إلى تنظيم القاعدة الذي له حصة الأسد في المجلس المذكور.

من جهة أخرى تناقلت وكالات الأنباء تقارير تفيد بأن “ثوار الناتو” قد أُغرقوا بالمخدرات كي يتمكنوا من القتال ضد جيش النظام، فما الذي سيوقفهم عن طعمها بعد؟

لو عقدنا مقارنة بين حالة ليبيا وحالة ألبانيا لوجدنا التجارة الثلاثية الأضلاع مشتركة بينها: السلاح والمخدرات والجنس.

قد يجفل من هذا بعض من يزعمون الإيمان بالإسلام أو بالثقافة العربية عموماً كثقافة شرقية غير مفضوحة ولا إباحية. ولكن عليهم أن يفهموا روح عصر العولمة والاستعمار. فمن متطلبات حاجة رجال الشركات متعدية الجنسية تعددية الجنس! وهذه الشركات تزحف إلى ليبيا كالطوفان، فمن الذي سوف يوقفها لا سيما والجوع والفقر يعمَّان ليبيا الآن، وسيزداد ذلك مع نهب خيرات البلد! اين من يحمي الحمى!

تشترك ليبيا مع ألبانيا بأن كثيرين من أركان النظام قد ارتدّوا ضد النظام والبلد. ففي حين أن النمنكلاتورا في ألبانيا ركعت للإمبريالية وتحولت إلى عُتاة راس المال، فإن كثيرين من أركان النظام الليبي قد انشقوا باكراً ضد النظام مثل العقيد خليفة حفتر (منذ عشرين سنة وهو يعيش في الولايات المتحدة، وبالتأكيد لم يكن يبني مساجداً هناك ولم يبشر بولاية الفقيه)، ومنهم من بدأ حمل السلاح والانشقاق عن النظام قبل احتجاج الليبيين العاديين أمثال مصطفى عبد الجليل ومحمود جبريل والمُغتال عبد الفتاح يونس. فهل سيتردد هؤلاء في تلببية مطالب الجنس لسادة الشركات؟ بل هل يقلقهم ذلك؟ وإن اقلقهم هل سيجرؤوا؟  لننتظر ونرى.

على أن الحالة الليبية أكثر هشاشة من حالة ألبانيا. ففي حين أن سقوط النظام في ألبانيا كان على يد قوى محلية سواء المرتبطة بالغرب الراسمالي أو دعاة اللبرالية أو العامة التي كانت تبحث عن حياة افضل، هذا إلى جانب دور للمركز الراسمالي وخاصة المؤسسات المالية الدولية المصرف الدولي وصندوق النقد، ونادي باريس ونادي لندن، وخاصة لبلد كان بحاجة للقروض المسمومة. أما ليبيا ديكتاتورية القذافي فكانت تحوز على وفر 167 مليار دولار وكانت قد منحت صندوق النقد الإفريقي (قيد التأسيس) 35 مليار دولار في محاولة لفك التبعية والارتباط بالصندوق الغربي المتوحش. لذا كان  إسقاط النظام الليبي بيد الغُزاة  بينما المحليين من عملاء أو عامة كانوا في مؤخرة العمل والحدث، وهذا يضع قيادة ثوار الناتو في موقع الأضعف وموقع المأمور.

لذا، من اللافت أن الاتحاد الإفريقي لم يشارك في مؤتمر الخميس الماضي في فرنسا لتقرير مصير ليبيا، كما لم تشارك خاصة جنوب إفريقيا ولا نيجريا. وهما أكبر واغنى دولتين في إفريقيا. لعله فارق  بل فالق بين موقف معظم الأنظمة العربية وموقف جامعة الدول العربية التي استدعت الاحتلال، وستعترف بعد استحقاق ايلول جماعياً بالكيان لأنها سوف تقدم طلب العضوية الفخرية لسلطة أوسلو-ستان للأمم المتحدة وهو الذي سيقود للتثبيت الفعلي للكيان في فلسطين! اليس هناك فارقا هائلاً بيم موقف إفريقيا وبين هؤلاء! ألا يحمل نبيل العربي تراث عمرو موسى، وما الاختلاف بين موقف الجنرال طنطاوي والجنرال مبارك؟

تصر البرجوازية في بلدان المركز على الاحتفاظ بالسلطة والثروة في بلدانها والعالم، أما برجوازية المحيط، وخاصة في الوطن العربي فتقبل ببعض السلطة وبعض الثروة وبعض الوطن. وإذا كانت البرجوازية على هذا القدر من الوضاعة فما القول في مَنْ تبعثر الفضائيات وعيهم في الفضاء؟


[1] أنظر حول البغاء في ظل النظام الراسمالي الذي يزعم الإيمان، عادل سمارة، تأنيث المرأة بين الفهم والإلغاء: المرأة مبتدأ كل نقد وتحطٍّ. منشورات دار الرواد بيروت وتوزيع دار النمير في دمشق الشام، 2011 ص ص 194- 207، وطبعة الأرض المحتلة، منشورات مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية 2011 ص ص 161-172.

[2] مما يستدعي الأسف فإن الكثير من المثقفين العرب لا يقرأون حقائق ما يجري في ليبيا، وبعضهم يقرأ ويلوذ بالصمت لغرض في نفسه. أنظر عن دور القاعدة في ليبيا وارتباطها بالناتو:

THE ROVING EYE, How al-Qaeda got to rule in Tripoli, by Pepe Escobar, Asia Times – Aug 30/2011. And Al-Qaeda and NATO’s Islamic Extremists, Taking Over Libya, By Alex Newman, August 30, 2011 “New American“.

[3] David mcNally, Another World is Possible: Globalization and Anti-Capitalism, Arbeiter Ring Publishing, 2002, p.p. 130-131.

[4] Ismeji Bashiri and Fabian Schmidt,

Original Criminal Gangs Force Albanian Women Into Prptestitution Abroad, Open Media Research Institute Brief, 14 August 1996.

[5] Michael Chossudovsky, The Globalization of Poverty and the World Order, Global research Publications, 2003:293.