عبداللطيف مهنا
حل العيد هذا العام على الفلسطينيين في وطنهم المحتل والمنافي ورحل مسرعاً عنهم، تماماً كما هي عادته في كل عام. غشاهم مثلهم مثل سائر الشعوب المسلمة في هذا العالم، أما حلوله عليهم ورحيله عنهم فقد اختلفا. من جانبهم حاولوا المستطاع لأن يستقبلوه كما يستقبله سواهم من خلق الله، أي أن يعطوا المناسبة كل ما تستوجبه منهم أو تستدعيه مواريثهم، عقيدةً وثقافةً وعادةً. بيد أن عيدهم كان، فيما خلا الشعائر وجاري التقاليد، لم يكن عيداً مثل أعياد الآخرين، كما لم يعني لهم تماماً ما عنته للآخرين أعيادهم… في هذا الجانب بالذات تساوى فلسطينيو الوطن المحتل في المغتصب مابعد النكبة وما تلاه بعد النكسة ومن هم في المنافي وحيث المغتربات القريبة والبعيدة.
بالنسبة لهم، مظاهر البهجة والفرحة التي تجلبها المناسبة قد وضعت جانباً، هذا فيما خلا محاولة إيهام أطفالهم بمثل هذه الأمور ما استطاعوا. أما الشعائر، والالتزام بما استنته التقاليد والعادات، فهم في ظل الاحتلال ووحشة المنافي ومرارات الاغتراب، ليسوا إقل إصراراً عليها من سواهم، وأيضاً قدر المستطاع ولسبب يخصهم وحدهم…هنا يواجه العيد والفلسطينون أسئلةً صعبةً من النوع التالي:
في الضفة المحتلة، كيف للعيد الحال ضيفاً أن يشغل مضيفيه عما تكابده معتاد أيامهم في الكانتونات المحاصرة، وأن يصرف أنظارهم عن مشاهدة الأسوار التهويدية المحيطة بهم؟ أو كيف له أن يحجب عنهم رؤية تلالهم التي غطتها المستعمرات، وبساتينهم التي فتكت بها الجرافات، أو ما تبقى من أرضهم التي تسرق منهم نهاراً جهاراً وأمام أعينهم وعلى مدار الساعة؟ أوهل له أن يشفع لهم أمام “المحاسيم” التي تضيّق الخناق عليهم في معتقلاتهم الكبيرة… هل له أن يوقف شلال دمائهم التي تستبيحها غارات “المستعربين” وهمجية قطعان المستعمرين؟!
كيف للعيد أن يقنعهم، مثلاً، بأن يكفوا عن ملاحقة أنباء سلطتهم التي هي بلا سلطة وفي ظل احتلال، هذه التي تلهيهم بعبثية الدولة عن وقائع خسارة الوطن، وبلغط الاعتراف بها عن مهام تحريره، وتأخذهم عنوةً إلى هاوية المفاوضات بديلاًعن خيارهم مقاومة الغازي المحتل؟!
… وفي غزة، كيف للعيد أن يمر بالمعتقل ألإبادي الأكبر في تاريخ الوحشية الانسانية، هذا المحتل جواً وبحراً والمحاصر براً، والذي تزوره آلة الموت الغربية الصهيونية المتطورة آن تشاء وساعة يخطر ببال أعداء الإنسانية ممارسة مهنة القتل، فتصبغ الشواطئ وتلوّن التجمعات البشرية المكتظة بحمرة الدم، متى تريد وتحت أية ذريعة تتيحها لها قوتها الغاشمة الفاجرة… أوما تشجّعها علي فعله لا إنسانية هذا العالم، ويسهّله عليها تمادي عار العجز العربي؟! كيف للعيد أن يحلّ لغزة لغز استمرارية اقفال معبر رفح، بعد ثورة 25 يناير المصرية المجيدة، التي شارك الفلسطينيون اشقائهم المصريين فرحة اندلاعها والأمة عظيم الآمال المعقودة عليها… اقفاله، اللهم إلا بمقدار أوبتقنين، كان سابقاً يحدث مثله أحياناً في عهد حسني مبارك؟!
… وفي المحتل بعد العام 1984، أو بإمكان العيد أن يطمئن من تتوعدهم القوانين العنصرية والاستراتيجية الترانسفيرية به؟ وهل لقدومه أن يواسيهم فيما يحدث للأهل في ضفتهم وغزتهم، أويعين على نصرتهم لأقصاهم، هذا الأسير الذي هُوّد ما حوله ونُبش ماتحته ودُنّس ما فوقه، ومُنع المؤمنون من الصلاة في رحابه، إلا لمن قصرت دربهم إلى ما تبقى لهم من العمر؟!
… وهل للعيد في المنافي ما لم يكن منه في المحتل، و الجسد الفلسطيني المثخن تتداعى كافة أطرافه لما يصيب طرفاً منه، وحيث إلى جانب ظروف المنفى التي يطول شرحها، وعذابات الاغتراب، واستوطاء حيطانهم في أغلب ملاجئهم في وطنهم الأكبر، يعيشون صدى ماتعيشه غزة ونابلس وأم الفحم من العذابات والانكسارات؟
كيف للعيد أن يشد الفلسطينيين، إينما وجدوا، ولو قليلاً، بعيداً عن قلقهم وهم يرقبون ما يثار من العوائق في وجه التحولات العربية الجارية، هذه التي يعلقون عليها آمالاً وأحلاماً لا تحد… قلقهم من أن تسفر وعودها عن تحولاتٍ ناقصةٍ بسببٍ من تآمرخارجٍ معادٍ وإمتدادتٍ له داخلية دونيّة ومتصهّينة وأخرى ارتبطت مصالحها مع هذا الخارج؟!
وكيف للعيد أن يكون العيد بالنسبة لهم دون أن تعود المسلمات والثوابت والمبادئ التي استندت إليها بدايات نضالهم المعاصرمعياراً وأساساً ومستنداً وحاكماً لنضالهم في راهنهم ومستقبلهم… ودون أن تعود القضية الفلسطينية القضية المركزية للأمة العربية، وتكون القدس هي بحق أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة للمسلمين؟!
… ومع كل ما تقدم، فإن لهذا العيد، ولدى مسلمي فلسطين ومسيحييها على السواء، خصوصيته ونكهته الفلسطينية جداً، تلكم التي من شأنها أن تجعل منه عيداً ليس كعيد سواهم… تجعل منه مناسبةً وطنيةً للعض على الجراح، وحالة إثباتٍ للوجود، واعلان تمسّكٍ بهويّةٍ، ونوع من فعل صمودٍ وعناد تمسّكٍ بتراب وطن…