متاجرة حرة مع الاتحاد الأوروبي أم ملهاة أخرى للفلسطينيين؟

عادل سمارة

رغم خطاب الشفافية الذي “علَّمنا” إياه الاتحاد الأوروبي العريق في هذا الأمر، لا نعرف نحن في الأرض المحتلة عن سلطة أوسلو-ستان ماذا تخطط ومع من تتحادث وعلى ماذا تتفق!

يتردد اليوم أن السلطة تُدير حوارات من وراء الكواليس مع قيادات الكيان، مع شمعون بيرس باراك ومع نتنياهو وغيرهم وتُشرف على تلك الحوارات الولايات المتحدة وتنفذ بعضها عبر وكيلها الاتحاد الأوروبي الذي يرعى ملفين خطرين:

في السياسة: يقوم الاتحاد الأوروبي عبر السيدة آشتون بإقناع سلطة أوسلو كي لا تذهب إلى الأمم المتحدة من أجل الحصول على دولة افتراضية حيث يستكثر هذا الاتحاد حصول السلطة على هذا الوسام، وهو في جوهره إسقاط لحق العودة. لكن الاتحاد هذا والكيان وكل الغرب الراسمالي الرسمي يعلم (لأنه قرر ذلك وتماهى معه أعراب ومسلمون كُثر)  بأن حق العودة منتهي، مما يدفع هذا الفريق الخطر إلى إستكثار هذا الوضع الافتراضي. لذا، نلاحظ أن السلطة متناقضة المواقف (عمداً وقصداً) والتصريحات من مسألة ما يسمى استحقاق ايلول. وللحقيقة، فإن معظم المنظمات الفلسطينية سواء اليسار أو اليمين أو الإسلام السياسي متماهية بدرجة أو أخرى مع السلطة في هذا المستوى. فأي إجماع بين من قلَّ أن يُجمعوا على أمر. هو إجماع ربما لا يوازيه سوى تهليلهم لاحتلال ليبيا وتقاسمها بين الناتو والقاعدة.

في الاقتصاد: ولكي يمرر الاتحاد الأوروبي هذا الإيقاع السياسي بمشروع اقل بكثير مما يُقال فيه وعنه،  لا بل هو خطير في جوهره، اي في خطابه المخفي، يطلع علينا بالتلويح بمكافأة اقتصادية للنخبتين الفلسطينيتين : السياسية والاقتصادية.

والمشروع هو إعطاء سلطة أوسلو ستان فرصة المتاجرة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. (ليس لدينا النص صراحة). ويبدو أن هذه هي الرشوة التي يُقصد بها ثني هذه السلطة عن ذلك المطلب!

ليست هذه المرة الأولى التي يخدعنا بها الاتحاد الاوروبي، ومعه كامل الحق، لأنه يعرف ما يريد، وللأسف يعرف ما نُريد ويعرف أننا نكيف ما نريد طبقاً لما يريد! أليست هذه علاقة المستعمِر قصداً بالمستعمَر طوعا وطمعاً!

تسفيه سياسي

في عام 1986 زار لندن السيدان نبيه خوري ومحمد ملحم العضوان آنذاك في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية  تحت وهم أن تستقبلهما مارغريت تاتشر باعتبارهما ممثلين لمنظمة التحرير. كان الحلم أن في ذلك اعترافاً ما بهذه المنظمة. يا للعجب، منظمة تحرير مسلحة تريد تحرير فلسطين من الكيان وتحلم أن تقابلها تاتشر!. وهذه السيدة التي لم تُخف كراهيتها واحتقارها لكل من قال  لا إله إلا الله، حتى دون أن يقل محمد رسول الله. وصلا إلى لندن، وبقيا عدة ايام بانتظار الحظوة بلقائها، ولم تفعل، وعادا ادراجهما. وكتبت حينها في جريدة “العرب” مقالة بعنوان: “نعم، شماتة يا ملحم وخوري”. وغضبت منِّي المنظمة!

شَرَك تجاري سابق

كتبت مجلة: Middle East International 7-11-1987 p. 12

” قرر وزراء خارجية المجموعة الأوروبية في لوكسمبورغ 27 اكتوبر 1986 فتح الأسواق الأوروبية للمنتجات الفلسطينية  وتخفيض جمركي بنسبة 40-80% على المنتجات الزراعية  ومنح الإعفاء التام للمنتجات الصناعية[1].

وكانت تجربة شديدة المرارة للفلسطينيين آنذاك. فقد قامت سلطات الاحتلال بتخريب الصفقات المرسلة سواء بإعاقة وصولها إلى موانىء الكيان، أو التلاعب بكهرباء المبردات أو منع الصفقات اصلاً…الخ. وقد عالجت ذلك في كتابي، اقتصاد تحت الطلب.[2] وانتهت هذه العلاقة إلى مجرد فقاعة تجارية، وتبقى منها مشاريع زراعية في الأرض المحتلة موجهة للتصدير طبقا لما تقرره السياسة الاقتصادية للكيان ومنها بشكل محدد زراعة الزهور في غزة.

كان المستفيد من هذه الفقاعة أفراد من القطاع الخاص الذين على اية حال لا يُعيدون إلى الأرض المحتلة عائدات صادراتهم كي تُسثثمر في  مشاريع إنتاجية محلية مما يعني مآلاً بائساً لهذه العائدات:

  • فهي تهريب للفائض المتأتي من الإنتاج المحلي مما يقطع عملية النمو.
  • وتكريس اقتصاد السوق الذي لا يُنتج الحاجات الأساسية بل يُنتج كاقتصاد موجه للتصدير مما يفيد النخبة ويزيد تمفصلها بل تبعيتها للاقتصاد العالمي وهو الأمر الذي يقود في تحالفها مع النخبة السياسية إلى تخارج سياسي يبتعد عن التنمية وعن المشروع التحريري الوطني، ويقف في ذيل هذا التحالف فريق من المثقفين الذين عبر علاقتهم بالسلطة أو المؤسسات الأجنبية أو الأنجزة يعززون اقتصاد السوق والفساد وتبديد أموال التمويل التي هي اساساً مقصود بها إعادة هندسة المجتمع كي يقبض ويُنفق دون ان يُنتج اقتصادا حقيقياً، ليكون إنتاجه جهلا بما يدور، ومن ثم تنازلات سياسية.

إذا كان هذا التحليل حاداً ومتجنياً حبذا لو يقل لنا المدافعون عن هذه الحالة، كيف تعيش الناس هنا! فرغم ارتفاع نسبة الفقر هناك ارتفاع في معدل الاستهلاك! وإلا، كيف يتم صرف المبالغ المتزايدة المحولة من الخارج التي ذكرها الباحث إياد الرياحي في تقرير لمركز بيسان للبحوث والإنماء (يوم 6 آب 2011) بأن حصة الفرد من المساعدات الأجنبية للأرض المحتلة قد قفزت  من 323 دولار أميركي عام 2004 إلى 685.5 دولار عام 2008!  ومن اين تأتي هذه السيارت الفارهة التي يقودها فتية تحت سن الرشد؟ والمبالغ التي تُنفق على “أنشطة” مهرجانات الرقص والمسرح والموسيقى بالتشارك مع فرق ومؤسسات غربية  كما لو كنا في مونت كارلو وعلى الملاهي والمطاعم الفاخرة كما لو كنا في لاس فيجاس؟ فهل كل هذا بريئ؟ أم هي مشاريع اختراق مجتمعي تُنتج في النهاية مجتمعاً يعيش على عائدات غير منظورة، ويفقد اقتصاده الحقيقي؟ اليس هذا مجتمع مضاربات سياسية تبزل عبر هذه المضاربات سيالة مالية مقابل تفكيك المجتمع ومن ثم الوطن؟ وأمام هذا المال المسموم يجري الصمت المطبق أو اللاإبالية على الخراب الاقتصادي حيث تتلاشى مواقع الإنتاج وتُهمل الأرض ويتحول المنتج المستقل إلى باحث عن وظيفة لدى السلطة الممولة من الخارج أو لدى منظمات الأنجزة الممولة من نفس الخارج، ويجري الصمت على الخراب التنظيمي حيث لم تمارس معظم القوى السياسية مواجهة ولا نقد هذا الانهيار، ويجري الصمت على الخراب الأكاديمي حيث ينزاح الباحثون لصالح منحٍ جوهرها إخبار وتقارير أمنية مخابراتية تحت اغطية المسح الاجتماعي والعمل الإمبريقي وخاصة عن قوى ودول الممانعة.

مَن المستفيد؟

نزعم  أن الاتحاد الأوروبي يطرح هنا ملهاة للشعب الفلسطيني، بمعنى أنه إذا ما صح ما يقول، فإن جِماع الأمر يبقى بيد الاحتلال الذي ما زال هنا بكل عافيته! فإن شاء حصل وإن لم يشأ لن يحصل.  إن حصلت هذه التسهيلات، فلا شك انها ستكون ضمن القطاع الموجه للتصديروالذي يفيد نخبة طبقية لتحصل على عائدات عن صادراتها لترصدها هناك وتستهلك جزءاً منها في استهلاك ترفي. وبهذا تكون العملية كلها تكيفاً مع شروط الاحتلال.

وإن لم تحصل فلن يكون وضع الفلسطينيين أرقى من وضع الأتراك الذين يقفون بكل مذلة قومية وطبقية على ابواب الاتحاد الأوروبي ويعانون في مضيقي البسفور والدردنيل بينما تأمرهم الولايات المتحدة بأن يتوجهوا “بغطرسة” إلى الوطن العربي شريطة أن يدمروا سوريا ويتواطئوا في ليبيا.


[1] أذكر أن أحد القياديين في منظمة التحرير من كادر الأرض المحتة قد تحمس جداً لقرار المجموعة الأوروبية آنذاك فصرح في لندن بأن: الفلسطينيين سوف ينافسون الكيان في تصنيع رقائق الكمبيوتر وأل هاي-تك. ولا شك أن الرجل كان ماخوذاً بأطروحات أقتصاديي منظمة التحرير حينها بأن “الدولة الفلسطينية ” ستكون مثل تايوان وسنغافورة! كتبت آنذاك أعاتب ذلك الرجل على حماسته. وعاتبني بدوره فقلت له هل يمكن لرقائق خبز التنور ان تنافس رقائق الكمبيوتر! (الرجل رحل إلى رحمة الله).

[2] انظر عادل سمارة: اقتصاد تحت الطلب: دراسة في محوطة اقتصادي الضفة والقطاع عبر التبادل مع المجموعة الأوروبية، منشورات مركز الزهراء للدراسات والأبحاث، القدس 1989.