“تطبيع الشباب يمكن ردَّه وصدَّه”
القضية لم تعد بهذا الحجم الآن. التفاصيل ابتلعها الحدث الأكبر. كما يبتلع السيل الجداول الصغيرة والكبيرة. الشاب الناشيء يبتلع طفولته جو الأسرة كما في كل مكان في العالم وليس لدينا فقط. ولكن من أدرى منك أن الناشيء في مجتمعات السوية النسبية، هو نظريا فصلة تطورية نوعية في السياق يقود المرحلة ولا يلتحق بها إلا بقرار أنوي في السقوط، يقوده إليه وعيه الفرداني وتعاليه على دوره الإجتماعي. إنه فشل اجتماعي لأن الفردية في مجتمعات التنمية الإجتماعية المتقدمة هي جوهر اجتماعي للإختلاف والتميز وتضخيم الجهد والدور والموهبة. ألم يكون هذا الوعي دينامية رومانسية فردية للنهوض الإجتماعي أيام شباب المجتمع السوفياتي؟ هل تريد القول أن برهان غليون هو ضحية تجربته الأسرية، وأن شبيحة وشبيحات قناة الجزيرة هم كذلك أيضا؟ لا أظن يا صديقي. إنهم مجرد أعراض محتمة لتجربتهم الأسرية. إنهم أعراض فشل اجتماعي عام لمجتمع معوق ليس لديه بنية تامة التخلق اجتماعيا، ولا يمارس أي نوع من التربية البشرية، تحصن أفراده من السقوط السهل. إن أمثل غليون على سبيل المثال هم أناس بدون انتماء أصلا. لقد ولد متسيبا لم يحظ بأية تربية ملتزمة. إنه ظاهرة اغتراب وعدمية بالتكوين. لذلك وجد في التبعية الفكرية ونزعة التضخم الفردي مجاله الحيوي. لم يعلمه أحد أن يحترم إنسانيته فباعها عند أول عرض يخدم أهدافه. لو عاش في مجتمع يعاقب مدنيا على الخيانة والجريمة الفردية لربما نجا. وكذلك شبيحة وشبيحات الجزيرة. كلهم أعراض سقوط اجتماعي لأناس عديمي المناعة أمام مغريات المرحلة، عاشوا في مجتمع لم يكن مؤهلا حتى لرد اعتدائهم عليه. وجدوا من يكافؤهم على خدماتهم العدوانية الدموية بالمال والسيارات المرفهة والنجومية الإعلامية، ولم يجد من المنكوبين بهم من يقول لهم لماذا تفعلون بنا ذلك؟ كيف تسمحون لأنفسكم أن تتنعموا على حساب دمنا؟ على العكس من ذلك تجد من لا يستحي أن يمتدح فجورهم وينافقهم ومن يستحي أن يقول لهم كفى !
عد إلى ذاكرتك يا صديقي.
ألم يكونوا في مجتمعنا يحترمون العميل والغني والقوي ويفسحون له صدر المجلس ويستهترون بمن هو أكثر منهم فقرا حتى ولو كان من أسرة تمارس الشهادة والكرامة كما يمارسها الفقر؟ مجتمع كهذا ماذا تتوقع منه أن ينجب سوى موته؟
الأسرة يا عزيزي لا تنجب المجتمع. نعم قد تنجب العملاء بالوراثة. وأشهر أنواع العمالة لدينا هي العمالة الأسرية المتوارثة، ولكن لماذا يحتل هؤلاء مواقع السيادة الإجتماعية لدينا؟ هذه قاعدة تكاد تكون بلا استثناء ! لماذا؟ لأن الأسر الأخرى، حتى التي تنجب الشهداء كانت تقر العرف السائد نفاقا أو خوفا، فيقول والد الشهيد لشيخ العائلة العميل، حينما يعزيه بابنه: فداك !
ألقضية إذن يا صديقي ليست اليوم في التفاصيل. أنها لم تعد في التطبيع ولا الخيانة ولا العمالة. إنها في كون المطبيعين والخونة والعملاء هم الذين يحتلون مواقع السيادة في مجتمعاتنا. والسؤال الوحيد الذي يملك الآن شرعية الطرح هو: إلى متى؟ حتى الثورة لدينا يعلنها ويقودها الكهنة الخونة والعملاء وساسة التطبيع الدوليين من عجول الخليج، لهدف لا لبس فيه، هو قطع الطريق أمام مخاطر التحرر، ولا تجد الشعوب العربية في ذلك بأسا حتى الآن. إن الشعب العربي كله الآن في حالة خطر على الحياة ولا يمكن أن يقال أنه متوعك بسبب التطبيع. المجال لا يسمح بأكثر من هذا.
فاسلم لأخيك