عبداللطيف مهنا
اصدر مؤخراٌ تقرير ما عرفت ب” لجنة بالمر”، أو اللجنة التابعة للأمم المتحدة المكلفة بالتحقيق في مذبحة اسطول الحرية، الذي كان في طريقه لفك الحصار المضروب على قطاع غزة. التقرير، بعد أن أهان الاتراك، الذين كان اغلب الضحايا منهم، قال لكل من يهمه الآمر، وهم قلة على أية حال في هذا العالم، أن”العدالة الدولية” قد إرتكبت من جديد واحدة لن تكون آخر خطاياها بحق الشعب الفلسطيني والأمة العربية. خطاياها، كما نعرف، كانت كثيرة وروزناة هذه الخطايا مديدة، بدأت بكواكيرها بشرعنة نكبة فلسطين وتغطية ضياعها وتشريد أهلها قبل ستة عقود ونيف، ذلك بقرار تقسيمها بين الصهاينة الغزاة المستعمرين وأهلها العرب المنكوبين، فالاعتراف الفوري بالكيان الغاصب الذي موضوعيا بقرارها ذاك هي من انشأته وشرّعته، ثم ما تلا منذ ذلك الحين من تراسانة متراكمة من القرارات المتتابعة التي إتخذتها على الورق بحق الغاصب الذي أنشأته لم ينفذ واحداً منها، ما يعني إسهامها الموضوعي في الوصول بنا اليوم إلى ما نحن فيه، أو إلى ماهو مشارف عملياً على انجاز عملية ضياع كامل فلسطين والاقتراب من اكمال عملية تهويدها.
إذاً، هاهو من شرّع إغتصاب فلسطين واستبدالها باسرائيل يشرّعن اليوم للإسرائيليين جريمة حصار غزة. أمم بالمر تسمح لهم بارتكاب فظائع العقاب الجماعي وتنفيذ نوع بطييء من الابادة الجماعية، والغربيون المحتكرون لعدالتها يخلعون علي مدللتهم أغطية العصمة ويحولون بينها وبين عواقب المسائلة والمحاسبة. الحدث، مر عربياً مرور الكرام، لم يلق من الجامعة العربية ولا من دولها، ولا من النخب العربية غير الرسمية، ردات الفعل التي قد توازيه أو تستحقه. الكل الأن مشغولون أو يتلهون بحكاية “كرسي فلسطين” المزمع طلبه أو إستجدائه من أمم اغتصابها المتحدة، وهذا الكرسي الذي يتفنن المتفننون في رام الله في تصميم ما يرمز له وعرضه أمام وسائل الإعلام،يقول الفيتو الأميركي، الذي صدر من الآن ضده، إنه إن حدث وإن حظي هذا الكرسي بالقبول النظري في الجمعية العامة كمراقب لا اكثر فلن يتخطى عتبة مجلس الأمن، ولن يعني في النهاية وعملياً شيئاً ذا بال، فالدولة المنشودة حدودها الأقصى ليست سوى الورق… أما الوطن فالجرافات التهويدية النشطة تقترب الآن من عملية الاجهاز عليه… هل من جديد في مثل هذا أو هل من غرابة ؟
إنه فيما يخص القضية الفلسطينية ومجمل قضايا العرب، يكاد تاريخ الأمم المتحدة يقول لنا إنني ما اُنشئت إلا لأكون رهن اشارة اللوبي الصهيوني الدولي، و للنافذين فيها من القوى االغربية الكبرى اداةً طيعةً ومحفلاً لمساوماتهم على حساب الشعوب المستضعفة. أي أننا حيال أمم مصالح هؤلاء النافذين ألإستعماريين وسوط عدالتهم الانتقائية وهراوتهم لارهاب الشعوب باسم مطرقة “الإرادة الدولية” واحكامها الخادمة لمصالحهم وحماية إسرائيلهم، هؤلاء الذين يغيرون قوانينهم حتى لا يضطرون للقبض على مجرم إسرائيلي… وصولاً إلى تحوّل هذه ألأمم المتحدة إلى شبه مؤسسة تابعة للخارجية الأميركية وشاهد زور على عدوانيتها ومغطياً لجلافة جموحها الأمبراطوري الذي الحق الأذى بأغلب أمم الأرض… وهنا حدّث ولا حرج،فظائعها في العراق الذي هدمت فيه كل الأسس التي قامت عليها الدولة العراقية الحديثة و حوّلته إلى أمد لايعلمه إلا الله إلى دولة “أبو غريب”، مجازر “الأعراس” في أفغانستان، مذابح المدارس والكتاتيب في باكستان… روايات “السجون الطائرة”، وصولاً إلى التهديد بملاحقة زعماء الدول التي تصنفها ب”المارقة” والقبض عليهم وتسليمهم إلى عدالة محكمة “لاهاي”، المحرم عليها محاكمة الإسرائيليين والتي لا تعترف واشنطن أصلاً بها وسحبت توقيعها على انشائها!
إنه إذا كان هذا من لجنة بالمر، التي بدا وكأنما الإسرائيليون هم من قد صاغوا تقريرها أوأُخذت موافقتهم عليه سلفاً، والتي تسمح بإبادة بطيئةً لأكثر من مليون ونصف فلسطيني محاصر وتشرعنها وتقوننها، فما الذي سوف يرتجى من أممه، أمم حصار العراق وإبادة أكثر من هذا العدد من أطفاله، أمم الناتو و أطلسة ليبيا وتدميرها على أيدي هؤلاء القائلين إن “المهمة لم تنته”بعد! والذين بدأوا من الآن يختلفون على تقاسم الجبنة الليبية، وبدأ فحيح تآمرهم يتعالى ممهداً لمحاولة المشابه في سوريا…
منذ قيامها ارتكبت إسرائيل ألف مجزرة ومجزرة بحق الفلسطينيين والعرب، وكذا مستمر الاغتيالات، ومآثر إعدام الأسرى، وتسميم الأطفال، وكل ما هو منسجم مع طبيعتها العدوانية ويلازمها، ولم تحرك ترسانة مصطلحات “القانون الدولي”، و”الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية”، و”شرعة الأمم المتحدة”، و”المجتمع الدولي” و”العدالة الدولية” ساكناً… هذه المسميات التي تحولت إلى “لهايةً” لمن حاله حال سلطة رام الله إالتي لاقاها “الفيتو” الأميركي قبل ان تصل إًلى هناك… ومن الآن وحتى تصل، إن هى وصلت، سنسمع صخباً وقعقعة سوف تشغل الكثيرين لكنها لن ينجم عنها إلا طحناً رمزياً لا يسمن ولا يغني من جوع… الحقوق لاتمنح وإنما تنتزع.