فعلام الابتهاج والزعم بوحدة وطنية
عادل سمارة
أفرز ايلول هذا تشغيلاً موسعاً للمثقفين الفلسطينيين وخاصة مؤيدي السلطة والتسوية[1] حيث نشلهم من بطالة موضوعات الكتابة، وهو أمر يذكرني بوصفات المصرف الدولي والنظام الأميركي في إدارة الأزمات تهربا من حلها، وذلك بامتصاص البطالة كي لا تُصبح غضباً وأبعد. يقوم المصرف الدولي بتشغيل ورديات الشباب في تنظيف الشوارع وتلوين الأرصفة، واحياناً رسم لوحات على الجدران، وتقوم حكومة اوباما بتشغيل العمال في شق الطرقات. هكذا عملت سلطة الاحتلال في بداياته في الضفة الغربية حيث شغلت الشباب في توسيع الطرق وهذا يكرره المصرف الدولي اليوم بالتنظيف!
تتدفق المقالات بين خطاب يميني تسووي لبرالي أميركي كجماعة أوكسفورد له مظهره التحليلي وجوهره التسووي[2] وبين لغة ولغوٍ لا يحملان اي معنى حقيقي فتغمر الصفحات والشاشات في هجمة يبدو أن فلسطينيي ايلول قد فرضوا التجنيد الإجباري على فرق المثقفين الفلسطينيين الذين في صفهم:
· مثقفو م ت ف الذين أتوا مع التسوية وظلوا على ولائهم لها
· ومثقفو الأرض المحتلة المؤيدين لأوسلو وخاص الذين زاروا النرويج وطبعوا مع الصهاينة أكثر مما طبعوا مع اللغة العربية، وهؤلاء فئات وطوائف:
o فئة من اليسار المرتد بعد تفكك الدول الشرقية فإذا بهم مع اللبرالية حتى الجديدة ومع المصرف الدولي
o وفئة اللبراليين الذين في الحقيقة وُلدوا وبقوا على ما هم عليه
o وفئة مثقفي الأنجزة، حديثي النعمة وخاصة الذين يدعون للمقاطعة ويمارسون التطبيع الأكاديمي بشخوصهم مع جامعات الاحتلال.
موقف موحد للتفاوض أم لمشروع وطني؟
وفي التحليل الأخير، لكل امرءٍ عقله واجتهاده فليكن مع ايلول من يكن، وستبدي له الأيام. ولذا ليس نقاشنا الآن في مصداقية وعمق تحليل هذه الفئة أو تلك، وإنما في أمر آخر، هو دعوة هذا أو ذاك لموقف فلسطيني موحد؟ والموقف الفلسطيني كما هو معروفاً طالما تخالف وتناقض، ومرت الأيام والسنون وتبين من الذي كان على حق ومن على باطل. ولا شك أن الباطل كان اقوى، ولكن الحق أرسخ.
لقد انقسم الفلسطينيون اساساً على الرفض والقبول، وكانت النتيجة كارثة اوسلو التي زعم البعض أنها تحريراً للمدن بينما كانت عملياً لحظة للإثراء وبنية للفساد وميداناً للتطبيع والهجوم على من لا يُطبعون والأهم كانت ولا تزال وستبقى لحظة سوداء وفرت المناخ لتوسيع الاستيطان، وإشغال الناس بدولة على…الكرسي!.
وانقسم الفلسطينيون بعد 1982، واقتتلوا، واذكر حينها أن مثقفي المنظمة رفعوا شعار الوحدة الوطنية، كما لو كانت المصحف الشريف للتحكيم. وذهبت م.ت.ف من بيروت إلى تونس لتعود بعدها عبر مفاوضات مدريد اوسلو.
ومنذ تلك الفترة إن لم نقل أبعد وأعمق، صارت المفاوضات هي المشروع “الوطني” للكثير من القوى وهي الأكثرية.
واليوم، يُرفع شعار الوحدة الوطنية أو الموقف الموحد للذهاب في ايلول إلى الأمم المتحدة، بل إلى الولايات المتحدة، إلى بناية تسمى هكذا، وهي بناية من حيث خطابها وفلسفتها وسياساتها نتاج ولمصلحة الدول الغربية الرأسمالية التي لولا وجودها لما سال دم فرخ حمام في هذا العالم. من يذهب إلى ذلك المكان بغير سلاحه، فهو ذاهب للاستجداء وسماع التعليمات. والسلاح هنا مزدوج:
· موقف قوي على ارض الاشتباك اي حسم الموقع
· وموقف قوي هناك اي بمشروع واضح، اي حسم الموقف.
أين نحن من هذين؟ ولماذا يكتب بعض المثقفين كلاماً مغلَّفاً بروح الجماعة بهدف لوم من يرفض موقف التيار السائد وهم يعرفونه بل هم ممن اسسو لمواقف لا تسمح قطعيا بأية درجة من الوحدة الوطنية، بل تحمل الوطن إلى حواف الاشتباكـ بل منهم من لم يقف في حياته موقفاً صحيحاً[3]؟
ما يسمى استحقاق ايلول هو قول لكل الأمم متحدة ومجتمعة:
· “إن الوفد الرسمي الفلسطيني آتٍ إليكم قائلاً لكم أن المحتل 1948 ليس لنا! لذا ايتها الأمم: إعترفي بإسرائيل في أوراقك لأنك ايتها الأمم معترفة بها عملياً، وهذا يعني أننا توقفنا عن المطالبة بحق العودة وصرنا نخجل بل تخشى مجرد ذكره، فما بالك أن نمارس، الكفاح المسلح من أجل التحرير.
· إن هذا الوفد الفلسطيني محمول على ناقلة عربية رسمية تعتبر هذه اللحظة هي فرصة لا تعوض كي تعترف بإسرائيل.
· إن هذا الوفد وهو يطالب بهذا الاعتراف المعنوي، انما يقوم بمشاغلة جديدة للشارع الفلسطيني لكسب وقت ما، ريثما يتم مسح مائدة المفاوضات من آثار وجبة الغداء كي تجهز لوجبة الحديث والتفاوض.
ليفكر مثقفو السلطة والأنجزة والتطبيع كما يريدون، ولكن ليس من اللياقة هذا التجهيل للناس ومن ثم الظهور بمظهر الحريصين على الوحدة الوطنية في لحظة الاختلاف على الوطن نفسه، فهل هو غزة-أريحا أم رفح- حيفا؟ هل هو فلسطين أم اوسلو-ستان؟ هذه كتابة بدفتي الميزان رجحة هنا ورجحة هناك: مثلا( إن من حق الفلسطينيين الحصول على دولة عبر التفاوض، ولكن المفاوضات التهمت عشرين عاماً، ورغم أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، ولكن لا يمكن الاستمرار خارج سياساتها، ورغم وجود الفساد، إلا أن وجود السلطة إنجازاً كبيراً…الخ. )
إن الدوران في هذه الحلقات اشبه بما يكتبه مثقفو العربية السعودية، حيث وقع بيدي مقال بالإنجليزية لتركي الفيصل يقول: “أن أميركا سوف تخسر من نفوذها إذا رفضت الدولة الفلسطينية، وهذا سوف يقوي حزب الله وحماس والدول المنبوذة سوريا وإيران…الخ. ولكن ايها الأمير، إذا كنت تختلف مع هؤلاء، فهل أنت أمير عربي أم صهيوني؟
لماذا الفيتو الأميركي؟
ولكن، إذا كان مقترح الاعتراف الافتراضي أو الحصول على دولة فخرية، كالدكتوراة الفخرية، فلماذا تضن الولايات المتحدة بهذا القليل الضئيل، بل بما يقوض القضية الفلسطينية في النهاية؟
إن هذه الزوبعة هي شكل أميركي مألوف على طريقة أفلام هوليوود كي يتبين بأن الولايات المتحدة لا تفرض على حلفائها أمراً. وهذا تعزيز لموقع هؤلاء الحلفاء كي يكون تنازلهم في المفاوضات المقبلة مغطى. فما سياتي[4] سواء بالحصول على الاعتراف أم لا هو: المفاوضات التي اغتصبت منَّا عقدين من الزمن المعبوث به.
ومن جهة ثانية، فإن الولايات المتحدة والكيان ما زالا يريان أن هذا الاعتراف الشكلاني لم يحن اوانه بعد، ومن جهة ثالثة، كأنهم يقولون: نحن الذين نقرر متى تتنازلون ومتى تتمنعون، وهذا تماماً كما فعلوا حين صنعوا اتفاق أوسلو، كما أن الصهاينة والغرب بأجمعه يرفضون بأن يكون لأي طرف حتى لو صديقاً لهم اي مستوى من القرار الذاتي حتى بما يستقيم مع سياساتهم كي لا يتطور هذا “الحليف” إلى حليف يفكر بافقه الخاص.
[1] للطرافة، فقد انشغل ب ايلول بعض من انشغلوا طويلاً بالهجوم على سوريا وليبيا واليمن من مداخل سعودية وهابية أو مداخل أميركية تركية مضادة للقومية العربية.
[2] بعد أن تم الفتك بالميثاق القومي والوطني، ومن ثم بمنظمة التحرير، مرت قضية شعبنا وأمتنا بمنعرجات احتوت على كمائن فلسطينية بالأساس، أحدها اليوم من يقولون انهم مجموعة استراتيجية. وهذه أتت نبتاً متأخراً لفريق احتضنته جامعة أوكسفورد في بريطانيا منذ بداية ثمانينات القرن العشرين. ورغم الأوراق العديدة لتحليلات هذا الفريق، فهو ليس سوى محاولات استدارية لصالح التسوية بما تعنيه اساساً أي إسقاط حق العودة.
[3] أحد كتاب الوحدة الوطنية، هذا على سبيل المثال، كتب وقال بحماسة شديدة لصالح قيام الناتو بتدمير يوغسلافيا، فلماذا لا يهتف لتدمير ليبيا؟
[4] يتحدث كثيرون عن أكثر من شكل للنتيجة، اي عضوية، عضوية مراقب، أو دولة غير عضو…الخ !!!