العميد الدكتور امين محمد حطيط
منذ ان بدأت الحركة الاحتجاجية في سوريا واتسعت مروحة المطالب المرفوعة ارتسم السؤال الذي يعول عليه الغرب ويتردد في اكثر من مكان استفسارا عن مدى تأثر المقاومة في لبنان بما يجري في سوريا و انعكاسه حاضرا ومستقبلا عليها، وطبعاً كان السؤال مبررا لاكثر من اعتبار فالمقاومة والنظام السوري تجمعهما منظومة المقاومة والممانعة المتشكلة في المنطقة لمنع سيطرة ارباب المشروع الغربي عليها، وسوريا هي البوابة البرية الوحيدة للبنان المقاوم وتشكل بموقعها الجغرافي العمق الاستراتيجي اللصيق والجسر الى العمق الاستراتيجي الابعد شرقا و في اي اتجاه اخر في العالم. من اجل ذلك كان المراقب للاحداث يضع عين على المسرح السوري والعين الاخرى يبحث فيها عن مؤثرات ما يجري هناك على المقاومة في لبنان وهي التي تتعرض لهجوم غربي من بوابة ما اسمي “المحكمة الخاصة بلبنان” والمناط بها بموجب القرار 1757 محاكمة قتلة رفيق الحريري، وانقلبت بوضوح كلي الى سيف يسلط على المقاومة.
· بتقدير موقف تحليلي يمكن تصور اوضاع المقاومة في لبنان على ضوء ما سيؤول اليه الحال في سوريا حيث اننا ورغم قناعتنا المطلقة بان الهجوم على سوريا فشل و انقلبت خطة اسقاط النظام بعد ان تبين عقمها، الى خطة الانتقام من سوريا التي يوحي اصحابها بانهم لم يفشلوا بعد وانهم يستطيعون ان ينالو من سوريا ويحاصروا المقاومة في الآتي من الاسابيع، وهنا وانطلاقا من قاعدة فرض المحال ليس بمحال ومجاراة للمنهجية العلمية فاننا نعرض السيناريوهات الممكنة وطرح الفرضيات المحتملة – مهما كانت درجة الامكان او الاحتمال فيها – لنبين مدى تاثر المقاومة في لبنان بكل من تلك الصور والسيناريوهات التي سنعرض لها والتي تتراوح بين توقع ثبات النظام واستمراره في دعم المقاومة، او تغييره وخسارة المقاومة عمقا ودرعا استراتيجيا وبينهما فرضيات وسطية منها بقاء النظام مع تغيير في اسلوب التعامل مع المقاومة او تغيير النظام مع عدم التنكر للمقاومة او انقلابه الى نظام معادي للمقاومة واخيراً فرضية انهيار الوضع مع العجز عن اقامة نظام مركزي يحفظ وحدة سوريا:
· السيناريو الاول: ثبات النظام القائم في مواقعه وسياساته دون تقديم تنازلات للخارج ترتد سلبا على المقاومة اي بقائه على سياسته الخارجية ومواصلته العمل داخل منظومة المقاومة وثبات تحالفاته الاستراتيجية مع ايران والمقاومة بشكل عام. في هذه الحال لن تتأثر المقاومة في ما يتعلق بجهوزيتها وقدراتها القتالية وفعالية مواجهتها لاسرائيل، لكن الاثر السلبي الوحيد الذي قد يسجل هنا في وجه المقاومة هو علاقتها ببعض التيارات السياسية السورية التي انخرطت في الحركة الاحتجاجية وناصبت المقاومة العداء لانها وقفت مع النظام.
· السناريو الثاني: استمرار النظام الحالي واضطراره للانكفاء داخليا وتغيير سلوكه حيال المقاومة بشكل لا يبقيه حليفا مساعدا ولا يحوله عدوا مطارداً. وقد يسعى الغرب الى هذا الوضع عبر تسوية تتم بينه وبين النظام، بحيث تتأمن مصالح النظام بالاستمرار الآمن، وتتحقق احلام اميركا في اقتلاع العقبة الاستراتيجية الهامة من وجه مشروعها الكوني الذي لا بد له من ان يعبر من بوابة الشرق الاوسط حتى ينجح. وفي حال تحققت هذه الفرضية ستجد المقاومة نفسها قد خسرت ابوابا ومعابر وسنداً الامر الذي سيضطرها للبحث عن بدائل وايجاد اساليب عمل جديدة للابقاء على قدراتها دون الاصطدام بنظام يشهد تاريخه على دعمها، كما سيكون عليها الاستمرار في تراكم قوتها مع بذل جهد اضافي. وفي عودة الى واقع المقاومة وامكاناتها اليوم نجد انها قادرة على التكييف مع هذا الوضع والعمل بمرونة تجمع المصلحتين (مصلحتها ومصلحة النظام.
· السيناريو الثالث: سقوط النظام القائم وقيام نظام بديل عميل لاميركا. ان هذا السياناريو هو الحل الذي يعتبره الغرب مثاليا له. اذ في حال نجاحه سيتكرر مشهد نظام حسني مبارك مع قطاع غزة وتتحول سوريا الى القلعة الاستراتيجية الاسرائيلية البديلة لمصر بعد انهيار مبارك. ولكن السؤال الذي يطرح هل ان نظاماً كهذا ممكن القيام في سوريا اليوم خاصة في مسالة العداء للمقاومة ؟
من حيث ما يقدمه الواقع السوري اليوم من معطيات نستطيع القول بانخفاض نسبة الاحتمال الى ما يشبه العدم، ولكن وبما ان فرض المحال ليس بمحال فاننا نرى ان المقاومة ومع نظام كهذا ستخسر حتما عضدا وسندا استراتيجيا ما سيعقد عملها ويبدد جزء كبير من قدراتها وجهودها ولكنه لا يصل الى حد دفعها الى التآكل والقاء السلاح، خاصة مع توقع عدم استقرار سوريا مع نظام كهذا واحتمال تشكل المقاومات في داخلها ضده. ان وضعا كهذا سيدفع المقاومة في لبنان الى بذل جهد اكبر والعمل على الذات والاستفادة من الطاقات المحلية مع ايجاد البدائل المناسبة وهنا سيكون الشأن الداخلي اللبناني ذو اهمية اكبر في سياسة المقاومة واستراتيجيتها، مع نظام كهذا لن تحنق المقاومة ولن تستمر في الراحة التي هي عليها في العلاقة مع سوريا.
· السيناريو الرابع: سقوط النظام والعجز عن اقامة النظام المركزي القوي البديل. وفي عودة الى ما يصدر عن الغرب من دراسات وبحوث استراتيجية نرى ان الدوائر الصهيونية و الاميركية نرى ان الغرب يسعى الى هذا الحل ان لم يتمكن من اقامة النظام العميل له او تغيير سلوك النظام القائم. اما الصيغة التنفيذية فتتجسد في واحد من امرين اما تقسيم سوريا الى 4 دول كما تسرب في اكثر من مشروع غربي وثيام كونفدرالية بينها، او قيام المناطق المغلقة الواهنة التي ترتبط بالمركز بشكل ضعيف ويكون الجيش السوري هو الضحية الاولى لهذا الحل. اما عن تأثيره على المقاومة، فاننا نرى بانه يفقدها مكاسب لا باس بها تتمتع مع النظام القائم، ولكن سلبياته لن تصل الى حجم سلبيات السيناريو الثالث، خاصة وان بعض الدويلات التي قد تصنع لن تكون في عداء اكيد مع المقاومة وان الاخرى لن تكون في قوة تمسك بارضها.
· السيناريو الخامس: سقوط النظام القائم وقيام البديل الذي لا يتنكر للمقاومة ولا يعاديها وتتراوح سياسته بين التأييد كما هو الواقع القائم كما عرضنا في السيناريو الاول، او التنصل من التزاماته حيالها من غير عداء كما هو في السيناريو الثاني. وهنا لن ننقاش كثيرا في هذا الاحتمال لسببين واولهما تجنب التكرار لان انعكاس هذا على المقاومة مبين في السيناريوهين الاول والثاني اما السبب الثاني فيكمن في انعدام فرص حصوله لان الغرب ان تمكن من اسقاط النظام لن يسمح باعادة انتاج نظام يدعم المقاومة (والا لما كان بذل كل هذا الجهد، خاصة واننا نرى ان الحرب على سوريا لم تكن يوما من اجل الشعب السوري والديمقراطية والاصلاح بل من اجل اسرائيل والغرب، ولولا التدخل الخارجي لما كانت الاحداث في سوريا استمرت كل هذا الوقت ولكانت الفئات السورية استجابت الى الدعوة للحوار وبحثت عما يخرج البلد من ازمته).
اما في درجة احتمال او توقع تحقق اي من السيناريوهات فان نرى:
· ان السيناريو الاول اي بقاء النظام الحالي واستمراره في موقعه الاستراتيجي في دعمه للمقاومة هو السيناريو الاوفر حظوظا، حيث ان قوته الداخلية شعبيا ورسميا وعسكريا واحزمة الامان الاقليمية والدولية القائمة حوله لا زالت قوية وفعالة، الامر الذي يسقط فرضية التدخل الاجنبي العسكري او “الانساني”، ويبقى النظام ثابتا ويده طليقة في تحديد خياراته وهذا ما سيبقي للمقاومة طمأنينتهاعلى استمرار وضعها القائم من غير انتقاص.
· واما السيناريو الثاني اي بقاء النظام الحالي في السلطة وتراجعه عن الدعم العلني للمقاومة، ونحن رغم استبعادنا لهذه الفرضية لان حظوطها منخفظة جدا فالنظام لو شاء هذا الامر لعقد الصفقة منذ العام 2003 في ذروة المخاطر التي كانت تتهدد المنطقة و لما كان تحمل كل تلك الاعباء التي سببها رفضه للخضوع لاميركا وفي كل الاحوال فاننا لانرى مع تحقق ذلك خطرا جدياً يهدد المقاومة بشكل يؤثر جذرياً على طاقاتها واستراتيجتها انما سيحملها على بذل الجهد الحذر الاضافي.
· ومع السيناريو الثالث اي قيام نظام مركزي قوي معاد للمقاومة وهو الاقل احتمالا الى ما يشبه الانعدام، فاننا نرى في تحققه الوضع الاسوأ الذي ستواجهه المقاومة لكنه لن يصل الى حد المس العميق بقدراتها ومستقبلها نظرا لما تملكه وما يمكنها من توفيره من بدائل في هذا النطاق ليس من مصلحتها ان تفصح عنها اليوم او غدا عملا بمبدأ السرية االمؤدية الى المفاجأة الفاعلة، لكنها تستطيع التعلب على الماعب الجدية التي قد يبتكرها، مع العلم ان نظاما كهذا يلزمه على الاقل 5 سنوات حتى يمسك بلارض، وسيكون بحاجة الى قوات اجنبية تبرر نشؤ مقاومة في سوريا تغير الصورة.
·اما السيناريو الرابع اي عدم القدرة على قيام االنظام المركزي البديل في حال سقوط النظام، فانه يلي الاول من حيث درجة الاحتمال، لان الافق السوري لا يظهر جهة قادرة على اقامة الجبهة الائتلافية التي يمكنها ان تحكم، وان الواقع الدولي والاقليمي لن يسمح باقامة النظام العميل لاميركا و لن يدغه يستقر ان قام. ومع هذه الفرضية لن تجد المقاومة نفسها مختنقة بواقع يفاجئها، وستكون خسارتها محدودة الى حد بعيد في الواقع المتشكل المفترض.
وفي الخلاصة، ومع تاكيدنا وفقا للمعطيات القائمة بان النظام السوري الحالي المنتظم في منظومة المقاومة والممانعة، هو من القوة والصلابة بمستوى يحول دون سقوطه كما خطط الغرب، وان احتمال التغيير بما يؤذي المقاومة هو احتمال ضعيف للغاية، لكن حتى ومع هذا الاحتمال نرى ان المقاومة لن تجد نفسها محاصرة او تواجه الحائط المسدود في مسيرتها بل سثجد ان ساحاتها توسعت و اهتماماتها تنوعت ما يفرض عليها بذل الجهود الاضافية لتؤكد مجددا بان عصر الهزائم لن يعود وان الشعب سيقود نفسه ويكتب مصيره بوجه اصحاب المشروع الغربي الاحتلالي.