ظلال ليبيَّة على الناتو، العروبة، والهزيمة المخفية لمثقف المقاومة

عادل سمارة

لعلها مفارقة لافتة أن تفرض ليبيا نفسها لتكون في دائرة الضوء بل لتضيىء هي بنفسها، ولتعطي بدورها إنارة على زوايا في السياسة العربية وفي مواقف المثقفين لم تحظ سابقاً بضوء ضئيل.

في هذه الحالة، فإن تقاطع الموقف العربي الرسمي والموقف الثقافي العربي هي قمة دراما تراجيديا ليس الانزياح وحسب بل إدارة الظهر لمرحلة من محاولات النهضة العربية بإنجازاتها وإخفاقاتها، إدارة ظهر تشتمل على إطلاق النار على المشروع، اغتياله، وليس التخلي وحسب. هذا امر مفارق، حتى وإن سبقته حالة مُشابهة هي ذلك الاستدعاء والاحتفاء باحتلال العراق.

جامعة الدول العربية هي التي توسلت تدخل الناتو ليقصف الجيش الليبي و “يحمي” المدنيين، لم يتم هذا علانية في حالة العراق. وطبقاً لما زعمه عمرو موسى، أن الناتو تجاوز المسموح به. هذا وكأن السيد موسى هو الذي يُدير عمليات الناتو! وبعد سقوط طرابلس سمعنا قيادات مقاومة وعلماء دين من مختلف طوائف الإسلام السياسي تنصح ثوار الناتو بالحذر من تسلل الغرب إلى ليبيا! ونرى يومياً دعم فضائيات لبرالية أو مبرقعة بغطاء الإسلام السياسي تزكي ثوار الناتو ولا ترى، ربما بسبب الحجاب اللبرالي المتخارج، وجود وسيطرة الناتو. ألا يثير هذا تساؤلات كبرى؟

نفهم أن هذا دور الدولة القطرية وخاصة في حقبة الكمبرادور، ولولا هذا الدور لما قامت ولا دامت. ونفهمه من المثقف القطري الذي لا يتجاوز وعيه بالحرية أرنبة أنفه القطرية حتى ليكاد يرى قريته امبراطورية، ونفهمه من مثقفي التخارج اللبرالي، ومثقفي الكمبرادور اليساري. ولكن هل هذا دور قوى مقاومة؟ هل وراء هذا مقاوم مهزوم أم مقاوم قُطري لا عروبي يتقاطع موقفه مع المركز الإمبريالي في لحظة الهجمة على الأمة العربية، لحظة تحالف خطاب (ولا ندري ماذا على الأرض) لحظة تحالف وتآلفٍ بين عالمية الإسلام السياسي وعالمية راس المال الغربي. هل الصمغ اللاصق لهذا التقاطع ديكتاتورية النظام الليبي أم بقايا موقفه القومي؟

ولكن، ما الذي يدفع المثقف القطري للتغني باحتلال قطر آخر؟ لا سيما إذا عرفنا، وربما عرف هو، ما الذي حصل في ليبيا؟ هل هو سقوط النظام أم سقوط البلد؟ وهل يقدم لنا موقف إفريقيا إنارة ما، ناهيك عن موقف أميركا اللاتينية. ثم دعنا من موقف روسيا والصين والهند.

إذا كان الاستعمار الذي دخل قسراً، لم يخرج دون قتال مُرٍّ، فهل سيخرج استعمار راسمالي في حقبة العولمة وقد جاء باستدعاء محلي بل وباستجداء، وأطلق عليه حامي المدنيين وساتر الأعراض، وموزع الثروات، وحتى حامي الإسلام!

تقاطع لا قومي ولا طبقي

ما معنى إسقاط نظام اللامواطنة لصالح إسقاط وطن! ما هو الدرس المستفاد من وراء ذلك؟ وهل يكفي لتغطية هذا الموقف نقد الاستبداد وتجاهل سيطرة الناتو عسكريا وسياسيا واقتصادياً؟ هذا السؤال مقصود به التحالف الضمني الثلاثي بين:

· الناتو اي المركز الراسمالي المعولم

· أنظمة الكمبرادور العربية

· عرب: لبراليون، علمانيون، وإسلاميون سياسيون.

بيت القصيد في موقف جامعة الدول العربية مع استثناء سوريا والجزائر، وربما فئة قليلة أخرى، هذا الموقف هو القرار الأول من نوعه في التاريخ العربي الرسمي المعاصر، قرار يأتي تماماً على الرابط القومي. إنه استدعاء جماعي للاستعمار يتضمن اساساً طحن الرابط القومي العربي. وهذا ما يعزز قولنا دوماً أن جامعة الدول العربية هي اصطفافات قطرية لتشكل انسداداً ضد المشروع القومي الوحدوي.

لقد تضمن هذا القرار مشاركة دول عربية في العدوان في أذيال الناتو على دولة عربية أخرى، وهذه ليست الأولى بل هي الثانية بعد العراق، ولكنها ايضاً ضربة عملية لتجاوز الخطاب والموقف القوميين معاً. لا بل تتجاوز الموقف الطبقي، فاحتلال قطر عربي هو في جوهره احتلال طبقاته الشعبية، هو تشارك المستعمِر بصيغته المعولمة اليوم مع كمبرادور محلي على أرضية اقتصاد التساقط ليس أكثر. وفي هذه الحالة يكون العدوان القومي هو على قومية الطبقات الشعبية بل تكون الطبقات الشعبية هي حامل القومية بمفهومها ومضمونها التحرري والثوري وفي النهاية الاشتراكي.

قد ينهض البعض بالقول، وهل تعي الطبقات الشعبية هذا في حين أن مثقفين بأوزان عالية لم يهضموا بعد تقاطع قومية الطبقات الشعبية مع الاشتراكية، ويتمترسون وراء مقولات ل ماركس نفسه عن عدم التقاطع هذا؟ ليس هذا مكان الدحض والتأصيل في هذه النقطة، بل ما يجب تثبيته هنا أن تجويف الوعي الذي مارسته أنظمة الاستبداد، ضد القوى السياسية ومثقفيها، ويباس الوعي الذي اتسمت به قيادات هذه القوى قد لعبت دورا كبيرا في صرف الطبقات الشعبية عن وعيها السياسي، وإن كانت لم تفقد خميرتها الفطرية في الوطنية/القومية والاشتراكية. وقد نذهب أبعد للاستنتاج من هذه التجارب العربية، أن لا اشتراكي حقيقي ما لم يكن وطنيا حقيقيا أولاً، وعروبيا حقيقيا كذلك. ربما كان سبب انزياحات العديد من الماركسيين العرب لصالح تأييد احتلال قطريات عربية هو أن الساق الوطني للشجرة، الانتماء العروبي لم يكن ساقاً قوية!

فالأنظمة العربية بحكم مصالحها الطبقية ولا سيما في لحظة تجذر وهيمنة الكمبرادور، اي بعد نصف قرن من تداعي المشروع القومي وبعد قرن على مرحلة انتقالية مديدة عربياً لم تصل بنا إلى نظام راسمالية مكتملة، بل أوصلتنا إلى تشكيلات متشظية من حيث الجغرافيا والإنتاج، وهذا أمر طبيعي حين يتراجع نمط الإنتاج بل قطاعات الإنتاج ويتم استظهار اقتصاد الريع. كما لم تصل بنا إلى تشكيلة اشتراكية حتى ولو دولانية.

الموجة القومية الثالثة

يعيدنا موقف الأنظمة هذا إلى أطروحتنا بشأن الموجة القومية الثالثة وأقصد بها التلونات التي طرأت على المسألة القومية في حقبة العولمة بمعنى أن مشروع المركز في تفتيت المحيط يتم بعد هزيمة الموجة القومية الثانية اي حركات التحرر الوطني بل دول التحرر الوطني المسماة دول ما بعد الاستعمار، أن هذا المشروع قد هُزم مما سمح لإمبريالية المركز أن تقوم بالهجوم المعاكس عبر رفع إثنيات وطوائف وتجمعات شتيتة إلى مستوى “قوميات” ومساعدتها على الانفصال مما جعل منها قواعد للإمبريالية أكثر منها أمما ودولاً قومية. نجد هذا لدى الأكراد التابعين للمركز وللكيان الصهيوني وليس المقصود هنا الأمة الكردية، ونجده في سلسلة الانفصالات عن يوغسلافيا.

ولعل التطبيق الأخطر لهذه الموجة ما يُعد للوطن العربي من رفع فرق-تسد إلى التفتيت والتذرير، وهو ما يمكن أن تنتهي إليه ليبيا كما هو حال العراق، وإن أمكنهم سوريا فالسعودية فمصر…الخ، وكل هذا بعد تجربة ناجحة في السودان. هل يصح القول إن إمكانية التفتيت هذه ناجمة بدرجة كبيرة عن وجود نظم عربية استبدادية بطبعاتها القومية البرجوازية من جهة وطبعاتها الكمبرادورية التابعة من جهة ثانية؟ ولثوار ومثقفين وُلدوا من زنى الناتو من جهة ثالثة، نقول نعم منهن جميعاً.

مثقفون لا عروبيون

إذا كان هذا الموقف الطبقي من الأنظمة الحاكمة مفهوماً لأنه متوقعاً، فإن ما هو مختلط وضبابي هو موقف كثير من المثقفين العرب الذين ربطوا انفسهم بقرار جامعة الدول العربية مما كشف عن نزعات قطرية تثير الشبهات بمعنى أن النزعة القطرية دون اقترانها بخدمة الاستعمار ضد قطر آخر هي مسألة سيئة لكنها اقل وضاعة من تبرير الاحتلال والتدمير بالطبع. كما أقروا بتدخل الناتو في سلوك ينم عن دونية متأصلة مفادها أن لا خلاص إلا على يد المستعمِر. وأن كل لون من مثقفينا هو ظلٌ لنفس اللون من الغرب.

اللافت والُمفارق هو أن كثيرين من هؤلاء المثقفين وصلوا في قراءة الوضع الليبي حد الكذب تلافيا للإحراج. فهم ينسبون إلى ثوار الناتو القدرة والدور الأساس في احتلال طرابلس! ويقللون من دور الناتو، ويزعمون أن الناتو قضى اشهراً وهو يناور بين نظام القذافي وبين ثوار الناتو. وربما كان هذا صحيحاً، ولماذا لا يفعل الناتو ذلك. ولكن التقليل من دور طيران الناتو على الأقل في الشهرين الأخيرين هو في الحقيقة كذب وتزوير مثير للشفقة. وحين نقول طيران الناتو يعرف الناس اية قوة تدميرية هي التي يُحكى عنها.

ومما يثير شفقة أكثر، مطالبة هؤلاء المثقفين علمانيين وإسلاميين، من ثوار الناتو أن يحذروا من الدول الغربية وأطماعها! هذا وكأن الدول الغربية ليست هي التي احتلت ليبيا، وكأن هؤلاء يودون القول: حتى اللحظة لم نكن متأكدين من وجود الأطلسي هناك! ولا يدري المرء كيف سيبرر هؤلاء مواقفهم غداً حين تصبح ليبيا بأكملها منطقة حرة لشركات الغرب بشكل خاص.

فلتمان ساركوزي، كاميرون ثم السلطان

اصطفاف حسب المكانة!

هي ليبيا، البلد العربي، ليست دنكرك وليست مرسيليا ولا البرجين القتيلين ولا الآستانة. فما معنى الدخول الاحتلالي لها بهذه الطريقة المراتبية؟ حسب المكانة في اقتحام الفضاء يكون اختراق المكان، طِبقاً لنمط التدمير تكون المرتبة على الجغرافيا ممثَّلة بممثلي الشركات عابرة القومية في تراتب احتوائي مهيب: فلتمان أولاً بما هو رسمي اميركي ويهودي صهيوني، وهل هناك من هو أعلى كعباً!!. ثم لهذا التراتب معناه في السياسة الدولية، فلم يكن ممكناً أن يصل السلطان أردوغان قبل فلتمان، ولا كاميرون قبل ساركوزي. في الشركة الليبية ذات الخمسة ملايين نسمة، تكون مراسيم للاستقبال والسيطرة لمن ساهم أكثر في احتلال البلاد. كان بوسع ساركوزي الوصول سباحة إلى طرابلس قبل طائرة فيلتمان، لكن هذا الجندب لم يفعل. وكل ما يطمح إليه أن يُعطى أكثر على طاولة اقتصاد التساقط.

في مؤخرة القافلة كان السلطان أردوعان يحمل راية للإسلام على خجل وخفر لا تزيد عن مساحة منديل اليد، ملونة بألوان غربية ومنسوجة بخيوط صهيونية تبدو منها بقعة خضراء صغيرة لترشي المؤمنين الحقيقيين!، وصل ليبيا حاملاً دور حكومته في الأطلسي وتشغيلها في تخريب مأمول لسوريا كجواز دخول. هل يكشف هذا تمثيليات أسلاميته أو عشقه للحرية.

هكذا يهبط الغرب من طائرات الناتو إلى رحم النفط الليبي ويحمل السلطان لهم الطيب والبخور. ما اجمل هذه اللوحة القذرة في عيون اقلام مثقفي القطرية المتوترين ضد العروبة والمتمترسين وراء:عرب فوبيا، فكيف إذا احتوت العروبة بعداً اشتراكياً!

تُضاء الفضائيات بالصور وأعداد من المواطنين الليبيين الذين يرقصون على جثة الوطن الذي يتخيلون أنه “تحرر”. هل يُدرك هؤلاء ما معنى حرق البنية التحتية في ليبيا بطيران الناتو؟ وهل يدركون الثمن الذي سيُدفع، وهل سيكتشفون أنهم في النهاية عبيداً لمن اسقط نظام القذافي.

سؤال موجه إلى كل العرب والمسلمين بمراتبهم والوانهم ومعتقداتهم، إلى كل من شارك في العدوان:

· بالجنود والسلاح

· بالمال

· بالتهاني وبالشماتة

· وبإخفاء السعادة بما حصل على مبدأ التُقيا حتى ممن بات قتيلاً!

هذه المشاركة العربية والإسلامية قصفت العقول باخطر مما قصف طيران الناتو أجساد الشعب الليبي وبناه التحتية؟

سبعة اشهر والقذافي يقاوم وحده، وهل مع الديكتاتور أحد؟ اليس هذا إخراج إعلامي متقن يزعم أن الرجل حتى دون أولاده يقاوم طيران الناتو وجيش قطر والإمارات. وللذكرى فقط، هكذا كان يقول جورج بوش أن صدام وحده، أما جورج الصغير فقد زرع كاليفورنيا بالورود كي تنعفها نسوة العراق على جيشه وتتألق أحداقهن السود في عشق العلوج! ليست هذه الكلمات خيال شاعر. فهذا ما تزعمه مختلف الدول والقوى التي قامت بتدمير ليبيا أو التآمر عليها أو التهنئة بسقوط النظام الليبي. عجيب هذا الديكتاتور، وحيد ضد كل العالم؟ ويصمد سبعة اشهر. هل نستذكر اسطورة جلجامش أم هرقل أم جالوت؟

قد لا يكون هذا عالي الأهمية عند كثيرين، ولكن، أين صمد جيش بلا غطاء جوي أمام اقوى غطاء جوي في التاريخ؟ حتى مقاومة حزب الله وحماس، وهما ليستا جيشاً نظامياً، لم يمتد القصف عليهما كما في ليبيا؟ بل ثلاث دول عربية هزمت في حرب حزيران 1967 نظراً للسيطرة الجوية للكيان الصهيوني. ولنفترض أن طيران الغرب شارك آنذاك، وليس هذا مستبعداً، ولكن “مرتزقة” القذافي يقاتلون منذ سبعة اشهر طيران الناتو بدءأً من الولايات المتحدة شمالاً إلى النرويج والدانمارك وجنوبا إلى فرنسا وشرقاً إلى قطر والإمارات وخلفهما آل سعود، هل لهذا معنىً؟

صحيح ان القذافي رشى كثيرين، وتصرف بالكثير من أموال ليبيا، ولكنه أنفق على بلده الكثير، كما أن أرصدة بلاده 167 بليون دولار سوف يتقاسمها اللصوص الحضاريين سواء بتآخيهم أو بمسيل دماهم وهناك 35 بليون دولار رصيد أول لإقامة صندوق نقد إفريقي لمواجهة صندوق النقد الدولي، شرطي تشليح المحيط. ليس هذا مكان التعداد، ولكن اللافت أن التقارير والمعلومات وكتابات الغربيين وغير الغربيين وخاصة الأفارقة تؤكد أن الشعب الليبي كان يعيش بحبوحة نسبية كي لا نتحدث كالفضائيات. في حدود ما نعلم لأن ليبيا تتكلم العربية، فهل عجز مثقفون عرب عن قراءة وضعها بينما قرأه المتحدثون باللغات الأخرى؟ هل يقرأ هؤلاء المثقفين وقوى المقاومة تلك، وما أكثر من قبض بملىء يده من رشاوى القذافي، فهل تذكروا الحرية وحقوق الشعوب آنذاك؟ أم داخوا في نعمة القبض من الديكتاتور؟

اصحاب ومدراء الفضائيات التي اغتبطت لسقوط بغداد هي نفسها/ سواء فضائيات المقاومة أو فضائيات النفط، تغتبط لسقوط طرابلس، واخشى أن فضائيات المقاومة تنتظر سقوط دمشق كي “تبق الحصوة”!

هل حقاً كل هذا لأن القذافي كان ديكتاتوراً؟ حبذا.

أم لأن الأمر موقف من اي جذر عروبي سواء كان ثورياً ك عبد الناصر أو قمعياً كالقذافي؟ قد يعني هذا السطر تناقضاً عقيديا/طائفياً/ عرقياً.

وربما الأمر أخطر. سأكون حزيناً إذا تأكد اعتقادي أن الأمر كامن في الخطاب، في تبعية العقل كما هي تبيعة الاقتصاد. هو ذلك الكفر المخفي بالتغيير والتحرر؟ هو التربية والفُطام على خطاب أولوية وعُلوية وفوقية وسيادة الفكر البرجوازي الغربي. هو الاعتقاد أن الغرب سيد بتركيبته البيولوجية، خلقة الله، ولا اعتراض على خلقة الله!

إذا لم يكن الأمر هكذا، فما معنى ذلك الاحتفاء بانتصار الأطلسسي أو إنكار أن الأطلسي هو المنتصر؟ ما معنى المرور العابر على دور الأطلسي وتضخيم ثوار الناتو كما لو كانوا فتحوا مكة؟

لعل أول مدلول لزيارة الأربعة إلى طرابلس هو ترتيب التقاسم كما اشرنا أعلاه. لذا لم يأت أياً من إسلاميي الخليج، لم يحن الدور بعد، لم يأذن لهم الغرب. كما لم يأت عمرو موسى ولا نبيل العربي. كل ما تجرَّأ بعض العرب على فعله هو إرسال التهاني لثوار الناتو، بل إرسال التشفي؟ وهل يليق بالإسلام هذا؟ ألم تقل هند للرسول الكريم: “انبي وحقود” فيعفو عنها يوم فتح مكة؟

هل هذه القراءة العوراء لوضع ليبيا مثابة رسالة بليغة تقول: إن مقاومتنا لكم واعتراضنا عليكم هي مؤقتة. نحن حلفائكم في التحليل الأخير إذا ما تخليتم عن الصهيونية؟ نحن ضد الأمة العربية وضد تحررها وتحرير ثوراتها، ثرواتها لكم. الستم انتم الذين اخترعتم النفط؟ أنتم أهل الحداثة التي تبهرنا ولا نفهمها، أنتم الأقدر على التفكير والتجريد، ونحن نحاول، كل جهدنا، لنفهم بعض عبقريتكم.

اعذرونا، تخلوا قليلا ولو شكلياً عن الصهيونية كي نبرر للعرب الفقراء قعودنا النهائي في حضنكم.

هل هذه المرافعة متطرفة؟ بل ربما اقل بكثير مما يجب؟

ما معنى وقوف إفريقيا السمراء الفقيرة رفضا وخوفاً من الناتو وثورته في ليبيا، إفريقيا التي يدمي جسدها وبكارتها من اغتصاب العرق الأبيض؟ سيجيب العرب التبعيون، عرب الناتو، إن هؤلاء “العبيد” الجوعي كانوا يأكلون من موائد القذافي؟ ما معنى موقف اميركا اللاتينية ضد ثوار الناتو؟ سيقول المثقفون اللبراليون والمتخارجون ومرتدو اليسار، هؤلاء بقايا يسار تتراكب فيه السوفييتية والماوية والجيفارية وهي خطاب أو خطابات لم تعد تناسب العصر “عصر الثورات العربية” فلا بد من لغة اخرى! جميل، تفضلوا. وما معنى ندم الضعف والمصلحة الذي وقعتا فيه الصين وروسيا بعد انخداعهما تجاه قصف بنغازي المزعوم؟ كل هذه بحاجة لقراءة/آت، على الأقل قراءة عبرة افريقيا على أرضية معاناة المستعمَر، وليسامحنا العنصريون من العرب على محبتنا للسود الفقراء.

ألم يفهم الراقصون لاحتلال ليبيا أن اليد العليا للغرب، وأن قيادة ثوار الناتو تتآلف من بلحاج ممثلا للقاعدة والذي يكرر تجربة بن لادن، وخفتر ممثل ال سي.آي إيه، وعبد الجليل الذي يأتمر بأمر الجميع.

حين يتجمع كل هؤلاء، حين يتحالف الإسلام السياسي و أل سي.آي إيه، ألا يعود الدرس مفهوماً؟ لكن الراس التي اخترقها المستعمِر، لن تفهم، وإن فهمت لا تجرؤ على البوح، فهي لو ارتقت تبقى كالمحب الجبان.

هي عنزة ولو طارت. فمن لم يعتد نقد الذات لن يرتقي إلى مراجعة موقفه. بل ربما الأمر أخطر. كما يبدو، فإن المهنئين والمباركين يعرفون اكثر منا، ويرون كل هذا تقريباً لهدفهم النهائي، عربا ومسلمين يُصبحون ملوكا وسلاطين، تحت لواء راس المال الغربي، فالعين لا تعلو على الحاجب. كلا، ليس امام العين سوى طحن الحاجب.