عادل سمارة
رام الله المحتلة
1) ما هو التطبيع والتطبيع الثقافي؟
المحتوى الحقيقي لهذه الكارثة هو ذاتي، ومن هنا نتحدث عن تطبُّع وليس تطبيعاً. إنه وصول شخص، حزب، طبقة نظام حكم أو مجتمع إلى استدخال الهزيمة مقابل عدوه، وعليه، فهو يتماهي مع هذه العلاقة المكسورة فيأخذ بالتفكير والتصرف والإعلان والإشهار كمهزوم. إنها حالة من استدخال سيطرة العدو في المستويات النفسية والثقافية والمادية والسياسية والتعاطي مع هذه السيطرة كما لو كانت الوضع الطبيعي أو القدر. وبتقادم الزمن تتحول السيطرة إلى هيمنة، وهذا هو المستوى الخطر من التطبُّع حيث يشعر المطبِّع كأنه يستدخل روح شعبه وأمتة لا مصالح وسيطرة العدو. لذا نجد من الفلسطينيين والعرب من يفتخر بأنه مطبعاً، ويهاجم اللاتطبيع. وإذا حصرنا قراءة التطبُّع ورفض التطبُع ضد الكيان، اي إن لم نتحدث عن وجوب مناهضة التطبع مع الأنظمة الحاكمة كتابعة، ومناهضة تطبع الكثيرين مع أنظمة المركز الراسمالي المعولم، فإن التطبُّع في نهاية المطاف هو صهينة بلا مواربة.
والتطبع الثقافي هو الأخطر لأنه يسوَّق السلعة الفكرية والثقافية والنظرية، وهذه تعيش أكثر من السلع المعمِّرة. نستورد سيارة وعمرها الافتراضي 10 سنوات، أما الثقافة فلا عمر افتراضي لها، يمكن نقلها من الأب إلى الإبن وإلى الجيل والأجيال المقبلة. هذه خطورة المثقف كلغم ناعم. لا يمكننا القول أن سيارة مرسيديس هي فيات ولكن يمكن لمثقف أن يكذب ويقول إنه لم يهتف للنظام السوري رغم أنه فعلها على الفضاء، وإن غيره أيد كامب ديفيد رغم انه اعتقل لأنه ضد هذا الكامب، نتحدث هنا عن هيولى واسعة من فرص التزييف والكذب. لكل إنسان صنعته التي تتعلق بكثير من الناس، أما صنعة الثقافة فتمس كل الناس ومن هنا خطورتها حين يُطبع المثقف نفسه.
2) التطبيع (التطبُّع) السياسي فئوي نخبوي عابر ويمكن اقتلاعه حينما تُقتلع النخبة التي قامت به، إنه في أحيان عدةعاقر ومفروض وفوقي بينما التطبيع الثقافي ولوداً. ما زلنا ، مثلاُ نعتبر أرسطو عبقرياً، لكن قلما راينا أن نظريته قامت على تبرير العبودية! هناك الكثير من الاتفاقات السياسية تم شطبها، ولكن كم تحتاج لاقتلاع ذلك الإعجاب الرهيب بديمقراطية الولايات المتحدة رغم أنها ساطوراً يقطع رؤوس أمم بأكملها. لكن هذا لا ينفي أن التطبع السياسي خطر حتى الموت.
3) ما هي اشكال التطبيع؟
التطبُّع كالهيدرا، متعدد الرؤوس وقادر على إنبات كثرة منها. هناك التطبع السياسي والثقافي والاقتصادي الفكري/النظري والتطبع الجنسي وحتى العاطفي والتطبع الاجتماعي المعيشي. مثلاً، أن يعيش فلسطيني في كيبوتس مبني على انقاض قريته هو ماذا، هل هو تآخي! هناك التطبع الفني، وهناك التطبع النفسي الذي قد لا يُرى أو يبرهَن. وهناك التطبع المغطى: كأن تذهب إلى مسرح تطبيعي لأن أمك تريد الذهاب، وهناك التطبُّع اللاقومي، مثلاً أن يرقص مثقف بأن تُحتل سوريا وهذا لون من التطبع القُطري لأنه غارق في التثقّف اللبرالي الغربي والتروتسكاوي والصهيوني حيث جميعاً تعادي البعد العروبي حرصاً على مصير الكيان. هل يرى ذلك أم لا يراه، هذا أمر آخر، أما غطاء خطابه فهو عشقه للحرية، هذا وكأن الآخرين عبيداً في تفككيرهم!
4) أثاره على المجتمع والثقافة وخطورته؟
التطبع والثقافة كالهالوك لنبتة البندورة، قاتلها لا محالة. المثقف المطبِّع صار عدواً لوطنه وشعبه. لا بل اكثر، صار جهاز تشويه وتكفير بالقيم وبالمقاومة وبالتراث والتاريخ وبالمستقبل. المثقف المطبع جزء من الثورة المضادة، بل أداة لها. هو لا يبرر التطبع وحسب، بل يمارس تشويه المثقفين الثوريين المشتبكين لمصلحة الأمة والطبقة، كأن يقل عنك أنك ايدت أوسلو أو باركت كامب ديفيد. وهذا ليس خيار هؤلاء بل ددورهم مقابل ما يتقاضون! إنه توظيف أمري له من العدو. خطورة التطبيع أنه يكذب بوقاحة في النهار، ويبصق في وجه نفسه حين يخلعه في الليل وينظر إليه. لكن هذه البشاعة تمحي حين يبصق الإبن على ابيه، أو حين تَطَّرِحُ المرأة زوجها لأنه تطبيعي.
5) كيفية مقاومته؟
مقاومة التطبع اجتهادات. تبدأ كما يبدأ الجهاد “كفرض عين”. و “من كل حسب طاقته”، و “ليس له قدر ما أنجز من عمل”. لأن هذا عمل وطني تطوعي غير مأجور. كل مواطن يعرف أن منتجات العدو سامة، والتموُّل منها إسقاطاً، وقراءة أدبياته دون نقد واشتباك غسيل دماغ. مناهضته مشروع سياسي فكري تنظيمي بلا مواربة. ومن هنا دور وحتمية الحركة الثورية الواعية وما اسميه “حرب غوار الثقافة” لماذا الثقافة لأنها تفتح على الاقتصادي والنفسي والسياسي والأخلاقي والجنسي والمُضمر والمعلَن.
6) لماذا لا ننظر الى التطبيع باعتباره اختراق لثقافة الاسرائيلي ومحاولة التأثير عليه؟
ارجو أن يقرأ هذا الأستاذ سمير حليلة. عام 1988 التقيته يذهب إلى تل ابيب بسيارته الأودي الجديدة: سألته لماذا إلى هناك. قال لنشرح للأسر اليهودية قضيتنا! اختراق ثقافة العدو بالرد عليها، بالمناظرة الجريئة معهم وليس بالتتلمذ عليهم، ولا على المابعديين الغربيين الذين يُكفِّرون بالسرديات الكبرى. علينا ان نقرأ كل ما يكتبوا، وعلينا أن نرد على ما له مستوى لئيم يستحق الرد. لنتذكر، أنهم يقرأون كل ما نكتب، فلماذا لم يتغيروا! التناقض تناحري ومنهجي وتاريخي.