حنظلة
ميديا
صباحا،
تخرج من قصرها المبني من الآهات
وغبار الزوابع المعطرة،
تتثاءب في كل اتجاهات الفضاء
كنهد تام الاستدارة
لسعه نحل البهارات ليلة العسل.
تقف على شرفة أعلى من الهواء
تمد ابتسامتيها نحو السفن القادمة
وهي تخلع أشرعتها قبل وصول المرفأ،
فتشد الصواري قاماتها المتعبة
وتشهق الموانيء بالفرح.
كم تحب الصواري وتكره الأشرعة !
ليت لكل مركب صاريين
ولساحلها الرملي
عشرة مضائق
مهيأة لاستقبال السفن !
ما أجمل الأسفار المستديرة
بين الشعب المرجانية
وفوهات البراكين
حيث يتخلص العقل من أكاذيبه
وترقص النار مع الماء
وينفضح خبث الآلهة.
ميديا المزنرة بالسحاب
على يمينها ويسارها
روزنامة الليلة الفائته :
ست سحابات طازجة
من خردل الآلهة الأبيض
يتساقط منها رذاذ يشبه الحليب
له رائحة سميكة
كرائحة البرسيم ألقادم للتو
حين تمضغه ثيران الإرباع المسمنة
في مزارع الشبق.
تكوِّر ميديا يدها الناعمة
لتلتقط الرذاذ
تمسح به وجهها وتشهق :
هذا هو نبيذي المفضل
ونشوتي الأبدية.
أيها المعلقون بخطاطيف الكذب
ولد العالم على سفينة بدون أشرعة.
أيتها الموشحات بالهواء
أجسادكن المقدسة صعودا وهبوطا
في صلوات النرجس المرتجلة على الماء
تستعيد الصهيل من خيول الكهنة
بأفواه موردة
مثل تمرة منزوعة النواة
لا تعرف الصدود،
إخلعن حرير الأشرعة عن زوارق السهر
واحملن تموركن المنزوعة النوى
أطعمن من رحيقها غناء العصافير
ولتصدح سيمفونية الشهيق
التي ترافق سقوط الندى
على الأعشاش المتعبة آخر الليل :
هللويا…. هللويا.
أنشدن على نواصي الطرق المعتمة
حيث تمر الرغبات المخزونة في الحرمان
والبحارة الذين لفظتهم الموانيء من نهارها
فجلسوا ينتظرون ليل الساحرة :
أيتها الطيور التي نتفت ريشها العواصف
أقبلي إلينا
نحن حوريات الشواطئ الآمنة
سنعلمكم حكمة الليل وجمال النهار
بأجسادنا المسترسلة كينابيع الخمر
نسمعكم موسيقى الأعضاء الذهبية
وحفيف الأوراق الخضراء
على شجرة الحياة.
بالأخضر وحده ينعقد الثمر
قي بساتين الرغبات،
وبالأخضر وحده
تنتهي لعبة الليل والنهار
وتولد الفصول من الأمنيات،
بالأخضر وحده يسلم الماء على الماء
في معاقد الثمر.
سنسترد معا ليلة الأفعي
ونأكل الثمرة مرة أخرى،
سنغزو معا هذا العالم الرديء
نمارس الجنس معا تحت شبابيك الآلهة
لنصنع جنة الإنسان،
ونشهق معا ليسمعنا العابرون :
هللويا… هللويا
ستمطر السماء حريرا
أسرعوا أيها العراة !
ستمطر السماء ذهبا
هلموا أيها الفقراء !
ستمطر السماء عروشا
استعدوا أيها الموقوفون في الحضيض !
العالم موسيقى الليل والنهار
لذلك لا بد من الشهيق
بين لحظة وأخرى،
لأن أقدام الراقصين في الشوارع
لا تعرف أسرار التانغو الخفية،
وحدها صرخات الجاز السوداء
ورقصة الإرباع في أدغال أفريقيا
هي التي تشبه موسيقى الإرباع العربية
حينما كان الفلاحون
يحرشون الثيران بالبقر
ويغنون في المراعي :
حو بيح… حو بيح.
ميديا على عرشها الهوائي
تنظر من نافذتيها البلوريتين
نحو مصاب الأنهار شرقي المتوسط
وهي تندفع كمنجنيقات رباعية الدفع
تبعج بطن البحر اللين
بدون توقف.
يتكاثف الزبد تلالا من اللؤلؤ
حول قاعدة المنجنيق
وتغني حوريات المتوسط :
ما أسعدك أيها البحر !
ليتنا مثلك مدنا بدون أسوار
ممدودة على مستوى الأقدام الحافية
تنتظر الإقتحام،
هللويا. هللويا. هللويا.
أه ميديا !
يا مدينة زيوس العاهرة
وإلهة الفجور المقدس
أيها التمرة المنزوعة النواة
على طريق الجيوش المصوبة المنجنيقات
ليحفظك الرب،
وليمنحك عشر تمرات أخرى
منزوعة النواة.
وتغني وصائفك الجميلات
وراء نوافذ الضوء المعلقة :
هللويا… هللويا… هللويا
العائدون إلى ميديا
أعاد الزبالون
السطول المليئة بالقمامة
مليئة بقمامة جديدة.
هكذا يخدعون الذباب
ليتبعهم من الدار إلى المزبلة
ومن المزبلة إلى الدار
ويتعلم نقل الزبالة بنفسه.
هذا الوجه الألثغ
الممتد إلى منتصف الرأس
يبدو كنصف مؤخرة محلوقة
لخنزيرة حبلى،
عاد من المزبلة إلى الدار
بلثغته القديمة
ولكنه تعلم الآن
كيف يلثغ بكل الحروف.
” زعبور ” الكنغر
الذي يتكلم بقائمتيه الأماميتين
ويجلس على ذنبه العريض
بين دميتين من الخشب،
ويقدم على عادة المهرجين
وصلاته المضحكة،
فيشعل النار على المسرح
ليقلد رجال المطافئ،
عاد من رحلته الأخيرة
بتعديلات على ذنبه وقوائمه
الذنب أصبح قصيرا لا يصل الأرض
يشبه مهشة الذباب العادية
والقوائم الأربع أصبحت بطول واحد
مع بعض التعديلات الأخرى
على درجة الصوت
وطول الأذنين.
ألوحيد الذي لم يفارق الدار
هو أحدب نوتردام
قريب الأسقف
إذ من المستحيل نقله نهارا
لثقل ظله،
وفي الليل
حينما يتلاشى ظله
وينعدم وزنه
لا بد من لصقه بالأرض
حتى لا يطير.
وجه بردفين سمينتين
مكسوتين بالطحالب
وعينان تحاولان المستحيل
لرتق النفس الممزقة.
وأخيرا لكن أيها الميديات
أطيب (المنى )
ولكم أيها الميديون
وجوها بسراويل.