د.يحيى القزاز
هممت بالكتابة عن زيارة وزير الدفاع الأمريكى لمصر ومقابلته المشير طنطاوى الرئيس المصرى غير الشرعى فى زى عسكرى، ولا فرق بين رئيس مصر ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا فى الزى فقط، وربما قريبا يخلع الرئيس الزى العسكرى ويرتدى حلة مدنية مشابهة لحلة رئيس الوزراء التى أعجبته، وبحكم الدستور المحتضر فرئيس المجلس الأعلى هو رئيس مصر والعكس صحيح، وسواء هذا أو ذاك فكلاهما “ريس”. وتتلخص أسباب الكتابة فيما نشر مسبقا فى وسائل الإعلام عن ربط الإعانة الأمريكية باستمرار خضوع مصر للهيمنة الأمريكية، والتلويح بقطعها ما لم يفرج الرئيس العسكرى عن الجاسوس الإسرائيلى، وهذه المعونة معروف ومعلوم أنها لاعلاقة لها بالشعب المصرى، فهى وكما وصفها متحدث من الخارجية الأمريكية – عند اتهام تمويل أمريكا للجمعيات الأهلية المصرية- بأنها معونة عسكرية، ولا نعرف أين كانت تذهب؟ ومن حقنا الآن أن نعرف –وبإصرار- أين تذهب هذه المعونة الأمريكية التى تقدر بأكثر من 2 مليار دولار سنويا؟ فليس من العدل أن يظل حفنة من اللصوص المتواريين يحصلون عليها ويدفع الشعب المصرى ثمنها من حريته وكرامته. ومن المضحك أن يطلب وزير الدفاع الأمريكى من المشير بعد لقائه إلغاء حالة الطوارئ فى شهر نوفمبر، وكأنه الوصى أو ممثل الأستانة فى العصر الحديث التى تعين ولاة مصر، ولماذا لا يكون الإلغاء قبل نوفمبر أو بعد نوفمبر، ربما لعلة نعرفها فيما بعد، وما أكثر عللنا وأوجاعنا، نحن ما زلنا فى عزبة مبارك يحكمها آخر بتوكيل منه. ويبقى الامل فى الثورة والثوار، ودماء الشهداء هى الوقود والقوة الدافعة للمضى قدما لتحقيق أهداف الثورة، وتخليص مصر من براثن الهيمنة الأمريكية.
قبل زيارة وزير الدفاع الأمريكى لمصر، تسربت بعض الأخبار عن اتصالات سرية بين جماعة الإخوان والأمريكان، وفى يوم الأربعاء الخامس من أكتوبر 2011 فوجئنا بتصريحات للقيادى الإخوانى د.عصام العريان يعلن فيها زيارة المندوب السامى الأمريكى (السفيرة الأمريكية) وأعضاء فى الكونجرس الأمريكى لمقر جماعة الإخوان وحزبهم. التصريح جاء بعد لقاء وزير الدفاع الأمريكى سيادة الرئيس المشير طنطاوى بيوم واحد، وزيارة المندوب السامى سبقت لقاء الوزير بالمشير بيوم واحد، وتسريبات الاتصالات السرية بين الأمريكان والإخوان سبقت الجميع بأسبوع أو أكثر، ترى هل من رابط بين هذه الأحداث؟ وهل ما زالت أمريكا تملك 99% من أوراق اللعبة الديمقراطية كما كانت تملكها أيام السادات؟ وهل شرط أساسى لكل من يريد الترشح للبرلمان أو للرئاسة أن يُجرى له شف هيئة عن طريق ممثلين للإدارة الامريكية؟ وهل كل من يطمح لحكم مصر وكان عليه شبهة أو محاذير أمريكية أن يخضع للقاء الأمريكان إعترافا بالخطأ وطلبا للعفو والصفح؟ وهل أصبح شرط التطهر من وصد الأبواب فتحها على مصراعيها لدخول الأمريكان الكفرة؟ وهل يحق لمسلم ملتزم.. يكفر أخاه المسلم لاختلافه معه فى رأى سياسى ويدعى أن مرجعيته إسلامية أن يستقبل وفداً كافرا (لانه غير مسلم)؟ وفد أمريكى يزود إسرائيل عدوة الإسلام والعروبة والإنسانية بكل ما تريد للاستمرار فى احتلال فلسطين وقتل الشعب الفلسطينى الأعزل. وهل الكافر القوى عند مدعيى الإسلام السياسى أقوى وأفضل من المسلم المهمش البسيط أم الذى تغلب به العب به؟
فى عهد مبارك كان الإخوان حريصين على درء شبهة الاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية، والآن زارهم الأمريكان فى عقر دارهم وتصافحت أيادى الإخوان التقية الطاهرة بأيدى الأمريكان الكفرة المخضبة بدماء المسلمين والعرب فى كل أنحاء العالم، ترى هل تمت الزيارة بدعوة من الإخوان أم بفرض من الأمريكان للتفتيش فى النوايا بدلا من التفتيش على السلاح النووى؟ وما البواعث لهذه الزيارة فى هذا الظرف بالذات، والاختلافات بادية مع المجلس العسكرى، والانتخابات على الأبواب؟ هل هى رسالة طمأنة للأمريكان وتهديد للمجلس العسكرى الحاكم باعتبار ما يستقوى به المجلس يشاركه الإخوان فيه؟ وهل تمت الزيارة بعد استئذان المجلس العسكرى أم بتنسيق معه؟ علامات استفهام كثيرة تثيرها تصرفات جماعة الإخوان، ومن حقنا أن نعرفها لأننا شركاء فى الوطن وفى الدين، ووارد أن تحكمنا الجماعة إما بمزاد علنى تفوز به بحجم رأسمالها أو يُسند إليها بالأمر المباشر لجاهزيتها. قد تكون اللقاءات مقبولة لو أن الجماعة فى الحكم حيث لا يمكن إغفال أهمية الدول الكبرى ومصالح مصر الدولية، اللهم إذا كانت الجماعة تحكم ونحن كأهل الكهف.
نحن نتساءل عن الأسباب ولا نتهم، ولا نريد تبريرات واهية كالتى ساقوها عند لقاءهم يوم 7 فبراير 2011 باللواء عمر سليمان نائب الرئيس فى فترة الثورة، بأنهم ذهبوا لــ “جلسة إستماع” عمر سليمان على غرار جلسات اعتراف المذنب فى الكنيسة، ذلك اللقاء رفضته كل القوى السياسية فى ميدان التحرير آنذاك وأعلنوا فيه “لا تفاوض قبل الرحيل” وهم ذهبوا للتفاوض قبل الرحيل، وربما يكون تبريرهم للقائهم الوفد الامريكى بأنه “جلسة استجواب” للوفد الأمريكى. بالطبع انتقادنا لتصرفاتهم غير وارد فكل فصيل يعمل لحساب مصلحته الخاصة باسم مصلحة الوطن المجهول، ومصر الآن ممزقة وكل فصيل باسم الديمقراطية الكاذبة ينهش فى أحشائها بدلا من العمل على التآم بطنها. ومن الأفضل أن تكون الجماعة واضحة مبتعدة عن تكفير المسلمين باستخدام ألفاظ توحى بالكفر حسب العرف والثقافة المصريين مثال كلمة “العلمانيين”، كما يجب أن يبتعدوا عن تخدير البسطاء الفقراء باستغلال الدين فى غير موضعه، وليس بمستبعد أن يطلع علينا مدعى إسلام ويصفنى بالإلحاد والشيوعية لاستخدامى كلمة تخدير.
قبل الثورة أقمت الدنيا ولم أقعدها واعتبرتها من الكبائر التى اقترفها الدكتور البرادعى عندما استقبل السفيرة الأمريكية ووفد من الاتحاد الأوربى فى منزلة، وقلت بأى صفة يقابلهم البرادعى، وبنفس المنطق بأى صفة تفتح جماعة الإخوان مقرها وتستقبل الكفرة الفجرة الذين يريدون تغير الدستور المصرى وحذف المادة الثانية منه أم أن هذا لاينطبق على الأمريكان بل يستخدم لاستغلال الدين فى التحقير من شأن المسلمين الذين يخالفون الإخوان الرأى السياسى أم أن الوفد الأمريكى أسلم قبل دخوله المقر أم ذهب ليعلن إسلامه فى المقر ومبايعة المرشد على السمع والطاعة؟ وهل يحق للجماعة لقاء من كانت تنكرهم سابقا؟ وهل ما نراه من سفور جماعة الإخوان عرض لصفقة بينهم والأمريكان والمجلس العسكرى.
تعقدت مشاكلنا وأصبحت ثورتنا مطالبة بتحرير مصر من الهيمنة الأمريكية والسطوة العسكرية والثعلبة الإخوانية، ما أصعبها مهمة.