جزء كبير من أحداث سورية مرتبط بهزيمة “اسرائيل” أمام حزب الله
نبيل مقدم
هل هناك تآمر اميركي على سورية في الاحداث الجارية هناك منذ اذار الماضي؟ منهجياً يمكن الاجابة عن هذا السؤال من خلال بعض الوقائع الثابتة والتقارير والتصريحات والافعال الاميركية، وهذه انطباعات ليست مستقاة من الاعلام والدعايات بل من خلال رؤية شاملة للمخططات الاميركية في المنطقة منذ زمن.
“الانتقاد” التقت في بيروت الباحث والمفكر المصري “د. أشرف بيومي” وحملت اليه اسئلة في هذا الملف.
ما هو الاستنتاج المنطقي للدور الأميركي في الاحداث في سورية؟
لا يمكن الا للمعتوه ان يصدّق حرص الولايات المتحدة الاميركية على الديموقراطية في العالم العربي. وسجن ابو غريب في العراق والجرائم التي ترتكبها اسرائيل يومياً في فلسطين المحتلة وارتكبتها في حروبها المتعددة على لبنان برعاية اميركية شاهد حي على هذا الحرص المزعوم على الديموقراطية . اضافة الى ذلك كيف للادارة الاميركية ان تتصدر واجهة الحرص على الديموقراطية وهي تترك لحلفائها في العالم العربي قمع الحريات واخفاء معالم الديموقراطية في بلدانهم، فيما هي تتوجه بكل قواها لرعاية عصابات مسلحة تفتك بالمواطنين وقوى الجيش في سورية. ولفهم حقيقة الدور الاميركي من الاحداث في سورية تكفي العودة الى مجلة “تايم ماغزين ” التي نشرت عام 2003 بعد سقوط العراق مقالاً تحت عنوان “سوريا المحطة التالية” بعد العراق. وحينها لم يكن هناك احداث في ادلب او درعا او جسر الشغور.
يجب ان لا تدهشنا إذاً التصرفات الاميركية الحالية تجاه سورية. فالادارة الاميركية اعلنت مراراً وقبيل الاحداث في سورية بسنوات عديدة ان سورية هي جزء من محور الشر في المنطقة مع كوريا الشمالية وايران. فبعد ان كان محور الشر حسب خطاب الرئيس بوش عام 2002 يشمل كوريا الشمالية والعراق وايران بحجة تقديم الدعم لمنظمات ارهابية ومحاولة الحصول على سلاح دمار شامل مثل الذي تملكه الولايات المتحدة، جاء جون بولتون مساعد وزيرة الخارجية عام 2002 والذي اصبح فيما بعد سفير الولايات المتحدة في الامم المتحدة واضاف ليبيا وسوريا وكوبا الى هذا المحور. كما ان شاؤول موفاز “وزير الدفاع الصهيوني” عام 2006 تحدث ايضاً عن محور الارهاب بين سورية وايران. اما الصحافي الاميركي “شارلز كراوثهامر” المعروف بصهيونيته فقد قال عام 2005 ان الرئيس بشار الاسد هو أعتم طبيب عيون انتجته مدارس الطب البريطانية. كل ذلك سبقه اتهام للمسؤولين السورييين بضلوعهم في مقتل الرئيس رفيق الحريري حتى اصبحت المحكمة الدولية والاعداد لها وتتابع رؤساء لجان التحقيق الدولية من ميليس الى براميرتز الى بليمار قضية القضايا. تبع ذلك انكشاف زيف الادعاءات وشهود الزور، ثم تحول فجأة الى حزب الله.جزء كبيرمن الاحداث الجارية اليوم في سورية مرتبط بفشل اسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في هزيمة حزب الله والقضاء عليه مرتين، الاولى في ايار عام 2000 والثانية في انتصاره التاريخي عام 2006 ما جعل الولايات المتحدة على اعتقاد ان القضاء على النظام في سورية يصيب بشكل اساسي الدعم الذي يوفره هذا النظام للمقاومة ضد العدو في لبنان.
هل هناك تآمر على سورية أم هذا افتراء من قبل سلطة متشبثة بالحكم حتى آخر رمق؟
ان الاستنتاج المنطقي لهذه الاحداث يشير إلى ان سورية حكومة وشعباً مستهدفة من قبل الولايات المتحدة واسرائيل وحلفائهما في المنطقة. وذلك من خلال اثارة القلاقل والفتن والقضاء على النظام من الداخل واستخدام نقاط الضعف في المجتمع السوري واستغلال بعض اخطاء النظام وتباطئه في عملية الاصلاح الجذري. وللتدليل على ذلك تكفي الاشارة الى ما جاء في الواشنطن بوست الاميركية في الثامن عشر من نيسان من العام الحالي نقلاً عن الوثائق الديبلوماسية التي سرّبها موقع ويكيليكس حول تمويل الادارة الاميركية لعناصر داخلية سورية منذ العام 2006 لها علاقات معلنة مع الادارات الغربية ومؤسساتها المخابراتية، وايضاً استخدام الاخوان المسلمين والسلفيين ومثقفي الليبرالية الجديدة الذين يسقطون القضايا القومية والوطنية ويركزون فقط على تداول السلطة وتعدد الاحزاب، اي الديموقراطية حسب المقاس الغربي والمتناسقة مع ما يسمى اقتصاد السوق الحر. ومن ثم ما جاء على لسان المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية فيكتوريا نولاند في في 16 حزيران 2011 والتي قالت فيه: ” نحن بدأنا توسيع اتصالاتنا مع السورييين الذي ينادون بالتغيير داخل وخارج سورية. وعندما سئلت عن المساعدات التي تقدم للمعارضين قالت لا أريد ان اتحدث اكثر من ذلك لان المحادثات سرية، ونحن نريد ان نتمكن من تعميق وتوسيع هذه المحادثات”. كما ان هناك تصريحاً للاكاديمي الكندي “ميشيل شوسودوفسكي” في 17 حزيران من هذا العام جاء فيه ان زعزعة استقرار سوريا ولبنان هي جزء من مخطط اميركي اسرائيلي منذ عشر سنوات. فالولايات المتحدة تريد بكل بساطة ان تصبح سورية اداة لتحقيق استراتيجيتها في المنطقة عبر ما يسمى مشروع الشرق الاوسط الكبير.
ماذا تشكل المعارضة السورية من استثمار للادارة الاميركية في مشروعها ضد سورية؟
لا بد من القول ان جزءاً من المعارضة في سورية هو معارضة وطنية، وهي تقف ضد ممارسات سلطوية مدانة اعترف بوجودها الحكم في سورية، وهو يعمل على معالجتها.
وهي لا تريد ان تنتقل بالوضع في سورية ليكون تحت سيطرة قوى الهيمنة الاجنبية او الرجعية العربية. وهذه الفئة من المعارضة تمتلك رؤية كاملة للصورة في سورية بأبعادها التاريخية والجغرافية والسياسية. وهناك بعض المعارضين الانتهازييين الذي سعوا لركوب موجة التململ الشعبي من بعض الاوضاع القائمة لتحقيق اهداف سياسية ضيقة، فيما هناك مجموعات مسلحة مناوئة للنظام واهدافها تتنافى مع اهداف المعارضة الوطنية وهي ممولة من دولة خارجية وتعمل وفقاً لتوجهات بعض اجهزة المخابرات العربية والاجنبية المتآمرة على سورية.
وهنا لا بد من طرح سؤال مشروع: لماذا تتركز التحركات العسكرية للمسلحين على الحدود الاردنية واللبنانية والتركية والبحر؟ كما نسأل عن الدور الذي كان يقوم به ليون بانتا رئيس المخابرات الاميركية على الحدود التركية السورية في 26 نيسان من العام الحالي. ثم ألم تعترف الصحافة الغربية (واشنطن بوست ونيويورك تايمز وغيرهما) بأن هناك مجموعات مسلحة مناوئة للنظام، وان هناك تمويلاً لمنظمات سورية معارضة بما فيها تلفزيون بردى؟
ما هو مطلوب من المعارضة الوطنية والنظام في سورية في هذا الوقت بالذات؟
يجب ان يتخذ النظام والمعارضة الوطنية قرارات شجاعة حاسمة، فالتاريخ سيُدين كل القوى التي ساهمت بوعي او بقصر نظر في تفتيت سورية وتمزيقها لصالح القوى الاستعمارية. وإن قدراً كبيراً من المسؤولية يقع على المعارضة الوطنية ورموزها التي سمحت بتبنيها شعار اسقاط النظام أن تتبناه ايضاً قوى دفعت بها لتبنيه قوى الهيمنة الغربية والرجعية العربية والتي توظفه لخدمة اهدافها التي تتنافي مع اهداف المعارضة الوطنية ذاتها. لذا على المعارضة الوطنية ان تعمل بوعي وجدية وذلك بالدفع باتجاه اصلاح جذري في سورية وباسقاط شعار اسقاط النظام العربي الممانع الوحيد. والمعارضة الوطنية مدعوة الى قراءة تصريحات رسمية امريكية في 13 حزيران 2011 عن مسلحين يسيطرون في الشمال الغربي لسورية، كما انهم يتهمون اي شخص يتحدث عن المجموعات المسلحة ووجودها بأنه موالٍ للنظام في دمشق.
http://www.alintiqad.com/essaydetails.php?eid=47789&cid=76