(2)
أحمد حسين
في أي حديث عن ثورة حقيقية من فصيلة اجتماعية أو حتى سياسية محددة ، يجري التركيز عفويا وموضوعيا على هوية هذه الثورة أكثر من التركيز على هوية الثوار . حتى لو كان الحديث هو مساءلة صحفية فردية ، فإنك تتوقع أن تجد نفسك أمام شخص يتحدث عن هويته وهوية رفاقه من خلال طروحات ومباديء وأفكار ومطالب تتعرض لهم بوصفهم هامش التزام لتلك الثورة . نحن هكذا لأن أهداف الثورة هكذا ، وليس العكس . حتى لو كانت الثورة حراكا سياسيا خالصا يخدم هدفا تآمريا لطرف يخدمونه غرضيا ، فإن الذكاء التآمري يلزمهم بالحذر من الإنكشاف وتمثيل دور الثوري الحقيقي ، كشرط لنجاح المؤامرة . ولكن هيثم مناع في المساءلة الصحفية مع جريدة الأخبار ، لم يبذل أي جهد للتظاهر ، فيتعطر بعطر الثورة ، ولو على سبيل الزعم بأنه ورفاقه يخدمون هدفا يخص الشعب السوري . تحدث عن الخلافات بينه وبين زملائه وكأنهم جماعة من الفنانين أو العملاء السياسيين متعددي الإنتماءات الوظيفية ، يتنافسون في إطار المهنة الموكلة إليهم . لم ينتبه إلى أنه كان يتحدث عن حراك ثوري عديم الهوية والأهمية معا من حيث المضمون ، وأنه لم يشر إلى أية خلافات بينه وبين زملائه تتعلق بخلافات إيديولوجية أو طبقية مشتركة من أي نوع مع النظام السوري . كان الخلافات كلها تدور في إطار الإجماع على وجوب إسقاط النظام المذكور بدون أن يشعر بالحاجة إلى القول لماذا ؟ وكيف حدث هذا الإجماع . ولكنه حدد خلافه مع مؤتمر اسطنبول ، بوصفه ليبراليا من النوع الأوروبي ، بأن الإخوان السلمين رغم كونهم لا يمثلون أكثر من نسبة 10% من الشعب السوري ، يحظون بتمثيل يصل إلى 60% داخل المؤتمر . وأنهم يدعون أن مؤتمرهم الإسطنبولي سيكون بتركيبته التي يسيطرون عليها ” قادرا على إخراج الشباب ! من أزمتهم !! ويحلّ كل مشاكلهم !!!، ويمدّهم بالمساعدات المادية وبالاعتراف الدولي والحظر الجوي !!!!… الخ ” ( إشارات التعجب غير موجودة في الأصل ) . أعرف أن هيثم مناع هو ” دلوعة الشعب السوري ” وأنه ليس مفرط الغباء مثل برهان غليون ، ولكنه عديم الثقة تماما بعقل أي شعب في الدنيا . هل كان عليه أن يشير ببراعة لماحة إلى لعبة الأمريكان الخاصة مع الإخوان المسلمين ، في ظلال البيع العربي ، والحذر الأوروبي الشديد من نوايا أمريكا ، وكأنه يقول هذه هي الثورة السورية بتمامها . من يحكم الشعب السوري بعد سقوط النظام الحالي ؟ أنا أويد حكما ليبراليا علمانيا ، وأعارض الليبرالية الدينوية .
وبخصوص خلافه مع برهان غليون ، فإنه لم يطالب أن يرشحه أحد لرئاسة الحكومة السورية المقبلة . وكقائد متطوع للثورة ، من حقه أن يفوز على منافسيه ، ولكن ليس بالإنتقال من معسكر إلى آخر داخل الثورة . وهو يوافق على ترؤس الحكومة المقبلة بشرط أن يوافق النظام السوري على إلتخلي عن الحل الأمني أولا ، وأن يوافق على السقوط ثانيا .
لم يحدث في تاريخ ” الثورات ” إجماع شديد الحماس ، مصحوب بخلاف شديد التوتر ، كما حدث بين أطراف الثورة ” السورية . في ” الثورة ” يتم تحديد الأهداف ، وتحييد العمل الميداني عن الخلافات الميدانية ، إلى ما بعد تحقيق الأهداف . حتى الأجماع الذي تم بين مسيلمة وسجاح ، رغم آلياته التطابقية ( بلغة إدوارد سعيد ) العرضية أسفر عن الزواج وتوحيد الجيشين ، فكيف يعجز أطراف الثورة السورية عن تحقيق هذا الشرط الثوري بأية وسيلة ممكنة ؟ الليبراليون عادة لا يحترمون أنفسهم أو المستمع إذا تكلموا . فهم لا يستطيعون ذلك بنيويا . ولو وقفت راقصة ملهى تخطب في جماعة من المدمنين والسكارى آخر الليل ، لما جاءت بما جاء به هيثم مناع في حديثه عن نفسه . ولا مجال لمطالبته بغير ذلك . فهذا ما لديه . ولكن ما مصلحته في طرحه على الناس الذين يسعى ليصبح رئيس حكومتهم ؟ من يستطيع غيره أن يفاخر بأنه كان في الدوحة يبحث عن الديموقراطية لسوريا ؟ أي كوميدياني متبذل يسب شعبه ليضحك الناس ؟ هل أراد أن يفاخر بقدرته على عدم الخجل عندما قال بأنه يخشى على سمعة سوريا من المجتمع الدولي ؟ عليه هو والجتمع الدولي أن يخشيا على سمعتهما من محترفات الشهيق الإعلامي لو كانت الخشية موجودة في قاموس الليبراليين .
ما الفرق بين نادي ” واشنطن السوري ” ونادي باريس السوري ” ؟ هل هذا خيار تطرحه على الشعب السوري ؟ هل تتحدث بصفتك محترف ثورجي أو خبير نوادي ليلية ؟ كيف تفرض على غيرك خيارات من عالمك الخاص كمسلمات ، وتنادي بالديمقراطية ؟ وأية ديموقراطية ؟ ديموقراطية حقوق الإنسان الذي تطاردونه في وعيه وفي وطنه وفي حقه بأن يكون إنسانا ؟ الإنسان الذي تتآمرون على دمه وإنسانيته في مركز مخابرات بان كيمون ؟ نعرف أن الليبرالي العربي لا يتورع عن تقديم أية خدمات تطلب منه ضد شعبه ، في سوق الإرتزاق السياسي . ولكن العقل العملي ، وليس العقل الفاضل ، يعرف حدود التهور التي يجب ألا يتجاوزها عمليا . ولم ألمح أن لديك مثل هذا العقل . التحلل فضل ليبرالي معروف ييسر الكثير من الرغبات الممنوعة ، ولكن الليبرالي العربي يخلط بين التحلل والإنحلال ، ويقدم هذا الإنحلال المنفر دليلا على كونه براغماتيا فاضلا . فتكون النتيجة أنه يقع في الحمورية والهمجية .
ألمأساة والكوميديا طرفان لذات العصا . فالجامع بين الإثنين هو التطرف . وما عليك إلا أن تترك البطل في الكوميديا يموت أو يسجن لتتحول الكوميديا إلى تراجيديا ، كما في حالة هيثم مناع . أو أن تتركه في التراجيديا يصبح رئيس حكومة فيتحول التراجيدي إلى كوميدي كما في حالة برهان غليون . ولكن المشكلة مع السيدين أنهما لن يحصلا على بطولة من أي نوع . إذ يبدو أن النظام السوري لا ينوي السقوط . لأن هذا النظام لا يدافع عن مكاسب ذاتية خالصة . إنه يدافع عن شعبه ووطنه بشعبه ووطنه ضد الغزو الخارجي . لم تسمح له الظروف الإقليمية والعربية والدولية أن يكون أفضل مما هو عليه . ولو كان نظاما عائليا أو طائفيا أو تابعا لإيران كما يقول اللبارلة العرب السنيين ، لاختصر الطريق إلى راحة البال ، واختار التبعية لآمريكا ككل أخواته العربيات . ولكنه يراهن بطريقته الواضحة على شعبه . لذلك لا يسرق نفسه ولا يخون شعبه . ولن يقبل بهيثم مناع ولا ببرهان غليون كمجرد مواطنين لآنهم عملاء خانوا وطنهم وشعبهم بمنصب حشم أذلاء . إنهم مجرد شهاقين في جوقة مرتزقة لا تعرف الإحتشام ولا تستطيعه ولو ظاهريا . والشعب السوري يعرف تماما ، أن نظامه الحالي يجب أن يؤدي دوره ثم يخلي المكان لنظام أفضل منه ، وليس لنظام خيار التبعية لناد امريكي أو ناد فرنسي.