هل سيستوعب الغرب المتغيرات الدولية التي تعاكسه؟

العميد الدكتور امين محمد حطيط

طرح استعمال الفيتو المزدوج الذي مارسته كل من الصين و روسيا في مجلس الامن ضد مشروع القرار الغربي لادانة سوريا تمهيداً لعقوبات يتبعها تدخل عسكري على غرار النموذج الليبي،طرح السؤال : هل ان العالم امام عهد جديد و كيف سيتعامل الغرب مع المشهد المستجد الذي رسم خريطة سياسية لا تروق له خاصة و انه و منذ عقدين كان يظن ان احدا لن ينازعه القرار و السيطرة؟

هنا لا بد ان نتذكر انه مع العام 1989 حيث انتهت الحرب الباردة مع تفكك الاتحاد السوفياتي و انطلقت اميركا لتستبيح العالم بسياستها و عسكرها طارحة النظام العالمي الاحادي القطبية و تشن الحروب و تنفذ الانتشار العسكري او الاحتلال من الخليج الى افغانستان الى العراق، و رغم تعثر الاحتلالات و هزيمة اسرائيل و معها اميركا في جنوب لبنان استمر الغرب على اهدافه الاستراتيجية الكبرى التي في طليعتها السيطرة على العالم بقيادة اميركية لتوزيع ثرواته غنائم كما حصل في مرحلة الاستعمار القديم و مطلع القرن العشرين مع سايكس بيكو و ما تلاها من فظائع بحق الشعوب. و مع تعثر الحروب انقلب الغرب الى استراتيجية القوة الناعمة التي مارسها باضرام نار الفتن لتفتيت الدول المناهضة له و دفع شعوبها الى الاقتتال فالوهن فالتلاشي ثم يأتي (الغرب) لوضع اليد عليها من غير عناء كما فعل في ليبيا و يطمع ان يفعل في سوريا متوسلا شعارات ” الحرية ” و “حقوق الانسان ” و الديمقراطية “.

في مسيرته تلك اغفل الغرب او تناسى المتغيرات الدولية التي راحت تتشكل تباعا منذ عقد على الاقل، متغيرات حاول ان يمنع تشكلها و ان يجهز عليها في وضعها الجنيني، و جهد لان يتخلص منها حلقة بعد حلقة قبل ان يصل الى ما لا يرغب من مفاعيلها، لكنه كما ييدو فشل في مسعاه و بات المسرح العالمي يحفل بمتغيرات كبرى اهمها :

1. ظهور المقاومة الشعبية الفاعلة ذات القدرة على تعطيل قدرات الجيوش النظامية، حيث تاكد ذلك بشكل متلاحق من جنوب لبنان في العام 2000 و 2006، الى افغانستان، فالعراق، فغزة في العام 2009، محطات ثبتت مقولة قاطعة بان مقاومة الشعوب الملتزمة لاهداف وطنية او عقائدية قادرة على منع الجيوش النظامية من الاستقرار في مناطق احتلالها و تلزمها بثمن لا تحتمله ما يجبرها على الرحيل.

2. تشكل منظومة المقاومة في الشرق الاوسط و التي صيغت مكوناتها الثلاث الاساسية في كل من لبنان و سوريا و ايران فضلا عن جزء من المقاومة الفلسطينية المؤمنة بان المقاومة هي السبيل الوحيد للتحرير. جبهة انتظمت بشكل منحها القدرة على تبني استراتيجية تقوم على : توحد جبهة المواجهة، و القدرة على الايلام و الاضرار بالعدو كيانا و اهدافاً، فضلا عن التماسك و الدفاع المتبادل بين اركانها ما جعل سياسة التفرقة و التجزئة و الاستفراد عقيمة حيالها.

3. تصدي كل من الصين و روسيا للعمل الفاعل على المسرح الدولي بعد شعورهما بالخطر الغربي على مصالحمهما في العالم،و بعد قناعة تشكلت لديهما بان سقوط الشرق الاوسط كليا باليد الغربية سيحد من حجمهما الاستراتيجي و يدفعهما الى التهميش دولياً، مما اضطر الدولتين الى التخندق دفاعياً في وجه التوسع الغربي الذي يستهدفهما.

4. صعود دول تمتلك طموحا للعب دور على الساحة الدولية و تمتلك القدرات و المؤهلات لمثل هذا الدور (كالهند و البرازيل و جنوب افريقيا ) و ترى ان السد الغربي بوجهها منيع الى حد لن يمكنها من تحقيق الطموح ان لم تعتمد سياسة خارجية منفتحة تجعلها على تماس مع القضايا الدولية الكبرى خاصة في مسائل الشرق الاوسط، و هو ما وضعها في مواجهة غير مقصودة مع المجموعة الغربية التي لا تعترف للاخر بسيادة حتى داخل حدوده فكيف اذن سيسمح له او يعترف له بحق في نفوذ او مصلحة خارج حدوده؟

5. التعثر الاقتصادي البالغ الاثر في الغرب و الذي هز منطقة اليورو و ترنح تحت وطأته الاقتصاد الاميركي الى الحد الذي لم يحتمله الاميركي العادي، تعثر اضيف الى التعثر العسكري الميداني و فاقم الازمة الغربية في مسالة شن الحروب و فتح جبهات جديدة الى الحد الذي جعل الاستراتيجيين الموضوعيين يقولون ان الحرب التدخلية التي خطط الغرب لها لتكون جسره الى حكم العالم، هي حرب ولى زمنها و انهار الجسر بسالكيه.

لقد ادت هذه المتغيرات الى مفاعيل فرضت نفسها على الساحة الدولية حيث ظهرت في مواجهة المنظومة الاطلسية الغربية بالقيادة الاميركية والتي تستند في قوتها بشكل اساسي الى قوتها العسكرية و قوتها الاقتصادية و الى قرارات مجلس الامن في منظمة الامم المتحدة ظهرت منظومات دولية اثنتين :

1) منظومة االمقاومة العربية –الاسلامية والتي استندت في قوتها الى موقعها الاستراتجي و ما امتلكته من قوة عسكرية ميدانية قادرة على الايلام، اضافة الى حد معقول من اقتصاد قادر على التخفف من الاعتماد على الخارج.

2) منظومة او مجموعة البريكس التي انتظمت فيها كل من روسيا و الصين و الهند و البرازيل وجنوب افريقيا منظومة تستند في قوتها الى الاقتصاد المتصاعد و حجم السكان و المساحة و الموقع الجغرافي فضلا عن الموقع في مجلس الامن، وقدرة الردع النووي.

و كان واضحاً ان لكل من المجموعتين مصلحة في كبح التوسع الاستراتيجي للمجموعة الغربية، و على هذا تلاقت المنظومتان لتعمل كل في ميدان قوتها و تسعى لتعطيل قدرات الغرب في عناصر قوته و كان من نتيجة ذلك :

أ‌) غل اليد العسكرية الغربية عن الحروب و منعها من اللجوء الى الجيوش لفرض النفوذ الاستعماري، بعد ان تبلورت لدى “منظومة المقاومة” استراتيجية تعطيل قوة الخصم و نجحت هذه الاستراتيجية بشكل خاص بعد حرب ال2006 و تاكدت نجاعتها في ما الت اليه الامور في غزة و افغانستان و العراق.

ب‌) منع الغرب من التدخل في سوريا بعد ان امتلكت الصين و روسيا شجاعة رفع البطاقة الحمراء في مجلس الامن و سد منافذه و تعطيله كاداة لانفاذ السياسة الغربية و قد كان الفيتو الاخير في مجلس الامن، مدويا و شكل محطة تاريخية فاصلة فقدت فيها اميركا و الغرب ورقة هذا المجلس، و بعدها باتت سوريا محصنة باطواق دفاعية ثلاثة : قوتها الذاتية التي اثبتت فعاليتها، قوة منظومة المقاومة التي يخشاها الغرب، و قوة مجموعة البريكس التي لا يمكن تجاوزها.

ج‌) قبض الصين على زمام الاقتصاد العالمي بشكل شبه مباشر مع التحكم الى حد بعيد بدورة الاقتصاد الغربي والتفوق عليه في اكثر من مجال.

كل هذا ادى الى تعطيل مكامن القوة لدى الغرب بعد ان باتت المتغيرات تلك حقيقة قائمة تحول دون استمراره في السيطرة على العالم، و رغم ان دول مجموعات المواجهة لم تدخل في احلاف عسكرية و كتل استراتيجية عضوية فانها وجدت نفسها في تجانس دفاعي معارضٍ للسياسة الغربية، فعمل كل من موقعه على افشال الهيمنة الغربية و حققوا نجاحا ملموسا حتى الان باحداث التغيير الاستراتيجي الدولي الذي يمكن القول معه أو يلزم اميركا بالقول “وداعا لعرش العاالم ” و كان الاختبار الاول الحاسم في سوريا حيث انكسر الهجوم الغربي عليها، فهل سيستوعب الغرب هذا الواقع؟.

:::::

نشر في جريدة الثورة و موقع التيار الوطني الحر