كيف ستواجه “ثورة مصر” الريح الطائفية “الاسرائيلية”؟

العميد الدكتور امين محمد حطيط


رغم الكثير من الاطناب الذي أبداه هذا او ذاك للحراك العربي في هذه الدولة او تلك، كنا، ومع الترحيب الشديد بسقوط الطغاة – العملاء للغرب، منذ البدء حذرين امام ما يجري في البلدان العربية الستة التي شهدت تحركات شعبية وكان القلق على بعض الساحات يتصاعد الى درجة الخوف الشديد من مستقبل لا زال مجهولا يهدد تلك الدول. ومن اجل ذلك لم نوافق من وصف الحراك الشعبي بانه ربيع عربي لسببين: اولهما كان من السابق لاوانه اطلاق الاحكام على الواقع قبل ان يستقر فلعل الصورة المقبلة ستكون اسوأ من الصورة التي اقتلعت، والثاني خشيتنا من وضع اليد على الحراك وتحويره في غير اتجاهه الصحيح خدمة لمصالح اجنبية.


فقد كان ولا يزال تركيزنا يشتد على ما يجري في مصر التي يعتبرها الغرب و”اسرائيل”، بعد اتفاقية كامب ديفيد، وخاصة مع حسني مبارك، كنزاً استراتيجيا لا يعوض، والاسئلة التي طرحت عند سقوط مبارك في مطلع العام 2011 كانت تصب بصورة رئيسية حول مسار مصر بعده، ولقد كان اشد ما يخيف “اسرائيلوالغرب شبح العودة الى “المرحلة الناصرية ” او ما يشبهها فتقدم مصر الى قيادة العالم العربي في مواجهة المشروع الغربي الاحتلالي “لنهب” ثروات المنطقة، ومن اجل ذلك واكب المراقبون الحركة الخارجية تجاه الاحداث المصرية الرامية الى منع حلول هذا “الخطر ” وسجل في ذلك ما يلي:

ـ تحرك اميركي لاحتواء المتغيرات وحصرها ما امكن في مجال الاصلاح الداخلي المحدود دون ان يؤثر ذلك على جوهر النظام التبعي او يبدّل شيئا في سياسة مصر الخارجية وعلاقتها باميركا والغرب عامة.

ـ تحرك “اسرائيلي” من اجل حماية معاهدة الصلح في كامب دايفيد ” المعاهدة التي اخرجت مصر من الصراع العربي-“الاسرائيلي”، مقفلة باب التهديد والمخاطر على “اسرائيل” من بوابة الجبهة الجنوبية حيث باتت سيناء بحكم المنزوعة السلاح، ومراقبة من قوى متعددة الجنسيات بقيادة اميركية، فضلا عن المنافع التي نالتها “اسرئيلخارج الاتفاقية في المجال الاقتصادي خاصة الغاز شبه المجاني تقريباً.

ـ تحرك خليجي بقيادة سعودية قطرية منسَّقة حيناً ومتنافرة احياناً ولكن المتكاملة المفاعيل في كل الحالات من اجل جعل السلفية الوهابية (السعودية) وحركة الاخوان المسلمين المدعومة قطرياً، الجهة التي تمتلك قرار مصر ان امكن، او القبول بالحد الادنى بنفوذ المجلس العسكري الذي يحفظ قوة هؤلاء وبرعاية غربية – خليجية.

ونستطيع القول انه في الاشهر الاربعة الاولى لتولي المجلس العسكري الحكم في البلاد، نجحت هذه القوى في كبح جماح “الثورة ” حين ادخلتها في طريق الاستنزاف او التآكل البطيء الذي يمكن معه توقع تلاشي المفاعيل قبل اجراء الانتخابات المتوقعة بما يمنع اي تغيير يثير الخشية على المصالح الغربيةالصهيونية – الخليجية العربية، لكن حدثاً جاء خارج سياق حركة الاحتواء والتحكّم هذه، وفاجأ الجميع فجاء من ايلات عبر عملية المقاومة التي تسببت بردة فعل “اسرائيلية” اسقطت الكثير من الاقنعة والغشاوات عن العيون، الامر الذي حرك الدماء مجدداً في شرايين “الثورة” وحملها على استدراك ما كانت اهملته في انطلاقتها الأولى اي طرح الملف “الاسرائيلي” ومعاهدة كامب دايفيد ووجود السفارة “الاسرائيلية” في القاهرة. ورغم ان الجمهور المتحرك من اجل اثارة هذه الملفات لم يكن في حجم جمهور الثورة الام، وانه لم يتجاوز خمسه او ربعه في احسن تقدير، فان “اسرائيل” التي كانت اطمأنت بعد اشهر على سقوط مبارك الى ان احدا لن يجرؤ في مصر على طرح وجودها ومعاهدتها، “اسرائيل” هذه وبعد ان قتلت خمسة من القوى الامنية المصرية في سيناء كردة فعل على عملية ايلات ووجدت نفسها تدخل مجددا في دائرة الاحراج مع مصر، حيث عادت ودخلت في دائرة القلق والخوف على مستقبل العلاقات معها ولم يكن الغرب واميركا بأفضل حالاً.

ومن الطبيعي ان لا ينتظر احد ان تقف “اسرائيل” واميركا موقف المتفرج المكتوف الأيدي حيال ما يجري في “منطقة الكنز الاستراتجي الصهيوني الغربي” لا بل من الطبيعي ان تلقي تلك الجهة المتحالفة بكل ثقلها لمنع اي تغيير وهنا كان لابد من توقع سلوكيات تؤدي الى دفع الخطر المصري المستقبلي عناسرائيل” بشكل خاص، ونتساءل عما يمكن ان تفعله “اسرائيل”؟


للإجابة على التساؤل ووفقا لما يعرف عن “اسرائيل” من اساليب التصرف والكيد فاننا نرى ان بامكانها العمل واختيار واحد او اكثر مما يلي:

ـ منع الساحة المصرية من الاستقرار وحمل المجلس العسكري بالضغوط المتصاعدة على التسويف في اعادة انتاج سلطة مدنية يخشى من انقلابها على السياسة الخارجية المصرية القائمة.

ـ منع تكون اكثرية مصرية تتمكن من الحكم باستقلال القرار السياسي الى حد ما، وابقاء الحاكم عرضة للتأرجح والاهتزاز ما يمنعه من التصدي لاي قرار استراتيجي خاصة معاهدة كامب دايفيد، ثم دفعه مجددا الى العودة الى اساليب العهد السابق في التضييق على الحريات والاتكاء على قانون الطوارئ بذريعة حفظ الامن والسلامة العامة.

ـ اذكاء الفتنة الطائفية في الداخل المصري بين المسلمين (خاصة التيارات السلفية والتكفيرية والاخوانية) من جهة وبين المسيحيين الاقباط من جهة ثانية، فتنة يكون من اهدافها واحد او اكثر من ثلاثة اهداف: دفع الاقباط للمطالبة بدولة مستقلة على شاطئ المتوسط في محيط الاسكندرية، او التهجير من مصر اسوة بمسيحيي فلسطين والعراق وما خطط لمسيحيي سورية في حال تمكنت المؤامرة عليها من اسقاط النظام (نذكر بان المؤامرة فشلت في سورية) او محاصرة من لا يهاجر وجعله هدفا للقتل والانتهاك في النفس والمال للقولبعدم القدرة على تعايش احد مع المسلمين ” و”ان الافضل للمسيحي ان يقيم دولته كما حصل في جنوب السودان” (وتبين بالدليل القاطع ان “اسرائيل” ومنذ 40 عاما كانت خلف الفتنة في جنوب السودان) او “الهجرة كما حصل في العراقوقد ظهر ان الصهيونية وعملاء اميركا كانوا وراء تهجير المسيحيين ولا ننسى اخيرا ان الرئيس الفرنسي ساركوزي ذا الخلفية الصهيونية المعروفة عرض على البطريرك الماروني بشارة الراعي تهجير المسيحيين من لبنان.

من اجل تلك الاهداف، تعمل “اسرائيل” في مصر، ونرى ان “مجزرة ماسبيرو ” في القاهرة هي حلقة في سلسلة الاعمال التنفيذية الصهيونية ضد مصر وضد الاقباط تحديداً، الاقباط الذين لا يستطيع احد ان يزايد على وطنيتهم وتعلقهم ببلدهم مصر كما لا يمكن ان ينسى احد مواقف بطريركهم شنودة ضد “اسرائيل” وضد التطبيع معها.

بعد هذا نطرح السؤال: هل ان من ينتمون الى ” ثورة مصر ” التي لم تكتمل بعد ونخشى عليها، حضَّروا ما يمكِّنهم من مواجهة ما يحاك لمصر من فتنة طائفية، تؤدي الى تقسيمها او تهجير بعض اهلها ودفع الباقي الى التخبط في عدم الاستقرار الذي يستنزف البلاد ويحقق مصالح “اسرائيل”؟

اتمنى ان يحكم الوعي والتبصر سلوك الجميع وتفوت الفرصة على “اسرائيل” في مصر كما فوتت حتى الآن في سورية وعندها نقول ان في مصر ثورة أعادتها الى موقعها في قلب الامة.
::::::

نشر في جريدة البناء اللبنانية و جريدة الدار الكويتية  بتاريخ 14102011

http://www.al-binaa.com/newversion/article.php?articleId=45613

http://www.aldaronline.com/Dar/Author2.cfm?AuthorID=418