(رد على حسين ياسين في مراجعته لكتاب عادل سمارة: تأنيث المرأة…)
أحمد حسين
عزيزي د. مسعد عربيد، عملا بحري الراي آمل نشر هذه المقالة.
* * *
منذ تعلم البشري التعبير وهو يثرثر. يرسم على سطح المعرفة المتيسر صورة ظنية قلقة لكيونته تتغير ملامحها داخله بدون توقف، قبل أن تتحول إلى حركة نوعية، أي وعيا خاصا، أي وجودا إنسانيا. أصبحت الخطوط في بعض الأماكن أكثر تحديدا، ولكن الثرثرة والقلق كانا يزدادان أيضا باضطراد. وما زال ذلك قائما إلى اليوم بعد أن تحول البشري إلى ذات في الحركة تتدخل في الجدل بوعيها له، وتؤثر فيه إيجابا بالتزام أمامية وعلمية الحركة، أو سلبا بالتلاعب. ولعل خير الأمثلة على ذلك، هما الماركسية كوعي علمي ملتزم، لم يتم حتى الآن تجاوزه أو نفيه بوعي أكثر تقدما، التي قدمت أخيرا “الليبرالية الإنشائية” إي التلاعب كقيمة اجتماعية أجدى عمليا، كما تقول، من العلمية الطوتاوية.
لا وجود في الطبيعة والوجود بالمشاهدة والتجربة للأفراد والآحاديات والبنى المستقلة. التواجد الحقيقي هو للبنى الجدلية، التي تكون بمطلقها التفكيكي مطلق الكينونة. يمكن التوقف احتجاجيا عند هذا المطلق الأخير، ولكنه توقف تلاعبي للوجدان العبثي استفاد منه الغيبيون ووفروا للطبقيين وبالتالي للبارلة حقلا للتلاعب العملي يعطي كل الأهمية للإمكان الإنشائي. استبدل النفي وصراع المتناقضات بالتصور السطحي للتطابق الشكلي، وهو من جدل البنية الإنشائية التي تفترض نوعا من السكون وسلبية الحركة. وهو ما اعتمد عليه إدوارد سعيد في إنشاء فوالقه التطابقية للجمع بين الماركسية والليبرالية في صفقة استدخال واحدة للتبادل بين المركز الإمبريالي وفضاءات الإستعباد.
كان لا بد من هذه المقدمة، “لإنشاء” حلبة للسجال اللاحق مع حسين ياسين وليس مع عادل سمارة حول موضوع كتاب ” تأنيث المرأة: بين الفهم والإلغاء “. ولست أدري لماذا أضاف عادل سمارة، وهو من العمق والإطلاع والنباهة على ما يعرف قراؤه، كلمة تأنيث إلى عنوان الكتاب؟ هل يعتقد أن التأنيث هو فعل اجتماعي، أم أن الأنثوية هي الأصلانية البنيوية الجدلية التي تربط الأنوثة والذكورة في جنس موجود واحد؟ في اعتقادي أن الذكورة والأنوثة بالتتبع العلمي الماركسى (هي ) أصل الوجود الإجتماعي المسبِّب وليس المتسبِّب، وأن التي تأثرت بتقسيم العمل هي المرأة التي هي الأنثى، وليس الأنثى التي هي المراة. كيف إذن تحققت سيادة الأمومة في مجتمعات ما بعد تقسيم العمل؟ وإذا كانت الأنوثة نسبت إلى الضعف الجسدي والمعنوي في مرحلة اجتماعية لاحقة فإن التي نسبت هي المرأة التي تضررت من تقسيم العمل بسبب وظيفتها الأنثوية التي استغلت اجتصاديا كنوع من الإعاقة الإقتصادية في أداء المرأة.
الأنوثة والذكورة هما خاصية البنية الخالقة للمجتمع. فمن الصعب تصور الإجتماعية البشرية أو ما يقابلها من أشكال الإجتماعية لدي بقية الكائنات بدون هذه الخاصية – الجبلة. إنها هي التي تفسر ولادة الكون الإجتماعي، وليس هو الذي يفسر ظاهرة الأنوثة – الذكورة. فهي سابقة على مرحلة التطور البشري كسنة تعض طبيعية، تنتظم كل الموجودات العضوية. ومن حيث الدور الوظيفي، تم تصور إناث حملن بدون تدخل الذكورة أكثر من مرة، ولكن من المستحيل كما يبدو تصور أي دور للذكر بدون االأنثى. وهذه ليست فذلكة، بل وليدة معاينة بنيوية تثبت أن الأنوثة تحتل مساحة أكبر من الذكورة داخل التكامل البنيوي الوظيفي. كما أن هذا ليس رأيا، بل حقيقة دامغة من حقائق الإدراك في التجربة. دور الذكر ينتهي تناسليا بالتلقيح المتبادل، أما دور الأنوثة فيبدأ فقط، حيث أن الحسم الوظيفي هو للحمل والرضاع والحضانة الآمنة. أما الذكورة فتتحول إلى عضوية تواجد اجتماعي فقط. ولعل التبطل هو بداية وجود الرجل، بينما حمل المنتج ورعايته هو بداية وجود المرأة. إذن هناك تقسيم عمل يبدأ مباشرة بعد الوظيفة البنيوية التكاثرية، ويمهد لحالة اغتراب اجتماعي وينتج عنها ظهور المرأة والرجل وجدلهما الإجتماعي، بين الدور الإنتاجي للأمومة لدى المرأة، ونزعة التملك والإستئثار لدى الرجل. والبداية الجدلية هي ذات البداية الكمونية في كل حالات الجدل الأخرى: التناقض بين الضعف الكامن في القوة، والقوة الكامنة في الضعف.
وعادل سمارة حالة وعي نضالي من بين الحالات الأبرز على الساحة الفلسطينية، والعربية. إنه ليس مجرد وجه نظري يتحرك بين مقهى وأخر، وإنما هو مناضل ميداني يعاني من حسرات الساحة ويعارك فيها الظواهر وليس التأملات. وهو معرض بوعي تام منه كمحارب شيوعي وقومي، لكل إشكاليات التكتيك بين النظرية والممارسة. إنه مفكر، وسياسي في ذات الوقت. وهو بذلك قد يتنازل في معاركة الظواهر عن التأنق الفكري، الذي أصبح مشاعة للصفقات بين الليبراليين العرب والمرحلة. لم يقل هذا السيد شيئا ذا بال في تعليقه على مضمون كتاب عادل سمارة. كل ما فعله أنه قدم مراجعة متعالية ضمنها الكثير من الجمل اللعوبة المتنرجسة، وكأنه يعتقد في نفسه تميزا معرفيا مسلما به. قدم جملا فنية غامضة وكأنه يقدم مراجعة لقصيدة صعبة، بمهارة تعبيرية لا بأس بها. ولكنه كان واضحا كل الوضوح إلى درجة فقدان المهارة حينما قدم ترافعه الإدوارد سعيدي المترنح، حول وجوب استدخال دول المركز الإمبريالي الليبرالية بالقسر الموضوعي. فدول المركز قدمت لنا البرهان تلو الآخر أنها غير قابلة في عصرنا للتجاوز. أي علينا البحث عن وسيلة غير وسيلة المواجهة معها لنستطيع نقضها من الداخل. فهي غير قابلة للنقض من الخارج. أي أنه يقترح علينا دورا كدور الإخوان المسلمين. نستدخل أمريكا مثلا، بالطاعة، لنستطيع إرغامها على الدخول في الإسلام أو دفع الجزية لاحقا. خلال ذلك يستطيع رأسالمال الإسلامي، أي الفئوي، أن يستفيد من سوق الرأسمال العالمي الذي تسيطر عليه أمريكا مع أتباعها الغربيين. إنه يخلص في النهاية إلى أن الغرب في نظره ممكن كموضوع للإتباع والتفاوض ومستحيل موضوعيا للمواجهة. يقول ذلك بلهجة التباكي من هذا الواقع، مثل مذيعات قناة الجزيرة حينما يتباكين على الشعب السوري الذي لا بد للإخوان المسلمين من فرض التحرر عليه بذبحه. هذا الأسلوب الليبرالي الجديد في المحاكمة والذي انتشر عالميا يحفظه كل ليبرايي المشاعة العربية عن ظهر قلب. دع العاهرات يحررن الأنثى لتتحرر المرأة ! دع الإخوان الليبراليين والناتو يحرروا السوريين من سوريتهم ليحصل الفقراءعلى الخبز من الكنيسة وعلى الحرية من أمريكا. تري كيف سنحرر أنفسنا من الإمبريالية بعد استدخالها سيدا لنا؟ أم أنه على يقين أن أمريكا ستمنحنا الفرصة للتفوق عليها، وفرض النظام العالمي الذي يناسبنا. لو تحالفت الصين مع الغرب بشروطه هل كانت ستبلغ درجة منافسة الإقتصاد الأمريكي؟ ما هذا الإيمان الليبرالى السوريالي بالصفقات؟ أم لعلك تظن أن أطروحتك قد أقنعت أحدا أو أنك شخصيا مقتنع بها؟ إنك كليبرالي مكشوف للعقل والتجربة مثل الإخوان. يدعون ألى الأيمان وهم لا يؤمنون بما يقولون، وإنما هو أسلوب الدجل الطبقي التاريخي الذى أوصلته الليبرالية مرتبة الإيديولوجيا الإعلامية؟ تتحدث عن دول سبقت العرب إلى استدخال الكوبرودورية الغربية فوصلت إلى…. أين؟ لماذا تتحدث عن الدول فقط ولا تتحدث عن الشعوب؟ هذه الدول تحولت إلى مشاعات اقتصادية دولية، ازداد عدد اللصوص الكبار، وازدادت فرص الكدح، ولكن هل نقص عدد الفقراء والمستغلين؟ أم أنك معني فقط بالفرص التي تتيحها اللبرلة لأمثالك من مرتزقة المراحل؟ من ٌال لك أن الشعوب تحلم أن تصبح مثل الهند وماليزيا وسنغافورة؟ أي أن تصبح شارعا واحدا مليئا بالشركات على الجانبين، وآلاف وملايين الأزقة المليءة ببيوت الفقر والدعارة والجريمة. لقد عزل الأغنياء أنفسهم في هذه الأسواق الغربية، وسلموا أمرهم للصوص والقوادين، فأصبحت البلاد تتكون من شارعين أو ثلاثة، وأصبح بعض السكان سلع عمالة مسحوقة على أحسن الفروض، والباقي خارج ظروف الحياة الإنسانية. والهند قصة أمريكية وليست قصة هندية. لولا سوق الحرب الهندية الباكستانية، ظلت الهند وباكستان وراء التاريخ. لقد حولتهما أمريكا إلى منطقة توتر نووي لتقيم سدا أمام السوفييت أثناء الحرب الباردة، فماذا غير ذلك؟ الفقر والتخلف فيهما لا يزال كالوضع في السعودية.
وهل قصر العرب في تبعيتهم لأمركا في مصر أو المغرب العربي أو دول الخليج؟ فلماذا تستبيح أمريكا مالهم وأوطانهم وتعتبرهم دونا من البشر، لا تولي دمهم أو كرامتهم أهمية. هل كان لإسرائيل هم مشترك مع الغرب سوى منع المنطقة العربية من التطور الأدنى؟ هل أقام العرب مصنعا واحدا له أهمية تنموية لم تدمره الطائرات الإسرائيلية بحجة الحرب. هل ظل وجه من أوجه الدمار السياسي والإقتصادي والمعنوي لم تمارسه أمريكا وإسرائيل ضد العرب النهضويين؟ أين كان أمثالك يوم قالت الزنجية المحررة بساقيها أن ذعر طفل يهودي واحد من قصف صواريخ حزب الله، يوازي حرق ألف طفل عربي بالنابالم؟ أين كان أمثالك يومها؟ لعلك ولدت ليبراليا، فأنا لا أعرف عنك شيئا. أعرف شخصا سوريا يشبهك أسمه ياسين الحاج (الشيخ؟) صالح، ولكني أشهد أنه مستقيم. يدعو إلى أمريكا والليبرالية دون أن يتباكى منهما على طريقتك التلاعبية. إنه على الأقل لا ينكر ولاءه لأمريكا، ليلعب على الحبلين كيساريي العالم العربي الذين ولدوا صهاينة.
أنا لست متحيزا للمشاعة العربية. فهي مخاز بشرية وسياسية وخلاء من الكرامة الإنسانية. ولكنني مواطن في هذا العالم. ولست عدميا بأي معنى. ويهمني أن تنتصر الإنسانية الحية على عدوها الغربي الليبرالي المعاصر وتواصل تجربتها المستقلة مع التطور. أحب كل الأطفال، وكثيرا ممن عداهم، ولن أقف ضدهم بأي ثمن. ربما تكون محبطا، ومطعونا عربيا في الصميم، ولكن هذا ليس مبررا للعدمية الليبرالية. لا تصل ولكن لا تحرق المسجد، ولا تشرب الخمر ولكن لا تحرق الخمارة. لا تأبه للعرب فإنهم ليسوا العالم.
أسأت إلى عادل سمارة بكتابتك عنه ومحاولة استغلال كتابه الملتزم في أداء رقصتك الصاخبة على حسابه. كونك ليبراليا من حقك. إذهب إلى قناة الجزيرة وأد كما تشاء، ولكن لا تؤد عن شرفات الآخرين.