د. منذر سليمان
مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي
واشنطن، 15 اوكتوبر 2011
المقدمة
حظي توقيت الاعلان الاميركي بتقديم الادلة المزعومة عن مخطط ايراني لمهاجمة السفير السعودي لدى واشنطن ببعض الاهتمام بالتساوق ايضا مع الذكرى العاشرة للحرب الاميركية على افغانستان؛ فيما تناولت تغطية مراكز الفكر والابحاث الاميركية جملة قضايا اخرى ذات اهمية.
وسيتناول التحليل المتضمن تجدد موجة المظاهرات المتعددة في مدن الولايات المتحدة الرئيسية مجسدة بحراك اطلق على نفسه “احتلال وول ستريت” وسبر اغوار الحراك الذي يتسع استقطابه للمتظاهرين افقيا.
ملخص مراكز الابحاث
استهلت مؤسسة هاريتاج Heritage Foundation التغطية بمحاولة الاغتيال المزعومة للسفير السعودي لدى واشنطن، عادل الجبير، وقالت “لم تُبد الادارة اهتماما كافيا لمخاطر الارهاب المدعوم من دولة ما. وفي 28 من شهر حزيران / يوليو المنصرم افصح البيت الابيض عن وثيقة الاستراتيجية القومية لمكافحة الارهاب والتي غطت نحو 19 صفحة لا تذكر ايران بالاسم سوى مرة واحدة، وتم تجاهل مسألة الارهاب المدعوم من دولة ما تقريبا.” واستنتجت بالقول “ينبغي على الادارة (الاميركية) الغاء استراتيجيتها لمكافحة الارهاب واعادة صياغتها، مع الاقرار بأن الصيغة الحالية للوثيقة قصّرت في تحديد طبيعة التحديات التي تواجهها الأمة راهنا، وليس بوسع الولايات المتحدة التغاضي عن التهديد الاخير لأمنها.”
وشاطرها الرأي مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations معربا عن اعتقاده بترابط الخطر مع مضي ايران في برنامجها النووي. وحذر بالقول “العمل الارهابي المخطط له في واشنطن قد يقصد ارسال تحذيرا مؤلما لنا. ان توفرت الجاهزية لايران للاقدام على عمل ارهابي على اراضينا، في الوقت الذي يتوفر لدينا ترسانة اسلحة نووية ضخمة بينما تفتقر اليها ايران، فهل حصولها على الاسلحة النووية سيعزز من جرأتها؟ ان لم يكن باستطاعتنا ردع الارهاب القادم من ايران الآن، فكيف يمكننا ردعه ان تم السماح لها بالمضي قدما ببرنامجها النووي ليحقق هدفه النهائي؟”
كما تناول المسألة عينها معهد واشنطن Washington Institute قائلا “انباء المؤامرة الايرانية قد تكون ساهمت في تحقيق علاقات اوثق بين الولايات المتحدة والسعودية: اذ التقى الملك عبدالله و(عادل) الجبير مستشار الأمن القومي توم دنيلون يوم الاول من اكتوبر الجاري للتدوال “في عدد من القضايا التي تهم الطرفين” – وندرك الآن واحدة من القضايا تلك على الاقل التي تم تناولها.”
وعبر معهد بروكينغز Brookings Institution عن ارائه باتزان وروية، وقال “لا ينبغي ان يذهب بنا الافتراض ان ذلك يعني ان ايران دولة غير عقلانية مصممة على الحاق الاذى بالاميركيين مهما كان الثمن، كما تصورها وسائل الاعلام الغربية احيانا. اذ بعد قيامه بتطهير صفوفه عام 2009، فالنظام الايراني لا يشبه عراق صدام حسين، الذي عرف بعدوانيته واستهتاره لدرجة الانتحار غير المتعمد. لكن، ان ثبت صحة الادعاء الذي لا يصدق، عندها يتم تنبيهنا بان ايران ايضا ليست دولة عادية في اي بعد من الابعاد، والشرق الاوسط الذي يعاني من الاضطرابات راهنا يفرض علينا مواجهة ايران التي تزداد عدوانية وقدرتها للدخول في مغامرات ابعد يعني بالنسبة لنا انها تتطلع للاصطياد في المياه العكرة باساليب كانت تعتقد انها من غير الحكمة الاقدام عليها في السابق.”
وركز معهد كاتو Cato Institute جهوده على تناول الذكرى العاشرة للحرب على افغانستان، آخذا بعين الاعتبار رغبة الادارة الاميركية الجامحة لتحقيق انتصار هناك. وقال “المضي بالاحتفال يأتي مغاير لرغبات الشعب الاميركي الذي تزداد شكوكه في امكانية التوصل الى بناء دولة افغانية مستقلة وقابلة للاستمرار بكلفة معقولة. والسخرية تبدو مبررة. فتأرجح المسؤولين في اطلاق الشعارات من “الحرب التي ينبغي علينا الانتصار بها” الى “حرر، تمكن، ابني،” وهم الذين وعدوا الاميركيين منذ عدة سنوات بان الانتصار في متناول اليد، حتى تقاريرهم الخاصة تشير انه بعد انقضاء عشر سنوات، يبدو اننا ندور في حلقات مفرغة.”
وحذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS من الحرب الافغانية بعد انقضاء عقد عليها بالقول “(التجربة) الافغانية نادرا ما توازي مثيلتها في فييتنام، لكنها من اليسير ان تصبح حربا اخرى تحقق فيها الولايات المتحدة انتصارات في كل الاشتباكات التكتيكية تقريبا، لكنها تخسر (الحرب) على نحو قاطع بالمعنى الاستراتيجي الشامل. وعلى الرغم من ان الولايات المتحدة تحقق انجازات تكتيكية هامة في جنوبي البلاد، ينبغي على افغانستان التعامل مع الظروف “الانتقالية” التي سيتم فيها سحب معظم القوات الاميركية المقاتلة وقوات ايساف ايضا من البلاد في موعد اقصاه نهاية عام 2014، وفي ظل تخفيضات في مستويات الدعم العسكري والاسناد تقدر وزارة المالية الاميركية بأنه من شأنها ان تؤدي الى تراجع الناتج الوطني الاجمالي لافغانستان بمعدل 12% في افضل الحالات وما يفوق 40% في اسوأها. الامر الذي قد يتسبب في اشعال ازمات اقتصادية وعسكرية في الفترة الزمنية ذاتها التي ينبغي على (حامد) قرضاي اخلاء المنصب الرئاسي واجراء انتخابات رئاسية جديدة.”
وجاء اهتمام وقف كارنيغي Carnegie Endowment ليسلط الضوء على بروز الاحزاب السياسية في مصر واستشراف المستقبل، وقال “في غضون الاشهر القليلة المقبلة، سيتضح الحجم المادي لكل اللاعبين، لكن قد تتصاعد حدة الازمات في مصر في الوقت عينه. الانتخابات المزمع اجراؤها ستدل بالطبع على عمق الدعم الشعبي الذي تتمتع به مختلف الاحزاب وحسم التكهن المزمن، لكن ان استطاع الاسلاميون تحقيق نسبة عالية من الاصوات، فنتائج الانتخابات ستولد ازمات كثيرة في البلاد وقد تدفع بالمؤسسة العسكرية للاستمرار في ممارسة السلطة بوضوح. وقد تؤدي نتائج الانتخابات ايضا الى تلاشي الحركات الاحتجاجية، مرحليا على الاقل، او الدفع بالتعبئة مرة اخرى ان تيقّن الناس من ان الانتخابات عززت مواقع النظام السابق.”
وكانت مصر من ضمن اهتمامات المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي JINSA الذي حذر بالقول “في ضوء الازمة الاقتصادية الراهنة، قد يبدو قلق القيادات العسكرية المصرية مبررا حول حكومة مدنية في المستقبل لسعيها ايلاء اهمية اكبر للاحتياجات المحلية في مصر مما يعني ان القوات العسكرية ستعاني من تخفيض في الموازنة، اذ انها ليست بحاجة الى الآلاف من العربات المدرعة باهظة الثمن (وعلى سبيل المثال، تمتلك قوات الجيش اكثر من 1000 دبابة قتالية من طراز M1-A1 Abrams) واسراب من الطائرات المقاتلة (240 طائرة قتال نفاثة من طراز فالكون F-16C/D). وفي هذا السياق، ينبغي ادخال تخفيضات على ميزانية القوات العسكرية المصرية والتنازل عن بعض امتيازات كبار قادتها على الاقل مثل السخاء في تخصيص اماكن سكنية لهم ومعاشاتهم التقاعدية الى جانب المزايا المالية المتراكمة لحساب كبار الضباط.”
ونظر معهد ابحاث السياسة الخارجية Foreign Policy Research Institute الى الشرق الاوسط في المستقبل القريب لعام 2016، مشيرا الى ضرورة استمرار الدور الحيوي للولايات المتحدة وسياساتها في تحديد معالم مستقبل المنطقة. وقال “العامل الاساسي المتغير هو هل بامكان الولايات المتحدة اعادة احياء تحالف يتمتع بالاستقرار مكون من اطراف غير متجانسة. اسلوب التوجه المنوي اتخاذه لا ينطوي عليه حل الخلافات القديمة بين الاضلاع – لن نستطيع ذلك، وسيؤدي الى تراجع المكانة (الاميركية) نتيجة للفشل. الحل يتطلب الثبات في مكافأة الاصدقاء وعقاب الاعداء. عندها، سيهرع الناس (للولايات المتحدة) طلبا للود والصداقة، حتى وان ابدوا عدم ارتياحهم لنظرائهم للآخرين.”
وبحكم اهتمامات مركز صندوق جيرمان مارشال German Marshall Fund بالتطورات الشرق اوسطية وانعكاساتها المباشرة على القارة الاوروبية، تناول المركز العلاقات الاميركية التركية الهشة. وقال “الولايات المتحدة كانت تنظر لتركيا باعتبارها ركيزة اقليمية لسياستها الكونية والنظام التي بشرت به، وليس كمنافس اقليمي فحسب. واتخذت الامور بينهما منحى فيه الجفاء وطبعت العلاقة ببعض الاشكالات منذ قرار حكومة حزب العدالة والتنمية تحدي سياسة الولايات المتحدة المحابية للمصالح الاسرائيلية، وسعت ايضا لمنافسة اسرائيل على موقع الصدارة في التطورات الاقليمية. ويتعين على ادارة (الرئيس) اوباما المفاضلة بين الضغط على تركيا لتقديم بعض التنازلات، والتي من شأنها القضاء على اية بوادر حسن نية هشة استطاعت الولايات المتحدة بنائها لدى الشارع العربي، او الاقدام على تغيير بوصلة التوجهات الاسرائيلية، مما ينذر بتقويض حظوظ اوباما للفوز بفترة رئاسية ثانية.”
التحليل:
حركة “لنحتل وول ستريت” امام تحدي الصمود والبقاء
انطلقت دينامية جديدة للاحتجاجات والاعتصامات السياسية في الولايات المتحدة منذ التحركات الشعبية المكثفة في ولايتي ويسكونسن واوهايو خلال شهري فبراير ومارس – شباط وآذار – للعام الجاري. ونشهد حاليا مظاهرات حاشدة واعتصامات في كل من نيويورك وبوسطن والعاصمة واشنطن تستهدف مصارف وول ستريت (اسواق البورصة) كتعبير رمزي عن استهداف بيوتات المال وتكديس الثروات. وتندرج كل هذه التحركات تحت شعار مركزي “لنحتل وول ستريت.”
لا شك ان هذه التحركات الاحتجاجية تبدو متأخرة نسبيا حسب وجهة نظر بعض المراقبين الذين توقعوا اندلاع احتجاجات كبرى بسبب سوء الاوضاع المعيشية واستمرار تعثر اجراءات الادارة لانعاش الوضع الاقتصادي المهدد بالركود المستدام.
لكن مواجهة وول ستريت وبنوكها واثريائها والهادفة الى كسر سطوتها وقوتها لا تبدو هدفا واقعيا قابل للتحقيق مما اثار بعض الشكوك لدى العديد حول عمومية الشعار وغموضه وامكانية ان يلحق هذا الغموض الضرر بالحراك الجماهيري لانه يعرضه للانحراف عن البوصلة وامكانية اختطافه من قبل مجموعات منظمة وممولة تابعة لمؤسسة الحزب الديموقراطي، وخاصة جناحها اليساري نسبيا.
تبدو التظاهرات مجردة من قيادة واضحة مما سيتيح لاجهزة الاعلام المدعومة من الشركات الكبرى ومن مصارف وول ستريت ان تدفع ببعض الاشخاص الموالين للبروز وادعاء القيادة. وقد يكون عدم تحديد اهداف واضحة لهذا الحراك او التركيز على مطالب معروفة ومألوفة، يسهّل الالتفاف حولها ودعمها والانخراط في السعي لتحقيق اهدافها، هو احد المخاطر التي تهدد هذا الحراك ويفضي الى تلاشيه تدريجيا مع مرور الزمن او عزلته عن اهتمامات الرأي العام.
تبدو هذه التظاهرات والاعتصامات وكأنها عفوية وربما انطلقت فعلا كذلك، ولكن اجواء التأزم والقلق والاحتقان التي يعيشها الاميركيون هذه الايام، وخاصة استمرار نسبة البطالية العالية في سوق العمل التي تصل في بعض القطاعات الى ارقام مضاعفة للمعدل الرسمي المعلن، يبدو انها جذبت للانخراط فيها العديد من نشطاء النقابات العمالية والمستخدمين وبعضهم من مؤيدي اوباما، او على الاصح يعتبرون جزءا من ماكينته الانتخابية. ويتهم بعض المراقبين هؤلاء النقابيين البيروقراطيين الذين يتسربون الى حراك المطالب المعلنة بــــ “احتلال وول ستريت” بانهم يهدفون الى ضبط الحراك والسيطرة على شعاراته والسعي لتوظيفها لصالح اعادة انتخاب اوباما.
هناك محاولة لخلق الانطباع بأن حراك جماعات “احتلال وول ستريت” ليست سوى نسخة الحزب الديموقراطي عن الجماعة الناشطة المقابلة في الحزب الجمهوري التي يرمز اليها بـ “جماعة الشاي،” او “حزب الشاي.” ويتوجس بعض المنخرطين في هذا الحراك من الناشطين المستقلين بأن يحاول البعض مصادرة الحراك وتوجيهه نحو خدمة ادارة اوباما بالرغم من ان ادارته تشمل على العديد من مدراء وول ستريت ويحتلون مناصب رفيعة فيها. بعض منظمي هذه الاحتجاجات يريدونه ان يحاكي الاحتجاجات الاخيرة التي يرمز اليها في بلدان عربية بـ “الربيع العربي،” مجسدة في حماسهم لتقليد ما جرى في مصر، وخاصة في ميدان التحرير، حيث يعتبرونها نموذجا حديثا ورائدا حول كيفية ترجمة الارادة الشعبية وتصميمها واستعدادها للتضحية من اجل تحقيق اهدافها. ولكن بنفس الوقت ينظر بعضهم بقلق الى عدم استكمال حراك الجماهير المصرية لأبعد من اسقاط رأس النظام واستحواذ النخبة العسكرية على دور رئيسي يحاصر امكانية انجاز هدف اسقاط النظام بكامله فعليا، ويتيح للتيار الاسلامي ان يحظى بدور بارز على حساب قوى التغيير الوطنية الاخرى. ويشيرون ايضا الى مثال اليونان حيث اقدمت النقابات العمالية ومؤيديها من القطاعات الاخرى على خوض اضرابات متكررة ضد حكومة رئيس الوزراء باباندريوس دون ان تتمكن من اسقاطها رغم خطواتها واجراءاتها التقشفية القاسية التي تنفذها بناء على توصيات صندوق النقد الدولي ودول نافذة في الاتحاد الاوروبي. ويبدو ان الوضع في اسبانيا مشابه ايضا من حيث العجز لوضع حد لجشع ونفوذ اصحاب البنوك، والأمر كذلك في ايسلندا حيث لم تستطع الحركة المناهضة للبنوك الوصول الى نتائج مُرضية.
الدرس الاساسي الذي يمكن استخلاصه من هذه الحالات، ان الوضع الاقتصادي والمالي العالمي المتأزم راهنا يتطلب ما هو ابعد من التظاهرات فقط. فالشعوب المتضررة وحتى اليائسة من الاوضاع تتطلع الى قيادات سياسية قادرة على استنباط حلول للمشاكل المصيرية وصياغتها كمطالب تسعى لتحقيقها بشكل ملموس، لأن الحراك الاحتجاجي العاجز عن وضع شعارات ومطالب ملموسة سيقوض الزخم الجماهيري ويضعه بعيدا عن الحزم والجدية المرغوبة والمطلوبة لاقناع المترددين الالتحاق به والالتفاف حوله.
للعامل الموضوعي المتعلق باستمرار الازمة الاقتصادية / المالية / المعيشية دوره في جذب قطاعات شعبية لم يسبق لها الاشتراك في الاحتجاجات للانضمام وتأييد هذا الحراك، ولكن ذلك يعرضه لمحاولات التوظيف الخاصة او الوقوع ضحية لتكريس زعامات ديماغوجية تتقن فن الخطابة اكثر من اتقانها انجاز الاهداف.
نستطيع تلمس دور بارز لطلبة الجامعات في هذا الحراك وربما سيتحملون مسؤولية خاصة في بلورة افكار وتصورات تتجاوز تحقيق مطالبهم ومصالحهم لتصل الى مختلف قطاعات المجتمع المتضررة من الأزمة الاقتصادية / المالية المتفاقمة. واذ تركت الساحة لسوروس (الملياردير الديموقراطي) وامثاله فقد يتمكنوا من اختراق هذا الحراك عبر ناشطين فاعلين يمثلونهم لاخماد جذوته عمليا واحتوائه وربما تحقيق انهياره.
ان مواجهة اثرياء وول ستريت الاقوياء ومنظومتهم الادارية القوية يتطلب بذل جهود مضنية لشرح الحقائق للشعب الاميركي عن كيفية استغلال القوى العاملة من قبل هؤلاء لتكريس ثرواتهم الطائلة وكيف ان برامج الحكومة الانقاذية تحت مسمى الانعاش الاقتصادي تضخ المليارات لانقاذ حيتان وول ستريت من الافلاس. ويقول بعض المهتمين بالحفاظ على زخم هذا الحراك ونجاحه، مثل الناشط والمؤرخ المناهض للهيمنة الطبقية والعرقية لاصحاب الثروة السيد ويبستر تاربلي، على اهمية ان تتم بلورة المطالب الاساسية التالية لترفع كشعارات مركزية للحراك:
1. اسقاط ديون قروض الطلاب الجامعيين: تفيد بعض الاحصائيات الاولية ان العديد من الطلاب المحتجين يعتبرون ممثلين لزملائهم الآخرين في مختلف الولايات الاميركية ممن سحقتهم عمليا الفوائد الخيالية المرتفعة على قروض التعليم؛ فاغلبهم تتراوح ديونهم قبل تخرجهم (لشهادة البكالوريوس) بين 50 ألف الى ما يفوق 100 ألف دولار. واذا اضفنا عليها ديون الدراسات العليا مثل تخصصات الطب والقانون او التعليم لبعضهم فالارقام تصبح فلكية ولن يكون بمقدور هؤلاء الخريجين تسديدها لعشرات السنين، مع الافتراض بحصولهم الفوري على وظائف او فرص عمل بعد تخرجهم مباشرة.
وتعكس هذه الحالة وضعية الافقار المتزايد في الولايات المتحدة في العقود الاربعة الاخيرة حيث تدنى مستوى المعيشة عمليا بحوالي الثلثين مقارنة بمستوى الاجور الفعلية والفوائد الاخرى. ويتم اغفال حقيقة ان هذه الديون تديرها نفس البنوك التي جرى انقاذها من الافلاس من قبل الرئيس بوش الصغير عام 2008؛ كما ان بعض القروض الكبيرة صادرة عن البنك المركزي الاحتياطي في السنوات الاخيرة. وتقدر حاليا مجمل ديون الطلبة بحوالي تريليون (1,000,000,000,000) دولار التي تطحن آمال الخريجين بمستقبل واعد وحياة طبيعية. لذلك يتوجب اسقاط هذه الديون واعفاء الطلبة منها مثلما تم انقاذ البنوك من الافلاس او كما يتم انقاذ اليونان من الديون. لقد حان الوقت لارغام بنوك وول ستريت الجشعة على تحمل هذه الديون والغائها، خاصة وان معظم ديون الطلبة لا توجد امكانية واقعية لتسديدها بل انها تهدد مصير جيل بأكمله. وبامكان الرئيس اوباما اصدار قرار يمنح الاعفاء الكامل للطلبة من ديونهم التعليمية مثلما اصدر قبله الرئيس كارتر عفوا عاما عن المتخلفين عن الخدمة العسكرية ابان حرب فييتنام. ويتوجب ان ينقلب هؤلاء الطلبة ومؤيديهم على الرئيس اوباما ويمتنعون عن التصويت له لاعادة انتخابه ان تلكأ في الاقدام على منح هذا الاعفاء.
2. ايقاف كل عمليات نزع ملكية المنازل الخاصة بسبب عدم قدرة اصحابها تسديد قروضها العقارية. يتوجب محاسبة المصرفيين الذين ساهموا في تأجيج أزمة الرهن العقاري ولأنهم استخدموا اساليب غير قانونية للموافقة على منح تلك القروض مقابل نسبة عمولاتهم ليس الا. ويتوجب ان تتحول عملية نزع الملكية الى جريمة فيدارالية، بموازاة تقديس النصوص الدستورية حق الملكية الخاصة، اذ يمكن التحقق قضائيا من قدرة اصحاب القروض العقارية على دفع الحد الادنى الممكن لضمان بقاء ملكيتهم.
3. الدفاع عن وتمويل كامل لشبكة الضمان الاجتماعي:
سيتوجب على الحكومة الاميركية الاهتمام بوقف حملة تقويض البرامج التي تساعد في الحفاظ على شبكة الأمن الاجتماعي بدلا من الدعوة الى تمويل الشركات الكبرى لانقاذها من الافلاس مثل “غولدمان ساكس Goldman Sachs” و “جي بي مورغان تشيس G.B. Morgan Chase.” لان تعريض الشعب الاميركي الى حالة تقشف تعسفي قد تؤدي الى كارثة انسانية واجتماعية؛ اميركا تعاني حاليا من بطالة حقيقية تقدر نسبتها بحوالي 25% في قطاعات كثيرة، مما يعني ان نحو 30 مليون شخص لا يستطيعون العثور على عمل، وبعضهم تجاوز توقفه عن العمل حوالي 99 أسبوعا او اكثر. وهناك حوالي 46 مليون اميركي يعيشون على كوبونات او قسائم الغذاء المقدمة من الحكومة المركزية “food stamps”، ومع ذلك يطالب الجمهوريون باستقطاعات متوحشة من برامج الرعاية الاجتماعية. كما يتوجب العمل للدفاع عن استمرارية برامج تساعد الاطفال والصغار مثل توفير الرعاية الصحية لهم وتوفير وجبة الفطور الصباحي في المدارس مجانا، وللنساء الحوامل والمرضعات. كما ينبغي توفير الضمانات والخدمات الاجتماعية للمسنين الذين قضي على ادخاراتهم واموال تقاعدهم من قبل مضاربي “وول ستريت.” لذلك يتوجب زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي لا تخفيضها كما يسعى اوباما والحزب الجمهوري سوية؛ اذ خفّض اوباما نحو 500 مليار دولار من صندوق مخصصات الرعاية الصحية، ويرغب في اجراء مزيد من التخفيضات لارضاء معارضيه السياسيين على حساب منح المحتجين العاجزين من دفع كلفة التأمين الصحي او الرعاية الصحية تمكنهم من القدرة على الطبابة.
4. ضرورة ان يتم فرض ضريبة بمعدل 1% على الدخل والارباح لكافة معاملات “وول ستريت” لتمويل صناديق الخدمات والرعاية الاجتماعية والصحية. وتقدر المعاملات التبادلية في “وول ستريت” بحوالي 3 آلاف تريليون دولار سنويا دون ان يتم دفع اي ضريبة تبادل عليها، عدا عن طرق التهرب من دفع الضرائب التي اتقنها رواد “وول ستريت.” ان العوائد الضريبية التي يمكن ان تحصل عليها الولايات والحكومة الفيدرالية من وراء ذلك قد تصل الى مئات المليارات مما يساعد على توفير نفقات معظم برامج الرعاية الاجتماعية والصحية.
تبقى الاشارة هنا الى ان عدم اتساع هذه الاحتجاجات وتحولها الى اعتصامات حاشدة تذكرنا بميدان التحرير في مصر او ساحات تونس وشوارعها، وكذلك اليمن، لا يعني انها لا تكسب تعاطفا شعبيا واسعا بل تبقى مرشحة لاحتمالات الاتساع والنمو او الضمور والتلاشي تبعا لمن سيبرز في قيادتها ويتقدم الصفوف ويثبت الكفاءة والمصداقية. ويلاحظ ان هذه الاحتجاجات تتقاطع وتتلاقى مع القوى التي حركت التظاهرات الضخمة والحاشدة المناهضة للحرب والعنصرية في السابق ولكن لا يبدو حتى الان ثمة تجسيد تحالف وثيق بين التيار المناهض للحرب وتيار “لنحتل وول ستريت.” ويحتاج الحراك الى نسج هذا التحالف واستعادة حيوية النشاط الجماهيري المؤيد الى تبلور قيادة كفؤة ومستقلة عن اهواء اجنحة الحزبين المحتكرين للحياة السياسية في اميركا.
اميركا تبدو هذه الايام في سباق محموم على امتلاك زمام المبادرة السياسية واستعادة ثقة المواطنين والناخبين بين الرئيس الديموقراطي وحزبه القلق على قدرته الاحتفاظ بالبيت الابيض، وحزب جمهوري يسعى لتوجيه الضربة القاضية لآمال الحزب المنافس بالفوز بالرئاسة مجددا أو الاحتفاظ باغلبية في الكونغرس خاصة مجلس الشيوخ، وبين حراك شعبي موجه ضد الاثنين معا لكنه عاجز عن شق الطريق نحو طريق ثالث يخترق الاحتكار الثنائي على الحياة السياسية.
تبدو مهمة الحراك الجماهيري المحدود حتى الآن والمتصاعد والمتركز على القضايا المعيشية والاقتصادية باستهداف رموز الثروة والجشع. امام تحديات كبيرة لا تنحصر بمحاولة جذب اوباما للتجاوب مع مطالب ومواقع هجرها بعد انتخابه، وقد يكون من الصعب اقناعه او ارغامه على ذلك، بل تتجاوزها الى ضمان ديمومة وحيوية للحراك يدخل الولايات المتحدة في مرحلة غليان سياسي تبشر فعلا بربيع جماهيري اميركي حقيقي. وستكون الاسابيع القادمة حاسمة في اختبار قدرة هذا الحراك في الارتقاء الى مستوى التحدي.
كما ان هناك مؤشرات على نوايا السلطات الاميركية المحلية والفيدرالية على احتواء وانهاء هذه الاحتجاجات واتهامها بانها مجرد اعمال شغب. وتبدو محاولات السلطات المحلية في نيويورك حثيثة باتجاه منع المتظاهرين من الاعتصام في حديقة المدينة الرئيسية. واذا استطاعت السلطات المحلية النجاح في اخلاء الساحات التي يتواجد فيها المعتصمون والمتظاهرون، بالعنف او بالتحايل او الاجراءات القضائية، فان الحراك سيكون مهددا فعلا بالتراجع والتلاشي.
:::::
المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي
مدير المركز: د. منذر سليمان
موقع المركز: www.thinktanksmonitor.com
العنوان الالكترون: thinktankmonitor@gmail.com