العميد الدكتور امين محمد حطيط
علق الغرب بالقيادة الاميركية الامال الكبيرة على ما سمي ” الربيع العربي ” – العبارة التي وصف بها الحراك الشعبي الذي انطلق من تونس و توسع ليشمل بلدانا عربية ستة – بعد ان تداخلت الاتجاهات الوطنية الاصلاحية مع تيارات التدخل الاجنبي لاعادة انتاج الاستعمار (الاستنهاب )، فانخرط الغرب بالحراك ممنيا النفس ب:
تغيير طبقة الحكام المواليين له و الذين استنفدت صلاحيتهم و فعاليتهم لاستبدالهم بطبقة ذات قاعدة شعبية تمنكنها من اطلاق دفع جديد لنظام الحكام ” حراس المصالح الغربية في المنطقة ” المعتمد غربيا منذ منذ مطلع القرن الفائت في اكثر من دولة عربية.
التخلص من النظام العربي الممانع و المشكل حلقة الوصل في منظومة المقاومة و الممانعة عبر الحاق سوريا بمنظومة التبعية العربية ” المرتهنة للغرب.
حماية الانظمة التابعة للغرب ومنع المس بها كونها لا زالت قادرة على تقديم الخدمات المطلوبة و خشية ان يؤدي تحريك الوضع فيها الى فقدان السيطرة و التحكم بالحراك.
و بسبب هذا التبيان و التفاوت في الاهداف تعددت سلوكيات الغرب من حيث دعم الحراك او كبحه في هذا الساحة او تلك لكن الذي بدا من السياسة الغربية و بوضوح كلي الدعم الغربي و السعي لتمكين جماعة “الاخوان المسلمين” من وضع اليد على الحكم في كل من تونس و مصر و سوريا فضلا عن ليبيا ان امكن، قرار اتخذ بعد ان التزمت القيادة العالمية لهذا التنظيم في صفقة تمت مع اميركا و بدفع بريطاني تركي، التزمت باقامة الدولة المدنية (متخلية عن شعارها الاساسي الدولة الاسلامية ) و التحالف الاستراتجي مع الحلف الاطلسي، بعد الاعتراف باسرائيل، ثم الانتظام في جبهة المواجهة ضد “منظومة المقاومة” تحت عنوان التصدي للخطر الشيعي و الفارسي.
و قد كان الشرط الاساسي لنجاح الغرب في هذا المسعى ان تنجح خطة السيطرة على سوريا لانها الباب الرئيسي لاقامة الكيان السياسي –الاخواني المؤمل به. لكن سوريا فاجأت المخطط بقدرتها على التصدي للمؤامرة و وجهت ضربة استراتيجية بليغة للغرب بنجاحها في في افشال خطته و ازداد حجم الخسارة الغربية بسبب نفاد المهل المتوفرة لاستدارك الفشل ا (لا تتعدى المهل نهاية العام الحالي، و لن تتعدى شهر اذار المقبل في ابعد تقدير ) و هي مهل مرتبطة باكثر من ملف اقليمي و دولي بدءا بالعراق، و لبنان، ثم افغانستان و الملف النووي الايراني،و صولاً الى التحضيرات للانتخابات في بعض بلدان الغرب، فضلا عن ضرورة اعادة تكوين السلطة في البلدان التي اسقط رؤساؤها.
و قد زاد من شدة المأزق الغربي بعد الصمود السوري، هو ما آل اليه وضع اذرع تنفيذ الخطة الهجومية ضد سوريا، حيث انكفأ ت السعودية في منتصف الطريق، و دخل ساركوزي-فرنسا في حالة تخبط و تآكل سياسي على ابواب معركة تجديد رئاسته لولاية ثانية ( و هو تجديد لن يحصل كما يبدو من نتائج الاستطلاعات الفرنسية الاخيرة ) اما اردغان – تركيا فقد بات يعاني من مصاعب داخلية امنية و سياسية تمنعه عن السير قدما في الهجوم على سوريا، فاضطر لخفض صوته ( طبعا دون ان يعلن التراجع ) و يبقى امير قطر الذي يعاني من اوضاع صحية قد لا تمكنه من الاستمرار بلاضطلاع بالمهام المسندة اليه في المشروع الاصلي.
و اذا اضفنا الى هذا المشهد،الصورة الدولية العامة و العسكرية الذاتية لقوى الغرب قيادة و حلفاء و قوى، و التي فيها امران لا يمكن القفز فوقهما: الاول العجز عن اللجوء الى الحروب لتحقيق الاهداف بالقوة العسكرية، و الثاني العجز عن استعمال مجلس الامن لتحقيق الاهداف بالطرق السياسية و الدبلوماسية، كل هذا يؤكد حجم المأزق الغربي الان بعد فشل الهجوم على سوريا.
و الان نطرح السؤال: هل ان الغرب سيقتنع بالفشل و ينكفئ، ام يغير استراتجيته و يقود مواجهة من نوع اخر؟
هنا نجد ان اميركا و فرت على المراقبيين و المتتبعين الانتظار و تحليل المواقف لمعرفة و جهة السلوك الغربي المستقبلي، اذ انها و بعد النجاح الايراني في مؤتمري “الصحوة الاسلامية ” الذي شاركت فيه 56 دولة، و “مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطنية” الذي شاركت فيه 80 دولة تبنت استراتيجية “تحرير كل فلسطين بالمقاومة”، و بعد فشل محاولة اميركا للتمديد لقواتها مع حصانة لهم في العراق، و بعد تمكن سوريا كما اسلفنا من احكام السيطرة على شؤونها و الانطلاق بثبات في عملية اصلاح يشارك فيها من يؤمن بالسيادة الوطنية و القرار المستقل و يرفض التدخل الاجنبي، بعد كل ذلك اطلقت اميركا الحلقة الثالثة من سلسلة تلفيقاتها المعهودة، اطلقت “مقولة وجود مخطط ايراني لاغتيال السفير السعودي في واشنطن “.
اتهام جاء ليعبر عن عنوان المرحلة الجديدة للسلوك الاميركي في المنطقة، و الاهم من الاتهام برأينا هو دلالاته و الاهداف التي يرمي الى تحقيقها و منها:
تحويل الانظار عن نجاح “منظومة المقاومة” في مواجهة الخطة الغربية من باب ما اسمي “الربيع العربي” نجاح تجلى في الاستفادة من سقوط الحكام رموز التبعية، و بخروج سوريا من دائرة الخطر على الوحدة و النظام فيها (رغم ان هناك تهديدات من نوع اخر لا زالت تتطلب المعالجة و هي حتما ليست من طبيعة التهديد الاول و لا بحجم خطورته ).
منع منظومة المقاومة و الممانعة من اسثمار نجاحها في المواجهة، والتشويش على ايران بعد نجاحاتها في الملف النووي و الملف العراقي و التحشيد الدولي المانع لعزلتها.
استداراك الفشل في اضرام حرب او فتنة سنة – شيعية بعد ان تفلتت ايران من الفخ الذي نصب لها في البحرين، ثم في القطيف و مؤخرا في المدينة المنورة في السعودية،، فرأت اميركا ان اتهام ايران بمحاولة قتل سفير السعودية قد يؤدي الى اضرام نار الفتنة بين الدولتين ثم بين الطائفتين الاسلاميتين.
شد عصب مجلس التعاون الخليجي، و تطوير البيئة السياسية فيه باتجاه العداء لايران و الارتماء اكثر في المنظومة العسكرية الغربية لجهة فتح المزيد من القواعد العسكرية و طلب السلاح و الاعتماد على الغرب.
و بالخلاصة نرى ان التلفيق الاميركي ضد ايران هو امر املته البئية الاستراتجية التي تميزت بنجاح ايراني سوري في مقابل الفشل الغربي، و يبدو ان اوباما قد يكون تورط بالاستماع الى اردغان حينما علل فشل المؤامرة على سوريا بالقول بان” مفتاح سوريا و قوتها بيد طهران”، لذا شاء ان يذهب الى طهران ممنيا النفس بالحصول على المفتاح. فهل سيجده هناك و يعوض اخفاقاته؟
ان الواقع الدولي يجزئياته و تفاصيله يدل وضوحا على ان نجاح اميركا في خطتها الهجومية الجديدة ضد ايران امر منخفض الاحتمال الى ما يقارب العدم، لكن الذي يخشى من تحقيقه فقط هو سلوك غير محسوب تقوم به الجامعة العربية ضد ايران باتخاذ موقف او صدور بيان يخدم خطة اذكاء الصراع العربي – الايراني، او وقوع السعودية في فخ نصب لها وان تجر معها دولاً في الخليج الى مستنقع فتنة سنية- شيعية ( مع ان احتمالها ضعيف للغاية )، و عدا ذلك فاننا لا نجد مسالك مفتوحة امام اميركا في تلفيقتها الجديدة لا حربا في الجبهة و لا عزلة تفرض على ايران من باب المنظمات الدولية او ما تسميه اميركا “المجتمع الدولي”.
:::::
نشر في جريدة الثورة السورية.