فاريتي ليس الأول… وفوكس ليس الأخير!

عبداللطيف مهنا

يرعى الغرب إسرائيله منذ أن اختلقها وانشأها في قلب الوطن العربي. العلاقة بينهما عضوية، علاقة القاعدة المتقدمة بالمركز، وهي اصلاً كانت بالنسبة له وتظل دوراً ووظيفة في خدمة مصالحه في المنطقة واستهدافات مشروعه الإستعماري التاريخي المتجدد في بلادنا وجوارها. هذه حقائق غدت من المسلمات التي من الصعب أن يجادل فيها مجادل. والرعاية  هذه بات من المعروف أنها المتعددة الأوجه، تبأ من الرغيف ولا تنتهي بالصاروخ، مع توفير مظلة الحماية الدائمة لها، وأيضاً المتعددة الأوجه، والتي أيضاً، تبدأ بالإلتزام بأمنها، وضمان وجودها المفتعل، وحتى خلع العصمة عليها بجعلها بمنأى عن المسائلة والمحاسبة مهما ارتكبت من جرائم، أو إعفائها من طائلة خرقها لكل ما اصطلحت البشرية على تسمية بالمبادئ والأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، وإبقائها في حل مماتوافقت عليه الإنسانية كشرعة كونية تلزمها. هذه كلها أمورباتت الأقرب إلى الثوابت في السياسة الدولية التي يكاد الغرب وحده يديرها في هذه الحقبة غير السوية من تاريخ البشرية. ليس هذا فحسب، فلقد عوّد الغرب نفسه على الغفران لمدللته هذه متوالية اساءاتها العديدة له نفسه. هنا نحن لسنا بصدد الكلام عن ما تعرف بسياسة الكيل بمكيالين، أي إجازته لها، كما جرت عادته، ما لا يجيزه للآخرين اللذين هم غيره وغيرها، ولا عن عدم إخضاعها لمقاييسه الخاصة في علاقاته الدولية الخادمة لمصالحه وحده، كما يفعل عادةً مع سواها، لكنما نعني غفرانه الدائم لإساءاتها الكثر لهذه المصالح، وتجاوزه السهل عن تجاوزاتها لقوانينه التي استنها لنفسه والتي كثيراً ما ترتكبها في عقد داره. وإذ نتحدث عن الغرب، فليس من الضرورة التفاصيل، أوإختصاره في الولايات المتحدة الأمريكية، التي قد تختصره بشكل أو بأخر في هذه الحقبة الكونية، وإنما يجوز لنا التعميم  لضآلة التفاوت بين هذه التفاصيل.

تتجسس على ربيبها وولي نعمتها فيسامحها ويكاد يتسترعلى فعلتها  ويبررها. الأمثلة هنا عديدة ومعروفة، وتكفينا الإشارة فحسب الى الجاسوس بولارد. تسحق مواطنة أمريكية تتضامن مع الفلسطينيين ضد الإحتلال بالجرافة في رفح المحتلة فلاتكتفي واشنطن بالصمت وإنما تتواطأ مع قتلة مواطنتها على لف المسألة وتناسيها. ويمكن هنا، العودة القهقرى حتى حادثة مذبحة السفينة الحربية الأمريكية ليبرتي الشهيرة قبل عقود خلت، التي بات من الثابت أنها كانت قد إرتكبتها عامدةً ضد حلفائها القادمين لمساعدتها تجسسياً في عدوانها المعروف على مصر عبدالناصر، ذلك عندما رأت أن في إرتكابها مايخدم عدوانها وتفاصيل ذلك باتت معروفة. تزوّر جوازات اكثرحلفائها ودا وتعاطفاً مع عدوانيتها وتستخدمها في إرتكاب جرائمها الدولية الطابع، كحادثة إغتيال القائد الفلسطيني الشهيد المذبوح المعروفة في دبي لتطوى المسألة بهدوء وفي زمن قياسي. يوفر لها غربها آخر مالديه من أسرار التكنولوجيا وأسلحة الموت، فلا تكتفي بما يوفره لها وتتلصص على ما لا يوفره فتسرقه فيتجاوز عن فعائلها ولا يحاسبها. تسّرب ما يعطيه لها من الأسرار التكنولوجية المحذورة حتى على بعض الأطلسيين لاعدائه، أو منافسيه الدوليين، ابتغاء نسج العلاقات المستقبلية معهم تحسباً للمتغيرات في الموازين الدولية، كما هو الحال فيما كان منها مع الصين والهند، ولا تخشى منه   لوماً… ودائماً اللوبيات الصهيونية جاهزة في كل عواصم الغرب للذود عن إسرائيلها وتحويل خطاياها إلى مآثر وجب أن تشكر عليها.

كل هذا أصبح في حكم ما اعتدناه من الغرب حيال إسرائيله،  وقد نستطرد فنضيف إليه، بأنه اليوم قد بدأ يغير قوانينه حتى لا يضطر لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين في غدوهم ورواحهم إليه، أو لأن يتحايل لتهريبهم حتى لاتضفر بهم عدالته، بينما يستن كل يوم   جديد القوانين أو يلوي اعناقها لتضييق الخناق على مواطنيه من أصل عربي، الذين غدوا اليوم فيه من هم في حكم المشتبه بهم حتى تثبت برائتهم.

آخر ما يمكن التوقف عنده، هو حكاية وزير الحرب البريطاني وليم فوكس وصديقه الشخصي ومستشاره الأمني الموسادي آدم فاريتي. ربما ليس من جديد في الحكاية التي كثيراً ما تكررت في الغرب المتصهين، اللهم إلا في كونها واحدة من آخرها. رسمياً، الوزير استقال بسبب من تهمة مالية، وهي اصطحاب مستشاره الأمني معه في احدى جولاتها على نفقة الدولة. أما المستشار فوفق ما كشفته الفضيحة، فعميل للموساد ويتلقى منه راتباً لقاء عملة مستشاراً لصديقه الوزير، والتهمة، كما وصفتها صحيفة “مايل أون صندي” هي “استخدام نفوذه للاطلاع على معلومات سرية حول القوات البريطانية في أفغانستان، وكانت هذه المعلومات لدوافع أمنية وتجارية، ووصلت لجهات بينها الصناعات العسكرية الإسرائيلية “.

إذن نحن هذه المرة أيضاً أمام ذات الحكاية الإسرائيلية مع ذات الغرب الربيب والعراب والضامن، الرجل يتجسس على بلاده لصالح إسرائيليه، وليس عليها فحسب، بل وعلى الأطلسي، أوالغرب بأجمعه في ورطته الأفغانية، بالإضافة إلى أنه يتقاضى أموالاً من الولايات المتحدة لتعزيزه نفوذها في داخل حليفها الرئيسي تاريخياً بريطانيا. وربما كتغطية ينشط في جمع المعلومات ضد إيران ليبيع نتيجة نشاطه هذا إلى بلاده خدمةً لصالح إسرائيل وليس لها، ذلك عبر تزويد المخابرات البريطانية بمعلومات مما جمعه قيل أن هذه قد وصفتها بالمتأخرة، والتي نعتقد أنها من الممكن أن تكون إسرائيليه المصدر… ويتوسط بين سيرلانكا وإسرائيل لعقد صفقات الأسلحة… والأهم صلته الوثيقة باللوبي الصهيوني البريطاني، أو “بايكوم” وفق مسماه المحلي.

.. وليم فوكس المستقيل لن يكون الأخير، كما أن آدم فاريتي المتعدد الشمائل ليس الأول في سياق مثل هذه العلاقة العضوية بين الغرب وإسرائيله أو ثكنته المتقدمه في بلادنا، وستكون في الأيام القادمة مساحة مسلية لكل من سيتابع ما سوف يبذل هناك لدفن حكايتهما وإيداعها رهن غياهب النسيان مثلما كان حال ما سبقها من حكايات هذا الغرب مع هذه المدللة… وستظل مشكلتنا هنا كعرب كامنة، ومن أسف، في إنتظار الإجابة على سؤال لم تتم الإجابة عليه بعد، وهو : إلى متى سنظل نستمرئ  دفن رؤوسنا في التراب حتى لا نرى عدونا الرئيس ونكتفي بالتأشير فحسب على تفصيله الإسرائيلي ؟!