ألفصل الليبي

حنظلة

قتل القذافي كما قتل قبله صدام حسين. وترملت أمهات ونساء وبنات العرب، للمرة الثانية خلال عقد واحد. فالقذافي لم يقتل دفاعا عن نفسه وسيادته فقط، ولكن دافع عنهما بمدى ما ارتبط ذلك بالدفاع عن ليبيا التي بناها، والحرية التي حققها لشعبه. كان في الرجل نزق الثورة والشباب والوهم العربي الملعون، يوم أزال الرمة السنوسية البالية ليخرج ليبيا من غيابها وغيبوبة حاكمها، ويلقي بها في أتون المعاصرة. كان غريبا في مباشرته واستقامته وتعلقه بالهدف، فسخر منه – أتدرون من؟ – تيوس الخليج الذين كانوا أبطال مسلسلات الكرتون التي كان يقدمها الغربيون لأطفالهم ليضحكوا. كان أبطال تلك المسلسلات من حيوانات الغابة، وكان الخليجي هو الحيوان الشرير من بينها رغم كونه جديا بريئا فقط. لنقل كما تقولون جن القذافي ولها بأوهامه العربية، بينما جن أولئك ولها بخستهم العربية والدولية. لذلك كان من الطبيعي، أن يطلقكم الشر العالمي على القذافي، كما أطلقكم من قبل على عبد الناصر وصدام حسين، ومن بعد على بشار الأسد. فعن أي شيء تدافعون أنتم حينما تثورون وتقتلون؟ لا تقولوا عن الشعب الليبي والمصري والتونسي والعراقي والسوري. فالشعب الذي تدافع عنه قلته وهو يتفرج ليس شعبا. الشعب هو الذي يصنع مصيره في مراحل التغيير النوعية، ومن مستحيل العقل أن يصنع مصيره حلفاء التبعية والمغامرون الفئويون والمرتزقة الدوليون وعاهرات الإعلام الشهيات.

لن أقول أن التاريخ سيحكم لكم أو عليكم. فهو لن يسف إلى هذا الحد. انتم عرض مرضي مقرف لا يأبه له التاريخ الإنساني إلا كمخالفة أخلاقية. فأنتم حضور متطفل على السياق يخدم الآخر. أنتم كنتم، بدون مؤاخذة، مجرد قوادين ومرتزقة، حملتم السلاح لتقتلوا مواطنيكم لحساب غيركم. سيحكم للقذافي أو عليه، وللغرب أو عليه. هما طرفا المعادلة في هذه الملحمة بين استبداد مصلحي همجي، وأمة تلفظ أنفاسها الأخيرة بسببكم.

ولا أقول هذا احتجاجا أو غضبا، فمن هو المسؤول عن وجودكم غيرنا؟

نحن لسنا شعبا أو ما يشبه الشعب، لنحاسبكم على هذا الأساس، فنقول أصابوا بحقنا أو أخطأوا. نحن الناس الذين حملوا، بفضلكم، متاع الغزاة على ظهورهم دهورا، وعاشوا بغيرهم ولغيرهم، دون أن يسألوا لماذا، فكيف لا نكون مسؤولين عن وجودكم بيننا مسؤولية البهيمة عن روثها؟ علينا اللعنة كلها وعليكم بعضها فقط.

كنا نعرف أنكم دجالون تماما كما تعرفون أنتم. ولكننا استحينا مما تتذرعون به، فتركناه لكم ترتزقون به وتقيمون كنيستكم عليه بتواطيء منا. لم يخطر ببالنا أن في العالم ناسا غيرنا وغيركم يتربصون بنا. فهل تريدون خطيئة للعقل أكبر من هذه؟ اتهمنا الله بما اتهمتموه به، لآنكم عملتم على أن نتنصل من العقل كما يتنصل منه السكران، فشربنا من خمرتكم حتى أدمناها. وسكرنا حتى داهمونا غائبين عن الوعي، ووجدوكم تنتظرونهم في كنيستكم كما تواعدتم. لا تثريب عليكم! تواعدتم مع من بيده خزائن الأرض، يعطيكم ليأخذ منا. دمنا حلال له ولكم. نحن الخطيئة وأنتم العقاب.

قلنا لمن يملك خزائن الأرض:

يا سيد! لم تفعل هذا بنا؟

قال:

ألم تكونوا تنتظرونني؟

قلنا:

لا!

فضحك وقال:

هذا ما أردت. تابعوا عبادة نومكم،

قلنا:

ولكنك أنت الذي أيقظتنا.

نظر إليكم وسأل مقهقهاا:

أنتم أيقظتم هؤلاء أم أنا؟

قلتم:

أنت، ولكن بأيدينا.

وأردنا أن نبكي فلم نستطع. وسألنا:

فماذا تريدون منا؟

قال وقلتم:

نريد كل شيء. أجسادكم وأرواحكم؟ أوطانكم وأموالكم وبيوتكم. نساؤكم وبناتكم وأخواتكم ومخادعكم. ماؤكم وهواؤكم وخبزكم. نريدكم وجودكم كله لنا.

قلنا:

وماذا يتبقى لنا؟

قال:

موتكم، إذا سألتم عن شيء بعد هذا؟

قلنا خاضعين:

ولمادا نسأل؟ نحن الآن نعرف كل شيء.

فصاح:

اجلدوهم! لقد سألوا.

ربما كان القذافي يستحق أن يقتل. كان مثلنا نائما. ولكن لماذا لم تقتلوا سوى عبد الناصر وصدام حسين والقذافي وتريدون قتل بشار الأسد؟ لماذا لم تحملوا معكم الربيع العربي إلى مصر أو تونس حينما ثرتم هناك، ولم تقتلوا مبارك أو زين العابدين كما فعلتم بالقذافي وستفعلون ببشار الأسد؟ لقد تم التغيير هناك دون أن يعرف أحد حتى الشعب المصري أو التونسي ما هو الذي تغير؟ أم أن كل شيء كان صفقة؟ فالتغيير لم يكن مطلوبا في مصر أو تونس، لأن كل شيء هناك كان على ما يرام؟ هل كان يحدث لمبارك ما حدث لو وافق على تقاسم السيادة معكم، فهو الرئيس وأنتم الحكومة، كما أرادت أمريكا؟ وهل ما حدث في تونس يختلف عن هذا لو وافق زين على تقاسم السلطة مع الغنوشي؟ التغيير الحقيقي المطلوب، هو أن تصبح ليبيا وسوريا مثل مصر وتونس، وهذا غير ممكن مع وجود النظام الذي لم يكن على ما يرام. ومن الواضح أنه ليس هناك حاجة لأية تغييرات في السعودية أو قطر على سبيل المثال. كل شيء هناك على مايرام كما يبدو، لدرجة أن الزنا والدياثة والسلام التطبيعي مع إسرائيل أصبحت محللة شرعا في فتاوي المؤتمر الإسلامي العالمي والشيخ بطن العجل. العاهرات في الخليج محجبات، والسكيرات محجبات، وصواحب المارينز وعشيقات رجال السلك الديبلوماسي الأجانب محجبات والشيخ بطن العجل يسكر محجبا مع المارينز في سقيفة السيلية، فما الذي يجب تغييره إذن في الربيع الخليجي الدائم؟ لا شيء على الإطلاق! وينطبق هذا ” المايرام ” شرعا في رأي المؤتمر الإسلامي، على أمريكا، وعلى الأمم المتحدة وحلف الناتو، وأردوغان.

أي على الغرب بأكمله.

مرة أخرى لا تثريب عليكم! أنتم مجرد عقاب لنا من الله مثل زبانية جهنم. هل نعترض على الله؟ ألم يقل جل وعلا: وما بكم من شر فمن أنفسكم؟

لا لوم عليكم. ولا سجال معكم. النار مسؤولة إذا لم تحرق وليست مسؤولة إذا حرقت. والكلب مسؤول إذا لم يعو وغير مسؤول إذا عوى.

قتل الناتو القذافي بالطائرات ونعرف لماذا فعل. وحارب معكم على الأرض ونعرف لماذا فعل. وزودكم بالمرتزقة ورجال الشركات الأمنية من كل أنحاء الأرض، ونعرف لماذا فعل. فكيف نصدق أنكم أنتم الذين أنتصرتم على القذافي وقتلتموه؟ كيف نصدق ان الخيل والبغال والحمير تقتل أو تنتصر. لو كنتم أنتم الذين انتصرتم على القذافي للعنا موته. ولكن القذافي مثل صدام حارب حتى الموت. وهو قديس وشهيد ورجل مرحلة. عاش لهدف، ومات لهدف، مرفوع الرأس، دون أن يدعي الكمال. أصاب وأخطا كما يصيب ويخطيء الرجل الفذ. لم يكن كعبد الناصر ولكنه أراد ما أراده عبد الناصر وصدام وفشل الثلاثة. فكما أنه لا شعوب بدون قيادات، فلا قيادات بدون شعوب. وكم من نبي قتله قومه؟

فمن أنتم أيها الجرذان حتى تدعوا الأنتصار على القذافي. والله لو حيل بينه وبينكم، لتخطفت وجوهكم الهزائم. هل تظنون أننا نصدق أنكم كنتم طلائع للناتو كما يظن السذج، وكما يزعم ميدانيو الإعلام؟ لقد كنتم في مؤخرته الجوية والبرية والبحرية، يقودكم ضباط ” الثورة ” المصرية والتونسية والخبراء الأجانب. كان أقل من ربعكم من الليبيين، والباقي من ممن ذكرت ومن أذرعكم العسكرية في كل البلاد الإسلامية والعربية.

بمن كنتم ستنتصرون أيها الرعاع المنفوخون؟

بغانيات الإعلام الحر، المتخرجات من مخادع العجول السيادية، وضباط المارينز؟ هذا يخدع إنعاظ الزملاء في الأستوديوهات المختلطة، ولا يخدع واقع الحرب.

أم ستنتصرون بالعميد المضحك الذي كان مستشارا للجبهة الثورية في الفضاء. هذا رجل شحاذ من شحاذي الحسين العسكريين. لو كان فيه شهامة شحاذ عادي، لما ألقى وصلته الإستجدائية الملتهبة بعد موت القذافي. هذا يعرف كيف يؤدي الأوراد العسكرية ويقبض، ويعرف كيف ينهزم، إذا جد الجد. لقد كانت الإعلاميات أشجع منه ميدانيا.

أنتم أبناء المستشرقين والمستشرقات، والفيروس الذي ماتت به كل نخب التاريخ العربي التعيس. أنتم الأفغاني ومحمد عبده المستشرقان اللذان أقاما كنيستكم المعاصرة. وأنتم سيد قطب المستشرق الذي كتب قرآنا بديلا عن القرآن. وأنتم اليوم عبد الجليل، والغنوشي، والبيانوني، وبطن العجل، وتوكل كرمان، وحلفاء كلينتون وأوباما كما كان الإمام العلقمي يوم استدعى التتار إلى بغداد، واستدعيتموهم إلى بغداد ثانية وطرابلس ودمشق وبيروت. أنتم حلفاء كل عدو للعرب في كل العصور. واليوم أنتم حلفاء القوادين الليبراليين في كل مكان في العالم.

أنتم عدو الدين الذي حولتموه إلى إيديولوجية ضد الفقراء، وضد العقل، وضد الإنسان.

أنتم عدو العمل والكسب الحلال، تتطفلون على موائد الأغنياء لتتقاسموا معهم خبز الفقراء.

أنتم عدو المرأة العربية المسلمة، التي تتهمون عقلها بالنقص، ودينها بالضعف، وجسدها بالسوءات، وروحها بالنجاسة. تحرسون عجزها عن التعفف حسب سيكيولوجياتكم المريضة، بالسجن المنزلي والعزل والحجاب والملابس المقاومة للرجال.

أنتم عدو الحرية والتحرر وبناء الإنسان القومي، التي بدونها لا تنمية ولا نهوض ولا أمن، لأنه لا نصير لكم موضوعيا سوى العمالة والإستبداد منذ وجدتم.

هكذا صنعكم المستشرقون بأيديهم وأرجلهم.

لعنة الله علينا وعليكم!

علينا لتجاهلنا وغبائنا وتواطئنا.

وعليكم لأنكم تفوقتم على الشيطان، حين حولتم غباءنا إلى عقل أعمى نواجه به مصيرنا.

هذا سجال الضحية مع نفسها وليس معكم.

أقتلوا هذه الأمة التي ولدتكم فلا جناح عليكم! لا تموت الأمم إلا اسحقاقا. أقتلوها بإيديكم وأيدي أمريكا والصهيونية فلا خلاص لها سوى موتكم أو موتها. لقد عجز عن وعيها العقل وعجزت التجربة، تكذب أعينها وتصدقكم ولا بد لها إلا أن تموت بأيديكم أو أيدي الغزاة. فهذا هو قانون الحياة والموت.

جرح القذافي بطائرات الناتو، وأجهزتم عليه. ويحق لكم أن تفرحوا بانتصار الناتو لأنه ولي أمركم. ولكننا نحن الأكثرية القاعدة والمتخلفة، سنبكي ونستغفر الله ولن يغفر الله لنا.

يحق لكم أن تفرحوا في مصر وتونس وليبيا. وعلى الأغلب ستنتصرون في سوريا. وستصبح المشاعة العربية كما يجب موضوعيا أن تكون. كل شيء سيكون “على مايرام ” بعد أن تتولوا الحكم بالوكالة. ستصبح الدول التي حررتموها نسخا عن الخليج. سيعم الإستبداد الشرعي، وىكثر الخبز المحرم، وتضيق دائرة الحرام على الفقراء. وبالمقابل ستزدهر المحرمات الشرعية، وتكثر السرقات الشرعية، والإباحات الشرعية، وتتسع دائرة الحرام المحلل، في خزائنكم، وعلى موائدكم، وفي مخادعكم، وسترتدي الديمقراطية الحجاب الشرعي، فيقل القصاص على المعاصي البدنية، ويكثر على المعاصي السياسية.

ومثلنا، ستكتشفون الفخ متأخرين. وتبدأ الإحتجاجات، المطالبة بالعدالة والديموقراطية وحقوق الإنسان، ويحدث لكم ما حدث لمن سبقكم من الحكام المستبدين، ويأتي العصر الليبرالي.

في العصر الليبراليي يكتمل الربيع. وما يأتي سيكون شبيها بما كان. ولكن ما سيتأثر أكثر من غيره سيكون الجغرافيا السياسية والإجتماعية والجدوى الإقتصادية للمرأة.