قراءة في كتاب د. خليل نخلة
الباحث: أحمد أبو بكر
رسالة من الكاتب:
السادة في مجلة كنعان،
أرسلت هذه المراجعة لكم ولوكالة معاً، ولكن وكالة معاً حذفت ملاحظة هامة في آخر المراجعة.
رد من كنعان:
الأستاذ أحمد لو حذفنا الملاحظة المتعلقة بزميلنا د. سمارة لما كنا مؤمنين بحرية الرأي.
هيئة تحرير “كنعان”
* * *
استعرض د.خليل نخله في كتابه “فلسطين: وطن للبيع” أثر جهود التنمية المبذوله من الأطرأف القائمة على التنمية والمتمثله في النخبة السياسية ورأس المال الفلسطيني والمنظمات الفلسطينية التنموية غير الحكومية ووكالات المساعدات العابرة للوطينية خلال العقدين الأخيرين. فرؤية الكاتب للتنمية هي “التنمية التحررية التي أساسها الناس” أي تنمية الأفراد والمجتمع والنظام السياسي والاجتماعي، وسنناقش هذه الفكرة في هذا المقال من خلال مراجعة العناوين التالية: التمهيد، غلاف الكتاب، المنهجية، الأطراف القائمه على التنمية، التنمية التحررية، والخلاصة.
التمهيد:
سنقوم بمراجعة الكتاب الذي جاء في خمسة فصول بالاضافة الى المقدمة والتمهيد. نبدأ بالتمهيد و الملفت للنظر أن نخله اعتبر تمهيده هذا كمداخله فيها شكل من أشكال الاعتراف الشخصي. حيث يعترف أنه كان يعمل في قلب المنطومة التي ينتقدها باعتبار أنه عمل لدى مؤسسة التعاون والاتحاد الأوروبي. اذ كان هو أحد الفاعلين في المنظمات التي ينتقدها الآن كما يؤكد أنه من أصول يساريه. التساؤل هنا لماذا لم تأت هذه الصحوة مبكرة؟ نرى أن الاعتراف وحده لا يكفي، وبرأينا انه كمن يكفر عن أخطائه ليبررها. الاشكالية هنا أننا نشتم نوعاً من المصلحه للاستمرار في عمل لا نقتنع به. الكثير من صناع القرار سكتوا عن الأخطاء ولم يقوموا بالتغيير اللازم بسبب هذه المصالح كان نتيجتها حرمان الآف الفلسطينيين من حياة أفضل. كيف نسمح لأنفسنا انتقاد أصحاب رؤوس الأموال والنخب السياسية بتحالفهم ضد مصلحة شعبهم على حد تعبير الكاتب، فقد يعترفون بخطئهم يوما ما مثلما اعترف الكاتب! انتقادنا هنا ليس شخصي بقدر ما هو انتقاد لسلوك أناني.
غلاف الكتاب:
جاء غلاف وعنوان الكتاب الملفت بدلالات عدة، فهو من جهة يعكس الواقع الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، ومن جهة أخرى استغراب الكاتب نفسه من وجود يافطة تجمع بين الطرف الاسرائيلي والفلسطيني تشجع التنمية والاستثمار في فلسطين وهذا يتماشى مع سياسية نتنياهو المعلنه والهادفه الى تحقيق “سلام اقتصادي”. فلماذا الاستغراب والاستهجان من الكاتب كأنه لا يعرف خدع الاحتلال ومحاولاته المتواصله لتجميل صورته أمام المؤتمرين. ربما كان على الكاتب الذهاب على عمق اليافطات بما هي حاملة لخطاب مخفي هدفه خلخلة وعي المواطن الفلسطيني وإزاحته إلى استدخال قبول الاحتلال كسيد وشريك أعلى. ولعل اليافطة التي كان وضعها جيش الاحتلال عند مدخل بيت لحم التي تقول: الجيش الإسرائيلي يرحب بكم” هي ذات الدلالة الكبرى الموجهة للذين شاركوا في المؤتمر. وربما كان هذا هو النجاح الأكبر من وجهة نظر الاحتلال، ناهيك عن وجوب السؤال: ماذا ترتب على المؤتمر اقتصادياً؟
المنهجية:
أما عن منهجية الكاتب فاعتمدت بشكل كبير على مذكراته وتجاربه واستخلاصه النتائج الضرورية من خلال عمله في مؤسستين منخرطتين في التنمية الفلسطينية لمدة عشرين عاما. حيث اعتمد أسلوب الرواية وسرد الأخبار وفضح الأسرار ودعم بحثه بمراجع مختلفه، هذه المنهجة فيها نوع من عدم الموضوعيه كونها تعتمد على التجربة المتراكمه وتتأثر بميول الكاتب، لكنها اتسمت بنوع من عدم التركيز وتشبه بشكل كبير أسلوب الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل حيث يشتت المشاهد العربي من خلال الخوض بدهاليز وتفاصيل الاشياء والأنحراف عن عنوان الحلقة الاساس من خلال سرد قصص ومعلومات لاحداث تاريخية ومواقف كان شاهد عليها.
كان من الأجدى مناقشة موضوع التنمية بشكل أعمق والتركيز على قضايا تنموية يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني ووضع اليد على الجرح بدلا من سياسة الانتقاد والانتقام. يتولد للقاريء شعور ان الكاتب هدف الى التشويه والنقد “وكشف المستور” أكثر من الاهتمام بالتنمية. وكان للمنهجية أثر في عدم ترابط فصول الكتاب والنتائج او الأهداف اللتي خلص اليها، لذا فقد قدم بحثاً رجراجاً في منهجيته ونتائجه.
المحتوى: الاطراف القائمة على التنمية
اعتبر الكاتب ان العلاقة بين الأطرف القائمة على التنمية عائق امام التنمية الفلسطينية، ويضيف أنه كلما زاد التحالف بين هذه الأطراف أصبحت ادعاءات التنمية أسطوره. وبرأيه ان هذا التحالف سواء كان مقصود أو غير مقصود أعاق طموح الشعب الفلسطيني وأهدافه المتمثله في تحقيق التحرر والتنمية بمفهومها الواسع أي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. كما استنتج الكاتب أنه لا يمكن الوصول الى تنمية حقيقية دون التخلص من الاحتلال، فسقوط الشرط الاحتلالي لا بد أن يسبق أي تنمية حقيقيه خاصه الاقتصادية منها، ويضيف ان أية جهود لن تكون واقعية وستبقى مبعثرة ولن تساهم في تطور المجتمع الفلسطيني. بذا اعتمد الكاتب على تحليل العوائق التي تقف في وجه “التنمية التحررية المرتكزه على الناس” من خلال استعراض وتحليل العوامل التي تعزز التبعية المركبه، حيث ارتكز على ثلاثة أسس وهي:
المرتكز الأول: اعتبر الكاتب أن الطبقة الرأسمالية تستثمر في الاقتصاد الفلسطيني لتعزيز ثرواتها، وليس لها أية غايه وطنية أو تنموية حقيقية، وبرأيه أن هدف رأس المال تحقيق مصلحته المتمثلة في تكديس الأموال واستغلال الموارد المتاحة باقل التكاليف.
نوافق مع الكاتب هنا، أن رأس المال سيطر على السوق الفلسطيني من خلال الاحتكارات والحصول على حقوق الامتياز و الوكالات التجارية، وما نتج عنه من اغراق السوق بسلع استهلاكية على حساب المنتجات المحليه، فعلى سبيل المثال: قطاع الجلود والأحذية، تراجعت أهميته من حيث: مساهمته بالناتج المحلي الأجمالي، عدد المنشآت – تقلص عدد المنشآت من 2500 في العام 1998 الى حوالي 250 منشأة في العام 2010-، حجم التوظيف، الصادرات، القيمة المضافة. فقد أغفل الكاتب في تحليله العوامل الذاتية لتراجع الاقتصاد، فهناك مشاكل تكمن في هيكليه القطاع نفسه وبنية الشركات وادارتها، وعوامل أخرى ناتجة عن سياسة السوق الحر وقصور أداء السلطة الوطنية الفلسطينية في مساندة هذه القطاعات، ومزاج المستهلك الفلسطيني ونزوعه لشراء المستورد. حبذا لو قام الكاتب بمناقشة الموضوع من كافة جوانبه دون التركيز على زاوية محددة من التحليل للوصول الى استنتاجات تخدم أغراض الكاتب. فلم يقدم أية حلول أو مقترحات للمعالجه من أجل الى أفق يسمح باحداث التنمية التحررية التي يتحدث عنها. ربما لم يقم الكاتب بهذا لأنه لا يمتلك المعرفة الاقتصادية والتنمويه الكافية التي تمكنه من الخوض في البنية الاقتصادية من حيث عوامل الإنتاج، ودرجة الوعي الاقتصادي لمدراء الشركات وتوجهاتهم الإنتاجية، ووعيهم لشروط المستهلك كي يُقبل على الإنتاج المحلي، فأكثر من 75% من الشركات الفلسطينية ذات طابع عائلي، تدار من قبل أفراد العائلة والتي لا تعتمد أساليب علمية في الادراة ولا في الانتاج الذي يعتمد الجودة أساسا للمنافسه.
المرتكز الثاني: يتمحور حول العلاقة بين مقاربة التنمية التحررية المرتكزة على الناس والسيادة في ظل الاحتلال، بمعنى آخر في ظل غياب السيادة الوطنية، ويقترح الكاتب أن القضاء على الشرط الاستعماري ضروري لتحقيق التنمية.
من البديهي أن يقف الاحتلال عائقا أمام التنمية، فاذا كان الكاتب مقتنع بأن ” لا تنمية تحت احتلال” لماذا لم يخصص حيزا من بحثه يتناول فيه دور الاحتلال في اعاقة التنمية وتحميله المسؤولية الكامله؟ فهو لم يقدم أي تبريرات لعدم الخوض في دور الاحتلال في اعاقة التنمية، لو فعل ذلك لوفر على نفسه جلد الذات وتوجيه اللوم للعاملين في التنمية وتحميلهم أسباب الفشل بشكل كامل. صحيح أنه أشار الى الاحتلال ولكن من زاويه ضيقه لا تدينه بل تدين رجال الأعمال الفلسطينيين ممن لديهم مصالح اقتصادية مع شركات اسرائيلية. كنا نتوقع من الكاتب اقتراح ملامح لخطة تنمويه للتخفيف من تأثير الاحتلال؟
وفيما يخص التنمية التحررية وهي رؤي الكاتب الاساسية لم يوضح لنا عن أي تنمية تحررية يتحدث ؟ هل هي تنمية تقود للتحرر من الاحتلال؟ أم هي “تنمية تحررية” باعتماد سياسة اقتصادية ليبرالية أي سياسة السوق الحر؟ وهل هذه السياسة هي الملائمة لبلد في حالة بناء دولة Nation-building إن صح التعبير. فتعبير تحررية تعبير مفتوح على أكثر من احتمال.
لا أحد يختلف مع الكاتب أن هناك مصالح مشتركة فرضها واقع الاحتلال الممتد منذ عقود نشأت بين فئة او نخبة من رأس المال الفلسطيني والشركات الاسرائيلية سواء من خلال التعاقد من الباطن أو نسج علاقات اقتصادية غير كفؤه، كيف نوجه مسار التنمية والاستثمار الفلسطيني لنخلصة من تبعية الاحتلال ليندمج مع الأسواق المحيطة عربيا واقليميا، هذا ما يجب العمل عليه وبحاجة لنقاش مستفيض.
المرتكز الثالث: العلاقة بين مقاربة التنمية التحررية والاعتماد بشكل كلي على الموارد المالية الخارجية؟
صحيح أن فلسطين أو السلطة الفلسطينية تعتمد على المساعده المالية المقدمه من المانحين والتي تخصص لدعم ميزانية الرواتب وتمويل الخطط والبرامج. و هناك أجندات مختلفه للمانحين منها اقتصادية وسياسية وأكثر.
نرى بدورنا أن هذه الأجندات تعيق عملية التنمية والتحرر، فجهود التنمية الفلسطينية تلاقى تدخل مباشر من المانحين والممولين، من خلال التحكم بالأموال وتوجيهها بالمسارات التي تصرف فيها وهناك تدخل أيضا من خلال تقديم أفكار وصياغات يتم فرضها على الجانب الفلسطيني باعتبار هذه المؤسسات لها باع طويل في هذا المجال وتهدف الى تشبيك التنمية المحلية بالتنمية الدولية أي بمعنى آخر عولمة التنمية. ولكن ما البديل في الوقت الحالي؟ هذا يبرز صلب علاقات القوه والهيمنه المفروضه علينا فاليد العليا خير من اليد الدنيا.
ربما كان على الكاتب ان يلاحظ بأن السلطة الوطنية الفلسطينية تأسست بناءً على اتفاقات مدريد_اوسلو ومن ثم بروتوكول باريس الاقتصادي. وهذا يعني أن هذه السلطة كونها خُلقت في هذا المناخ ليست مرشحة للخروج عليه، وهنا يُفترض اقتراح مسار آخر للاقتصاد يُفترض في الكاتب الإشارة إليه بدرجة من الوضوح. وعليه، اما أن يقترح الكاتب بديلاً، أو أن يسلم أن رسالته هي تشخيص الحالة ليس أبعد.
يجب أن تسعى السلطة الوطنية الفلسطينية الى تعزيز الموارد المحلية وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية لخدمة المشاريع الوطنية قولا وفعلا، فمن الأولى أن تتبنى رؤية تنمويه واضحه وتطبقها على أرض الواقع، بمعنى أن لا تكون حبرا على ورق، وأن لا نكتفي بتحليل الواقع ووصف المشاكل الذي هو بحد ذاته مهم ولكن الأهم تقديم الحلول وتنفيذها.
التنمية التحررية:
يرتكز مضمون “التنمية التحررية التي ترتكز على الناس” التي تبناها الكاتب على تعزيز الموارد المحلية للمجتمع لانتاج سلع موجهة للسوق المحلي ( أي لانتاج الحاجات الاساسية) كبديل للسلع المثيله المستوردة من الأسوق الخارجية خاصة الاسرائيلية. هذا التوجه يتناسق والافكار التي جاءت بها “النظرية الراقية للتنمية” التي تفترض أن بناء هياكل صناعية في الدول النامية لن يتحقق عن طريق عمل آليات السوق التنافسية بالطريقة التقليدية بل من خلال الاستثمار بالتصنيع، وحماية الصناعات الوليدة، واحلال الواردات من خلال الاستفاده من الموارد المحليه. لكن يجب الحذر من التركيز فقط على السلع الموجهة للسوق المحلي واهمال الصناعات التي تحقق قدرا من المنافسة في الأسواق الدولية، خاصة عند الدول التي تتمتع بأسواق ضيقة، لذا لا بد من اعتماد استراتيجية موازية لاستراتيجية احلال الواردات باختيار فروع صناعية معينة تتمتع بميزة تنافسية في الأسواق الدولية باعتماد الترابطات الأمامية والخلفية كمنهج اقتصادي لتؤدي باحداث تفاعل متسلسل يؤثر على الفروع الاقتصادية الأخرى. فسياسة الاكتفاء الذاتي، ليست هدفا وكذلك النمو الاقتصادي في حد ذاته وانما وسيلة تساهم في تحقيق أهداف تنموية حيوية.
لم ترتق الأفكار التنموية التي أوردها الكاتب لنموذج تنموي، بل هي عبارة عن أهداف عامه ينقصها رؤية تنموية ذات استراتيجيات واضحه يساهم الجميع في تطبيقها من منظمات غير حكومية و سلطة ومؤسسات القطاع الخاص وغيرها. ولكن، هل يمكن لهؤلاء أن يعملوا كفريق؟ فالمنظمات التنموية غير الحكومية مقيدة بعلاقة مع المانحين على تنوعاتهم. والسلطة ترى نفسها في موضع التنافس مع غير الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص لها علاقات مميزة بالمانحين بدل أن تكون أكثر قرباً من دعم المستهلك لها عبر اتباع على الأقل القانون الرأسمالي: حرية المستهلك في الاختيار. هذا إضافة إلى ان السلطة لم تستطع منع السلع الاسرائيلية التي يتم تهريبها بهدف ضرب المنتجات المحلية. ومع ذلك يبقى السؤال، هل لو عمل هذا الفريق معاً، هل سيلبي رؤية الأكثيرة الشعبية للاقتصاد المطلوب؟
خلاصة:
من الملفت في الآونه الأخيره أنه تم نشر عدد من الكتب تناولت التنمية في فلسطين بعين ناقدة ومشككه في سلوك الناشطين في هذا القطاع، لكنها لم تناقش جوهر العمل التنموي بل جميعها غرقت في سرد التفاصيل والادانات ومنها من كان بمثابة سرديات قصصية لا دماء اقتصادية فيها واعتمدت على مصادر موثوقة وغير موثوقة لتثبت سوء أداء وسياسات وسلوك السلطة والدول المانحه والممولين والمنظمات التنموية غير الحكومية، وانتهت بموقف سياسي بدلاً من أن تؤسس لنموذج تنموي تحرري. بكلمة موجزة فهي كتب سياسية تستخدم لغة الاقتصاد بما فيه كتاب فلسطين: وطن للبيع. في الختام فلسطين وطن لن يباع ولن يشترى فهي سيدة الارض.
ملاحظة: لقد كتب د. عادل سمارة نصا قصيرا عن الكتاب، كان مثابة ترويج للكتاب وليس تحليلاً نقدياً، وهذا لا يكفي كما كتب السيد ناصر اللحام رداً على د. سمارة كان كذلك ردا سياسيا على كتاب سياسي.
نسخة الى وكالة معا الإخبارية
نسخة الى جريدة القدس
نسخة الى جريدة الايام
نسخة الى الحياة الجديدة