التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

د. منذر سليمان

واشنطن، 28 اكتوبر 2011

المقدمة:

تصدرت ثلاثة قضايا رئيسية اهتمامات مراكز الفكر والابحاث الاميركية هذه الآونة: مقتل العقيد القذافي؛ الهزة الارضية في تركيا؛ ووفاة ولي العهد السعودي سلطان بن عبد العزيز.

وسيتناول التحليل المتضمن آلية القبض والمعاملة المشينة والتصفية التي تعرض لها الزعيم الليبي التي اقلقت العديد من الدول والشخصيات والجمعيات المدنية والحقوقية والمؤسسات الدينية، وتداعيات كل ذلك على المشهد الليبي.

ملخص مراكز الابحاث

انقسم الرأي بين صناع القرار السياسي الاميركي حول جدوى السياسة الخارجية للرئيس اوباما، خاصة في ليبيا، التي عبر مركز السياسة الأمنية Center for Security Policy عن قلقه من تصنيفها انتصارا، قائلا: “باختصار، ان نتيجة الانفاق الهائل لادارة الرئيس اوباما والتي بلغت نحو 2 مليار دولار للاطاحة بالقذافي والإتيان بنظام سيكون منقاد من قبل الجهاديين، ويتحكم بمخزون هائل للنفط وورث ترسانة اسلحة ضخمة جدا (بالرغم من ان بعضها – مشمول بها نحو 20,000 صاروخ ارض جو- تم تسجيله تحت بند “مفقود.”) بالكاد يشكل هذا الوضع نصرا للولايات المتحدة وقد يبرهن على انه عبء مميت.”

ودفع مقتل والتخلص من القذافي البعض للالتفات ناحية سورية لتكرار التجربة الحية. وحث مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations اتخاذ اجراءات لعزل النظام في سورية، وتأليب الشريحة التجارية ضده، تشجيع وحفز فرار عناصر الجيش، والسماح لدول اخرى بتقديم مساعدات للمتمردين. وقال “في الوقت الذي يشن فيه النظام قتالا على شعبه ويتشبث بالحكم، فالعمل باجراءات حظر فعالة وانتهاج سياسة حاسمة ضده من شأنها المساهمة في تقصير أجل النظام ووضع حجر الاساس لدفع الجهود المصممة على بناء دولة ديموقراطية عوضا عنه.”

بينما اهتم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS بالاستراتيجية الاميركية في اعقاب انسحاب القوات المقاتلة الاميركية من العراق. وقال  ” مزيج التحديات المرتقبة يتطلب من الولايات المتحدة الاقرار بالكيفية الافضل لاعادة انتشار وجودها العسكري برمته في منطقة الخليج والشرق الاوسط، وتركيا كذلك في سعيها للانسحاب من العراق او اخلاءه. كما يستوجب الامر التوصل الى آلية لتكامل الجهود في المستويات المدنية والعسكرية ابعد بكثير عن مجرد التكامل في البعد العسكري وحده. ويتعين على الولايات المتحدة، ولفترة زمنية قد تطول نحو نصف قرن من الزمن، التعامل مع اوضاع ناشئة غير مستقرة تتبدل باستمرار مما سيترك أثره على الانظمة والسياسات الاقليمية. ستكون،اذن، بحاجة لصياغة استراتيجية مدنية-عسكرية مبلورة تضع نصب اعينها مسائل عدم الاستقرار والتغيير.”

بالرغم من تصدر اخبار الزلزال في تركيا اهتمامات الاعلام الدولي، تناول الصندوق الاميركي المخصص للتنمية بين شطي الاطلسي، جيرمان مارشال فند German Marshall Fund الكارثة ومآزق اخرى معتبرا اياها من صنع البشر لا سيما الازمة التركية مع الاكراد. وقال “تواجه تركيا تحديات جادة حاليا لكلا الهدفين المعلنين في جوهر استراتيجيتها: المضي قدما في تعزيز حالة الاستقرار في الاقليم وبنفس الوقت تعزيز دائرة نفوذها فيه. فالاهداف المرسومة جديرة بالثناء للعمل كوسيط نزيه في بعض القضايا المحورية في الشرق الاوسط التي ستصطدم مع واقع يتطلب منها التعامل مع تحديات داخلية تهدد استقرارها الذاتي لا محالة. وفي نهاية المطاف، تقع مسؤولية الاستقرار في الشرق الاوسط على كاهل الانظمة الاقليمية وكيفية ادارتها للازمة، مثل تركيا، مع تحقيق مطالب شعوبهم بقدر من المسؤولية وفي الوقت المناسب. وعلى الرغم من اعلان اردوغان التاريخي عام 2009 بـ “الانفتاح على الاكراد،” عادت انقرة الى تصعيد خطابها للرد على تنامي حالة الغضب الشعبي. ومن السابق لأوانه الجزم بما ستؤول اليه التداعيات على السياسة الخارجية التركية في المدى البعيد، فالضرر الداخلي قد وقع بالتزامن مع تصاعد النزعات القومية والشعبية التي تخلط بين حزب العمال الكردي والمواطنين الاتراك ذوي الاصول الكردية. ان مفخرة مشروع اردوغان– المتجسد باعادة كتابة دستور لتركيا بحيث ينص على ضمان حقوق الاقليات الاثنية وتحقيق العدالة لكافة المواطنين – غدا امرا عسير المنال. ولسوء الحظ، فان قدرة انقرة للتغلب على تداعيات الكوارث الطبيعية ستكون من اليسر امام العقبات المزروعة بشريا على الطريق.”

كما تناول مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations الوضع في تركيا قائلا انه بالرغم من توتر العلاقات بين تركيا واسرائيل وجهود تركيا للعب دور الوسيط مع ايران فان العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة تشهد تحسنا ملحوظا. وقال خبير المجلس بشؤون الشرق الاوسط، ستيفن كوك، ان ادارة الرئيس اوباما بذلت جهودا ملحوظة لتجاوز المآزق الديبلوماسية وترى في تركيا “ليس ثمة كونها منفعة جيو- استراتيجية، بل كشريك محتمل” في اقليم يخضع لتغيرات هائلة نتيجة الانتفاضات العربية.  واضاف “المجد التركي في صعود،” حيث حفرت تركيا لنفسها دورا كزعيمة سياسية في منطقة “تعاني راهنا من عدم توفر مثل تلك الزعامة، ان كان في شمالي افريقيا او الخليج.”  واردف ان موافقة تركيا على استضافة محطة انذار مبكر تابعة لحلف الناتو على اراضيها ما هي الا محاولة للظهور بانها “لا زالت ملتزمة بسعيها الاندماج مع الغرب من خلال عضوية الناتو.” كما وان الولايات المتحدة دأبت على تزويد تركيا بمعلومات استخبارية دقيقة وفورية حول تحركات حزب العمال التركي الذي يتخذ من مناطق شمالي العراق قواعدا له. وختم كوك بالقول ان هناك ثمة تساؤلات بارزة حول ما اذا كان بوسع تركيا ان تلعب دورا ايجابيا في الاقليم.

تستمر تداعيات الزعم بمحاولة ايران لاغتيال السفير السعودي لدى واشنطن، من جوانب عدة. فقد عزا معهد هدسون Hudson Institute الأمر الى استمرار السعي بالبرنامج النووي قائلا  “لنتذكر: انخرطت ايران في هذا العمل الاستفزازي دون (توفر) اسلحة نووية. لنتخيل اذن مدى العدوانية التي ستبديها الديكتاتورية الايرانية بعد تعديها الحاجز النووي. ان نظام الحكم الديني يعمل بدافع ايديولوجي عازم على نشر الثورة الاسلامية المتطرفة على طول الكرة الارضية. وكما بينت المؤامرة ضد السعودية، لن يكون بوسع اي جهد ديبلوماسي غربي استرضائي تغيير الطبيعة الجوهرية لنظام يحدد معالمه بسياسة الحقد ضد الغرب وبالتعصب الديني.”

اما وفاة ولي العهد السعودي سلطان بن عبد العزيز فقد مرت عليه تغطيات مراكز الابحاث الاميركية مرور الكرام. اذ ان وفاته تفاقم الضغوطات على من له احقية في اعتلاء العرش كما كان العرف المعمول به سائدا منذ نشوء الكيان السعودي. كما وانها تثير مخاوف عديدة حول خطوات التحديث الجارية في المجتمع السعودي. وقال معهد هدسون ايضا “بالنظر الى الحالة الصحية المتردية للعاهل السعودي – اذ بلغ نحو الثمانين عاما وخضع لعلاج في الظهر بداية الشهر الجاري – فقد غدى الامير نايف الحاكم الفعلي لادارة شؤون البلاد اليومية والعاهل المقبل كذلك. ومعروف عنه تشدده في المسائل الاجتماعية مثل السماح للمرأة بالانتخاب وقيادة السيارات، التي يدعمها الملك عبدالله، كما يشاطر نايف العاهل السعودي قلقه من التهديدات القادمة من ايران ووضع الاقلية الشيعية في السعودية.”

وتناول موضوع السعودية كذلك معهد بروكينغز Brookings Institution، لا سيما في المدى المنظور. وقال “يتميز (الامير) نايف بآراءه المحافظة والتي تفوق في حدتها اراء كل من عبدالله وسلطان، وهو الذي يكن قلقا عميقا نحو الولايات المتحدة – خاصة في اعقاب احداث الربيع العربي. انه يحمل ضغائن ابدية. لكن نايف ينبذ الايرانيين وكافة الشيعة على السواء، واضحى نجله نائب وزير الدفاع عدوا لا يرحم للقاعدة. اذ احبط جواسيس موالون لنايف هجمة ارهابية للمجموعة لتفجير طائرتين فوق اجواء مدينة شيكاغو العام المنصرم. وبالنتيجة، بامكاننا التعامل معه كما تعاملنا مع سلفه سلطان – بعيون حذرة. التحديات عديدة التي سيواجهها نايف لقيادة السفينة في ظل اجواء اليقظة العربية. فالسعوديون يصنفون في خانة الثورة المضادة وبقوا كذلك طيلة نحو نصف قرن من الزمن. ويلقون باللائمة على (الرئيس) اوباما لتسهيله سقوط الرئيس حسني مبارك من الحكم، واستشاطو غضبا لمحاكمته في القاهرة. ارسلوا قواتهم المسلحة لقمع الثورة في البحرين. واوضحوا للعاهل الاردني الملك عبدالله انهم لن يسمحوا بتحقيق اصلاحات تجري على مقربة من مملكتهم. وفي اليمن، يرغب (السعوديون) برؤية شخص ذو عزيمة قوية كبديل لصالح.”

التحليل: القلق على مستقبل ليبيا: محمية تابعة لحلف الناتو ام صومال اخرى؟

يستدل على حيثيات المستقبل الذي ينتظر ليبيا من خلال وقائع شريط الفيديو الذي وثق عملية القاء القبض على القذافي والمعاملة الهمجية والتمثيل به واعدامه الفوري.

وباستطاعتنا الاستدلال على التوقعات القاتمة التي تنتظر مستقبل البلاد عبر التقارير الاخبارية المروجة لتصريحات رئيس المجلس الانتقالي مطالبا حلف الناتو تمديد مهمته للتواجد في ليبيا لحين نهاية العام الجاري. وزعم رئيس المجلس، مصطفى عبد الجليل، ان طلب التمديد مرحب به لمساعد الليبيين في جهودهم للسيطرة على مخازن الاسلحة ومواجهة انصار القذافي. وقال في تجمع عقد في العاصمة القطرية للدول التي دعمت المجلس الانتقالي عسكريا “يحدونا الأمل باستمرار (الناتو) في مهامه لحين نهاية العام الجاري على الاقل لمساعدتنا والدول المجاورة.”

وقال ان مناشدته (الناتو) ترمي الى “ضمان عدم تسرب الاسلحة لتلك الدول وتوفير الأمن لليبيين من بعض بقايا قوات (العقيد معمر) القذافي التي لجأت الى دول مجاورة.” واضاف بأن المجلس الانتقالي يريد المساعدة “لتطوير نظم الدفاع والأمن الليبية.”

وفي نطاق متصل، ترددت انباء عن عزم عائلة معمر القذافي مقاضاة الناتو في محكمة الجنايات الدولية وتوجيه تهمة جرائم حرب ارتكبها، اذ ان استهدافها للحلف عائد للدور النشط الذي اضطلع به للقضاء على الزعيم الليبي. وجاء على لسان محامي العائلة الفرنسي، مارسيل سيكالدي، ان “القتل المتعمد (لعنصر تسري عليه مواد الحماية المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف) يقع تحت بند جريمة الحرب في المادة 8 من النظام الاساسي للمحكمة الدولية في روما. فمقتل القذافي يبين ان هدف الدول الاعضاء (في الناتو) لم يكن حماية المدنيين بل الاطاحة بالنظام.”

وجدير بالاشارة الى ان القبض على القذافي لم يأتي على ايدي قوات عسكرية نظامية، بل من قبل مجموعة من الغوغاء المسلحين الذين اعتمدوا الى حد بعيد على الدمار الذي احدثته الغارات الجوية للناتو وتدخل القوات الخاصة الاجنبية لتنفيذ المهام الصعبة؛ والطريقة المستهجنة التي عومل بها على ايدي هؤلاء تبين ذلك. فالجنود النظاميون، ومن ضمنهم اولئك الذين لحقهم الأذى سابقا من قبل نظام القذافي، يرجح انهم سيتصرفون بالمحافظة على حياته وتوفير حمايته من عنف الغوغاء.

الافتقار الى قوات عسكرية مدربة يشير الى المعضلة الكبيرة التي يواجهها المجلس الانتقالي. اذ لا يتوفر لديه مراتبية عسكرية مركزية للاعتماد عليها لادارة معظم الشؤون المعنية به فقط، بل ان معظم المعارك التي جرت في كافة مناطق البلاد أتت على ايدي مسلحين محليين يدينون بولائهم للزعامات القبلية. اذ استحوذوا على الاسلحة والمعدات من مخازن الجيش الليبي وسيطروا على نواحي متفرقة من البلاد ويظهرون كرها لمجرد التفكير بالتخلي عن سيطرتهم الراهنة لصالح سلطة مركزية.

المعضلة الاولى تتعلق بطبيعة المجتمع الليبي وسيادة القيم القبلية، اذ لا يزال بعض من اكبر القبائل عددا ونفوذا يحافظ على ولائه في دعم القذافي وقد يقدمون كافة سبل العون والمساعدة لنجله سيف الاسلام للمضي في القتال. وفي الجنوب من ليبيا اضحت قبيلة المقراحة الكبيرة كداعم بارز للقذافي، علاوة على الاعتماد على دعم عدد من القبائل الاخرى المؤثرة المتواجدة قرب مدينة مصراطة. كما وان مدينة سرت، مسقط راس القذافي، استمرت في القتال الشرس لآخر لحظة دون وهن. ان ارتكاب المتمردين جريمة مقتل عدد كبير من انصار القذافي في سرت وهم مقيدي الايدي سيفاقم جهود المجلس الانتقالي في المصالحة وتسوية الخلافات مع سكان المدينة تحديدا. كما ان سلسة الاعدامات دون محاكمة التي ارتكبها المتمردون ضد الليبيين ذوو البشرة السوداء وضد الافارقة ايضا لن تسهم في تلطيف الاجواء المتشنجة اصلا.

ان تعدد الميليشيات وتوزع ولاءاتها المختلفة لا ينسجم مع الاجندة التي ينشد المجلس الانتقالي تحقيقها، لا سيما وان كل من تلك الميليشيات لها اجندتها الخاصة وستسعى الى تنفيذها في هذه المرحلة. سيسعى البعض للحصول على استقلالية اكبر من نطاق الحكم الذاتي للقبائل والمناطق المختلفة في ليبيا. ولا ينبغي الاستخفاف بعمق الخلافات التي تزال سائدة بين الولايات الليبية الثلاث المكونة للدولة: برقة، طرابلس وفزان. اذ اعربت ولاية فزان وعاصمتها بنغازي، معقل التمرد، عن عدم رضاها الاستمرار بالعمل تحت اشراف القبضة القوية من العاصمة الليبية.

ليس مستغربا ان يعلن المجلس الانتقالي بان مهمته الاولى تكمن في السيطرة على الميليشيات ووضعها تحت امرة سلطة مركزية وتجريدها من السلاح في ظل مجتمع يفيض بالاسلحة. ودون تحقيق ذلك، فان الجدل السياسي حول مكونات مستقبل ليبيا سيبقى عديم الفائدة. اما بالنسبة للوحة السياسية الراهنة، فالانقسام يسود مجموعتين كبيرتين: الليبراليين ذوي التوجه الغربي من امثال رئيس المجلس التنفيذي محمود جبريل؛ والاسلاميين وعلى راسهم القائد العسكري للمجلس الانتقالي عبد الحكيم بلحاج. ويذكر ان بلحاج حط الرحال في افغانستان عام 1988 لمحاربة السوفييت، وشغل منصب زعيم الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة هناك، وتم القاء القبض عليه من قبل وحدات تابعة للمخابرات المركزية الاميركية التي سلمته للنظام الليبي وبقي في سجونها لحين عام 2010. ومع ان بلحاج كان قد اعلن ولاؤه للمجلس الانتقالي بزعامة جبريل، الا انه لا يظهر حماسا لدعم جهود المجلس الساعية للسيطرة على التشكيلات المسلحة؛ وتسيطر الوحدات العسكرية التابعة لامرته على مدينة طرابلس حاليا.

ان ساحة المعركة السياسية المرتقبة بين هذين التوجهين (وآخرين بالطبع) ستكون على نصوص الدستور الجديد. سبق وان اصدر المجلس الانتقالي في شهر آب/اغسطس الماضي مشروع “مسودة الميثاق الدستوري للمرحلة الانتقالية،” جاء بنحو 37 مادة اثارت اهتماما ملحوظا ونصت فيما نصت عليه بأن “الاسلام هو دين الدولة والمصدر الاساس للتشريع هو الشريعة الاسلامية.” وتم التأكيد على صدقية هذا البند من قبل رئيس المجلس الانتقالي قبل بضعة ايام.

جاء نص مسودة المشروع خاليا من الاشارة الى صيغة تراعي “الفيدرالية،” او “السلطة المحلية” مما قد يثير انزعاج الميليشيات وقياداتها. وبالمقابل، تنص المسودة على ان تشكيلة المجلس الانتقالي هي السلطة الاعلى في ليبيا، وهي المصدر الوحيد لصياغة التشريعات وانتهاج السياسات. ولم يأت المشروع على ذكر الصلاحيات المخولة للقوى المحلية النافذة او المقاطعات المختلفة. بما ان الحقيقة الساطعة تشير الى ان القوة الحقيقية تنبع من فوهة البندقية، مما يعزز التوقعات بأن القبائل والمقاطعات المعنية لن تتخلى عن اسلحتها او تسريح ميليشياتها طواعية طالما تنص بنود الدستور على كبح جهود المناطق المحلية ممارسة نفوذها بحرية.

تتحدد وجهة تصرفات التشكيلات المسلحة بناء على الجهة المخولة لصياغة الدستور وطبيعة النصوص الواردة الى حد كبير. اذ ان مشروع دستور يدعو الى حكومة مركزية قوية مركزها مدينة طرابلس من شأنه ازعاج عدد من القوات المقاتلة التي تعتقد بأفضليتها لشروعها في الحرب الاهلية مطلع العام الجاري. ومن المستبعد تماما ان تقدم ولايتي برقة وفزان على التسامح لنشوء اوضاع كهذه والتخلي عن القوة العسكرية الراهنة، كما ستفاقم جهود المجلس الانتقالي لقمع التمرد.

من شأن مشروع دستوري يتيح الفرصة لتقاسم السلطة بين القبائل والمناطق المتعددة اخماد الاضطرابات في الولايات المختلفة، لكنه سيولد ازمات مع القوى الراغبة في رؤية سلطة مركزية قوية تلتزم بصيغة اسلامية متشددة.

يضاف الى جانب تلك المعضلات القوات التي لا زالت تحتفظ بولائها للقذافي والتي ستتطالب بمنح الحكم الذاتي للمناطق خشية نزوع الحكومة الجديدة بالانتقام منها لدعمها له. ويذكر ان تلك القوات تملك مصادر تمويل ثابتة خارج الاراضي الليبية بوسعها استخدامها لمحاولة اعادة سيف الاسلام تبؤ مركز السلطة او انشاء منطقة شبه مستقلة في ليبيا.

من الثابت ان التجربة الليبية تتميز بالفرادة عن نظيراتها من دول الربيع العربي التي ابقت على سيطرة السلطة العسكرية على مقاليد البلاد. ففي ليبيا تمت الاغارة على مخازن الاسلحة واضحى السكان مدججين بالسلاح مع تمتع الميليشيات المسلحة ببعض الخبرة القتالية. ولن يكون باستطاعة المجلس الانتقالي املاء سياسته كما سبق لسلفه القذافي او كما هو سائد في المؤسسة العسكرية في مصر.

ونختم بتحديد ملامح السيناريو الاقرب تحقيقه: التصديق على مسودة مشروع للدستور تنص على حكومة مركزية قوية وتطبيق الشريعة الاسلامية؛ قيام القوات الحكومية بقيادة بلحاج التحرك لنزع سلاح الميليشيات التي ترفض ذلك؛ تضافر قوى الولايات الليبية والقبائل المناوئة للحكومة الجديدة لوضح حد لسلطة القوات الليبية الحكومية؛ اقدام بلحاج على سحب قواته من المناطق المختلفة وتمركزها في مدينة طرابلس وتعزيز سيطرة الحكومة المركزية على العاصمة لكن مع اضاعة سيطرتها على باقي البلاد؛ سيطرة الميليشيات وقياداتها المختلفة على ما تبقى من البلاد تكرارا للنموذج الصومالي الفاشل؛ وتوقيف العمل بسلطة القانون لصالح السلطة الوحيدة المتبقية في البلاد، الا وهي سلطة امراء الحرب المحليين.

:::::

للاطلاع على النص الكامل للتقرير:

http://us.mg1.mail.yahoo.com/neo/launch?.rand=4g802g0pun43c

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

موقع المركز: www.thinktanksmonitor.com

العنوان الالكترون: thinktankmonitor@gmail.com