درس من ليبيا:

الأنجزة الفلسطينية في خدمة الناتو

إبداع لتطفيش العرب عن القضية الأم!

د. ثابت عكاوي

لمواجهة العدوان المستدام من المركز الراسمالي الغربي ضد الأمة العربية، لا بد أن نضع نصب أعيننا أنه لا يُلقي اي فلس في الهواء. ولو كانت الرأسمالية مجرد متلاعب بالفلوس لما تمكنت هكذا من أعناق الأمم وحتى الأفراد. هذا ما يؤكده الاستثمار الغربي في المنظمات غير الحكومية في الأرض المحتلة بإرسال مبعوثين منها إلى ليبيا.

ما أشبه اليوم بالأمس، حينما دمر الناتو وحكام عرب العراق 1991 استقدم فلسطينيون للعمل هناك في عدة مجالات منها الهندسة ومنها الترجمة لجيوش الاحتلال الغربي وخاصة الأميركي لمطاردة المقاومة وتدمير البلد ونهبه في النهاية ومنها أعمال “الدمقرطة” باعتبار الأرض المحتلة ذات تاريخ عريق في الديمقراطية ومساواة المرأة بناء على الزمن الجميل تحت الاحتلال الإسرائيلي.

رأت المقاومة العراقية هؤلاء، فمنها من شعر بالخزي ولكن حرصه القومي على القضية الأم دفعه لعدم البوح والفضح. ومنهم من انتقم من الفلسطينيين في العراق بطردهم وإذلالهم، وهم ليسوا من فعل تلك الفعلة المشينة. بينما كان البعث قد منحهم كاقة حقوق العراقيين، وبالطبع لم يحصلوا على ديمقراطية أكثر من تلك التي قسمها الله للعراقيين، إنما كانوا معتبرين كأهل البلد.

واليوم تؤتي منظمات الأنجزة أُكُلها. فهي قد نضجت وخرَّجت كوادراً بنتائج باهرة في التفكير النيو-لبرالي وحقوق الإنسان والمرأة والرجال وأشباه الرجال والهجوم على الإسلام بخلطه بالإسلام السياسي وغير ذلك، وها هي تصدر إلى ليبيا مجموعات من خريجيها لتعليم الشعب الليبي كيف يفهم لغة الغرب وراس المال والأهم ليفهم الليبيون أن إسرائيل قطر عربي وأن اصحاب الأرض قد اعترفوا بهم ومنحوهم والله أعلم 78% من فلسطين واعطوهم حرية الحركة والبيع والشراء والمطاردة الساخنة للمقاتلين والمغازلة الباردة للمطبعين/ات في بقية فلسطين والتي ستحمل ذات يوم اسم دولة فلسطين.

هناك، سيرى ويفهم الليبيون كيف أن الفلسطيني لم يكن ذلك القديس الذي تخيلوه! سيروا أنه مطبَّع ومطبِّع، وانه شاطر جدا في خدمة راس المال وبوسعه الرطن باللغات المحترمة وأنه مثقف جداً في الحداثة وما بعد الحداثة وفي نسف الإسلام كدين سماوي وفي نشر الإسلام السياسي المليىء بالشبهات، وأنه مرن حين الرقص مع النساء او العكس وأنه جاهز ليكون مخبراً للدول الغربية بعد منحه شهادة دكتوراة، وهناك سيرى الليبيون ان بوسع الفلسطيني تفهم الصهيوني إلى درجة العيش معه في المستوطنات والكيبوتسات المقامة على رفات القرى الفلسطينية المهدومة والمسوَّات بالأرض تماماً. من خلال الأنجزة وربما غير الأنجزة سيتدفق فلسطينيون إلى ليبيا، منهم من خلقه الله لبرالي ومنهم اليساري المرتد وبدل المعلمين الذين كانوا يذهبون إلى ليبيا والجزائر وبلدان الخليج للتعليم حاملين معهم رسالة فلسطين عربية سوف تمتلىء ليبيا الناتو، باكاديميين فلسطينيين تخرجوا بعد أن نخُّوا وروجوا ثقافة فوقية الغرب وتفوقه، وبعد أن أُخترِقوا عبر منح شكلها أكاديمي وجوهرها بحوث ومسوح ميدانية عن سوريا وليبيا والأرض المحتلة بالطبع.

وإذا كان هذا حال الفلسطيني الذي يذهب إلى هناك كمعلم وخبير، فلماذا على الليبي “الغبي” أن يعادي الصهيونية؟

يحضرني هنا المثل العربي: “مثل خاروف العيد”، حال الذين يجري تغذيتهم وتمويلهم وتدريبهم من قبل الغرب أو اي نظام، وحين ياتي دورا عليهم أن يلعبوه يجب أن يلعبوه فلا خيار لهم مهما كان وسخا أو خطيراً. وأعتقد ان اياً من خريجي الأنجزة لن يجرؤ على رفض أوامر الذهاب إلى ليبيا لاعتبارات عدة:

· فمن جهة ربما من أجل المال سوف يذهب راغباً

· وربما هناك ارتباطات بين البعض والمانحين فمن يدري حين جرى منح هذا/ه منحة مالية أو تعليمية ما هو الاتفاق الداخلي؟

· وربما يخشى على منظمة الأنجزة التي أٌقيمت له ولشركائه ان يتوقف التمويل عنها.

· وربما هو لبرالي حاقد على القومية العربية وبالتالي يُمتعه ذلك الدور

· وربما هو ماركسي مرتد يرى في القومية العربية حالة شوفينية

· وربما هناك من لهم بوابات عديدة على الغرب والكيان والتطبيع

· وربما الأخطر أولئك الذين على علاقة بالإسلام الوهابي ولكن من تحت العباءات الفضفاضة.

وهكذا، بدل أن يكون الفلسطيني مفجر الثورة كما كان يُفترض، يجري إعداده ليكون في السيارة الثالثة[1] للثورة المضادة. وهنا لا بد من التذكير بأن من لا يحرر وطنه لا يتردد في خدمة الناتو وعملائه.

ربما لم يحصل إجماعاً من القوى التقدمية والطبقات الشعبية على صعيد عالمي بقدر ما تم ضد المنظمات غير الحكومية[2]، فهي أدوات من خلق الراسمالية الغربية ولخدمة أهدافها ضد أهلها وذويها. فهل يسمع أهل الأرض المحتلة مخاطر طبول حرب الأنجزة على عرب ليبيا، ومن هناك سينفذون إلى الجزائر طبعاً. جزاكم الله خزيا وعاراً… ماذا نقول للعرب الشرفاء وكيف نخبىء وجوهنا!


[1] لهذه حكاية قبل اغتثاب فلسطين 1948، كان الاستعمار البريطاني يضع في السيارات الأولى لقوافله العسكرية مجاهدين معتقلين لديه كي يضربهم الثوار وكان يضع بعدهم العملاء في الثالثة. لذا كان يغني الثوار: على دلعونا على دلعونا… الول والثاني لا تضربونا.

[2] لقراءة دور المنظمات غير الحكومية في الأرض المحتلة يمكن الرجوع إلى دراسة عادل سمارة، الأطروحات الأم للمجتمع المدني: سؤال في شروط وجود مجتمع مدني ودور النجزة محلياً، مجلة كنعان العدد 146 صيف 2011 ص ص 67-97.