بين ايران وامريكا ضحك وجد ولعب وحرب !

جمال محمد تقي

مثلما لم يقنع كولن باول اعضاء مجلس الامن بخرق العراق لقراراته الخاصة باسلحة الدمار الشامل برغم تقديمه لاكسسوارات عينية كانت قد استحضرتها له وكالة الاستخبارات الامريكية حينها، فان الادارة الامريكية الحالية قد فشلت حتى الان في اقناع العالم، طبعا العالم المخير وليس المسير بالكونترول الامريكي، بان ايران قد خططت فعلا لما يسمى بمؤامرة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، وذلك لاسباب كثيرة اهمها، فقدان الثقة بالادعاءات والمواقف الامريكية، والناتج عن انكشاف سلسلة طويلة من تجارب التلفيق والفبركة، وبعد شيوع هندسة التوريط والاستدراج في العمل الدبلوماسي والسياسي الامريكي، التي اصبحت اسيرة بالعموم لخطط البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية، وهذا ما تبدى على مجمل السياسات الامريكية المتخذة بحق خصومها، منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى الان !

الحروب الاستباقية تتطلب ذرائع، والذرائع تتطلب تدليس، والتدليس يتطلب واقعة، والواقعة يمكن اختلاقها ما دامت هناك علوم للهندسة الاستخبارية، وما دام هناك اعلام جاهز لشيطنة الضحية وتحويلها الى جلاد، هذه العقيدة الحيوية في الاستراتيجية الامريكية للحفاظ على نظام القطبية الواحدة لم يبتدعها بوش الابن، لانها قد تبلورت في عهد رئاسة ريغان عندما اعتمد خطة حرب النجوم للسيطرة على العالم والانفراد به تماما بعد تدمير الاتحاد السوفياتي من الداخل والخارج، وما حروب النفط الباردة والحارة التي كانت حروب الخليج الثلاثة نمطا من انماطها، الا مفردة من قاموس تلك الاستراتيجية.

لقد كان الهدف الامريكي المعلن والصريح اثناء حرب الخليج الاولى هو الاحتواء المزدوج لايران والعراق، وجعل الحرب ومحصلتها تصب بهذا المصب، وفعلا جرى احتواء العراق بعد ان تم محاصرته بذريعة حرب لا تشبه كل الحروب، حرب الكويت، وفبركة ذرائع لحرب ثالثة من اجل احتلاله واحتوائه بالكامل، اما ايران التي حاولت استثمار الوقت والمداهنة بالمواقف لتحصين ذاتها امام استحقاق الاحتواء الامريكي القادم، فانها قد نجحت حتى الان في تشتيت التركيز على محاصرتها وتوسيع دائرة المعركة ونقلها الى بؤر اخرى بعيدا عن مرماها، لكن الوقت لا يسمح بالمزيد من الاستبعاد، لان الاستقطاب الاقليمي على اشده، والتراكم الكمي في الاستثمار الايراني لعوامل الصمود قد يؤدي الى تحول نوعي لا يستقيم مع القواعد النمطية لمراكز القوى النافذة في الشرق الاوسط الكبير، والذي تريده امريكا مركزا استراتيجيا محتكرا لمصالحها الحيوية، وبحيرة نفطية خالصة الطاعة لها، وجسرا لقطع الطريق على المارد الصيني، عليه فان استكمال مسلسل حروب الخليج بحرب رابعة هو هاجس قائم منذ زمن ليس بالقريب، حرب مدفوعة الثمن مسبقا، بالبترودولار، السعودي والخليجي، حرب بمباركة اسرائيلية كفيلة بتكتيف حزب الله وحماس.

كل هذه الاستعدادات لا تكتمل دون موقف دولي يجمع على عزل ايران ومحاصرتها، لتطلق يد امريكا واسرائيل ومن يحالفهما لاحتوائها قسرا، وحتى اللحظة فان مدخل الملف النووي الايراني لا يفي بالغرض، ولابد من ملفات اخرى مساعدة، وفعالة، وليس باقل من ملف الارهاب وزنا، لان ايران من جانبها تحصن نفسها بتوازنات مقابلة وفعالة ولها مفعول استباقي قادر نسبيا على تجرد امريكا من زمام المبادرة.

مؤامرة اغتيال السفير السعودي ضخمت بشكل مضاعف، وهذا لا يعني ان ايران منزهة عن هكذا مستوى من التحرش، لكن الامريكان بدورهم، ليسوا بابرياء من لوثة التأمر والفبركة، وأذا جارينا منطق التفتيش عن المستفيد، فاننا سنجد امريكا هي المستفيد الوحيد من هذا المخطط، فتنفيذه ان لم يؤدي الى المزيد من التأليب العربي عامة والخليجي خاصة ضد ايران، وبالتالي فتح مجالات جديدة لتنفيس احتقانات الازمة المالية الامريكية بواسطة تجديد رهن موجودات الخليج النفطية مقابل الحمايه الامريكية من التهديد الايراني، فانها ستكون مجرد محاولة غير مكلفة لامتحان ردود الفعل الايرانية والخليجية، وهي ايضا تهيئة استباقية لما سيحدث لاحقا من احتكاك ايراني خليجي مبيت او متوقع، كمواجهات اثناء تواجد الحجاج الايرانيين في السعودية، او تفجير سفارة سعودية هنا او هناك، ومن ثم تحميل ايران مسؤوليته !

ايران وامريكا يتضاحكان على مضض وهما يتقاسمان النفوذ في ارض العراق، ويجدان بتعاكس حاد في سوريا ولبنان وفلسطين، ويلاعب احدهما الاخر في افغانستان واليمن، اما في ساعة الصفر فان الحرب ستكون هي الخيار الاخير الذي ليس بعده من ضحك.

لقد اسقط وكيليكس الكثير من الاقنعة وفضح الكثير من المزاعم الامريكية الفارغة عن احترام سيادة الدول الاخرى، وعن مراعاتها لمباديء حقوق الانسان والقانون الدولي في كل اجراءاتها وتعاملاتها الخارجية، والحقيقة ان مصداقية السياسة الامريكية هبطت للحضيض بعد فضائح وكيليكس، حيث اثبتت تلك الوثائق ان رأس الافعى الحقيقي، في واشنطن وليس طهران.