السياسي والمثقف: من الحياة مقاومة إلى مفاوضات
العامل الحاسم: الخطاب، نمط الإنتاج أم التمويل؟
(الجزء الثاني)
عادل سمارة
(2)
تجسيد قيم التفاوض…الاقتصاد والسياسة
تفكيك القيم لصالح وهم
إذن، كان لا بد من تفكيك مبنى قيمي واستبداله بآخر. ولكن، كيف يمكن للإنسان أن ينتقل من قيم إلى أخرى؟ كيف يمكن أن يطَّرِح خطاباً ويعتنق آخر ثم يفرز خطاباً كتوليد للخطاب الجديد، كيف يمكن أن يَستلب نفسه، أو يُستَلَب ومن ثم يستلب خطاب آخرين؟ ما هو المحرك الأساس الذي تقوم عليه هذه التغييرات من خارجه والتغيُّرات في داخله. حين ينتقل الإنسان الفرد أو المجتمع من موقع فكري إلى آخر، وحين ينتقل مجتمع من موقع قيمي إلى آخر، لا يكون ذلك مجرد انزياح لأن الانزياح يحتمل إعادةً وعودةً ما إلى ما يسمى الموقع الصحيح. وحين يتبنى او يفرز الإنسان خطاباً آخر، لا يكون ما قام به مجرد تحوير بل تحوُّل إلى آخر ومغادرة ما كان خطابه. ولكن الإنسان في التحليل الأخير ابن الزمان والمكان. ابن الواقع الموضوعي الذي يتحرك فيه ويحاول تحريكه وتغييره. ولكن، ما هو محرك التغير في القيم هل هو:
· نمط الإنتاج
· نمط الخطاب؟
· وبالتالي انعكاس ذلك في نمط الحياة؟
قد تسعفنا الإجابة على السؤال بصيغة أخرى: ما هو محرك الحياة: نمط الإنتاج أم الخطاب؟
مجرد وجود الإنسان في الطبيعة حياً هو حالة مقاومة من أجل البقاء ثم من أجل السرمدية. العمل الإنساني الذي بدأ بمحاولة بدائية للحفاظ على الوجود وامتد عبر عديد من أنماط الإنتاج هو الذي يحسم في التحليل الأخير. بقدر ما يُنتج الإنسان بقدر ما يكون هو الزمان الحقيقي في تأثيره على المكان. من هنا فإنه لتغيير اي مجتمع أو لتغييره لنفسه لا بد من تغيير نمط الإنتاج فهو الذي يحسم. ولتقويض تشكيلة اجتماعية اقتصادية لا بد من تخريب أو شل الاقتصاد. عندها ترتبك الحياة اليومية ويرتبك الخطاب، ويُفتح السبيل لخطابات جديدة تقوم على ولصالح مقومات الحياة الجديدة.
لكي ينهار الاتحاد السوفييتي السابق[1] كان لا بد من الانهيار الاقتصادي وذلك عبر عملية حرب اقتصادية طويلة قامت بها الثورة المضادة في الداخل عبر الفساد والبيروقراطية وتخريب الوعي الجمعي الاشتراكي بقيادة الثورة الإمبريالية المضادة. تبدت النتائج الأولية لذلك في تفكيك وتفكك محيطه الأبعد من بلدان العالم الثالث ثم محيطه الأقرب اوروبا الشرقية لكي يتفكك بشكل تراجيدي لاحقاً. وربما نلاحظ اليوم، كي تتمكن الإمبريالية من هدم سوريا لا بد أن تحاول عرقلة روسيا فتقوم بتخفيض سعر النفط والذهب وكلاهما من ثروات روسيا التصديرية.
ولكي يُحافظ ثلاثي المركز الراسمالي، الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان، على معدل ربح عالً، بل لاتقاء الأزمة الجارية بعد تفكك دول الاشتراكية المحققة، لاحظ المفارقة أن ذلك التفكك أُتبع بأزمة في المركز، بعد هذا كان لا بد من الهجمة الوحشية على العراق ويوغسلافيا وليبيا[2] ليس لتصدير الأزمة الداخلية لراس المال بالحرب وحسب، بل للنهب المفتوح. صحيح أن كل هذا مغلفاً بخطاب حقوق الإنسان والديمقراطية، ولكن: ترى من الذي يلجم الآخر ويمتطيه؟ التقشيط على صعيد عالمي أم فن الخطاب؟
وعليه، ما هي آليات تفكيك القيم الوطنية والنضالية في الأراضي المحتلة؟
كان لا بد من تقويض مواقع الإنتاج اي تقويض نمط/انماط الإنتاج القائمة فيها سواء في الزراعة الإنتاج الفلاحي البضاعي الصغير، والاكتفائي، والمحاصصة، ونمط الإنتاج الراسمالي المحيطي Peripheral Capitalist Mode of Production[3]، في القاعدة التصنيعية الصغيرة فيها، وتحويل مساحة السوق التي تغطيها المنتجات المحلية لصالح المنتجات الصهيونية او المستوردة، وتسهيل نزيف الفوائض إلى الخارج وامتصاص قوة العمل الشابة إلى الأجهزة البروقراطية للسلطة بدل فتح مجالات تشغيل لهم[4]. بكلمة موجزة، كان لا بد من تحويل المنتج المستقل إلى معتمد على السلطة ولا بد من تقليص القدرة الإنتاجية للزراعة والصناعة. إنه الإنتاج إذن خط الدفاع ضد التبعية السياسية والاقتصادية. كان المقصود تحويل المجتمع إلى مجتمع يتلقى ولا ينتج. حين يُهمش المجتمع إنتاجيا يهمش سياسياً.
نزعم إذن، أن الاستنتاج الأولي للثورة المضادة هو: لا ينطلق ويسيطر خطاب المهادنة والتسوية وتفكيك قيم المقاومة ما لم تُقوَّض مواقع الإنتاج وصولاً إلى كل منتج صغير على حدة. يجب أن تفشل المشاريع المنتجة كي يعتاش أوسع كم ممكن من الناس على تساقط فتات التسوية وهو ما تسوقه أدبيات المصرف الدولي لتطبيع الناس على التسوية عبر مذاق طعهما[5]. كان لا بد من ربط المعيشة اليومية لأكبر عدد ممكن من الناس بمشروع التسوية، وهذا اشتمل على تقويض مواقع الإنتاج، وخلال ذلك كان سهلاً ضخ خطاب التسوية والسلام وحقوق الإنسان والمجتمع المدني… وحتى اللاعنف بمن فيه ما تسمى المقاومة الشعبية/السلمية. ما الذي قرر في التحليل الأخير، قوة الخطاب، بلاغة اللغة، أم المصالح الطبقية والجماعية؟ ايهما اسبق؟ ايهما المؤسس للتحول أو التغير أو الارتداد؟
في السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة، ليست مسألة التناقض والصراع مجرد نقاش فلسفي ولا نحت خطاب ولا ترميزات شعرية ولا اي نوع من الفنتازيا غير المؤصلة مادياً على ارض الواقع.
لا بد لمن خططوا لإيلاج لغة وقيم مخالفة ونقيضة ومختلفة في مجتمع معين أن يكونوا قد فهموه تماما. فلا يكفي مثلا قيام الاستشراق بخلق صورة للشرق من عندياته حتى نقول هكذا اشتغل الاستشراق. بل لا شك أن الاستشراق وخاصة مستواه السياسي كان قد درس وفهم وخَبِر الشرق لكي يتمكن من صياغة صورة للشرق من عندياته وبناء على ما رأى كي يتمكن من تصميم الشرق طبقاً لتلك الرؤية وهو ما يمكِّنه من استعمار الشرق. ليس صحيحاً القول إنهم لم يدرسوا الشرق. وهذا ما يبين أن الاستشراق ليس مسألة ثقافية في الأساس، وإن اتخذت وجها كهذا، بل هي مشروع استعماري راسمالي غربي من ضمنه الاستعمار الثقافي او لنقل إن مثقفي الاستشراق هم مثقفوه العضويون. كما ان الاستشراق مشروع طبقي. فليس من السهولة بمكان اعتبار الجندي البريطاني الذي جُنِّد لغزو فلسطين صاحب رأي او مصلحة في الاستشراق مقابل طبقة راسمالية لها طموح ومصالح استعمارية باسم الدولة ولكن لمصلحتها هي. كما لا شك أن الجندي أو العامل يستفيد في التحليل الأخير من المشروع الاستعماري بحكم الضرورة وليس الرغبة من قبل الطبقة الحاكمة المالكة والمستعمِرة. هناك دلالة في كون مارتن لوثر أول من دعى لدولة يهودية في فلسطين، وكان مثقفا عضويا للرأسمالية التجارية (المرحلة المركنتيلية) وأعتقد أنه كان سابقاً على الاستشراق، وبالطبع سابقا بقرون على الصهيونية.
ولأجل بحثنا هذا، هل يمكننا تجاهل أن المقاومة الفلسطينية كانت مكشوفة أوراقها للمركز والكيان وأنظمة الكمبرادور؟ بل كانت مخترقة في العلن للكثير من هؤلاء. ألم تكن مختلف منظمات المقاومة مفتوحة على العديد من الأنظمة العربية وخاصة أنظمة الخليج حيث تلقي التمويل وبالتالي ما يترتب عليه؟ وهل نجهل أن هذه الأنطمة هي في فلك المركز الإمبريالي وأن هذا المركز شديد العلاقة بالكيان الصهيوني؟ ما نقصده هنا أن هذا الحلف المعادي للمقاومة ولشعبنا وأمتنا كان يدرس تكوين وفعالية وخطاب المقاومة وخاصة قياداتها السياسية ومثقفيها وعزيمتها. كان يدرس مدى قوة شحنة المقاومة ومدى اصالة خطاب المقاومة، ومتى بدأت تظهر هِنات الضعف من حيث الثقة بالقدرة لدى المقاومة على تحقيق وتجسيد مشروع تحرير فلسطين. ومدى اندغام هذه المقاومة مع حركة التحرر الوطني العربية وحدود فكاكها أو ارتباطها مع النظام الرسمي العربي، وتحديداً اين كانت تصطف وتصبُّ في التحليل الأخير: إلى جانب الطبقات الشعبية أم في أروقة انظمة الحكم التابعة وغير التابعة، فهي في النهاية أنظمة حكم محكومة بمصالح بقائها وبأفقها الفكري والسياسي والطبقي لا شك.
ليس مُلحَّاً الفصل في ايهما أولاً “اكتشف” طريق الهزيمة، أو الانتقال من المقاومة إلى المفاوضة:
· هل المثقفون من أهل الأعراف الذين يُقيمون بل يُعسكرون في الوسط بين الوطن والمساومة عليه هم الذين نظَّروا للنخبة السياسية؟
· أم أن النخبة السياسية وخاصة جناحها العسكري أدركت ان مشروع التحرير أكبر من طاقتها الإنسانية- مفيش بَتِعْ) ومن استعدادها الطبقي وقناعتها التضحوية فاخذت تبحث في مخرج للمساومة. وربما جرى ذلك في ذهنية مثقفي الأعراف فأوحوا به للقيادات.
ليس هذا مجال التوقف هنا لمعرفة ايهم كبيرهم الذي علمهم السحر، وإنما المهم أن جرثومة المساومة والتفاوض بدأت مبكراً في اوساط المقاومة، ربما ليس وحده إدوارد سعيد الذي حمل رسائل من الإدارة الأميركية إلى ياسر عرفات. ولا شك ان هذه الرسائل كانت باتجاه المفاوضات. قد لا نجانب الحقيقة أن نقول ان “التدرُّب” على المفاوضات بدأ من هناك. وكان لا بد من تدرُّب وتدريب. وكان لا بد من كتابات وحوارات وأحاديث كثيرة عن “أهمية” سلاح التفاوض إلى جانب سلاح المقاومة وكان لا بد من استخدام الإعلام لنفخ عمليات المقاومة، ثم تنفيس ثقافة المقاومة من خلال تسريب ومن ثم فيض لقاءات ومقالات السلام والحوار[6]. وكان لا بد من إخراج كافة مناخات التفاوض في حركات التحرر الوطني في التاريخ والعصر الحالي لدعم هذا التوجه، اي من صُلح الحديبية للرسول الكريم وحتى صلح بريست-ليتوفيسك في فترة لينين، ومفاوضات فيتنام…الخ. وهي أحداث ومحطات جرى استثمارها وتوظيفها والتعليم بها في غير سياقها قطعاً، لأنها كانت لتجارب فاوضت من أربعة مراكز أو منطلقات:1- القوة على الأرض، 2- القوة العقيدية والطبقية والمعنوية وليس الخَوَر في هذه كلها، 3- التفاوض مع أعداء هم من الأرض نفسها، 4- الاستعداد للتضحية او إخلاء السبيل لآخرين إذا ما فشلت قيادتهم للمشروع التاريخي.
في قراءة معسكر الأعداء لخريطة المقاومة وخاصة قياداتها السياسية والثقافية وجد هذا المعسكر في معسكر الفلسطينيين من لديهم قابلية للمساومة والخروج من بل والخروج على مشروع المقاومة. لذا بدأ الشغل على تحطيم قيم المقاومة نفسها عبر التثقيف بقيم السلام، والتعايش وحق المستوطنين في فلسطين، وفتح علاقات مع سفارات وقنصليات الدول الغربية وفتح سفارات وقنصليات لمنظمة التحرير في عشرات دول العالم. اي بدأ تحويل المنظمة المسلحة إلى دولة في المنفى وبدات تغرق في العلاقات الدولية. وهذا ما اثر على الكفاح المسلح حيث بدأ الكفاح الدبلوماسي في اسرة دولية اسيرة للمركز وللصهيونية، وبدأ يطغى على الكفاح المسلح والتعبئة به.
كما بدأ الشغل على بقرطة كوادر المنظمة بتحويل اكبر عدد ممكن من ثوريين مقاتلين إلى موظفين. وهنا كان للمال فعله حيث خلق في منظمة التحرير مراتبية ترقى إلى حالة طبقية:
· شريحة الراسمالية البيروقراطية التي تتلقى التمويل العربي الرسمي
· وشريحة موظفي إعلام ومثقفي القيادة
· وقاعدة من المقاتلين والمناصرين الذين كان يجري تدجينهم بتدريج وحذر.
لم ينحصر تخريب القيم هذا في منظمة التحرير في الخارج بل كان المسرح الفعلي لتطبيقه وتنفيذه هي الأرض المحتلة 1967 لأن التخلي عن مشروع التحرير يعني استبداله بدولة في الضفة والقطاع. ويمكننا القول، دون تواريخ وارقام، أن مشروع تغطيس المناطق المحتلة في مشروع تخريب القيم بدأ مع مشروع السلطة الوطنية الفلسطينية الذي أُعلن عام 1973، وجرى تسويقه وتسويغه على أنه على كل شبر يُحرَّر.
كنا نعتقد حتى حينه، وانا ممن اعتقدوا، ان هذا قول حق، ولم نرَ قول الباطل فيه. فكان طبيعياً أن يُقبل طالما على كل شبر يُحرَّر وفي الحقيقة لم أكن قط قد اعتقدت أو اقتنعت منذ هزيمة 1967 أن بوسع الفلسطينيين تحرير فلسطين دون تغيير ثوري صاخب في الوطن العربي. لكنني كنت وما زلت مع وجوب المقاومة إلى أن يتغير الوضع العربي.
لقد ترافق إعلان مشروع السلطة الوطنية هذا مع حراك دبلوماسي وثقافي كان الهدف منه تطبيع الشعب الفلسطيني على الانتقال من المقاومة إلى التفاوض. وفي هذه الحقبة بالضبط 1973 فما بعد، بدأ مثقفون في الأرض المحتلة وخاصة اللبراليون المتغربنون ومن جامعة بيرزيت بشكل خاص، ممن كان بوسعهم السفر إلى الخارج وإلى بيروت بسهولة بدأ هؤلاء حوارات مع مثقفين وأكاديميين صهاينة، وكان ذلك بعلم ورضى وحتى توجيه من قيادة منظمة التحرير في بيروت.
إلى جانب هذا بدأ الإغداق التمويلي على اليمين في الأرض المحتلة حتى في المحطات التي لا تحتاج إلى التمويل. فكان ولا زال تمويل اتحاد الصحفيين واتحاد الكتاب منذ منتصف السبعينات. وصار لا بد ان يكون رئيس كل منهما من حركة فتح لأنها مصدر التمويل[7]. ويبدو ان مصدر التمويل قد اصبح مع الوقت مصدر الخطاب الجديد ومصدر تغيير القيم واستبدالها. لذا، لم يكن غريباً، أن تم طرد جميع اليساريين من جريدة الفجر، وكنت احدهم، عام 1977، تمهيداً لتبني خطاب آخر موقف آخر.
ليس غرض هذا القسم من الورقة الشرح التفصيلي أو التأريخ لوقائع التحول وليس مجرد الانزياح عن قيم المقاومة بقدر ما هو إثبات صحة زعمنا بحصول هذا التحول عبر خطة، وآمل قيام آخرين وأخريات بالتأريخ لهذه التحول بل الارتداد. ولا إخال أن ما يجري اليوم من مغادرة شاملة للكفاح المسلح والانغماس الشامل في المفاوضات، لا إخال أنه ينقض زعمنا هذا بل يؤكده ويؤكد تواصل هذه الحلقات.
لست متأكداً أن حركة حماس تسير تماماً على خطى حركة فتح بل منظمة التحرير الفلسطينية فيما يتعلق بالتسوية وتحديداً التحول عن القيم، بغض النظر عن سرعة اختصار الزمن. هذا وإن كان التشابه عالياً بين الطرفين فيما يخص الخطاب والتركيب الطبقي. فقيادات الطرفين من البرجوازية الصغيرة ومن تحولاتها إلى الطبقة الوسطى كالأطباء والمهندسين والمحامين…الخ. هناك التجار المتوسطين، ورجال الأعمال وتمفصلات من الشرائح الدنيا لبرجوازية التعاقد من الباطن وبعض من الراسمالية المالية في الشتات. أما قاعدة الطرفين فهم من ابناء الطبقات الشعبية سواء من مخيمات اللجوء أو ابناء الريف. كما أن التشابه الفكري بينهما عالٍ جداً. فرغم المزاعم التي تركز على علمانية حركة فتح، فثقافتها ليست ابعد من ثقافة حماس. وأعتقد أن المِسَح العلمانية لدى فتح وخاصة كونها في سلطة الحكم الذاتي راجعة إلى لزوم الإعلام والتماهي مع خطاب الغرب كصانع لأوسلو وممول للسلطة.
لا يمكن قراءة موقف حماس من انتخابات مجلس الحكم الذاتي على أنه خارج نطاق التسوية وتحديداً خارج نطاق أوسلو. فمجرد الترشح للانتخابات هو إقرار موارب بالنظام القائم. صحيح أن الاستمرار في المقاومة ولو حتى كإعلان أكثر مما هو ممارسة واستمرار رفض الاعتراف بالكيان هي رصيد لحماس، ولكن المشاركة في الانتخابات ومن ثم السلطة هما مثابة التمسك بالباب الموارب وهي اللعبة التي مارسها الإخوان المسلمون كأكبر تيار في الإسلام السياسي. فلا يمكننا التغاضي عن التناقض بين رفض الاعتراف بالكيان وبين القبول بأوسلو الذي هو صناعة أميركية صهيونية[8]. هل هي شطارة التخفي إذ أن حماس لم توقع على أوسلو ولكن شاركت في انتخابات مجلس الحكم الذاتي واستلمت الوزارة! إذا كانت اوسلو حراماً فهذا لا يعني ان من يستخدم الحرام بريىء من الذنب الذي يقع على من فعل الحرام وارتكبه.
وربما ينطبق هذا على مختلف القوى، او على الأقل قيادات القوى المشاركة في الانتخابات التي من التلفيق تسميتها تشريعية فهي لا صلاحية تشريعية لها لأنه لا سيادة لسلطة الحكم الذاتي.
[1] لقراءة موسعة يُرجى الرجوع إلى، عادل سمارة، الثورات: نظرة وقراءة…لا استدارة للخلف، منشورات اتحاد لجان المرأة الفلسطينية، فلسطين المحتلة، 2010.
[2] حينما كان يقوم الناتو بقصف يوغسلافيا دُعيت والسيد هاني المصري لنقاش الموضوع في تلفزيون وطن في الاراضي المحتلة، وفوجئت به مؤيداً للقصف بحماسة. لذا، لم أفاجىء اليوم بمثقفين يؤيدون قصف ليبيا ويستميحون الناتو قصف سوريا.
[3] لم أجدني متحمساً لنمط الإنتاج الكولونيالي الذي تحدث عنه الراحل الصديق حمزة علوي والراحل مهدي عامل، وآمل أن اناقشه بشكل مناسب في كتابي اللاحق عن الاقتصاد في الأرض المحتلة 1967.
[4] لا مساحة هنا لقراءة سياسة الاحتلال ما بين 1967-1993 في إلحاق اقتصاد المحتل 67، إلحاق السوق وقوة العمل، اما مصادرة الأرض فازدادت في عهد سلام راس المال!
[5] أنظر عادل سمارة كتاب البنك الدولي والحكم الذاتي: المانحون والمادحون، منشورات مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية، 1997رام الله ص ص 52-57.
[6] لتفصيل موسع عن هذه الحوارات والعلاقات أنظر كتاب عادل سمارة مثقفون في خدمة الآخر: بيان أل 55 نموذجاً، منشورات مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية، رام الله 2003.
[7]. كان أول رئيس لاتحاد الكتاب بناء على هذه القاعدة السيد أكرم هنية عن فتح.في نقاش حول توزيع حصص الاتحاد في بيت السيد مأمون السيد برام الله 1978، عرضت ان يكون لحركة فتح حصة أكبر من حجمها، فاعترض هنية بالقول: هل أنت كاثوليكي أكثر من البابا! وكان الحضور الراحل بشير البرغوثي وعبد اللطيف غيث وسمعان خوري ومأمون السيد.
[8] في خطاب لإسماعيل هنية يوم 26 أيلول لمؤتمر علماء المسلمين في غزة قال الكثير مما يجدر التوقف عنده، وبشكل خاص فقد وضع العلمانيين على قدم المساواة مع أميركا كأعداء. أنظر مقالة بادية ربيع، كنعان النشرة الألكترونية، السنة الحادية عشر ـ العدد 2697 بتاريخ 8 تشرين الأول (اكتوبر) 2011: “فلتختفي النساء: إنه سيف رئيس وزراء إحدى دول فلسطين”.