“المعارضات السورية”.. بين الحوار والإرهاب واللا واقعيــة

العميد الدكتور أمين محمد حطيط*

من المستقر عليه في تعريف الثورة ومفاهيمها انها سلوك يبديه من اعترض على تصرف او نظام فرض عليه فهب رافضا له عاملا على اسقاطه بغية احلال نظام يناسبه بدلاً منه، واذا كان الامر يعني شعبا وسلطة تحكمه فلا تكون ثورة شعبية يعترف لها «بالمشروعية الثورية» الا اذا كانت غالبية الشعب هي التي احتضنت الثوار بخروجهم على الحاكم وان الغالبية هذه هي التي ارتضت بالنظام البديل ونصبت الحاكم بموجبه، وخلافا لذلك يكون الخروج على السلطة او الشغب عليها سلوكاً يستجيب لأي شي عدا مفهوم الثورة فقد يكون تمرداً او عصياناً او فوضى او…او حتى ارهابا واجراما خاصة اذا تم اللجوء الى العنف القاتل والمدمر، وانطلاقا من ذلك يطرح السؤال عما يجري اليوم في سورية من حراك ونسأل هل ان في الامركما يقولون «ثورة»؟‏

للاجابة لا بد من التوقف عند المشهد الذي تشكل خلال الاشهر الثمانية من عمر الحركات الشارعية التي نفذت في سورية، حيث نسجل ما يلي:‏

1) ان نسبة الخارجين على النظام لا تصل وفي أعلى تقدير لها الى سدس الشعب السوري هذا اذا احتسب كل من خرج ولو مرة واحدة في مظاهرة او التحق في جماعة تحللت من النظام القائم، اما اذا كنا اكثر واقعية او تشددا في الحساب فان النسبة لا تصل الى ثُمن الشعب ان لم نقل اقل ما يعني ان من سموا انفسهم «معارضة او ثواراً « لا يشكلون الا الاقلية القليلة جدا من الشعب في حين ان الاغلبية الساحقة تستطيع وفي الآن ذاته ان تخرج من المؤيدين للنظام والمحتضنين لحركته الاصلاحية ما يزيد عن مجموع اولئك اضعافا مضاعفة (كما حصل في الاسبوع الفائت في كل من دمشق وحلب واللاذقية).‏

2) اما في تحليل نسيج «المعارضين الثوار» فانا نرى ان الصراع بينهم محتدم الى حد التخوين المتبادل – هذا يصف الاخر بـ«عميل النظام» وذاك يرد عليه بالوصف بـ«ثوار اخر الزمان» واخر يقول عن سواه «حصان طروادة» فيرد عليه بانه «مرتزق يعمل للخارج» يقوم ذلك لان مفهوم الثقة والتماسك بينهم معدوم، ما يعني ان قوة هؤلاء لا يمكن ان تكون جمعية تراكمية، بل انها تنازعية تآكلية وان شراستهم ضد بعضهم لا تقل عن عدائيتهم للنظام، وهذا يقودنا الى امر هام نعبر عنه بالقول: اذا كان مجموعهم يبقى اقلية شعبية، فكيف يكون حال كل فريق من هذه الاقلية من حيث الحجم والفعالية.. انه ايضا اقلية في الاقلية. وهذا يؤشر الى شيء خطر ايضا، حيث ان نجاح احد هؤلاء في الوصول الى ما يمني النفس به من سلطة يعني اقامة حكم الاقلية المستبدة التي لا تحقق استقرارا ولا تقيم عدلاً، والتي ستواجه عندها بالثورة الحقيقية.‏

3) ولان الصفة التمثيلية لهؤلاء «المعارضين» هزيلة جدا في الداخل السوري فانهم تخلوا عن «السيادة الوطنية» التي ينبغي ان يتميز بها «الوطني الثائر» من اجل كسب دعم الخارج الذي له حسابات عدائية ضد سورية المقاومة والممانعة لمشاريع السيطرة والاستعمار، طالبين وبكل وقاحة «التدخل العسكري الاجنبي» تحت مسمى «حماية المدنيين»، ثم كانت بدعتهم الخطيرة بـ«طلب الحظر الجوي» الذي يعني بكل بساطة استدعاء اسرائيل وحلفائها للسيطرة الجوية على سورية لتدميرها وتنصيبهم «حكاما»ليحرسوا المصالح الغربية فيها. انهم بسلوكهم هذا يرتكبون – ومن غير خجل – الخيانة العظمى بحق وطنهم وشعبه وهنا نسأل هل ان الشعب السوري العريق في قوميته ووطنيته يمكن ان يتقبل خائناً لوطنه استعان بالاجنبي ليكون حاكما عليه؟ والجواب قطعا لا.‏

4) ومن اجل التعويض عن الهزال الداخلي بسبب عدم امتلاك الاكثرية الشعبية ولاثبات الوجود بالقوة لجأت بعض مكونات المعارضة تلك ممن يصفون انفسهم بـ«الثوار» الى الارهاب بالقتل والاعتداء على المواطنين والموظفين والممتلكات العامة والخاصة، بما يخرج كليا عن الاحكام الشرعية الاسلامية ( التي يتغطى البعض منهم بها ويدعي الثورة من اجلها) كما انها لا تمت بصلة الى المبادئ والقواعد القانونية المكرسة ايضا في القانون الوضعي.‏

5) و اخيرا وفي الوقت الذي نسجل ايجابية البعض من المعارضين – خاصة اولئك القائمين في داخل البلاد – لجهة رفضهم للتدخل الاجنبي، واستنكارهم اللجوء الى العنف والتخريب، ثم استجابتهم للدعوة الى الحوار الوطني، (سلوك مقدر وينسجم مع المصلحة الوطنية الحقيقية)، فاننا نستغرب رفض معارضة الخارج للاستجابة الى الحوار، واشتراطها حوارا لهدف واحد: «تسليمها السلطة» ونسأل هؤلاء الرافضين على اي قوة يبنون رفضهم، ويقيمون امالهم:‏

هل على الاكثرية الشعبية السورية وهم لا يملكونها بل هي ضدهم؟‏

ام على قوة الجماعات الارهابية التي باتت محصورة يضيق الخناق عليها في منطقة محددة في وسط سورية (حول حمص) وهي قيد المعالجة؟‏

ام على الجامعة العربية التي حاولت ان تقيمهم ندا للحكومة القائمة بصورة شرعية ففشلت ما اضطرها للعودة الى سورية والاعتراف بالواقع والتعاطي معه كما هو قائم، رغم محاولتها اللعب والمناورة وهي تعلم انها لن تنجح فيها؟‏

ام على مجلس الامن الدولي الذي يطمح ما اسمي «المجلس الوطني السوري» ان يرسل الجيوش لتدمير الجيش العربي السوري المدافع عن الوطن والنظام من اجل اقامتهم حكاما؟ وألا يعلمون ان هذا الحلم بات مستحيلاً بعد المتغيرات الدولية وقيام مجموعة «البريكس» بقطع الطريق على الغرب في السعي لاتخاذ مثل هذا القرار؟‏

ام على تدخل عسكري للناتو يبدأ بـ«حظر جوي» بقرار او بدون قرار من مجلس الامن يقود الغرب الى احتلال سورية كما حصل في العراق منذ عقد تقريبا؟ الا يعلمون ان العصر تغير والغرب يتقهقر وبات عاجزا عن شن اي حرب جديدة وهو يعمل على اقفال الجبهات القائمة وسحب جنده منها؟ ثم الا يعلمون ان اي حرب تشن على سورية اليوم ستشعل المنطقة وتفرض نتائج لن يكون لهم ولا لمن يساندهم قدرة على التحكم بها؟‏

يبدو انه تجاهل للحقيقة لان الغرور او اللاواقعية السياسية هي التي تتحكم بسلوك «معارضي وثوار» الفنادق الاوروبية، والحسابات المصرفية الخليجية، وفضائيات التلفيق الاعلامي، وجماعات الارهاب والقتل، وانهم بمواقفهم المتعنتة هذه يقفلون ابواب الحل السياسي، وفي الوقت الذي يرفضون فيه ما يسمونه «الحل الامني» نراهم يدفعون باتجاه عدم الاستقرار الذي يستوجب المعالجة الامنية لوضع حد للارهاب والاجرام، متناسين حقيقة ثابتة هي ان من يريد حقاً مصلحة وطنه عليه ان يجلس الى طاولة الحوار الوطني في داخل بلده متلمسا الطريق لبناء الدولة السورية الديمقراطية الحديثة مع سواه من السوريين، بعد ان يعترف بالواقع وينطلق من حجمه التمثيلي الحقيقي معرضا عن الاستعانة بالخارج.‏

:::::

*أستاذ جامعي وباحث استراتيجي

المصدر: صحيفة “الثورة” بتاريخ 31-10-2011
http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=96005323520111031033332