بلفور: وعد حرف تاريخ المنطقة…!

نواف الزرو

94 عاما على وعد بلفور…!

74 عاما على توصيات بيل…!

64 عاما على قرار التقسيم ومنح اليهود الوطن القومي…!

54 عاما على العدوان الثلاثي…!

44 على عدوان حزيران/67 وهزيمة العرب واحتلال ثلاثة اضعاف فلسطين المحتلة 48…!

21 عاما على الحرب الامريكية الثلاثينية على العراق…!

واكثر من ثمانية اعوام ونصف على الحرب الامريكية –البريطانية على العراق /2003/ وتدميره واقتراف ابشع مجازر القرن فيه…!

تصوروا…!

وفي كل هذه المحطات الرئيسية الكبرى كان لبريطانيا دائما الدور المركزي في بناء وصناعة الاحداث والمشاريع والدول، ولعل اقامة “اسرائيل” على خراب فلسطين وتشريد اهلها في الشتات تبقى الكارثة الاكبر التي حلت بنا في ظل المؤامرة البريطانية –الصهيونية…!

لم تتوقف الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدى العقود الماضية عن دعم وتعزيز وجود الدولة الصهيونية، في الوقت الذي لم تتوقف فيه ابدا عن حبك المؤامرات وصناعة الاحداث في المنطقة لصالح تلك الدولة وعلى حساب الامة والعروبة…!

بل انه نحو قرن كامل من الدعم البريطاني لـ “إسرائيل”..!

وتبدأ حكاية الغرام والعشق من قبل بريطانيا بالمشروع الصهيوني و”الوطن القومي لليهود” وب”إسرائيل” على نحو حميمي وعلى وجه الحصر في 1917، حينما اصدر وزير الخارجبة البريطاني جيمس آرثر بلفور يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 تصريحا مكتوبا وجهه باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد (1868-1937)، يتعهد فيه بإنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.

” انه قصة 117 كلمة إنجليزية زورت تاريخ وجغرافيا الشرق الأوسط”.

فالوعد كان حاضرا بعد ذلك في مؤتمر سان ريمو 1920 الذي منح فيه الحلفاء بريطانيا حق الانتداب على فلسطين.

وكان حاضرا ايضا في عصبة الأمم التي صادقت في يوليو/ تموز 1922 على صك إقرار الانتداب البريطاني، فالصك كان يتضمن في مقدمته نص تصريح وعد بلفور مع تخويل لبريطانيا بتنفيذ الوعد.

كما كان الوعد حاضرا في دستور فلسطين الذي أصدرته بريطانيا بعد أسبوعين من إقرار انتدابها أمميا، حيث ضمنت مقدمته نص تصريح وعد بلفور أيضا.

وها تنقضي اليوم اربعة وتسعون عاما على الوعد ولا تزال تداعياته النكبوية تلاحقنا، ذلك ان ذلك “الوطن القومي لليهود” وذلك “المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي”يشهد في هذه الايام ذروة تمدده السرطاني وذروة سطوه على الوطن الفلسطيني من نهره الى بحره…!

فهل هناك جريمة ابشع من هكذا جريمة بريطانية…؟!

تلك الامبراطورية التي منحت فلسطين وطنا لمن ليس له بالاصل وطن، ولمن لا يستحق مثل هذا الوطن على حساب الشعب العربي الفلسطيني…!

وعن اهمية الوعد في الذاكرة الاسرائيلية كتب الكاتب الاسرائيلي زئيف تسحور في “يديعوت احرونوت 2007/11/4″تحت عنوان:” في لندن أسست دولة اليهود” يقول:” بيان وزير الخارجية البريطاني بلفور صدر في الثاني من تشرين الثاني 1917 في ذروة الحرب العالمية الاولى، ورغم أن اليهود شكلوا أقلية صغيرة في “ارض اسرائيل” في ذلك الحين، إلا أن الحكومة البريطانية اعترفت بحقهم في اقامة كيان وطني فيها، والوعد صدر عندما شرع البريطانيون باحتلال البلاد من الأتراك، وتحول الى وثيقة سياسية ملزمة، وفي نظرة الى الوراء كان هذا البيان هو الاصابة الأهم التي أحرزتها الحركة الصهيونية في كفاحها من اجل اقامة الدولة، فقرار بريطانيا مساعدة اليهود في العودة الى البلاد المقدسة يكمن في التطلع الخلاصي الذي انتشر إبان الحرب باقامة نظام عالمي جديد بعدها”، ويضيف:”وعد بلفور حرف التاريخ عن مساره وطرح الفكرة الصهيونية الهامشية كخيار واقعي في السياسة العالمية، واستمرارية ذلك تجسدت في الاصابة الثانية حيث قامت الجمعية العمومية للامم المتحدة بعد ذلك بثلاثين عاما في تشرين الاول 1947 بتأييد اقامة دولة يهودية”.

فلسطينيا- كان شاعر فلسطين إبراهيم طوقان (1905-1941) قد قال -مذكرا بالتداعيات وبالوجع الذي حل بالبلاد العربية- يخاطب المستعمرين الانجليز وما تسببوا به من ويلات وكوارث المت بفلسطين والعرب:

منذ احتللتم وشؤم العيش يرهقنا فقراً وجوعاً وإتعاساً وإفساداً

بفضلكم قد طغى طوفانُ هجرتهم وكان وعداً تلقيناه إيعاداً

ولكن شاعر فلسطين عبد الرحيم محمود يعاتب الذات والعرب الاقربين فيما جرى قائلا:

بلفور ما بلفور ماذا وعده لو لم يكن أفعالنا الإبرام

إنا بأيدينا جرحنا قلبنا وبنا إلينا جاءت الآلام

ونقول في الخاتمة:

لم يكن “وعد بلفور” ليرى النور ويطبق على ارض الواقع في فلسطين لو تحملت الأمة والدول والأنظمة العربية حينئذ مسؤولياتها القومية والتاريخية؟.

ولم تكن فلسطين لتضيع وتغتصب وتهوّد لو تصدى العرب للمشروع الصهيوني كما يجب، ولم تكن فلسطين لتتحول إلى “وطن قومي لليهود” لو ارتقى العرب إلى مستوى “الوعد والحدث”؟!!