هيستيريا اسرائيلية… وطرافة أوسلوية !

عبداللطيف مهنا

كان لمجرد قبول عضوية فلسطين في منظمة اليونيسكو ردود أفعال إسرائيلية يمكن وصفها بالأقرب إلى الهيستيرية.ً رافقتها على الأرض مسارعة نتنياهو إلى إعطاء أوامرة “بتعجيل” عملية التهويد الدائرة في القدس وسائر الأراضي المحتلة ما بعد العام 1967. تم الإعلان عن إزماع البدء في بناء ألفي وحدة سكنية في العاصمة الفلسطينية المحتلة، ومجمعي الكتلتين الإستعماريتين الكبريين “غوش عتسيون” و”معالية أدوميم” التهويديين لإنجاز الإطباق الكامل عليها. وكان هذا الى جانب قرار وقف عملية تحويل الأموال الفلسطينية إلى سلطة رام الله، وإعطاء جيش الاحتلال الضوء الأخضر لشن عمليات عدوانية برية على غزة، سارع جنرالاته إلى إطلاق مسمى “المفاجآت” عليها، كما شرع في تنفيذ عمليات الإغتيال الجوية المخططة سلفاً والتي منها كانت المؤجلة، خارقاً الهدنات الأخيرة المتلاحقة المتوافق عليها بين الإحتلال والمقاومة على جبهة غزة، والتي جهد الوسطاء المصريون في عقدها بعيد ساعات لااكثر من إعلانها.

كان الإسرائيليون واضحون في إعلانهم بأن هذا أنما هو مجرد عقاب سريع للفلسطينيين لقاء هذه التي يعدونها “الخطيئة” التي ارتكبوها عندما تقدموا لطلب العضوية وصوتت اليونيسكوا على قبولها. لاحقاً لم يغيّرفي هذا زعم نتنياهو لاحقاً في الكنيست بأن الأمر لم يكن كذلك، وحين أرجع القرارات العقابية إلى ما هو أوقح، ذلك بقوله أنها جاءت في سياق مواصلة ما هو عادي في إطار متواصل العملية التهويدية المتبعة والمستمرة. وكان مكتبه أكثر وقاحةً حين قال في بيان رسمي معللاً الأمر بأن “هذا التوسع الاستيطاني يتم في مناطق ينظر إليها بأنها سٍتكون من نصيب إسرائيل في إطار أي اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين”!

الأمريكان لم يكونوا أقل غضباً من الإسرائيليين، كلاهما عاقباً اليونيسكو بقطع تمويلهما لها. وكان الأمريكان قد شنوا حرباً ديبلوماسية استباقية في أروقة المنظمة وخارجها لمنع قبول الطلب الفلسطيني ومارسو كل ما لديهم من أسلحة الضغط الهائلة التأثير عادةً، وحيث لم ينجحوا كادوا أن يصنفوا اليونيسكو منظمةً إرهابية!

لعل كل هذا هو في حكم المتوقع، ومن غير المستغرب، بل ويعد أنموذجاً مصغراً للمعركة الكبرى القادمة في هيئة الأمم المتحدة حول عضوية فلسطين في هذا المحفل الدولي الذي تنظر واشنطن له وكأنما هو ملحق للخارجية الأميركية، والأسرائيليين وكأنه ما كان إلا لكي يشرّع جرائمها ويقونن عدوانيتها. هذه المعركة كانت قد بدأت فعلاً حتى قبل تقديم طلب هذه العضوية، التي لم ولن يتردد الأمريكان والإسرائيليين، ومعهم الغرب كله هذه المرة، في خوض معركتها باستماتة أكثر لمنع قبول هذه العضوية رغم رمزيتها، هذا إن تحققت باعتبار أن الفيتوالأمركي في إنتظارها في مجلس الأمن، مما يعني أن مآلها هو إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة… خوضها باستشراسٍ أين منه موقعه اليونيسكو وما تبعها من ردود ألأفعال المشار إليها.

لكن ردود أفعال سلطة رام الله هي التي كانت تدعو إلى الاستهجان، وأن ظلت لدى الكثيرين، وأنا منهم، غير المستغربة بل في خانة المتوقعة منها سلفاً، ذلك لإرتهانها بما يلزمها به قفصها الأسلوي، الذي سعت اليه بظلفها ومعهاالقضية، بتخليها عن خيار المقاومة وجنوحها إلى المسار التفاوضي، وإعلان المفاوضات خيارها الوحيد الذي لاشريك له، أو وفق تنظير شهيرلكبير مفاوضيها صائب عريقات يقول، ب”المفاوضات حياة”… لذا، كان كل ما لدى نبيل أبو ردينة الناطق باسم رئاسة السلطة، تعقيباً على المسألة هو أنه يرى أن “تسريع البناء الاستيطاني هو تسريع في تدمير عملية السلام”، وإن “تجميد الأموال هو سرقة لأموال الشعب الفلسطيني”.

نكتفي بما صرح به المتحدث باسم السلطة، التي لا زالت متمسكة بالمرحومة المدعوة “عملية السلام”، التي سبق أن تم دفنها منذ أمد وشيعها شارون في حينه، لتغدوعظامها اليوم في عهد خلفه نتنياهو رميماً، دون أن يفوتنا الإشارة إلى ما فات أبو ردينة، وهو أن الذي يتهمه بسرقة أموال الشعب الفلسطيني هو من سرق فلسطين بكل ما تعنيه للفلسطينيين وليس أموال سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال فحسب… والأدهى هوما صدر عن تنظيم السلطة ذاته، أو “فتح الأوسلوية”، حول رد الفعل الأسرائيلي العقابي، والذي يعتبره بيانها يمثل “قتلا لأية فرصة لتحقيق السلام، كما أنه يعد تحدياً كاملاً للمجتمع الدولي ومؤسساته، وبمثابة إعلان حرب على كل ما هو فلسطيني”… تنظيم السلطة، إذ يشارك أبو ردينا في البكاء على إطلال “عملية السلام”، ولا زال يتحدث عن المجتمع الدولي، يرى في القرارات الإسرائيلية إعلان حرب على كل ما هو فلسطيني، وكإنما هذا الإعلان لم يبدأ ويوضع قيد التنفيذ لقرن خلى، أو منذ بدأ الصراع العربي الصهيوني على فلسطين الذي بدأ ببداية الغزوة الاستعمارية الصهيونية لها.

والطريف هو أن بيان “فتح”السلطة هذه، قد اكتشف أخيراً أن في الأمر ما “يؤكد وجود نية مبيتة، وإصرار واضح، لدى نتنياهو على نهج الاستيطان والتهويد وتكريس الاحتلال، وتدمير عملية السلام بشكل كامل، وجر المنطقة لدوامة عنف مرة أخرى”… جرها مرة أخرى بعد أن رفلت في الطمأنية وهنأت بالسلام في ظل أوسلو!!!

ليس في ردود الأفعال الإسرائيلية والأمريكية من جديد أو ماهو غير المتوقع، الأمر الذي ينسجم مع طبيعة الكيان الغاصب وثوابته ولا يتنافى مع سياسات راعية الأمريكي ومشاريعه الإمبراطورية الاستعمارية… أما ردود أفعال رام الله فلا زالت لا تفاجأ أحداً في الساحة الفلسطينية، ولعل جديدها فيه قدر قاتل من الطرافة المقيتة.