لهذه الاسباب سيفشل استعمال “الجامعة العربية” ضد سوريا

العميد الدكتور امين محمد حطيط

في جلسة استماع امام الكونغرس شكا السفير الاميركي في دمشق من تماسك الجيش السوري و انضباطه والتزامه لاوامر السلطة السياسية بقيادة الرئيس الاسد، و بعد ان تحقق اوباما من ان السلطة السياسية محتضنة من قبل اكثرية الشعب السوري و يئس من ان تؤدي الحركة الشعبية المزعومة الى اسقاط الرئيس كما يريد، قام و بكل بساطة ليحل نفسه مكان الشعب السوري و يسقط شرعية الرئيس و كانه هو من يعينه او يعزله، و عندما عينت اميركا مجلس اسطمبول و اسمته “المجلس الوطني السوري ” ليكون ممثلا للشعب السوري، و ردت سوريا على الفعل بما يقتضيه من حزم، لم يتجرأ احد في العالم على الاعتراف بهذا المجلس اللقيط، و عندما حاول الناتو بالقيادة الاميركية تهيئة البيئة السورية للتدخل العسكري على غرار ما حدث في ليبيا و تصدت مجموعة “البريكس” للقرار بالفيتو المزدوج فكر الغرب بطريق اخر لدتدمير سوريا اولا و وضع اليد عليها ثانيا فكانت خطة التحضير للحرب الاهلية التي تنفذ تحت عنوان كذبة اسمه “حماية المدنيين “.

هذه العناوين – الاهداف الاساسية للغرب في تعاطيه و “ادارته ” للازمة السورية ” جمعت كلها في قرار واحد نطق به القطري المشهود له بالتزامه بالاوامر الاميركية و الصداقة لاسرائيل، فجاء قرارا خلافا لميثاق الجامعة العربية و يهدف الى تحقيق ما عجزت اميركا عن تحقيقه خلال الاشهر الثمانية من عمر ما افتعل في سوريا من اضطرابات،لقد شاءت اميركا من قرار الجامة العربية الاخير بحق سوريا :

– تنصب ممثل للشعب السوري بقرار اميركي ليكون في مرحلة اولى الند للسلطة الشرعية التي علق قبول مشاركة و فودها في الجامعة في حين دعيت “المعارضة” – و طبعا يعنى هنا بالمجلس المصنع غربيا – الى الاجتماع مع الامين العام تمهيدا للاعتراف به عربيا ثم اعتباره ممثلاً لسوريا في الجامعة العربية.

– شق الجيش العربي السوري الذي اظهر انه فعلا انه مؤسسة “حماة الديار ” و هم يعولون على شق الجيش لدفع البلاد نحو الانقسام و الحرب الاهلية و يكون للمجلس المصطنع قاعدة شعبية يستند اليه ويتصدى للدفاع عنها ثم يكون له – على ما يخططون منطقة يستقل بادارتها و فرض سيطرته عليها في موادهة السلطة الشرعية القائمة.

– التهديد و التلويح بتدخل اجنبي عسكري و غير عسكري في سوريا، فضلا عن المحاصرة الاقتصادية.

و بالتالي فان الوظيفة الاستراتيجية، الحقيقة لقرار الجامعة العربية هي محاولة التعويض عن الفشل الغربي حيال الازمة السورية حتى الان و ايجاد فرص ما يسمى “الحل البديل” عبر خلق البئية التي:

– تدفع سوريا نحو حرب اهلية تدمر البلاد، بعد ان عجز الغرب عن تنفيذ ذلك مباشرة بطائراته وصواريخه كما فعل في افغانستان و العراق و ليبيا.

– تمنع اخراج سوريا من ازمتها موحدة قوية محتفظة بموقعها و دورها الاستراتيجي و الجيوساسي والذي عطل في تموضعه المركزي في جبهة المقاومة نجاح المشروع االغربي.

– تمنح الغرب و اميركا الفرص و الوقت الاضافي لترتيب اوضاعهم في الشرق الاوسط بعد الانسحاب الانهزامي من العراق المرتقب في اخر هذا العام، لان في اشغال سوريا بنفسها، تجنب لقوتها المعرقلة لمشاريعهم.

هذا ما رمى الغرب اليه بالقرار الاميركي الصادرباللغة العربية فهل سينجح التصرف و يحقق المفاعيل المرجوة غربيا ؟

من الواضح ان موطن المفاعيل الاساسية للقرار سيكون في عناوين ثلاثة : الشعب السوري، الجيش العربي السوري، النظام بمؤسساته الدستورية المختلفة و هنا تبرز اهمية خاصة للمنظومة او السلك الدبلوماسي السوري.

في الدراسة للعناصر ذات الصلة و المتغيرات القائمة في المنطقة نرى ان القرار سيكون عقيم المفاعيل في ظل الواقع التالي :

– على الصعيد الشعبي : شكل الرد الجماهيري السوري مباشرة بعد اعلان القرار، و حناجر ملايين السوريين التي خرقت السحاب تنديدا بقرار الجامعة و تمسكا بالوحدة الوطنية و رفضا للاقتتال الداخلي، وسعيا نحو اصلاح حقيقي يبقى سوريا لاهلها و يمنع تحولها كما هو حال دول الخليج (ذات الانظمة الاستبدادية الملكية) الى كيانات سياسية هشة يديرها الغرب و يقيم فيها القواعد العسكرية الدائمة.

– على الصعيد العسكري : فان من الاكيد ان الجيش السوري و هو الجيش القومي العقائدي الذي نشيء على القواعد و المبادئ االوطنية السامية لن يستجيب لاماني و املاءات الخارج و لن يحقق اهداف المؤامرة و انه مستمر في المواجهة و على خطين ذاتي و يعنى به الاستمرار في الوحدة و التماسك والانضباط في تنفيذ قرارات السلطة السياسية و القائد الاعلى للجيش و القوات المسلحة، و وظيفي ميداني عبر الاستمرار في التصدي للعمليات الارهابية و محاولات تفتيت الوطن لدفع الشعب للاقتتال الداخلي، والمتغير الوحيد الذي نعتقد بحصوله هنا يتعلق فقط بالسرعة في معالجة بعض المظاهر المسيئة للوطن واجتثاثها مع تقبل تحمل المزيد من الخسائر حماية للمدنيين.

– على صعيد السلطة و النظام و مؤسساته، نرى ان الدولة السورية اذهلت العالم بتماسكها فضلا عن اتقانها اختيار الاساسيين ممن يتولى الشأن العام بصورة عامة او لتمثيل سوريا في الخارج. الامر الذي لا يثير قلقا في المستقبل في مسالة التماسك و الفعالية.

اما المسائل الاخرى من قبيل القول بان قرار الجامعة فتح الباب امام مجلس الامن لاتخاذ قرار بالتدخل في سوريا لحماية المدنيين و ارسال الناتو للتنفيذ، او للقول بانه سمح لتركيا بان تقوم نيابة عن العرب بقيادة الميدان و تجميع الارهابيين و دعمهم او القول بان التضييق الاقتصادي على سوريا سيدفع الشعب للتراجع عن احتضان الحركة الاصلاحية التي يقودها النظام، كل هذا لا نرى له فرصا للتحقق في الواقع لاعتبارات تتعلق بموازين االقوى الدولية و الاقليمية التي عطلت مجلس الامن و كبلت الناتو و غلت اليد التركية ومنعت تشكل السد المحكم الاغلاق بوجه الاقتصاد السوري.

لذا نرى ان الاميركي الذي شاء القرار 1559 من اجل تنصيب حاكم في لبنان خاضع له و تجريد لبنان من عنصر قوته- المقاومة – ليتمكن من تحويله الى مستعمرة و قاعدة انطلاق لصياغة الشرق الاوسط الاميركي،هذا الاميركي املى على الجامعة العربية – التي يتخذها مطية و اداة لتنفيذ سياسته في دنيا العرب – قراراً من نفس الطبيعة،و لجأ اليها بعد ان فرضت عليه ذلك متغيرات دولية تسببت باقفال مجلس الامن بوجهه، فجاء القرار لتنصيب حاكم على سوريا من العملاء، وضرب العامود الفقري للقوة السورية – الجيش العربي السوري – بدعوته التمرد، و دفع البلاد الى التآكل بالاقتتال ليسهل عليه تحويلها الى مستعمرة و لكن……..هل سينجح ؟

بواقعية نقول، ان مصير القرار الاميركي الجديد، لن يكون احسن حالا من مصير القرار 1559، وكما استمر الرئيس العماد لحود حتى الثانية الاخيرة من ولايته و بقيت المقاومة على سلاحها و هزمت به اسرائيل في العام 2006، و ثبت موقع لبنان المستقل عن الارادة الاميركية حتى كاد صوته يكون وحيدا في الجامعة العربية لدى نطقها بالقرار الاميركي، نتوقع ان تنتصر سوريا بقوتها الذاتية المتمثلة بشعبها وجيشها مدعومة بقوة “منظومة المقاومة” و “مجموعة البريكس” اللتان تخوضان معها حربها الدفاعية التي هي حربهم جميعا، و ستبقى سوريا قلعة تتكسر عند صخورها المشاريع الغربية.

:::::

نشر في جريدة الثورة وموقع التيار الوطني الحر بتاريخ اليوم 14112011