أميركا في استراتيجية الانتقام !…. ماذا ستحقق ؟

العميد الدكتور امين محمد حطيط

أ‌. تعاني اميركا مع نهاية العام 2011 من كم من الخيبات و الخسائر الميدانية و الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط خاصة في المواطن الاربعة لتدخلها المباشر بدءا من افغانستان و العراق و انتهاءا بسوريا و لبنان. و بعد ان عولت الادارة الاميركية الكثير على الميادين هذه لترسي نظامها الاحادي القطبية و تقبض على النفط و الممرات الاقتصادية المائية الاساسية في العالم تجد اميركا نفسها اما المشهد التالي :

1) في افغانستان : عجز عن الحسم، و عجز عن الدفع بقوى اضافية للمحافظة على قدر معقول من السيطرة، و عجز عن تحمل الخسائر المتصاعد معدلها، و عجز عن اقناع الحللفاء الاروبييين بتعزيز قواتهم هناك او حتى بابقاء قواهم الموجودة. و اخيرا و هو الاخطر عجز اميركا عن الاعتراف بالهزيمة في افغانستان و الخروج منها خروج المهزوم.

2) في االعراق عجز عن ابقاء الاحتلال المقنع في مستوى فاعل يمسك بقرار البلاد و يتمدد الى الجوار، و عجز حتى عن الحصول على حصانة لبضعة الاف من الجنود الاميركيين الذين ترغب بابقاءهم هناك من اجل حماية مصالحها النفطية التي لا تستطيع التخلي عنها بعد كل ما تكبدته من خسائر من اجلها، و الاهم هو عجزها عن منع تحول العراق الى الضفة الاخرى سياسيا و استراتيجيا مع وجود اكثرية شعبية فيه لا تجد موقعها الطبيعي الا في موقع نصرة الحقوق العربية و الاسلامية و التي تعمل اميركا مع اسرائيل لهدرها دوما، و و قد ترجم العراق هذا التحول بالامتناع عن التصويت في الجامعة العربية على مشروع “القرار الاميركي ” الهادف الى تعليق عضوية سوريا.

3) و في لبنان و حتى لا نكرر ما بات معروفا و نكتفي بالقول بان اميركا خسرت الملف اللبناني بشكل متدرج سياسيا و عسكريا و دبلوماسيا و لم تتمكن من الاحتفاظ بلبنان كقاعدة انطلاق لارساء مشروعها المشرقي، وقد بات لبنان اليوم يمنع بمقاومته اي عدوان عليه، و يمنع بتآلف قواه السياسية التي انتجت “حكومة التفاهم الوطني ” وضع اليد الاميركية على قراره الرسمي بعد ان اخرج من السلطة الفريق المرتهن لاميركا.

4) اما في سوريا و هنا يكمن الاخفاق و الفشل الاكثر ايلاما، حيث ان اميركا عولت على ما سمي “الازمة السورية”، لاتخاذ الميدان السوري محلاً ينقذها من الاخفاقات و يعيد الروح الى مشروعها التسلطي الاستنهابي، و قد رات ان اسقاط النظام السوري المقاوم- الممانع، سيشكل مدخلا للتغيير الفوري في لبنان و عودة عملائها للسلطة ( و لهذا يتفانى هؤلاء بالتحريض على الفتنة في سوريا و دعم الارهاببيين و احتضانهم في لبنان )، كما ان اقامة نظام سوري من عملاء يقطنون في الغرب ( مجلس اسطمبول) سيمكن اميركا من تعويض ما سيفوتها في العراق اولا ثم العمل لاسترجاع القرار العراقي ثانيا، و اخيرا ان تحول سوريا الى قاعدة غربية يرفع في عاصمتها العلم الاسرائيلي سيحجب اي خسارة استراتيجية في افغانستان. لهذه الاسباب، و كما عولت اميركا على حرب 2006 الاسرائيلية ضد المقاومة في لبنان، فانها عولت و باضعاف مضاعفة على ما اختلق في سوريا من اضطرابات. و كانت التمنيات الاميركية تصاغ بشكل روزنامة لاحداث تظهر فيها تواريخ ها الفعل او ذاك كقولهم بسقوط النظام في تموز الفائت او قيام مجالس انتقالية لتنشر الديمقرطية الاميركية. و لكن كل التمنيات و الخطط الاميركية باءت بالفشل الذريع و تجد اميركا نفسها اليوم على الساحة السورية عاجزة عن تنفيذ حلم جندت عربها و و غربييها و تركها من اجلها، و وضعت بتصرفهم الامبراطوريات المالية و الاعلامية و انتظرت ان”يقتلع النظام المقاوم و الممانع” و فوجئت بصلابة النظام و تماسكه و شعبيته بما جعل سقوطه او قيام النظام البديل امرا يقترب من الاستحالة، الامر الذي فاقم الاخفاق، و الاهم ان اميركا باتت توقن في اعماقها بان النظام ثابت و لن يسقط.

ب‌. حيال هذا المشهد يطرح السؤال حول اي استراتيجية اميركية ستتبع في الشرق الاوسط انطلاقا من المواقع السورية و الايرانية؟ علما بان تقسيم الاستراتيجيات العامة يدور بين الدفاع و الهجوم، و يضاف اليها في التفريع الثانوي استراتجييات التعويض او تحديد الخسائر او الانتقام ؟ بين هذه الاسترايجيات ماذا ستختار اميركا و تعتمد؟.

طبعا نتجاوز هنا الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية لان احدا لن يهاجم اميركا اليوم حتى يلزمها بالدفاع، و كذلك نتجاوز الاستراتيجية الهجومية التي اعتمدت فيها اميركا على القوة الصلبة ففشلت و القوة الناعمة فاخفقت في تحقيق اهدافها و في معرض ما الت اليه الامور يستبعد جدا ان تعود اميركا اليها خاصة في ما تعلق بالشأنين الايراني و السوري حيث ان ايران باتت محصنة تجاه القوة الصلبة و القوة الناعمة و سوريا محصنة تجاه القوة الصلبة و تقترب من تحقيق مناعة كافية في مواجهة القوة الناعمة، لهذا فاننا اميركا تتجه كما يبدو نحو الاستراتجيات الثانوية و تتبنى “استراتيجية الانتقام” التي تهدق الى ايقاع الخسائر بالخصم دون تحقيق الارباح للفاعل.على قاعدة “لنا او للنار ” و هذا الانتقام الاميركي سيجد ميدانه الجاهز في الجرح المفتوح اليوم على الساحة السورية ليعمل فيه بايدي عربية و تركية لاحداث الالم و الضرر في البنية السورية شعبيا و رسميا مترجماً بما يلي :

1) التصعيد في الاخلال الامني لمنع الاستقرار في البلاد عبر تشجيع عمليات الارهاب و القتل.

2) تشديد الحصار الاقتصادي الرامي الى تجويع الشعب من اجل دفعه للثورة على الحكم و التخلي عنه. و هنا اكثر ما يضحك العاقل تلك الادعاءات القائمة على القول بالعقوبات الاقتصادية التي لا تؤلم الشعب كما يقول بعض العرب من عملاء اميركا قول يظهر جهلاً او تجاهل للحقيقة لان ما من عقوبة اقتصادية ضد دولة ما الا و يكون الشعب هو المتأثر المباشر بها و ما عدا هذا القول هراء.

3) فرض العزلة السياسية على الدولة و التشكيك بشرعية الحكم فيها فضلا عن السعي الى ايجاد الممثل البديل الذي ينازعها شرعيتها و هذا ما تسعى اليه اميركا اليوم من ابراز مجلس اسطمبول السوري لينتزع شرعية تمثيل سوريا في الخارج.

ج. و في مقابل هذه الاستراتيجية التي بدأت اميركا بوضعها موضع التنفيذ مع قرارات من اضحت “جامعة خليجية غربية ” القرارات التي صيغت بلغة عربية و بمضمون اميركي، نسجل ملاحظتين : الاولى تتعلق بسقف الانجاز و هو الايلام و ليس اسقاط النظام و الثانية ما تملكه سوريا من اوراق االقوة لمنع الانتقام الاميركي من تحقيق اهدافه مع وجود :

1) القوى الامنية و العسكرية المتماسكة و الملتزمة للقرار الرسمي للحكومة و التي تستطيع متابعة معالجة الوضع الامني، و هنا لا ننكر مدى الالم الذي ستحدثه العمليات الارهابية لكننا لا نرى امكانية لهذه العمليات بتغيير البيئة الامنية بشكل عام اي فقدان السيطرة الامنية للحكومة على الارض.

2) وعي الشعب السوري الذي ظهر خلال اشهر الازمة كلها الامر سيجعل الضغط يرتد غيظا ينصب غضبا على من يستبب بالالم و بدل ان ينقاد الشعب للمؤامرة و يصرخ بوجه حكومته التي تحفظ سيادته و قراره المستقل فانه سينفجر رفضاً بوجه المعتدين بالقيادة الاميركية. فضلا عن قدرة الشعب على تحمل الازمة الاقتصادية المختلقة و الاتكاء على الحلفاء.

3) انقسام العالم الى معسكرين، الاول تقوده اميركا و الثاني يواجهها وتنضوي سوريا فيه، سيمنع فرض العزلة السياسية على سوريا كائنا ما كان التهويل.

لكل ذلك لا نرى في الانتقام الاميركي من سوريا و من منظومة الممانعة فرصا لتغير الصورة التي آل الوضع اليها بعد الاخفاق الاميركي بعد عقدين من الحروب، عاما بان لاستراتيجية الانتقام سقف في الاعمال لن يتجاوز الاسابيع القليلة المتبقية.

http://www.tayyar.org/Tayyar/News/PoliticalNews/ar-LB/amine-hoteit-hh-1872.htm