التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

د. منذر سليمان

مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

واشنطن، 18 نوفمبر 2011

المقدمة

شحت تغطية مراكز الفكر والابحاث الاميركية لهذا الاسبوع بسبب العطلة الرسمية لقدامى المحاربين،  ولم يأت على ذكر التطورات الهامة في المنطقة على صعيد التزام وتبني الجامعة العربية الاملاءات الاميركية بشأن سورية الا مجلس العلاقات الخارجية. وسيستمر التحليل المتضمن في القاء الضوء على تداعيات البرنامج النووي الايراني، الى جانب الاهتمام بعض الشيء بالمستقبل الامني لافغانستان.

كما سيتناول التحليل معركة الانتخابات الرئاسية بين صفوف مرشحي الحزب الجمهوري، لاسيما في ظل مؤشرات استطلاعات الرأي التي تفيد بأن الناخب الجمهوري يفضل رؤية اي مرشح آخر غير المرشح الاقوى حاليا، ميت رومني، مع الاقرار بأن السباق الرئاسي لم يفرز مرشحا باستطاعته الصمود القوي امام عملية تمحيص علنية ودقيقة لمواقفه ومؤهلاته وسيرته الشخصية.

ملخص مراكز الابحاث

استعان مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations بمخزونه الثقافي المعادي لسورية في معالجة قرار الجامعة العربية الاخير بتعليق عضويتها كعضو مؤسس في الجامعة. وجاء على لسان احد خبراء المجلس في شؤون الشرق الاوسط، جوشوا لانديس، ان “الازمة السورية تترتب عليها آثارا هامة لحسابات القوة في الاقليم، اذ ان سورية تعد محورا لعدم الاستقرار في منطقة قد يؤدي انهيار نظام الاسد او اندلاع حرب اهلية فيها الى اشعال السنة لهب الثورة، او الى تقويض انظمة الخليج التي تعد فائقة الأهمية” بالنسبة للولايات المتحدة. واردف قائلا ان “الامر يبدو بالغ الاغراء للولايات المتحدة للقيام بدعم السعي لتغيير النظام في حالة قيام ثورة.”

واصل معهد كارنيغي Carnegie Endowment اهتمامه في البرنامج النووي الايراني معربا عن اعتقاده بان حتمية توجيه اسرائيل ضربة عسكرية تبدو ضئيلة في الوقت الراهن، بخلاف اقرانه من مراكز الابحاث الاخرى. وقال “تاريخيا، ظهر على الدوام ارتباط عكسي بين الصخب الاسرائيلي من ناحية والعمل العسكري الاسرائيلي من ناحية اخرى. اذ ان الهجمات الاسرائيلية على المفاعل النووي العراقي عام1981 وكذلك الهجوم على المفاعل النووي السوري عام 2007 لاذت بصمت اجهزة الراديو. وعليه، تبدو امكانية القيام بشن هجوم على المفاعلات الايرانية بعيدة، لكن بالنظر الى التداعيات المثيرة التي ستنتج عن هكذا فعل ليس بوسعنا الاستهتار بذلك.”

اما مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS فقد تناول مستقبل كل من الباكستان وافغانستان عند بدء الانسحاب الاميركي من المنطقة. وقال “ان الامر الاكثر ترجيحا لفترة ما بعد عام 2014 في افغانستان، في هذا الظرف الزمني، لن يكون تحولا ناجحا نحو حكومة ديموقراطية افغانية تبسط سيطرتها على كافة انحاء البلاد. كما وانه من المستبعد ان تقدم (حركة) طالبان على استعادة سيطرتها على قطاعات واسعة من اراضي البلاد. بل ان الارجح هو رؤية منطقة وسطية تتيح للمتمردين السيطرة والتحرك في بعض المناطق، بينما تسيطر مجموعات متعددة من الباشتون على المناطق الاخرى. ومن المرجح ان يبرز تشكيلة معينة للتحالف الشمالي، بينما يتم تحديد سيطرة الحكومة المركزية في كابول على المناطق المتبقية، او الانخراط في اتون الحرب الاهلية. الامر الذي لا يرغب في رؤيته بعض صناع القرار السياسي الاميركي ويطلقون عليه الخيار “الافغاني المرغوب” بل سيؤدي الى خيار “تحريك المياه الراكدة.” اما ماهية هذا الخيار وحجم العنف والانقسامات فالتنبؤ به يعد ضربا من المستحيل. لكنه الخيار الاكثر ترجيحا في هذه اللحظة وينبغي على الولايات المتحدة الشروع فورا في البحث عن خيارات بديلة لمستقبل افغانستان بعد عام 2014 من شأنها ان تفضي الى درجة اكبر من عدم الاستقرار وتنطوي على قدر من الاكتفاء الذاتي اكبر مما تتيح لها التوقعات الراهنة، والعمل ايضا على بلورة خطوات حقيقية فيما يخص الباكستان التي يصعب على حكومتها ومؤسستها العسكرية النهوض يالبلد واحتواء تصاعد موجة العنف الداخلية. وكما سبق الحال في العراق، فالفشل الاستراتيجي في الحرب الافغانية / الباكستانية لا ينبغي ان يؤدي الى خروج شامل للولايات المتحدة. بل يتعين عليها المحافظة على جهوزيتها للتعامل مع التداعيات الناجمة في المديين القصير والطويل الاجل.”

اما المعهد الاميركي للتنمية المشتركة في اوروبا، جيرمان مارشال فند German Marshall Fund، فقد تناول مسألة الأمن الافغاني في المستقبل بالنظر الى حظوظ نجاح اللقاء المقرر انعقاده في بون الشهر المقبل. وقال “يعرب عدد من الافغانيين عن شكوكهم ان باستطاعة اللقاء استنباط مزيد من الدعم الاقليمي او ربما “الصادق” والالتزامات كذلك من الدول المجاورة. بينما حالف النجاح مؤتمر بون المعقود عام 2001 الذي اسفر عن ظهور تحالف واسع وضع نصب عينيه خطة عملية لتحقيق السلام والاستقرار في افغانستان، واحدى الاخطاء المرتكبة كانت في تجاهل دور الدول الاقليمية وعدم تقليص تدخلاتها في افغانستان، مما اتاح لباكستان (وعناصر خارجية اخرى) العمل سرا بحرية في دعم وايجاد ملاذ آمن للمجموعات التخريبية، بما فيها (حركة) طالبان وشبكة حقاني في افغانستان، مما اسفر عن مصرع العديد من الجنود الافغان والاميركيين وحلف الناتو. ويمثل لقاء بون الشهر المقبل فرصة جيدة للتأييد وضمان استمرار مثل تلك التعهدات والالتزامات الاقليمية باستخدام سياسة العصا والجزرة.”

وادلى معهد دراسة الحرب Institute for the Study of War بدلوه في الحرب الافغانية بحجة ان الاهتمام ينبغي ان ينصب عليها في هذه الفترة. وقال ان مجموعة “الحقانيين لم تعد مجموعة متمردة افغانية مركز تحركها الشريط الجنوبي الشرقي من البلاد. بل اضحت مجموعة ارهابية متمردة ذات اهتمام اقليمي وتحافظ على علاقاتها مع (تنظيم) القاعدة. وتطورت (مجموعة الحقانيين) الى واحدة من اقوى القوى المتمردة في افغانستان، وان قُدر (للملا) عمر الموت، سيكون بوسعها انتزاع القيادة العامة لقوات التمرد من مجلس شورى كويتا التابع لطالبان. ان اي خلل قد يصيب هذا الفهم من شأنه ان يؤدي بافغانستان الولوج الى احضان شبكة ارهابية وهي في اوج قوتها.”

وكانت ليبيا من ضمن اهتمامات مركز هدسون Hudson Institute في دائرة تحديد وجهتها المستقبلية عبر التجاذبات التي تعصف بكافة القوى المحلية هناك، باذلا عناية خاصة للاهتمام بمنطقة الجنوب التي يقطنها الطوارق. وقال “ان منطقة الجنوب الليبي لا تبدو مرشحة من بين المناطق المختلفة لترسيخ الديموقراطية، واحدى المؤشرات على ذلك هي قضية المرأة. اذ تشهد شوارع سبها او اوباري حضورا ضئيلا للمرأة، حتى ان حضور المنظمات الخيرية المعنية بشؤون المرأة والتي تنتشر في الشطر الشمالي من البلاد تبدو غائبة عن المسرح هنا. ويضم المجلس المدني لمدينة اوباري، المعروف باسم تامينك (الوحدة باللغة الامازيغية) نحو 22 امرأة من مجموع 60 عضوا. وقالت سونيا خامينا، 20 عاما، ان المرأة “لا تتمتع بأي حقوق” في تراث الطوارق.” “

التحليل:

نظرة على الحملة التمهيدية لمرشحي الرئاسة الجمهوريين

تبعد المرحلة التمهيدية الاولى لبدء السباق الرئاسي لعام 2012 بنحو ستة اسابيع، والتي ستدشن في تجمعات ولاية ايوا. الاوضاع لا تزال بالغة التعقيد؛ اذ لا يزال المرشح ميت رومني يحتل المنصب الاقوى بين اقرانه. لكن مجموعة من اربعة مرشحين آخرين يشاطرونه الموقع عينه منذ فصل الربيع المنصرم: ميشيل باكمان، ريك بيري، هيرمان كين، ونيوت غينغريتش. لكن لم يكن بوسع اي من هؤلاء ازاحته عن المنصب الاول بالرغم مما تشير اليه استطلاعات الرأي بين الناخبين الجمهوريين عن افضليتهم رؤية مرشح آخر.

وترسخ عرف المناظرات العلنية المتلفزة كوسيلة مفضلة للمرشحين لطرح برامجهم وسياساتهم الانتخابية على الملأ، الا ان ما قد توفره المناظرة من مكاسب سرعان ما تتلاشى، كما جرى مع ثلاثة من اقوى المرشحين للحظة، باكمان وبيري وكين، الذين اخفقوا في استثمار اجواء المناظرة الايجابية في اليوم التالي.

اما السياسي المخضرم ورئيس مجلس النواب الاسبق، نيوت غينغريتش، فقد كان الرابح الاكبر من المناظرات، لا سيما وان خبرته السياسية وفطنته وذكاءه ميزه عن بقية منافسيه، ولم يتقاعس عن توبيخ محاوره لطرحه اسئلة اعتبرها سطحية وضعيفة المستوى مما عزز مكانته بين الحاضرين. وعليه، استطاع بحنكته السياسية القفز الى مزاحمة ميت رومني على منصب المرشح الاول.

لكن جمهور الصحافيين لن يدع غينغريتش شرب نخب الانتصار مبكرا، لا سيما وان نسق مسلكه السابق يعد محط اهتمام لما فيه من تناقضات قد تعرض مكانته للاهتزاز، خاصة في علاقاته المتميزة مع ممثلي المصالح الاقتصادية المختلفة ومواقفه المقلقة حول برامج الرعاية الصحية والانحباس الحراري وقضايا تمس جوهر كيانيته الخاصة.

نظرة على المرشحين:

يستند المرصد في معلوماته الى ما تنشره هيئة الانتخابات الفيدرالية، الى جانب الاستفادة من المصادر العادية والتقليدية للتوصل الى ادق المعلومات حول طبيعة المتبرعين والداعمين ماليا لكل من المرشحين المعنيين، عاقدا مقارنة مع ما يتوفر من سير ذاتية لشخصيات تدعم كل مرشح على حدة.

ميت رومني

تشير سجلات الهيئة الفيدرالية المذكورة ان جل قاعدة مؤيدي ميت رومني هي من اثرياء المدن ومن سكان الساحل الشرقي لاميركا؛ الأمر الذي يدل على تفوقه على منافسيه الآخرين في حملات جمع التبرعات. الا ان تلك الارقام لا تنعكس ايجابا بالضرورة على دعم القاعدة الانتخابية، حيث ان منسوب دعمه من قبل الطبقات الوسطى والدنيا تكاد تكون معدومة. وتجدر الاشارة الى انه بحكم انتمائه الطائفي الى كنيسة المورمون Mormon Church فهو يتمتع بدعم هائل من قبل اقرانه في الكنيسة التي تعد من بين اكبر المؤسسات ثراءً، الى جانب بعض الدعم بين صفوف وقواعد الحزب الديموقراطي.

ويبدو ان هذه الخاصية لا تقلق المسؤولين عن حملته الانتخابية، لا سيما وان جل اهتمامهم الراهن منصب على استمرارية تدفق سيل التبرعات، حينها يصبح بمقدورهم اعادة تعريف الجمهور بمرشحهم في مرحلة مقبلة.

وبالنظر الى اهمية الآلة الاعلامية الالكترونية فان نحو واحد من مجموع خمسة مؤيدين لرومني لا تتوفر لديهم اتصال دائم بشبكة الانترنت، مما يضعهم تحت رحمة الوسائل الاعلامية التقليدية للحصول على ما يهمهم من تطورات. ومن شأن هذا الامر ان يشكل تحديا لرومني في تفعيل افضل لقاعدته من المؤيدين مقارنة بمنافسيه الاخرين.

وفي سياق ما تقدم، فان رومني يبدو الاوفر حظا في اللحظة الراهنة للفوز بالمنصب الاول للمرشحين عن الحزب الجمهوري. وعلى الرغم من اعتقاد جمهور الحزب الجمهوري بأن سياسات رومني تعد “ليبرالية” بمفاهيمهم المحافظة، فان قدرة منافسيه على اللحاق به تبدو بعيدة المنال خاصة وان استطلاعات الرأي المختلفة تشير الى تعادل مرتبته مع الرئيس اوباما واحيانا يتفوق عليه مما يعزز حظوظه لدى القاعدة الانتخابية التي لا ترى هدفا امامها يستحق الحشد من اجله سوى التخلص من اوباما.

هيرمان كين

بدأ كين حملته الانتخابية بتلقي الضربات الموجعة مبكرا بعد صعوده المفاجيء والسريع مقرونا باهتمام واسع ومساواته او تفوقه احيانا على خصمه رومني حسبما افادت به استطلاعات الرأي، ومن ثم ارتكاب الاخطاء والسقوط السريع في استطلاعات الرأي.

وتجلت زلات كين في التهم الموجهة اليه من بعض النساء لتحرشه جنسيا بهن على امتداد نحو عقد من الزمن، ونكرانه بالمطلق الحوادث المذكورة في البداية لتعود الاتهامات تلاحقه بمزيد من التفاصيل وبعضها مثير جدا، مما اسهم في تضعضع موقعه بين مؤيديه وتراجع مكانته بين الناخبين. وجدير بالذكر ان اداءه في المناظرات المتلفزة اكسبه بعض الدعم، لكنه لم يستطع استثمار الفرصة للصعود الى المرتبة الاولى. كما وعجز عن الدفاع الموضوعي عن خطته الاقتصادية لانقاذ البلاد الى جانب خبرته الضئيلة في مجال السياسة الخارجية مما اثر سلبا على استمرارية حملته الانتخابية. وفي البداية، سعى بعض مؤيديه الى الاطاحة جانبا بالتهم الجنسية الموجهة له خشية عدم صدقيتها بدافع منحه فرصة اخرى لاثبات جدارته، الا ان التطورات المتسارعة اللاحقة عززت من شكوكهم بعدم صلاحيته للترشيح الرئاسي.

اما بالنسبة لقاعدة دعمه الانتخابية، فطبيعتها انها اكثر شمولية من تلك التي يتمتع بها منافسه رومني، لا سيما بين اوساط الطبقة الوسطى، كما ويتمتع مؤيديه بالمعرفة والدهاء التقني الذي تعاني منه قاعدة دعم رومني.

ومن جملة التحديات التي تواجه كين، علاوة على تحييد واقصاء حملة الاتهامات بالتحرش الجنسي، ينبغي عليه تفعيل اداءه في المناظرات المتلفزة وفي المقابلات الصحفية كي يحظى بدعم الجمهور الجمهوري الانتخابي مرة اخرى؛ الا ان حقيقة تحقيقه ذلك في الظرف الحالي تبدو بعيدة المنال.

نيوت غينغريتش

شكل دخول غينغريتش حلبة السباق الرئاسي مادة تندرية لخصومه، اذ وصفته المرشحة السابقة سارة بيلين بأنه “طبق الاسبوع.” وبالرغم من شطحاته السابقة ابان توليه منصب رئاسة مجلس النواب الاميركي، الا ان قدرته الخطابية ووضوح مآله يشهدان له امام القاعدة الانتخابية، لا سيما عدم وجله الدخول في جدال محاوريه الصحفيين لطرحم اسئلة سطحية وغير مجدية. الامر الذي عزز احترامه امام قواعد الحزب الجمهوري. وصعد غينغريتش الى مرتبة الصف الاول بسرعة مدهشة، حتى ان بعض استطلاعات الرأي تضعة في مرتبة يتفوق فيها على منافسية، رومني وكين.

ان قاعدة الدعم التي يرتكز اليها غينغريتش متشعبة لكنها رقيقة. ويشتهر غينغريتش بانه مهندس النجاحات الانتخابية التي حققها الحزب الجمهوري ابان فترة بيل كلينتون الرئاسية في عام 1994، ومشروعه الصاخب الذي عرف باسم “عقد مع اميركا.” وتتشكل غالبية قاعدة دعمه من الكبار في السن، وليس الطاعنين بالضرورة، لكنها من السهل ان تخضع للتبخر حال تعرضها لازمات وضغوطات.

ويحسب لغينغريتش بلاغته الخطابية وحسن الاطلاع والثقافة وعمل استاذا في احدى الجامعات، الا ان سجله يشوبه العديد من الهفوات. فهو معروف باسلوب مواجهته المتشنج، لا سيما في ادائه ابان عهد كلينتون الرئاسي؛ وسبق ان تزوج ثلاث مرات واقر بعلاقات عاطفية خارج قفص الزوجية وذلك في الفترة عينها التي كال الاتهامات للرئيس كلينتون باقامة علاقة غير شرعية مع مونيكا لوينسكي. كما ويعرف بمصاعبه المالية مع العديد من ممثلي المصالح الخاصة. ومن المرجح ان تقفز تلك الامور الى السطح وملاحقته الدائمة ان استمر في حملته الانتخابية.

وبالنظر الى سجله العام المليء بالفضائح، فمن المرجح ان يتدهور مركزه بين اوساط الناخبين كلما تعمق البحث في سجله الشخصي.

ريك بيري

جرى التهويل لبيري وتقديمه على انه يمثل المرشح الامثل والاوفر حظا لمنافسة كل من ميت رومني والرئيس اوباما. لا سيما وان سجل اداءه يشير الى فترة حكم ناجحة لواحدة من كبريات الولايات، تكساس، ويجسد مُثُل المحافظين، ويتمتع بقاعدة دعم مالي واسعة، ونشأته الطفولية القاسية تشهد له بتحقيق النجاحات امام الصعاب الى جانب خدمته العسكرية في سلاح الجو.

الا ان اداءه البائس في المناظرات المتلفزة قد اطاح به، خاصة وان العديد من الانزلاقات الخطابية امام منافسيه قوضت سمعته، اضافة الى سياساته المثيرة للجدل باستهداف الاقليات، لا سيما في رفع رسوم الجامعات ودعمه لما يسمى الهجرة غير الشرعية، قد عرضت حملته الانتخابية الى السقوط.

لكن ليس بالضرورة ان تجري الرياح بما تشتهيه سفن المناهضين لبيري. اذ ان لديه دعم مالي ثابت وليس غريب عليه التغلب على صعاب السباق الانتخابي والفوز في النهاية، كما يدل عليه سجله العملي، والذي قد يعيد نفسه هذه المرة. وبعد الاداء المزري للمناظرة قبل الاخيرة، استطاع بيري كسب ثقة الناخبين مرة اخرى واعطائه فرصة اخرى ليثبت فيها جدارته واهليته على منافسيه.

اما قاعدة الدعم الاساسية له فتتمثل بالطبقة الوسطى والشرائح الادنى من الطبقة، التي ينتمي اليها معظم الناخبين. وبالنظر الى الدعم المالي الذي يحظى به، فلدى بيري حظا اوفر للتقدم السريع في الحملة الانتخابية.

ميشيل باكمان

بعد صعودها السريع، تقوقعت حملتها الانتخابية واصبحت تعد شعبيتها ما دون 10%، الامر الذي يحسب لبيري في اداءه المميز عنها في المناظرات المختلفة. ويتردد بأن مستويات دعمها المالية قد هبطت يصاحبها شكوك بجدوى اسلوب اداراتها للحملة الانتخابية، مما لا ينذر بتطور ايجابي لها في المستقبل القريب. ويعزو البعض ان تقلباتها السريعة التي اثبتتها مسيرتها الانتخابية قد تحمل بعض الناخبين الى اعطائها فرصة جديدة لاثبات جدارتها. وتعرف باكمان بانها المرشحة المفضلة لـ “حزب الشاي” المحافظ، وتتشكل قاعدة دعمها من الشرائح المدنية المثقفة والمهنية. وقد انتقل بعض هؤلاء من معسكر دعمها الى دعم منافسيها، بيري وكين، عندما بدأت تلوح بوادر سقوطها.

سارة بيلين

بالرغم من اعلان بيلين عدم ترشحها للانتخابات الرئاسية، الا اننا ارتأينا ضمها الى لائحة المرشحين عن الحزب الجمهوري بدافع سببين: الاول، بدأنا اعداد هذه الدراسة في فترة مبكرة من الصيف الماضي، حينها لم تكن قد صرحت بعد عن نواياها الانتخابية. والمعلومات المتضمنة جمعت في تلك الفترة وقبل اعلانها عن الانسحاب. وبالرغم من انها لا تعد مرشحة للانتخابات، فان مقارنة مكونات قاعدتها الانتخابية مع اقرانها الاخرين تعد ذات اهتمام.

السبب الثاني، هناك بعض الاشاعات التي تفيد بان بيلين تعيد النظر حاليا في قرارها بعدم الترشح. وبالنظر الى هزالة مشهد المرشحين الحاليين عن الحزب الجمهوري، فان عددا لا بأس به من القاعدة الانتخابية ينظرون الى خارج المشهد الراهن لدعم مرشحهم المفضل. وقد يعد دخولها حلبة الانتخابات التمهيدية في بعض الولايات (نيو هامبشير، فلوريدا، وساوث كارولينا) متأخرا جدا، الا ان لديها القدرة على دخول حلبة المنافسة في كافة الانتخابات التمهيدية الاخرى. وبما ان معايير المندوبين الجمهوريين تحدد مطلع شهر آذار/مارس المقبل فصاعدا، فسيكون بمقدورها، ولو نظريا، الدخول الى مؤتمر الحزب الجمهوري متسلحة بدعم اغلبية المندوبين.

وتنطوي حملة ترشيحها المنتظرة على بعض الفوائد للحزب الجمهوري. منها، شهرتها في ميدان السياسة؛ وتحظى بدعم قوي من الناخبين الجمهوريين مما قد يضعها في المرتبة الاولى بين المرشحين؛ ولعل العامل الاهم انها وبفضل حملتها السابقة فقد خضعت لحملات استقصاء ذاتية قاسية من الصحافة، ومن المستبعد ان تفلح بالاتيان بشي جديد ذات اهمية.

ومن المسلم به ان بيلين لا زالت تتمتع بدعم قوي بين صفوف الناخبين من الجمهوريين؛ وهي نقيض كل ما يمثله رومني والاقوى حظا بين صفوف الطبقة الوسطى وشرائحها الدنيا. وبالمحصلة، لا ينبغي تجاوزها قطعا.

ما قد تسفر عنه الانتخابات التمهيدية

من المتوقع ان ينجح بعض المرشحين الفوز بالمؤتمرات الانتخابية الاولية، نظرا الى تنوع القاعدة الانتخابية. اذ ان المؤتمرات الحزبية التي تعقد في ولاية ايوا تستقطب عادة الناخبين المحافظين. اما تلك التي ستعقد في ولاية نيوهامبشير فتستقطب جمهور انتخابي اكثر ليبرالية. بينما تلك التي ستعقد في ولايتي الجنوب، ساوث كارولينا وفلوريدا، فعادة ما تستقطبان الناخبين الاكثر محافظة، وبالنسبة لفلوريدا تتمثل فيها حقيقة قاعدة الحزب الجمهوري التقليدية: شديدة المحافظة وعدائية تجاه الآخرين.

اما استراتيجية المرشحين المحافظين فتتركز على بذل اقصى الجهود في ولاية ايوا وتجاهل ولاية نيوهامبشير، من ناحية، وتركيز الجهود ايضا على ساوث كارولينا وفلوريدا معا. اما المرشحين المحسوبين على التيار الليبرالي فسيتم تركيز جهودهم على ولاية نيوهامبشير وتجاهل ولاية ايوا، عاقدين الامل على استمرارية الزخم في انتخابات فلوريدا – الأمر الذي استخدمة بقوة المرشح جون ماكين عام 2008 للفوز بترشيح الحزب له.

وعليه، يلاحظ ان ميت رومني قد تعمد تجاهل ولاية ايوا، بينما حضر هناك بقوة كل من باكمان وكين وغينغريتش. وبالنتيجة، فان رومني يأمل باستعادة استراتيجية ماكين للفوز بنيوهامبشير وفلوريدا. كما وان ضعف الاداء والمصداقية الذي يعاني منه المرشحين المحافظين قد يدفع برومني الى اما الفوز بولاية ايوا او اداء يوازي جهود الاخرين. وبالتزامن مع الفوز بانتخابات ولاية نيوهامبشير قد يؤسس لوجهة المسار الانتخابي في باقي الانتخابات التمهيدية.

ويعلق المرشحون المحافظون عن الحزب الجمهوري امالا لوضع حد لاندفاعة رومني في كل من ايوا وساوث كارولينا. ويبقى السؤال يراود القاعدة الانتخابية عن توفر مرشح محافظ جدير بالدعم وقادر على استقطاب القاعدة الانتخابية للناخب الجمهوري.

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

موقع المركز: www.thinktanksmonitor.com

العنوان الالكترون: thinktankmonitor@gmail.com