جمال محمد تقي
تتصاعد حمى الاقاليم المفدرلة في العراق مع اقتراب موعد استكمال الانسحاب العسكري الامريكي منه وكأن الامر مبرمج بأتجاه تحقيق مشروع بايدن، الخاص بتقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم فدرالية، كردي وسني وشيعي، وما لم يتحقق كليا اثناء الاحتلال العسكري المباشر، سيتحقق بعده، وذلك بدواعي سد الذرائع التي سيستخلفها هذا الاحتلال، مع سبق الاصرار والترصد، فالبذرة الشيطانية التي بذرها الامريكان وبوقت مبكر في الجماعات العراقية التي دخلت بيت طاعتهم منذ عام 1991 ازهرت اليوم، بعد ان زرعت وسمدت في شمال العراق قبل احتلاله، لتثمر اقليما استقطاعيا انعزاليا نديا للدولة العراقية، ليكون رأس حربة في معركة تطبيق نظرية التقسيم الفدرالي للعراق، وبالتالي جعلها امرا واقعا لا مفر منه.
لا يمكن الاستهانة بما حققه الاحتلال العسكري الامريكي على طريق فدرلة العراق وتقسيمه، فأول تشكيل سياسي واداري اقامه المحتل في العراق وتحت اشراف حاكمه المدني بريمر، هو مجلس الحكم، والذي كان عبارة عن تطبيق حيوي لهندسة التمثيل السياسي للشعب العراقي على اساس مكوناته العنصرية والطائفية، ومن ثم استنساخ هذه الهندسة وبثها في كل اركان الدولة والمجتمع وما لحق بها من غسيل للادمغة بواسطة الاعلام المأجور والتشويه الخبيث لتاريخ الثقافة الجمعية للمجتمع العراقي، حيث الاستغراق في استثارة النعرات والعنعنات التي ادت الى مواجهات واصطفافات اريد لها ان تكون رافعة واقعية لفكرة التقسيم المكوناتي، حتى قانون اجتثاث البعث جاء ليكون مدخلا لاختلاق حالة استقطاب سني شيعي حاد، باعتبار السنة هم من كانوا يحكمون، وما البعث الا ممثلا عنهم، وبالتالي جاء الشيعة ليرفعوا المظلومية عن انفسهم بالانتقام من السنة وتعمد تقزيمهم، هذه الخلطة المغالطة للواقع التي حاول بها الامريكان واتباعهم تمزيق النسيج الاجتماعي للوطنية العراقية، تفضحها حقائق صارخة يعيها ابسط بسطاء العراق، لان البعث ذاته كان شيعي النشئة، وقادته من الشيعة لا يقلون عددا عن قادته من السنة، واغلب الكوادر الشيعية من البعثيين كانوا متحمسين لسياسته واهدافه، والادلة كثيرة، حتى الاكراد البعثيين كانوا اشداء على ابناء قومهم من المتمردين، ومع ذلك تسامح معهم من جاء ليحكم الاقليم الكردي بضوء اخضر امريكي اسرائيلي، واعني هنا جماعتي البرزاني والطالباني، وكان هذا التسامح وغض الطرف عن الماضي، احد اهم اسباب الاستقرار النسبي للامن القائم في الزوم الكردي الامن !
الدستور العراقي الجديد والذي يفترض به ان لا يكون مؤقتا، جاء مصمما بعناية امريكية فائقة، ليكون بابا مفتوحا على مصراعيه لشرعنة التقسيم العملي القادم، وما تضمنه من فقرات مفخخة، كالاراضي المتنازع عليها بين اقليم كردستان والمركز، واجتثاث البعث، ومواد تنص على رفع المظلومية المكوناتية، الا امثلة بالغة الدلالة على المرامي الحقيقية التي تقف وراء الاصرار على تمريره وجعله وثيقة عصية على التغيير، وجعل المساس به، تقريب لساعة التقسيم !
مسودة قانون النفط والغاز، والتي تعتبر تتويج لما جرى عمليا في القطاعين منذ احتلال العراق وحتى الان، جاءت لتكرس مبدأ المحاصصة المكوناتية في مجال الثروة الطبيعية، وهي شرعنة اجبارية لواقع الحال الذي يخصخص تلك الثروات، ويتيح للاقاليم ممارسة صلاحيات هي من صميم صلاحيات المركز، وفي كافة عناصر الدورة الانتاجية، من تنقيب الى استخراج وتصدير واستثمار، الى اعتبار التعاقد مع الشركات المستثمرة حق مكتسب لها !
كل الذين ينادون بأقلمة العراق وفدرلته هم من الذين جاءوا مع الاحتلال الامريكي لحكم العراق، ومن الذين ارتبط وجودهم في مراكز الحكم الحالي، بسيادة نزعة التحاصص والتقسيم المبني على اسس عنصرية وطائفية، ان كان هؤلاء في اربيل او البصرة او صلاح الدين او الانباراو بغداد، اما من يعادون المشروع الامريكي ويقاومون مخلفاته في العراق، فهؤلاء اشد اعداء مشاريع الاقلمة والفدرلة، ان كانت كردية او سنية او شيعية، وهذا ما عبرت عنه الفصائل الوطنية الاصيلة كهيئة علماء المسلمين وكل فصائل المقاومة العراقية التي مازالت تناضل لكنس فضلات الاحتلال المباشر وغير المباشر، اما مواقف المالكي وعلاوي من الاقلمة والفدرلة فهي مواقف برغماتية واستعراضية مضللة، فالاول يزايد على المتأقلمين بالعلن ويدفع بهم دفعا نحو الاقلمة بالسر من خلال نهجه الطائفي والاجتثاثي والانتقامي، ومن خلال مساوماته التقسيمية مع العنصريين الاكراد، اما الثاني فهو مستعد لمسايرة كل المتاقليمين والمتفدرلين بشرط مساندته لتولي منصب رئاسة الوزراء حيث الغنيمة الدسمة، حتى وان كانت مؤقتة، المالكي وعلاوي الاثنان من محامي الشيطان الامريكي الذي دستر لكل ما يجري في العراق !
اخيرا قل يا ايها المتأقلمون لكم دستوركم، ولشعب العراق دستوره في القصاص من قتلته ومن كل الذين باعوه وقطعوه وتخادموا مع اعدائه وافسدوا في نعمه.