خونة، عملاء ومجرمون سيعودون من خدمة الاحتلال الصهيوني الى لبنان
نضال حمد
في سنة 1980 وبينما كنت أقف على شرفة شقة عمتي أم طالب أمد الله في عمرها، وكان ذلك بمنطقة حي الصباغ في حارة لست ادري هل استقر اسمها على حارة الحاج حافظ أم حارة الدكتور وليد قصب. ظهر ذلك اليوم تساقطت قذائف عملاء الاحتلال من جيش العميل سعد حداد على الحارة المذكورة، وفي مناطق أخرى مجاورة حيث تسببت بمقتل وجرح عدد من الأبرياء والسكان المدنيين في المنطقة. كان الهدف من القصف توجيه ضربة قاسية لمدينة صيدا عاصمة المقاومة الوطنية اللبنانية الفلسطينية المشتركة. وكذلك إيقاع اكبر الخسائر بصفوف سكان المدينة.
ظهر اليوم المذكور كنت أقف على الشرفة وكان الطفل محمد ابن السنتين يلهو هناك، وحين سمعت صفير القذائف القادمة نحونا، سارعت لإنقاذ الطفل وهممت برفعه وما أن وقفت حتى كانت شظايا القذائف التي تساقطت في الحي تمزق ظهر الطفل محمد، وكذلك صدر أمه التي هرعت الى الشرفة لمساعدة أطفالها وسحبهم الى داخل البيت. استشهد محمد الصغير بين يدي، وحاولت في تلك اللحظات أن أهدأ من روع والدته، السيدة دلال (أم وسام )، زوجة ابن عمتي، وهي سيدة من النبطية، لبنانية جنوبية، طيبة وفاضلة كما كل الجنوبيين الطيبين.وانشغلت بهما وبكيفية نقلهما الى مستشفى غسان حمود القريب من منزل العمة. وتم ذلك بمساعدة الجيران وبعض الأقارب.
توفي محمد الذي لم تمكنه قذائف عملاء الاحتلال الصهيوني في الجنوب اللبناني من النمو والكبر ومواصلة مشوار الحياة حيث قضى وهو لم يبلغ بعد السنتين. وبقي رحيله حسرة في قلوب والديه وإخوته. ضمدت جراح الأم والتأمت تماما في الخامس والعشرون من أيار – مايو سنة 2000، يوم استطاعت المقاومة اللبنانية كنس الاحتلال وأعوانه العملاء من الجنوب اللبناني. ففر هؤلاء مع عائلاتهم وما تيسر لهم جمعه من الأموال والأوراق الخاصة… فروا مذعورين مهزومين أذلاء الى الجليل الفلسطيني المحتل عبر بوابة فاطمة الحدودية ومن مناطق وبوابات عسكرية صهيونية كانت مقامة على الحدود بين فلسطين المحتلة وجنوب لبنان المحتل.
في فلسطين المحتلة رفض الفلسطينيون من أهل الجليل إيواء هؤلاء العملاء، أو الاختلاط بهم والتعامل معهم على أساس أنهم خانوا شعبهم ووطنهم وأمتهم وتعاملوا مع الاحتلال، ومارسوا الإذلال والقمع والقتل والتنكيل بحق اللبنانيين والفلسطينيين في لبنان. ومنهم من شارك في مذبحة صبرا وشاتيلا سنة 1982، ومنهم من قد يكون شارك في مجازر ومذابح كثيرة ارتكبتها عصابات الفاشيين الانعزاليين الذين تعاملوا مع الكيان الصهيوني بشكل علني. من آل الجميل وشمعون وأبو أرز الى أيلي حبيقة وسمير جعجع وجوني عبده وغيرهم بالمئات من هؤلاء الانعزاليين. فأثناء حصار بيروت كانت زوجات هؤلاء تقمن بإعداد أشهى الأطباق اللبنانية للجنرالات الصهاينة الذين كانوا يتلذذون بالمأكولات وبحرق بيروت الغربية المحاصرة.
هؤلاء العملاء عملوا أيضا في فلسطين المحتلة مع وحدات الجيش الصهيوني في قمع الانتفاضة الفلسطينية الثانية ومارسوا الإذلال والإرهاب على الفلسطينيين هناك.واليوم نسمع في وسائل الإعلام اللبنانية ان هناك مشروع قرار في البرلمان اللبناني سيسمح لهم بالعودة الى لبنان. وأن تيار العماد ميشيل عون هو الذي يقف خلف هذا القرار. ولمعلومات القارئ نقول أن نفس هذا التيار هو الذي ساهم مساهمة فعالة في إفشال كافة مشاريع إعادة اعمار مخيم نهر البارد، أو مشاريع منح الفلسطينيين حقوقا مدنية اكبر وأفضل في لبنان.
السؤال هو كالتالي:
كيف يبرر المؤيدون لعودة العملاء مواقفهم؟
فهؤلاء خونة وقتلة وعملاء مع سبق الإصرار وبإرادتهم.
في الأيام القليلة الماضية ظهرت في الساحات الالكترونية وعلى المواقع الاجتماعية مثل فيس بوك وتويتر وبلاك بيري و واتس آب وغيرهم حملة بعنوان: لا لعودة العملاء الهاربين إلى الكيان الصهيوني الغاصب. وجاء في نص الكلمة المرسلة الى المشاركين في هذه الحملة:
” لأن الذاكرة لا تمحى , و لأن دموع أمهات الشهداء لم تجف , ولأن جروح المصابين لم تدمل , ولأن آثار التعذيب على أجساد الأسرى محفورة في الجسد و الروح , و لأن دماء الشهداء هي التي رسمت حدود الوطن , و لأن في (إسرائيل) عملاء فرّوا و رفضوا الاعتراف بالندم , و لأن القضاء اللبناني اصدر منذ عام 2000 أحكام هزلية مخففة بحق العملاء , و لأن معظم العملاء الذين أوقفوا بعد عام 2006 كانوا جزء من جيش لحد , و لأن دماء شهداء المقاومة و الجيش و المواطنين الصامدين أمانة بعنق كل مواطن حر نعلن:
لا لعودة العملاء الى أرض حررتها التضحيات من رجس العدو و عملائه , الا اذا عادوا الى حبال المشانق كما ينص القانون اللبناني
الخيانة ليست وجهة نظر “.
وفي رسالة اخرى قال موزعوها الكترونيا انهم مجموعة لبنانيين رافضين لأي قرار من شأنه إعادة أي عميل “إسرائيلي” إلى أرض لبنان. واضافوا انهم يرون في قرار إعادة العملاء إهانة بحق كل وطني لبناني شريف , و إهانة بحق كل شهيد قدم نفسه فداءاً للقضية الوطنية. وأكدوا أن تلك المجموعة ليست إلا وسيلة لمناقشة تحركات جدية في سبيل منع تنفيذ هذا القرار اللاوطني و اللاأخلاقي.
وكانت صحيفة هآرتس الصهيونية قالت يوم الاثنين الماضي نقلا عن النائب في الكنيست الصهيوني، العربي المتصهين أيوب “القرا ” قوله انه يجري اتصالات مع جهات لبنانية مثل الجنرال ميشيل عون وجهات دولية من اجل ان تشمل قوانين عفو يعدها البرلمان اللبناني عناصر ميليشيا جنوب لبنان المتواجدين في “إسرائيل”……! في حديثه للصحيفة المذكورة قال القرا: “اذا كان يتم إصدار عفو (في لبنان) لجهات من كافة التشكيلات السياسية في لبنان، فانه يتوجب أيضا اصدار عفو لصالح عناصر جيش جنوب لبنان السابقين” والمتواجدين في (إسرائيل)…!
ومن الذي يؤكد للعالم أنه لا يوجد من بين هؤلاء مجرمين شاركوا في المجازر التي شهدها لبنان؟
ومن الذي يتحمل مسؤولية إعادتهم وإطلاق سراحهم وكأنهم لم يرتكبوا أي جرم أو ذنب؟
أنظروا كيف تحدث بعض أعضاء القوات الفاشية اللبنانية، وقد يكون بعض هؤلاء العائدين بعد سنوات في خدمة الاحتلال والعمالة لحسابه، من الذين شاركوا في مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول 1982، تحدثوا فقالوا:
قال بشير الجميل لأستاذه الصهيوني أرييل شارون في سنة ١٩٨٢عن مصير المخيمات والفلسطينيين: “قراري بسيط.
سنساعدكم على إجلائهم الى مقربة من الحدود السورية بحيث نستطيع أن نطردهم الى دمشق حينما تتسلم الحكومة اللبنانية الجديدة صلاحياتها (…). سيصبح مخيم صبرا في بيروت حديقة الحيوانات الوطنية اللبنانية” (“أسرار حرب لبنان”، بيروت: المكتبة الدولية، ٢٠٠٦).
إحدى الناجيات الفلسطينيات روت عن بشاعة هؤلاء وما رأته بأم عينها في شاتيلا:”كان ابن عمي، وعمره تسعة أشهر، يبكي. فعلق أحدهم: ما عدت أطيق صوته، وأطلق النار على كتفه. بدأت أبكي، وقلت له: إنه الوحيد الباقي من عائلتي. أخذه وقطعه من فوق رجليه نصفين”.
أحد المسلحين “المتحضرين” وقد يكون من جيش الإرهابي سعد حداد أي جيش انطون لحد فيما بعد قال: “بعض النساء اختبأ خلف بعض الحمير (…). ولسوء الحظ اضطررنا الى إطلاق النار على هذه الحيوانات المسكينة كي نستطيع قتل الفلسطينيين المختبئين خلفها. لقد تأذت مشاعري عند سماع صراخ هذه الحيوانات الجريحة.
ان المجرم الذي قطع الطفل نصفين في مجزرة صبرا وشاتيلا والمجرم الذي أطلق قذائف المدفعية فقتل الطفل محمد بين يدي في صيدا، قد يكون اي واحد من العائدين، واي واحد من هؤلاء يمكن ان يكون نسخة عن هذا المجرم. فالذي يبيع وطنه وشرفه وكرامته وعرضه وأرضه يمكنه فعل أي شيء. نعتقد أن أهالي الضحايا لن يسامحونهم ولن يسامحوا من يتبنى قضيتهم ومن يعمل على إعادتهم الى ارض حررت بالدماء والتضحيات. وأمهات شهداء التحرير والمقاومة سوف يضعوا التكتيكات السياسية تحت احذيتهن، لأنه لا يصح إلا الصحيح. أما لبنان الدولة كيف سيتمكن وهو يعتبر من أكبر الساحات المفتوحة التي تعمل فيها المخابرات الصهيونية والأخرى العالمية من مراقبة هؤلاء و الحذر منهم. فهؤلاء عملاء خدموا لدى الاحتلال عشرات السنين.
يعود هؤلاء العملاء قريبا الى لبنان ن بينما آلاف الفلسطينيين مازالوا مسجونين في مخيمات الجنوب بتهم عديدة مختلفة، غالبتها تهم الانتماء لفصائل إسلامية متشددة. أو نتيجة وشاية وتقارير كتبها عملاء المكتب الثاني اللبناني، الناشطون في مخيمات الفلسطينيين بلبنان وبالذات في مخيم عين الحلوة أكبر تلك المخيمات على الإطلاق. كما تواصل السلطات اللبنانية اعتقال أبناء مخيم نهر البارد وإيقافهم في سجن رومية منذ أربع سنوات بدون توجيه لائحة اتهام ومحاكمتهم. وللعلم فقد بدأ هؤلاء يوم السبت الفائت الموافق الثاني عشر من هذا الشهر إضرابا مفتوحا عن الطعام، للمطالبة بحل قضيتهم.
هل تحكم لبنان قوانين الغاب؟
هل هناك تمييز عنصري في لبنان؟
هل توجد فروقات بين الوطنيين والعملاء أم كلهم سواء؟
وهل التحالفات السياسية والبرلمانية في ظل الطائفية والمذهبية التي تعصف بلبنان أهم من الوفاء لدماء الشهداء؟
أسئلة تنتظر الإجابة عليها من المعنيين وبالذات من المقاومة في لبنان.
:::::
* مدير موقع الصفصاف الثقافي الاخباري العربي النرويجي – أوسلو