الربيع المرعب

لا خلاص غير الخلاص قومي

أحمد حسين

ماهو الوضع العربي؟

لا يوجد شيء كهذا. يوجد موضوع عربي يهم آخرين، ولكن ما دخل العرب به. يوجد ربيع عربي كما نقول النفط العربي. ولكن اسمه الحقيقي نفط الخليج أو نفط الشرق الأوسط. أومثلما نقول يوجد صراع عربي إسرائيلى , ولكنه عربي فقط بدم الضحية. ونقول ويقال أحيانا عالم عربي. علم واسع ممتد على جغرافيا مذهله، ولكنه منطقة سياددية حره لمن أراد عدا العرب.

لماذا؟

لأنه غير منطقى وغير موضوعي أن يكون غير ذلك. العالم فسيفساء من سيادات وطنيه كبيرة وصغيرة لها أنا يسمونها هوية، وجغرافيا مستقلة نسبيا أو حتى افتراضيا أسمها وطن، وفكرة محددة عن الذات والآخر والوجود يسمونها وعي، ولها شعار رمزي من القماش يسمونه علم يمثل السيادة. وما يسمونه العالم العربي هو مجرد جغرافيا ومستوطنين بهويات غامضة، لا أنا، ولا جغرافيا، ولا وعي، ولا علم ولا سياده.

ولكن لماذا؟

لأن السيادة عبء ثقيل يحتاج إلى حيوية اجتماعية قاعدية تدرك وحدة عضوية الفرد والجماعة، وتستدخل وعي العلاقة البنيوية بين الخاص والعام، ووعي العلاقة بين المصلحة المشتركة والإلتزام، وتبني الإنسان الوطني الملتزم المتين البنية من ورشة السياق الإجتماعي الموحد وليس بموازاة المصالح الشاردة للنظام أو الفئة. يدرك أن الوعي والحرية والوطن هي مثل الخبز والتنمية والتطور الصناعي والزراعي وبناء المجتمع مصالح مترابطة داخل بنية الوجود الإجتماعي القومي السليم. وأنه بدون الوعي القومي لا يوجد سبيل آخر لتحقيق أي كيان اجتماعي حقيقي. لا يمكن تحقيق حرية نسبية ولا عدالة نسبية ولاتنمية مادية أو معنوية. ولم يستطع العرب الهجريون تحقيق بنية اجتماعية لها صفة المجتمع المتطور أو الحيوي أو المتماسك، خلال تاريخهم الهجري كله.

ولماذا لم يستطيعوا؟

لآن من المستحيل تحقيق المجتمع الغيبي المنفصل عن حركة السياق الواقعي. أسقط نظام الفقه الخلافي الإنسان العربي في هوة الفردية باسم الدين، واحتجز عقله وراء مخيلته ليسهل انقياده للإستبداد الخلافي المقدس، ويقتل لديه كل قابلية للتحري المنطقي أو الإستفادة من التجربة. حرمه من دنيويته وأرضيته وحوله إلى مختل العلاقة بكل ما حوله وإلى إنسان خانع مستسلم لغيبية مطبقة يخضع فيها الواقعي للغيبي ولا دور له فيها سوى الأتباع والتلقي. وحقق الغيبوبة الأجتماعية التامة داخل مجتمع ديني قائم على فردية المصلحة وفردية المصير ونظرية الإجماع والإمتثلل القسري للتحليل والتحريم، وجعل الإجماع بديلا عن المجتمع. لم يكن هناك ما يمكن تسميته حركة اجتماعية من أي نوع داخل مجتمع الأجماع، إلا إذا كان مصدرها الزندقة أو الخروج على الأجماع الشرعي أي على إجماع الفقهاء الذين يمثلون السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية بتوكيل من الصعلوك البطين الأحمق الذي كانوا يسمونه خليفة. رمز مرتجل عديم الوجاهة مثل مصطفى عبد الجليل. هكذا قامت الكنيسة الإسلاموية، والحركات الدينوية وبقيت إلى اليوم، وستبقى مصدرا للوعي، إي للاوعي الذي مهد للربيع العربي القائم على وجبات البرسيم الوهمية!!!

هذا غير معقول!

أشارككم الرأي. فكيف يكون معقولا وجود شعب غير موجود؟ شعب يجردونه حتى من إسمه دون أن يفهم أو يعترض أو يسأل. شعب حتى لو صار القش أثقل من الحديد، وصار الأبيض أسود، والأسود ليلكيا. لا يتعجب ولا يندهش، ولا يسأل كيف؟

نفس الذين كانوا يقولون له، القومية والديموقراطية والتحرر أسماء لشياطين قادمة من الغرب لتعيث في الأمة الإسلامية فسادا. ثم وبدون إنذار صاروا في الربيع العربي يقدمون دمهم ودم غيرهم فداء للديموقراطية والتحرر، ويطالبون الغرب بالقيام بواجبه نحوالديموقراطية والتحرر والعدالة وحقوق الإنسان وحماية المدنيين بالقصف الجوي، وسفك دماء شعوبهم. لم نتعجب ولم نندهش ولم نسأل كيف؟ هل هذا معقول؟

وأنا لا أعني هنا، الحشاشين والساقطين والمجرمين والعاهرات ودياييث المراحل والمرتزقة المنظمين والليبراليات المحرومات والليبراليين الذين يهتفون في الشوارع للربيع العربي. هؤلاء سكان المستنقعات الذي لا تخلو منهم المراحل في كل بلاد الدنيا. أعني الإقطاع الدينوي السيادي في الشارع الهجري الذي يعتمد على السخرة في التجييش. هؤلاء أناس من كل الفئات غيروا ملابسهم، فصاروا فئة لها وزنها التنظيمي الديني والسياسي لا يسألون عما يفعلون. دمرت أمريكا حتى الأن العراق وليبيا والصومال وكانو طليعة سياسية للغزو في كل مرة، واستولوا على الحكم في تونس ومصر برعاية معلنة من الغرب. ويشكلون الأن طليعة سياسية وعسكرية لغزو سوريا. فكيف يكون هذا معقولا؟ صدقتم هذا غير معقول؟

هل من المعقول أن يرضى شعب بأن يصبح وطنه ودمه وإنسانيته وحقوقه مشاعة للعبث وللتنكيل من جانب من شاء؟ غير معقول.

أمريكا سيدتنا الحقيقية. هي شرفنا المتبقي في قطر وأم قوين والجامعة العربية. من المعقول أن نقبل منها الإهانة خوفا من جبروتها وحقها القديم في السيادة علينا. فما شأن أردوغان بنا؟ هل هو أيضا وصي علينا؟ هذا الطولوني الذي اعتنق الإسلام بتغيير ملابسه، لماذا يرفع لواء القومية في تركيا، ويطلب منا التنازل عن قوميتنا؟ يحتفظ بالقومية له ويصدر إلينا ملابسه الإسلامية،ويصدقه الكثيرون منا؟ أردوغان أخد عملاء الربيع العربي بالتوظيف وبالقناعة أيضا؟ فهل ترضى الطولونية بكيان قومي على حدودها، يضعها في حجمها الحقيقي؟ بأي حق يفكر لنا رجل مثله الأعلى أن ينضم إلى أوروبا عداء للعرب واستنكافا منهم كما قال أتاتورك الطولوني؟ بأي حق يسمح هذا النكرة العميل المسترجل لنفسه بتأنيب الأسد الرئيس العربي الوحيد المتبقي، وىكذب كأي إعلامي ساقط بشأن ما يجري في سوريا، ويطلق تسمية الشعب السوري، على قطعان الثورة المستوردين من كل مستنقعات العمالة في المنطقة؟ هذا يحدث كل يوم للعرب. ليس من جانب أردوغان فقط، بل من جانب كل من شاء من ساسة الشرق والغرب؟ فهل هذا معقول؟

هل من المعقول أن يؤيد المؤتمر الإسلامي العالمي، قتل أطفال العرب واستباحة أوطانهم وأعراضهم وإنسانيتهم ولا يجد من يبصق على أعضائه فردا فردا؟

أمريكا تتقاتل مع أوروبا والصين وروسيا، على تقاسم أوطاننا وثروانا ومصيرنا السياسي، والإخوان الإسلامويون بدأوا يتقاتلون مع الليبراليين على تولي أمرنا، واقتسام ما يتبقى لهم من أموال ورقاب وأعراض وكرامة إنسانية. فهل نحن قطيع أبكم يتقاتل طغاة الأرض ودياييثها على مصائرنا؟ هل هذا معقول؟ طبعا غير معقول.

هل نستعيد كل الإهانات التي وجهت إلينا هذا القرن، أما نكتفي باستعادة مذابح الفلسطينيين والعراقيين والليبيين واليمنيين والصوماليين؟ أم لعلنا نكتفي بما ضاع لنا من أوطان وأغتصب لنا من ثروات وما انتهك لنا من إرادات؟ دعونا نكتفي بما ذكرناه اليوم مما يحدث لنا، وكأنه لا يحدث؟ ألا يكفي الربيع العربي وحده شهادة على أننا شعب غير معقول. فكيف إذن نطالب بالمعقول؟

المعقول وغير المعقول وصف للعلاقات بين البشر. فالمعقول مطلب حقوقي مثل الحرية له ثمن. المعقول يحدده ويفرضه في العلاقة طرفان يردع كل منهما الأخر عن التجاوز. فلو كانت أمريكا أوغيرها ممن يبالغون في أضطهادنا يعرفون، أننا شعب معقول قادر نسبيا على الرفض أو المقاومة، وقادر عند الحاجة على الثورة. لكانت تجاوزاتهم محسوبة جيدا ولما وصلوا في العلاقة بيننا حد الإستباحة، أي غير المعقول. فحدود المعقول هي حدود نسبية يفرضها مدي اختلال القوة بيننا وبين الآخر. والشعب الذي مثلنا لا يرفض ولا يقاوم ولا يستنكر أو يتعجب، يصبح فرصة سانحة لكل الأفعال غير المعقولة.

لو تسائلنا عن سبب كوننا أضعف أمم الأرض، واكثرها ابتذالا من جانب الأخر، لكان هذا هو السؤال المعطل الذي يقودنا إلى اكتشاف الذات وتشخيص العلة الذاتية. ولو أجبنا عليه قبل عشر سنوات مثلا، لما استطاعت أمريكا أن تغزونا بالربيع العربي. لأن أدواتها الرئيسية في الغزو ستكون فاقدة لكثير من صلاحيتها.

فلو اكتشفنا حركة الواقع، لعرفنا أن هذه الحركة لم تقم تاريخيا، على شيء سوى النزعة القومية ودينامياتها المصلحية المؤسسة للمجتمع القومي وحركته الواقعية في صراعات المصالح التي تحقق البنية الإجتماعية المتماسكة، وصراعات الحضارات المنبثقة من رموز الهوية التراثية وانفعال الإنسان الإجتماعي بها. القومية ليست سياسة أو متعلقا اختياريا. إنها آلية صناعة الوجود الذاتي الي تفرضها طبيعة التطور الأنساني، من خلال فلسفة السياق العملية والمحتمة، للإلتحام بين جغرافيا محددة بالحاجة والقدرة، وجماعة عرقية هي بذرة النشوء الإجتماعي المحدد بواقعة الإنتماء والهوية الخاصة والتاريخ المشترك. وظاهرة تفكيك الهويات والإلغاء في الصراعات التاريخية، بكل الوسائل الممكنة، هي ظاهرة شائعة على مر العصور. وكل ما حولنا من دول هي انحيازات قومية وكيانات أصلانية عرقية قوية استطاعت عبور السياق بحيوية االهوية، ووعي تأثيراتها المحفزة عللى ديناميات التطور والصراع. وأصبحة المواطنة في جوهرها انتماء إلى ثقافة الهوية المسيطرة عرقيا. وما تزال نزعة الأنتماء الخاص للهوية، تسيرها الثقافة الأصلانية التي أصبحت مصلحة بحد ذاتها، لأنها تشكل إلى جانب الحركة المادية للمصلحة أهم عناصر التعبئة في الصراعات الدولية. أي أن القومية بأصلانياتها المموهة، ما تزال تشكل حركة الواقع في العالم الذي نعيش فيه. وأكبر دليل على ذلك فلسفة العصر النيوليبرالية التي تدعو إلى العولمة، وتنتج المحافظين الجدد، الذين أنتجوا مرة أخرى نسخة النازية الجديدة المعولمة في أمريكا التي تصرخ مثل ألمانيا النازية أمريكا فوق الكل، والتي تخوض مع قوميات النازية النيوليبرالية قي أوروبا صراعا لم يعد خفيا، ومع قوميات الشرق صراع إبادة من جانب واحد كما تفعل الآن مع العرب.

هذه هي الحقيقة شئنا أم أبينا، لقد وصلت الأمور حد حرب الأنا ضد كل آخر. فمن نحن؟ من الواضح أننا الآن لا أحد. وأن الغرب يبحث لنا عن هوية مناسية، سنصبح معها لا شيء. والإنسان اللاشيء هو المستعبد، الذي سيبني بلاد غيره، ويعيش خارج خيار الذات لآن العبد ليس ذاتا في التعريف. أنه جزء من كينونة السيد مثل حصان الحقل. سيكون أخر من يأكل وأول من يجوع.

هذا هو الربيع العربي الذي جعلونا نساهم فيه بسفك دمنا، واستعجال مصيرنا المظلم، ونحن نعرف ذلك. بإمكاننا أن نقول وماذا نفعل؟ لقد وجد غيرنا من يقدم له الخبز والسلاح لينضم إلى حملة الربيع. ولم نجد نحن من يقدم لنا الخبز والسلاح لنواجهه. هذا صحيح! وهذا بالذات هو ما يحتم تدخلكم. فالأمر أخطر من الإحتماء بالحجج الواهية. الحرب لا تدور إلى جانبكم وإنما على رؤوسكم , لن يكون هناك ضحية غيركم. أنتم الذين ستخسرون كل شيئ وتصبحون لا شيئ. الحرب ليست على الأندلس. الحرب على بيوتكم وإنسانيتكم ومستقبل أولادكم الذين أتيتم بهم إلى الحياة. لماذا فعلتم ذلك؟ ألكي تورثوهم للعبودية؟ بأي حق! لاتكذبو وتقولوا أنكم عاجزون أو بحاجة إلى شيء. أنتم بحاجة فقط لوعيكم ولأنفسكم. أنتم شعب؟ أنتم شعب من مئات الملايين، والخبز والسلاح سينبت تحت أقدامكم. هكذا الشعوب. لا تثور إلا بالوعي. فإذا ثارت كان السلاح أول ما تصادفه في طريقها، وبمجرد أن تراه يصبح ملكا لها. شعب بهذا الحجم لا يمكن لكل إمبراطوريات السلاح أن تهزمه، لأن المسدس بيد الثائر يؤدي ما يؤديه المدفع الرشاش. حينما تثورون سينزل السلاح إليكم من السماء لأن الصين ستخطب ودكم وروسيا ستهرع إليكم لأنهم يعرفون أنكم ستنتصون بهم وبدونهم. سيحدث هذا إذا استيقظت فينا العزة القومية وقررنا ألا تكونوا عبيدا لعبيد. هذا هو الربيع العربي. ثورة عملاء الأزل الدينويين أعداء المعقول وأعداء التحرر وأعداء الدين وأعداء القومية. أي أعداؤنا. وثورة القذارات الإجتماعية من حشاشين وليبراليين وقوادين وعاهرات. لهؤلاء العبيد الأراذل سنكون عبيدا. هل نحن حقا عاجزون عن النزول إلى الشارع ليهربوا منه كالجرذان. أبرز ما في الخائن والمرتزق جبنه لآنه يخون ليعيش. هل نحن عاجزون أن نتقدم لتولي السيادة في هذه المشاعة التي ينكل بها حفنة من العملاء؟ هل نحن عاجزون عن كسب معركة سوريا وحدها؟ إذا كسبناها كسبنا المعركة كلها. أنقذوا سوريا تنقذون الوطن كله. فأمريكا لم تأت لتحارب أحدا غير الوجود القومي العربي. أي لتحاربنا نحن وتستعبدنا نحن.وهي تعرف أن الثورة القومية وحدها هي القادرة على قلب كل الموازين. فإذا وجدتكم أمامها بمليونياتكم في كل الميادين تهتفون ضدها فستعرف أنها خسرت الرهان. إن مجرد وجودكم في الشارع بشعارات قومية سيغير الموازين حالا.

لقد طال ما سكتم. فانظروا ما حدث لكم في مصر وتونس وليبيا. خرج الشعب هو الخاسر الوحيد. لأنه حسب اللعبة يجب أن يكون الخاسر الوحيد. لماذا لم تعرفوا ذلك من البداية؟ ألم يكن سيناريوا المماطلة وكسب الوقت وتصدر التيار الدينوي، وبهلوانيات الليبراليين واضحة لكم؟ وستلعب أمريكا الآن لعبة إقصاء التيار الدينوي وتقديم البديل الليبرالي لتخدعكم مرة أخري. إنهم حلفاء في لعبة واحدة، وعملاء لجهة واحدة فلا تصدقوهم. إنهم كذابون، وأكذب منهم الطنطاويون طبعا. ولن يفشل مخططاتهم سوى الشعار القومي الذي ثبت بالتجربة والقياس أنه كان دائما هو الحل الوحيد، وأن الإسلاموية هي العدو الأكبر. وأن الليبراليين العرب مجرد قحاب مختلفة التخصصات.

لا أدري! أنا أراقب من بعيد. وقد أكون مخطئا في كثير من التصورات. ولكنني متأكد من شيئ واحد ولا يمكن أن أكون مخطئا فيه، أي خلاص في أي مكان في هذا العالم هوخلاص قومي ولا خلاص غيره أبدا لأي شعب من الشعوب. إنه ريبما ليس خلاص الأبد. ولكنه خلاص المرحلة الذي لا بد منه لولوج المراحل القادمة بمكانة لائقة وبمستقبل مفتوح الحرية والحياة الكريمة.