ملاحظات في إستهداف المسألة القومية العربية

وإشكالات القوميين العرب

العربان ضد سوريا… فما بال الأتراك؟

د. عادل سمارة ـ رام الله المحتلة

(ورقة مقدمة إلى: ندوة حول العلاقات السورية – التركية وتأثير الأزمة في سورية على هذه العلاقات

أنقرة 25-27 تشرين الثاني 2011 بمشاركة مفكرين ومحللين من سورية ومصر ولبنان وفلسطين والأردن ومن تركيا.)

1- تجريد العرب من كونهم أمة!

الحرب الدموية ضد الأمة العربية دائرة على قدم وساق بدءاً من احتلال واستيطان فلسطين واقتطاع الأهواز وإنطاكية وسبتة ومليلية واحتلال العراق باستيطانه بنصف مليون جندي (ولولا المقاومة لما خرجوا بل لاستدعوا عوائلهم) واحتلال ليبيا وتقسيم السودان وتكرار احتلال الصومال، وفشل احتلال لبنان، والاحتلال الغربي الراسمالي الفعلي للجزيرة العربية. ولعل احتلال قطر نموذجا مختلفاً حيث عدد الجنود الأميركيين وعائلاتهم أكثر من سكان البلد.

لكن هذه الحرب مقرونة دوماً إن لم تكن مسبوقة كذلك بحرب ثقافية. في سياق الحرب الثقافية يجري دائما إما إنكار وجود أمة عربية، أو نسب القومية العربية (وخاصة من قِبَل جماعات الدين الإسلامي السياسي) إلى كونها طبعة اشتقاقية من عصر القوميات الأوروبي الغربي، أو نعتها بالشوفينية من قبل لبراليين في دائرة الشبهات وشيوعيين سطحيي الرؤية.

بقدر ما يسهل اختلاق طبعات مشوهة للإسلام (إسلام أميركي ووهابي وطوراني…الخ) ليس من السهل اختلاق أمة تحل محل أمة حقيقية، فالافتراض ممكن في العقائد والنظريات وليس في الوجود الاجتماعي لا سيما الوجود الاجتماعي التاريخي. ليست الأمة افتراضا ذهنيا ثقافياً، وإذا كانت الأمة وجوداً بشريا موضوعياً بأرض وتاريخ كذلك، فإن القومية ليست مجرد حالة متخيَّلة كما يزعم مثقفي المابعديات ويردد خلفهم مثقفونا برطانة ذهنية. وإذا كانت الدولة القومية في أوروبا قد تجاوزت الحد الأدنى لإثبات الوجود القومي لتمارس حالة ما فوق القومية بمعنى أن وجودها الموضوعي والمهيمن مضموناً مما نقلها إلى حالة احتجاز تطور الأمم الأخرى ولو كلف ذلك إبادة شعوب إما على شكل عينات كما حصل في العراق وليبيا او بتكرار نموذج الهنود الحمر إن لزم ذلك أو كان ممكناً.

والأمة العربية هي من الأمم القديمة التي لا يعود وجودها الموضوعي إلى العصر الحديث وتحديداً عصر راس المال والثورة الصناعية في أوروبا الغربية ولاحقاً المستوطنات البيضاء. لكنها تختلف عن الأمم القديمة سواء المجاورة لها (الفارسية والطورانية والحبشية) تختلف بمعنى أن هذه الأمم رغم أنها بين من خضع للاستعمار و/أو هُزم من ذلك الاستعمار الغربي، إلا أن هذه الأمم لم تكن محط استهداف لا ينتهي ويمتد إلى المستقبل أكثر من انغراسه في الماضي كما هو حال الأمة العربية. ولا نقصد هنا اتفاق سايكس-بيكو وحده بل دوام الاستهداف، كما لا نحصر هذا الاستهداف في زرع الكيان الصهيوني الإشكنازي في فلسطين لأن هذا الاستهداف متواصل ومعمَّم على كامل هذا الوطن بمركزه سوريا ومصر والعراق وحتى أطرافه ليبيا والصومال. وهذا يتضح في مآل هذه الأمم التي انتهت إلى دول موحدة بل حتى أن كلا منها تستاثر وتحتل جزءا من الوطن العربي[1]! كما يخالف وضع الأمة العربية وضع الأمم القديمة التي لم يكن للعرب صراعات معها كالصين والهند، وكلتاهما بقيتا أمما موحدة (مع استشناء تمكُّن بريطانيا من خلق قاعدة الوهابية ممثلة في باكستان لتنطلق منها تفريخات القاعدة بتوليد أميركي ووأد أميركي معاً).

لم ينحصر ولا ينحصر التشكيك في الوجود القومي العربي المشترك وكذلك التشكيك في قومية عربية، لا ينحصر في دوائر الأكاديميا والمخابرات الغربية الراسمالية والصهيونية بل يصل إلى مثقفي ما بعد المابعد من العرب الذين يتقاطعون في ما بعدياتهم مع المحافظين الجدد، ومع موت السياسة وفي النهاية استدعاء الاستعمار من جهة واستدعاء الدين السياسي من جهة ثانية في شطحات غيبية تنم عن الهذيان المستدام، هذيان البحث عن لغة أخرى ومعرفة أخرى وعجزهم عن ذلك، فيكون الهذيان ملاذاً[2].

من المفارقة بمكان، أن هذه الأمم جميعاً ومختلف أمم العالم قديمها وحديثها لم تتعرض للتشكيك في حقها أن تُفصح عن قوميتها وأن تُفصح عن انتمائها القومي وتقيم دولها القومية، سواء على أرضية راسمالية كالهند أو اشتراكية كالصين أو راسمالية عسكرية كتركيا. فالأمة الوحيدة التي يتم التشكيك سياسيا وأكاديميا وجغرافيا وتاريخيا ودينياً في حقها في التبلور القومي هي الأمة العربية. ولعل الأمر أكثر غرابة بل وخطورة، فما أن يكتب مثقف عربي عن الأمة العربية (اقصد اللبراليين والإسلاميين والمابعد حداثيين وبالطبع الستالينيين والتروتسكيين) حتى تكون البسملة أن الأمة العربية شوفينية. وكأن هؤلاء يقدمون إقراراً مسبقاً للدوائر الأكاديمية والمخابراتية الغربية بأنهم ضد أمتهم‘ إقراراً بمثابة ضريبة الاعتراف بهم في تلك الدوائر، إن حصل!. لم تعد هذه البضاعة رائجة بين مثقفي العالم تجاه أممهم. وإن وُجدت ففي حدود معينة وبتعريف علمي اساسه أن كل أمة ترى في نفسها صفاتاً خاصة بالعموم أما الشوفينية فهي حالة ممارسة لا حالة قناعة ومعتقد أو تكوين. ويمكن لكل أمة أن تسقط في هذه الحالة وليس فقط الأمة العربية. لكن هذه الفرق من مثقفينا وفي تعُّجلهم لإثبات التخارج اللبرالي والمابعدي واليساري التابع يصرون على أن الأمة العربية فقط شوفينية ويتعامون عن أن هذه الأمة محط استهداف دموي، فهي امة في مرحلة ما قبل التحرر، ولو كان هؤلاء علميين لقرأوا الصراع على واقعة ولا نقول لكانوا جزءا من حركة المقاومة العربية، لا من حركة تثيبط العزائم. ولا نقول لهم أن هذه الأمة أمة خاصة أو عرق مختلف، بل إن المسألة في أن كون القومية مرحلة في تاريخ الأمم، فاسمحوا لنا أن نعيشها كالأمم الأخرى بدون تبعية واستعمار وحتى بدون مذبحة كما هي اليوم. وحين تلتقي الأمم بطبقاتها الشعبية على الأممية دون صراعات، فلماذا لا نكون منها؟

بدورهم قد يجادل المابعديون بأن البحث، فما بالك بالدعوة، للمسألة القومية أمر عفى عليه الزمن في عصر العولمة حيث تتفكك السيادة القومية وتطغى على المشهد العالمي سيطرة الشركات عابرة الحدود كمؤسسات اقتصادية والطغمة البنكية كشبكة مالية مضارباتية تتحرك باسهل من الشركات ذات الموجودات والإنتاج المادي مما يعني وجود طبقة عالمية ونخبة عالمية في أذيالها/طبقة عالمية ثلاثية التركيب في المركز والمحيط:

· السلطة في المركز بنخبها الخمسة (النخبة السياسية الإدارية في السلطة، ونخبة الصناعات المدنية ونخبة المجمع العسكري، ونخبة الإعلام ونخبة المؤسسة الدينية)

· الشركات متعدية القومية وخاصة بدورها العالمي

· راس المال البنكي والمؤسسات المالية الدولية (المصرف الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية)

تتحالف معها توابعها في المحيط من الكمبرادور السياسي والاقتصادي والثقافي بالطبع.

ونخبة عالمية أو معولمة مثابة المثقف العضوي، لتلك الطبقة، منتشرة في المركز والمحيط. مع وجوب اتفريق بين الطبقة والتخبة من المركز ونيرتها في المحيط. ففي المركز هي طبقة راسمالية ذات تاريخ وحضور إنتاجي منتمية لجغرافيتها ومنتشرة على الجغرافيات الأخرى، بينما في المحيط فالطبقة والنخبة مثابة كمبرادور.

وقد يكون اللافت في هذه التركيبة “الطبقية” المعولمة وجود الشريك النفطي الخليجي فيها والذي يجمع ما بين ثقافة وعقل بداوة ما قبل الدولة بما تعنيه من اللاوطن وبالتالي اللاوطنية اي بدو لا ينتمون سوى إلى القبيلة أو حتى الأسرة الحاكمة وانتقالها الحاد والمفاجىء إلى العيش على ريع النفط والغاز والتحول إلى جزء من رأس المال المالي المعولم الذي يدور على صعيد عالمي بدور مضارباتي عابر القارات أكثر مما هو إنتاجي، ولكنه جزء من هذا الراسمال الذي منتهى تراكمه وإدارته في المركز الإمبريالي وسواء في نيويورك و/أو لندن هذا النموذج المشوه لا يؤمن ولا ينتمي إلى وطنية او قومية. وربما هذا ما يفسر لا قومية هذه الأسر الحاكمة من جهة وارتباطها بالمركز المعولم حفاظاً على وجودها من السكان المضطهدين إلى درجة غياب وجودهم اللهم سوى عن الاستهلاك والتناسل[3]، وهنا قَطَر الحالة المثالية.

ورغم ان تفكيك وتجزئة الأمة العربية والأمة الكردية كان اساساً على يد الاستعمار أي الدول القومية الأوروبية ووريثتها/شريكتها المستعمرات الاستيطانية البيضاء وخاصة الولايات المتحدة وكندا واستراليا، إلا ان الجميع يُقر بالقومية الكردية ويعادي القومية العربية، وحتى جيراننا الأكراد (ولا اقصد الثوريين منهم) يتحالفون مع نفس الاستعمار الذي جزَّأهم ووزعهم علينا وعلى الفرس والأتراك، يتحولون إلى حلفاء لأعدائهم/أسيادهم القدامى والجدد اي الصهاينة، ولا أحد ينقدهم!. ولكن لا ضير عليهم طالما أن عربا وفلسطينيين يزورون كردستان العراق ليباركوا تصهيُنها ومنهم السيد نايف حواتمة وأدونيس!

2- وتجريد العرب من المسيحية والإسلام

الدين في الغرب كما في اي مكان قابل للاستثمار السياسي بفعل السلطة السياسية/الطبقة الحاكمة وليس شرطاً بسبب جوهر الدين نفسه. وربما كانت أول هزيمة للدين بمعناه الأخلاقي في الغرب حينما تمكن أمراء الإقطاع من امتطاء الدين من أجل احتلال الشرق العربي خاصة تحت ذريعة إنقاذ قبر السيد المسيح كما لو كان عليه السلام معتقلاً! أما اللبرالية كفلسفة سياسية ووليدتها الراسمالية كممارسة اقتصادية فكانت أكثر ذكاء وفاعلية في الدين مما سمح لها باحتلال الدين المسيحي أي رسملته لتصبح (طبقة) رجال المؤسسة الدينية مثقفين عضويين لمؤسسة راس المال. والأمر ينطبق على رسملة الدين اليهودي بل وبشكل اكثر حِدَّة، وربما كان ماركس ابلغ من وصف ذلك.

في سياق استخدام الدين لإكمال المهمة التي هُزم فيها الإقطاع، اي احتلال الوطن العربي وإبادة أهله[4] إلى الأبد، حاولت ولا تزال تحاول الرأسمالية الغربية بدءاً من المرحلة التجارية (المركنتيلية) وحتى اليوم عرض السيد المسيح كما لو كان أوروبياً إلى حد تغيير سحنته ولون عينية ولون شعره. وقد لا يبدو هذا ذا معنى لدى البعض، ولكن الأمر على خلاف ذلك. فالمقصود هو تجريد العرب من تراثهم المتعلق بالأديان بتصوير السيد المسيح على أنه أوروبي أبيض، وهذا بخلاف الطبيعة وأثرها على البشر. فلا يمكن لفلسطيني في تلك الأيام أن يكون بهذا اللون. ربما يستدعي هذا تساؤلاً: ترى لو لم تكن كنيسة القيامة والمهد في فلسطين موجودة كأبنية لا يمكن سرقتها، هل كان صعباً على مثقفي الغرب من العنصريين أن ينكروا وجود المسيحية في فلسطين؟ ومع ذلك لو حصل هذا الافتراض، فإنه لن ينفي المسألة الأساس وهي المصلحة في نهب الشرق بل العالم. ربما لهذا لم يهدموا هذه الأماكن، كي يتواصل استغلالها كذريعة لا كانتماء وإيمان. فليست تسويتها بالأرض صعبة، فانظروا إلى العراق وليبيا، وإلى قيام الكيان الصهيوني بمسح مئات القرى الفلسطينية وإقامة الكيبوتسات مكانها.

كما تم تجريد الأمة العربية من الدين الإسلامي عبر صياغة “أديان إسلامية” تعادي العرب وتبرر إذلالهم. لذا نجد الإسلام الأميركي والإسلام الوهابي الذي هو في الأساس صياغة بريطانية منذ أواسط القرن التاسع عشر، والإسلام العثماني الذي هو طوراني معاد للأمة العربية والإسلام الفارسي الذي هو قومي فارسي كذلك. وبكلمة موجزة، فإن التزييف هو ضد الإسلام الأساسي اي العربي.

لقد وصلت الهجمة باسم الدين إلى تحالف ليس غريباً لكل ذي عقل أو متابع لتاريخ قيادة حركة الإخوان المسلمين التي لم تقطع تواصلها وتحالفها مع أنظمة التبعية العربية، وهو تحالف يفتح بالضرورة على تحالف مع الأنظمة الغربية الراسمالية بحكم علاقاتها مع أنظمة التبعية وبحكم اعتقاد الإخوان بالرأسمالية بغض النظر عن طبعتها الإسلامية. لذا برز سريعا للعيان تحالف الإخوان مع الولايات المتحدة سواء في مصر او تونس وبالطبع ضد سوريا بشكل مسلح. وقد لا يكون مفاجئاً ايضا أن أصبح النظام الإسلامي التركي الجديد قاعدة للحلف الأميركي الإخواني. وعليه، فإن القيادة الحالية في تركيا لم تحافظ على دور تركيا في حلف الناتو وعلى علاقتها الحميمة بالكيان الصهيوني الإشكنازي، بل اضافت إلى ذلك إخضاع الإسلام لهذا التحالف!

3- واختطاف الحراك العربي بالثورة المضادة

بناء على ما تقدم، يمكننا التقاط التطور الأساس الذي نجم عن الحراك العربي، وما اسموه الربيع العربي بغض النظر عن دقة التسمية، فإن الثورة المضادة، والتي تعرف عدوها تماماً، التقطت الحدث واستخدمت الدين السياسي لاحتجاز التحول السياسي لصالح البعد العروبي، فطرحت هذه الثورة المضادة او استخدمت كلا من البعد القُطري والبعد الإسلامي (العالمي ومنه الإسلام الطوراني) كسلاحين ضد البعد القومي العربي:

· سلاح حصر حراك كل قطر داخله بمعزل تام عن القطر الآخر، وهذا ما ساهم به جداً ومنذ عقود كثير من المثقفين العرب. وإلا كيف يمكن احتلال ليبيا دون تصريح واحد من حكام مصر؟ ربما نُرجىء هذا لأيام قد تكشف تعاون عسكر مصر مع الناتو تحت عباءة قطر.

· وسلاح الترويج بأن ما يحصل هو صحوة إسلامية لا عربية ولذا حركت الإسلام الخليجي الوهابي والطوراني التركي والإسلامي الأميركي تحديدا ضد الأقطار ذات الأنظمة قومية التوجه، اي ليبيا وسوريا.

إن القُطرية كثقافة وسلطة هي حالة عجز وإعاقة مستدامة لا يمكنها تحقيق اي نهوض بالمعنى العصري سواء لمحدودية الإمكانات البشرية لبعضها (كيانات الخليج خاصة) أو لمحدودية الإمكانات الثرواتية إلى جانب التضخم السكاني المنفلت (مصر) وعليه، فالحفاظ على القطرية هو اساساً لاحتجاز البعد القومي وهذا ما يفسر استخدام الجيش خاصة في مصر وتونس لوقف التحول الثوري وحصر الحراك في القطر نفسه وخاصة عبر التلويح بالضغط الاقتصادي والإغراء بالمساعدات.

والآلية الأخرى لإعاقة المشروع القومي العربي بل استئصاله هي الإسلام السياسي المضاد للأمة العربية والداعي إلى سراب ووهم وحدة كل المسلمين[5] وليس ذلك لخطورة تقاطب العالم على اسس دينية بل لاستحالة ذلك لتمسك مختلف أمم العالم بمصالحها وقومياتها تمسكاً يقوم أساساً على العامل المادي كاساس والمصالح الطبقية الاقتصادية للطبقات الحاكمة ومن ثم الانتماء القومي للطبقات الشعبية، ناهيك عن أن أنظمة بلدان العالم الإسلامي هي في معظمها تابعة للغرب الراسمالي ولعل تركيا كعضو في الناتو أفضل مثال. فهل يستبدل اردوغان عضوية الناتو بعضوية إسلامية عربية تهدف وتعمل على تحرير فلسطين؟ وهل ترتاح البرجوازية التركية نصف الصناعية لوحدة مع قرينتها الإيرانية بدل دورها وحلمها التابع للراسمالية الأوروبية؟

إن كلا مشروعَي الدولة القطرية والدولة الإسلامية الشاملة مشروعان مثلومان يقودان إلى سراب وهذا ما يدفع المركز الإمبريالي للشحن المتواصل بهما وهو ما يفسر ذلك التحالف في ليبيا بين القاعدة وال سي آي إيه ويفسر أكثر ذلك التحالف ما بين العالميات الثلاثة ضد سوريا عالمية إسلام سياسي معولم[6] وبين عالمية (لا أممية) يسارية مهزومة وعالمية رأس المال، راس المال المعولم، أن هناك اتفاق استراتيجي تاريخي بين هذه كلها، وأن هذا الاتفاق من أعلى يسمح لبعض جنودهم كحلفاء بالاشتباك حفاظاً على انخداع القواعد بالقيادة وستراً للخطاب المخفي.

إن تخليق الدولة القُطرية والتمسك بها إلى جانب رفع شعار الوحدة الإسلامية (وهي حالة ما فوق قومية) وبالتالي التجاوز على الوحدة العربية هو تفريغ الجهد وحصر الوجود في مشروع مقطوع من وسطه وهو ما يتأكد بضرب القومية العربية وذلك ممثلاً في الدول العربية ذات التوجه القومي وخاصة سوريا اليوم بما هي القطر المتبقي من هذا التيار.

إن سوريا حالة مناسبة للقراءة حيث يتم ضربها ليس لأنها الجسر الواصل بين القطرية والقومية بل كذلك لأنها جسر الوصل بين قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة، وهذا ما يدفع للسؤال هنا في تركيا، لماذا يقف الشعب التركي مشلولاً تجاه هذا الدور الخطر لحكومة بلاده؟ كيف لا تدفعه (وحدة المسلمين) لرفض العدوان على جارة مسلمة مما يخدم اساساً الكيان الصهيوني (غير المسلم بالطبع)؟ أن تحفزه النزعة القومية المُخضعة لمصالح برجوازية تطمح لاحتلال وليس فقط لسوق سوريا وغيرها؟ أم تتغلب فيه الشوفينية القومية على الدين، أم ان هذه كلها مختصرة في تبعية تركيا للناتو؟

4- الأنظمة القومية والمسألة القومية

كلما قِيلَ قولاً في الثقافي يفرض السياسي نفسه للقول فيه، وكأن الفريقين يستدعيان بعضهما في السراء والضرَّاء! فحين نقول قولاً في الثقافي ودوره في بسط فراش المذبحة فذلك يستدعي قولاً في النظام السياسي وخاصة الأنظمة ذات التوجه القومي لأنها هدف المذبحة. أما الأنظمة اللاقومية فهي لا وطنية وهي في المعسكر الآخر مما يجعل الكتابة عنها شأن آخر وبقولٍ آخر، وربما بسلاح آخر.

ربما أخطر ما أصاب المشروع القومي العربي، على المستوى التاريخي الممتد حتى اليوم وبعده، احتسابه على أنظمة بعينها مما سمح بخلط أكثر من سلطة/دولة كأنظمة حكم قُطرية بكل مفاهيمها وممارساتها بالمسألة القومية نفسها أي بحق الأمة العربية في التحرر والوحدة والحرية والاشتراكية. وليس هذا القول لأجل تجريد هذه الأنظمة من إنجازاتها، ولا تبرير سقطاتها بالطبع، فهي رغم كل تجربتها المرة ما تزال محط استهداف المركز الإمبريالي والصهيوني والأنظمة اللاقومية واللاوطنية في بقية الوطن العربي. وإذا كان ملوك وأمراء الأمة يموتون على فراش المرحلة رغم العلاج في مشافي الغرب/ فإن قادة الأنظمة القومية الديكتاتورات يموتون في الميدان. على ان هذا ليس العامل الوحيد في استهداف الأمة العربية التي تفرَّدت باستهدافات متعددة مقارنة ربما بمختلف أمم العالم.

لذا، فقد نُسبت مختلف أخطاء وسقطات الأنظمة العربية ذات التوجه القومي والتنموي الإنتاجي، نُسبت إلى المسألة القومية العربية نفسها بمعنى اتهامها بأنها قمعية وشوفينية (كما اشرنا أعلاه) طبقاً لأداء بعض هذه الأنظمة في هذا المستوى أو ذاك. ولعل هذا النسبُ كان مقصودا به تشويه القومية العربية من جهة والترويج للأنظمة العربية التابعة للمركز الإمبريالي والمسخَّرة لخدمة الكيان الصهيوني بزمن طويل قبيل إعلان الاعتراف به مباشرة أو مداورة من جهة ثانية.

5- عدم التقاط غياب القطب الثاني أم عدم فهم راس المال

إذا كان خروج الاستعمار (مجسدا في تنظيرات ما بعد الاستعمار) مسألة افتراضية على صعيد محيط النظام الراسمالي العالمي، فإنها افتراضية أكثر في معظم الوطن العربي إن لم نقل جميعه (كما اشرنا أعلاه) حيث اشكال الاستعمار من استيطاني (حالة الكيان الصهوني الإشكنازي والإسباني) والاقتطاعي (حالة إنطاكية والأهواز) أو العسكري بالاستدعاء حالة الخليج، أو تجديد الاستعمار العسكري بالقوة حالة العراق، أو حالة ليبيا حيث المزج بين الهيمنة الثالثة[7] والاحتلال المباشر)، أو حالة التبعية بالتبادل اللامتكافىء. هذا ناهيك عن الاختراق الثقافي.

وليس هذا مجال العودة إلى احتجاز تطور الوطن العربي منذ أربعينات القرن التاسع عشر بتدمير تجربة محمد علي، مقابل السماح بتجربة اليابان[8]، أو تدمير تجربة عبد الناصر[9] مقابل السماح بتجربة أتاتورك وشاه إيران، وإنما نشير إلى هذا لتبيان أن هذا التفكيك والاحتلال للوطن العربي هو خطة متواصلة متجددة وليس مجرد مؤامرة، وهو استهداف متفرِّد ساهم بشكل اساسي في الضعف العربي الذي نرى وإن كنا نؤكد أن الأخطر هو دور الطبقات الحاكمة في الوطن العربي بدءأً من الأنظمة الأسرية ( كتعبير عن ما قبل العصر) وصولا إلى الكمبرادور (كطبقة ومثقفين) في هذه المعضلة، فهذا يجب أن لا يعني تبرير الدور العدواني الذي يقوم به النظام الإسلامي في تركيا.

ولعل الفارق واسع بين كيف استغلت البرجوازية التركية (بعد تحالفها/تصالحها مع العسكر إن صح التعبير) نجاحها النسبي في الرسملة لتكون مخلب قط لصالح راسمالية المركز ضد الوطن العربي، في حين كان موقف البرجوازية الإيرانية (بعد الشاه) أفضل بوضوح.

لقد عانى المشروع القومي العربي في النصف الثاني من القرن العشرين من مشكلة تجذر النزعة القطرية في الدول أو الأنظمة التي رفعت الشعار القومي. ولعل هذه الأنظمة قد استفادت من وجود الكتلة الشرقية كقوة عزل منعت او لجمت تكرار الغزو الإمبريالي الغربي للوطن العربي وإسقاط هذه الأنظمة وخاصة التي أممت النفط واتخذت إجراءات اقتصادية ضد الراسمالية الكبرى ومصالح المركز فاطمأنت إلى بقائها بحكم تحييد قوى الاستعمار، وآثرت الانحصار القطري والذي لا شك كان مبرره الداخلي عجز تطورها الإنتاجي مما لا يملي عليها الاتجاه إلى قومية السوق، هذا مع العلم أن الوجود الفعلي لجيوش الإمبريالية في بلدان النفط مثلاً كان ولا يزال مانعاً لأية سياسة بسماركية[10].

إلى جانب حمايتها من العدوان الخارجي بسبب وجود الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي باعه جورباتشوف في حالة العراق، تمكنت هذه الأنظمة من تثبيت نفسها داخلياً عبر تحولها إلى دول أمنية، رغم أنه كان بوسعها أن تبقى وتتماسك بالديمقراطية والمشروعية الثورية والقومية (نهج عبد الناصر مثلا). بل لقد زعمت هذه الدول أنها قومية التوجه، (وربما كانت نوايا قياداتها حسنة) لكنها كانت قطرية المحتوى، أخفقت في تحويل التحدي الصهيوني والغربي عامة إلى آلية اجتراح استقطاب شعبي. صحيح ان هذه الأنظمة ثبتت أمام الشعب بقوة الأمن، وبقوة كونها وطنية لا شك، ولكنها لم تتنبه إلى أن هذا لا يحميها تماماً من العدوان الإمبريالي مما يجعل الوحدة العربية وحدها طريق البقاء. كما انه يستثير ضدها فئتين متناقضتين قد يصب تناقضهما في وحدة ضدها:

· المعارضة الوطنية والقومية والشيوعية الحريصة على الوطن والديمقراطية والتنمية والتي تعبر عن الطموحات الشعبية.

· المعارضة المرتبطة بالأجنبي والمهيأة بنيويا وعقيديا للارتباط بالأجنبي.

وفي أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي وتفرد الإمبريالية بالنظام العالمي لم تلتقط هذه الأنظمة جوهر التطورات التي جعلتها مكشوفة للعدوان الخارجي الغربي الصهيوني الذي توقف لكنه لم يمت حيث واصلت الاعتقاد بأن سيادتها أمر مسلَّم به، واعتقدت أنها محصنة أمام جشع الإمبريالية لتدميرها فعقدت هذه الأنظمة اتفاقات واقامت حتى علاقات صداقة مع أنظمة المركز الغربي الراسمالي مما يؤكد أنها كانت أنظمة نصف الطريق. لم تتنبه هذه الأنظمة إلى أن الغرب لا يعرف الصداقة وإنما المصلحة المجردة. وقد اثبتت الأيام أن هذه العلاقة بالمركز الرأسمالي ليست سوى شكل من إعادة التبعية[11].

والذي يبدو اليوم، أن قوى من الإسلام السياسي وخاصة قيادة الإخوان المسلمين تتلهف لاستلهام التجربة الخاطئة مدعومة بفشل التجارب السابقة وبمغازلة الوحش الإمبريالي لها لاطمئنانة في حكمها على مصالحه، ولكن هذه المرة دون شرعية ثورية ودون برنامج اجتماعي اقتصادي ضد التبعية، ناهيك عن مصير المرأة المجهول ولكن غير المطمئن بالطبع. نقصد تجربة “الصداقة أو حتى المهادنة” مع العدو الرأسمالي الغربي كما كان حال الأنظمة القومية بل هذه المرة على شكل تحالف علني مع الإمبريالية رغم كل جرائمها المعلنة، وكأن الإمبريالية في هذه المنطقة محظوظة بمن يحملها على الكف بدل الحراب. ولا يخفى أن وهج السلطة هو الذي يغري حزب النهضة في تونس والإخوان في مصر وخاصة في سوريا للتورط في تحالف سوف يقود إلى الإبقاء على مؤسسات وتبعية ونفس الطبقات الحاكمة إبان حكم مبارك وزين العابدين وإلى مذبحة في سوريا.

ربما لم نتنبه جميعاً لما كانت ترتبه الإدارات الأميركية على الأقل منذ احتلال العراق 2003[12] حينما بدأت تقاريرها الإستخباراتية المعلنة بنسب عمليات المقاومة إلى الإسلاميين حيث كان المقصود بذلك تسويق الإسلام السياسي الأميركي ليتصدر المشهد السياسي في الوطن العربي في تعويل على أن استلامه للسلطة، بأكثر من طريقة سوف يُبقي المنطقة في نطاق التبعية للغير ثلاثة أو اربعة عقود قادمة إلى أن يتم انكشاف ومن ثم تغيير هذا التيار من السلطة، وحينها لكل حادث حديث، وقد يكون هذا ما يسيل إليه عاب رجب طيب أردوغان لتحصل تركيا على اقتصاد الساقط Trickle-down Economy.

6- تركيا…أي كائن غريب هذا!

ليس هذا للحديث عن المكان نيابة عن أهله، لكن الغريب أن النظام الحالي في تركيا زاد من تحويل هذا البلد إلى كيان غريب. لن نتوقف عند تغيير الأحرف إلى اللاتينية، بل الأهم هو: ماهي ثوابت القيادة التركية سابقاً وحالياً؟

· الاعتراف بالكيان الصهيوني باكرا وحتى اليوم رغم حلول الإسلاميين محل العلمانيين وتغير نظام العسكر. النظام يُبقي العلاقة الاستراتيجية العدوانية مع الكيان كما هي، والمواطنون يُضحون بأنفسهم في الطريق إلى غزة!

· الاحتفاظ بعضوية الأطلسي وبقائها رغم تفكك الاتحاد السوفييتي.

· الاستسلام لتقسيم العمل الإمبريالي:

o دور مخلب القط الأطلسي ضد السوفييت واليوم ضد سوريا والعرب ليكون الغربي من الجو

o والجيش التركي يدب على الأرض مع الكيان الصهيوني وعملاء عرب

· مواصلة استجداء الأوربية دون التوقف عن اشتهاء احتلال السوق العربي ولعل هذا مستوحىً من المكان من الجغرافيا على الأقل بمعنى التوزُّع بين الغرب الذي يرفض بينما تركيا تُلح على الانضمام إليه والشرق الذي يتلقفها فتواجهه بالتآمر وربما الحرب!

وهكذا، بعد أن تكسرت أنياب الوحش الأميركي في العراق الذي احتله بالجملة وها هو يخرج ذليلا بالتقسيط (ربما خروجا خبيثا)، وبعد أن جرَّب تكتيكه الجديد في ليبيا بأن يكون الأبيض في الجو وعملائه على الأرض ها هو يستخدم تركيا لهذا الدور كمطية له ضد سوريا.

وربما يزداد استغرابنا للدور التركي بمعنى ما الذي يريده الإسلام السياسي التركي؟ فبعد تمثيلية الاحتجاج ضد بيرس وإرسال سفينة الحرية التي لم يتوانى الكيان عن ذبح الأتراك فيها تحديداً ورفض الاعتذار وهو أمر شكلي، فتح المواطن العربي قلبه “للنصير الجديد” وبدأ باستقبال المنتجات التركية وخاصة في سوريا وفي الأرض المحتلة[13]. لكن هذا النظام أخذته العزة بالإثم، بل اقل، تحول إلى أداة خطرة لصالح أعداء الأمة العربية فقلب لسوريا ظهر المجن! والغريب انه بين زعم الصداقة والأخوة وبين إظهار الموقف العدائي الحقيقي ضد سوريا مسافة زمنية فائقة القِصر لا تليق بتحول أفراد لا دول. وإذا كان الشارع العربي قد تحول لاستهلاك المنتجات التركية في فورة عاطفية واضعاً جانباً تاريخ الإسلام العثماني الطوراني بما فيه من جوع ودم وتخلف، فإن هذا الشارع قابل للتحول إلى مقاتل وليس مقاطع وحسب. ولو كان زعم هذا النظام بأنه نظام إسلامي لم يشفع له قبل قرن، فلن يشفع له اليوم لا شك.

إن مواصلة هذا النظام دوره كأداة للإمبريالية لن تكون سوى تعريض مواطنيه لقتلنا وموتهم. وستكون دورة موت رهيبة، وفي النهاية لا يُقتل حقا سوى من يَحتل ومن يخرج ليس أهل البلد بل المحتل. سوف تنتهي بخروج التركي. ولكن، يظل السؤال: لِمَ كان هذا؟ وما هي مسؤولية المواطن والمجتمع المدني التركي؟

ما الذي يمنع تشكيل محور عربي إسلامي من العرب والفرس والأتراك، وليكن في البدء محوراً تجارياً كما حاولت سوريا أن تفعل؟

ما هو الثمن البديل الذي أُغريت به حكومة أردوغان وأوغلو؟ وهل هو ثمن يستقر تاريخياً؟

هل يمكن لتركيا إخضاع سوريا وبقية العرب بالقوة؟

هل يمكن لهذه الحكومة تكرار العصر العثماني؟ وهل يمكن استعادة أحداث التاريخ؟

ألا يمكن النظر إلى النموذج الأوروبي الذي لا يختلف كثيرا في علاقاته الداخلية عن العلاقات العربية التركية، بل إن الحروب بينهم أدمى وأطول؟

إذا كانت المصالح الاقتصادية هي التي تجمع الأوروبيين فلماذا لا تجمعنا؟

لماذا يتمكن الغرب من تجنيد النخب العربية والتركية ضد نفسها؟ هل المسألة قصور بيولوجي ذهني؟ اكاد أعتقد! من غير المعقول أن الشارع التركي لا يدرك هذه المخاطر؟ فهل هو مخدَّرٌ بوعود اقتطاع أجزاء أخرى من سوريا معتمداً على سابقة عدم استعادة عرب القُطريات لما أقتطع منها؟

هذا برسم إجابتكم.

بقي أن نسأل:

· هل حقاً الوحدة الإسلامية ممكنة أم الممكن احتراب الإسلاميين وهل الدافع ديني ام مصلحي وقومي؟

· وهل تآخي الآوروبيين دليل تفوق عقلي وبيولوجي على الشرقيين؟ الإجابة لا، لكنها لا تكفي.

· وهل سيجر اردوغان الشعب التركي كما جر هتلر الشعب الألماني؟


[1] لقد جرى استخدام هذه الأمم من قبل الإمبريالية ضد الأمة العربية، كانت إيران الشاه أكثر خطرا من الكيان الصهيوني، وكانت تركيا مندريس والعسكر، وها هي اليوم بقيادة أردوغان، كما أن الحبشة تقود سرقة مياه نهل النيل، واعتدت على اريتريا طويلاً، ولعل إيران اليوم مختلفة عن الماضي وهذا ما نتمنى أن يلتقطه الشعب التركي.

[2] وقد يكون جميلاً لهم لو حاولوا قراءة التحالف الجديد في ليبيا: القاعدة واللبراليين وأل سي آي إيه وأمين عام الجامعة العربية والغنوشي وعزمي بشارة ممثل الكنيست.

[3] من يستمع إلى ويشاهد الملك السعودي والأمير القطري فهما عاجزان عن قراءة العربية عن الورق، يلاحظ المستوى الثقافي الذي لا شك مرتبط بدرجة الوعي!

[4] لا يخالطنا الشك في أن حروب الفرنجة ما كانت للتوقف عن إبادة العرب لولا عجزها عن ذلك وهزيمتها وطردها. فإذا كانت أوروبا الغربية قد ابادت الهنود الحمر في أميركا الشمالية وأبادت أكثرهم في أميركا اللاتينية بعد أربعة قرون على حروب الفرنجة، فما الذي كان سيمنع هؤلاء من إبادة العرب؟ ومن هي النازية سوى كونها حركة الطبقة الراسمالية في المانيا الأوروبية في حقبة الأزمة الاقتصادية؟

[5] هل يمكن للدين كمكون اساسي ولكن ليس وحيداً في العالم الإسلامي أن يشكل قاعدة لوحدته، بمعزل عن المصالح الطبقية في كل بلد وبلد ما وراء هذه المصالح من عوامل سياسية وتاريخية وجغرافية وتنوعا ثقافية ناهيك عن الاتباطات بالمركز.

[6] عادل سمارة، ليبيا والقومية العربية تواجه: عالميات ثلاث، خطاب مخفي وواقع مخيف! كنعان النشرة الإلكترونية، لعدد 2660، 26 آب 2011، في موقع “كنعان” http://www.kanaanonline.org

[7] نقصد بالهيمنة الثالثة نحتاً يقوم على أطروحة غرامشي التي جوهرها ذلك الصراع بين الهيمنة التي تمارسها البرجوازية وهي في السلطة وبين مقاومة ذلك بهيمنة الطبقة العاملة، والنحت هنا ان الإمبريالية تحاول توليد هيمنة على صعيد دورها العالمي بأن تجند أدوات في بلد محيطي مثلا في ليبيا لتقاتل في بلدها ولصالح الإمبريالية كي تهيمن الإمبريالية في النهاية فتكون التضحيات من البلد وفي البلد، بينما تبقى الإمبريالية دون خسائر بشرية وقد توصلت كما يبدو الإمبريالية لهذا بعد خسائرها في العراق. لكن هذا لا يعني أن الإمبريالية لن ترسل جنوداً حين الضرورة للمشاركة في تمكين عملائها. ليبيا حالة معبرة عما نقول.

[8] “لا يابان بعد اليابان” مقولة تنموية دارجة مقصود بها أن الإمبريالية لم تعد تسمح لأي بلد بالانتقال إلى الراسمالية بعد أن أفلتت اليابان من قيد الإمبريالية الغربية هذا.

[9] نقاشنا هنا أن وجود الكيان الصهيوني ودخول مصر الحرب ضده بعدوانه عليها كان العامل الحاسم في قطع التجربة الناصرية. هل لا يعرف الترك هذا؟ فلماذا كل هذا الوُد للكيان الصهيوني.

[10] قد لا يكون دافع العراق لاستعادة الكويت نتيجة مباشرة لقدرة انتاجية عراقية باحثة عن سوق، بل هي نتيجة لأزمة استغلال الكويت لنفط العراق ومطالبته بدفع ديونها عليه حينما كان يقاتل إيران حماية للقُطريات النفطية. وعلى أية حال فالكويت تعيد الكرة ضد العراق عبر حقول النفط وميتء مبارك!

[11] لقد حاول العقيد القذافي الاستفادة من مهارة تحسين العلاقة بالغرب الراسمالي فانفتح عليهم ومارس صداقات معهم كان ان استغلوها لاختراق الدولة وتجنيد العملاء من الجنرالات وحتى طلبة البعثات الأكاديمية. من الطريف ان تجنيد طلبة البعثات الأكاديمية ناجح جدا في اختراق مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني.

[12] بعد احتلال العراق 2003 بأشهر قليلة دأبت الولايات المتحدة على نسب عمليات المقاومة للإسلاميين رغم أنهم لم يكونوا قد تبلوروا بعد. كانت تقصد بذلك رفعهم في نظر الشعب العربي. كتبت حينها مقالة بالإنجليزية في كنعان الإلكترونية مفادها ان الولايات المتحدة تمهد المنطقة للإسلام السياسي. اعتقد أن ذلك كان صحيحاً كما يبدو من دعمها للإخوان المسلمين في مصر وتونس وليبيا وكذلك من آخر بيانات الإخوان المسلمين في الأردن ضد سوريا.

[13] إتصلت بي سيدة قبل ثلاث سنوات من الملحقية الثقافية التركية في رام الله وسألت بالإنجليزية كم عدد تطبعون من مجلة “كنعان” الورقية؟ قلت آسف أنا لا اقدم معلومات للأجانب. فردت علي سيدة أخرى تحدثت بالعربية وقالت: ولكن نحن الأتراك مسلمون. قلت نعم ولكن معظم الحكام العرب مسلمين وخونة. فأغلقت الهاتف.