الغرب يريد حرباً أهلية ؟ ويعجز عن تنفيذها

العميد الدكتور أمين محمد حطيط

بعد ان نجحت سورية بقوتها الذاتية مستفيدة من الدعم الدولي والاقليمي (بشكل خاص روسيا والصين وايران) في التصدي للمؤامرة الاجنبية عليها والتي حدد اهدافها بكل وضوح رئيس «مجلس عملاء اسطنبول» برهان غليون

حيث قال انه «يستعد بعد استلام السلطة لقطع اي صلة لسورية بمنظومة المقاومة ثم التفاوض مع اسرائيل للاعتراف بها وتوقيع اتفاقية استسلام معها «على غرار اتفاقية كامب ديفيد ووادي عربة، وبعد ان نجحت سورية في معالجة حالات التمرد والارهاب والاجرام بحق شعبها حتى حصرتها في منطقة ضيقة في الوسط السوري (مثلث حمص حماة ادلب)، ومع استمرار القوى الأمنية في معالجتها بدقة الطبيب الجراح بالمنظار حتى لا يؤذى الشعب، راح الغرب يتباكى على عملائه الارهابيين ويصفهم «بالمدنيين المسالمين الذين تستوجب حمايتهم «والا دفعت سورية نحو «الحرب الاهلية». حماية يقترح تنفيذها عبر تدخل عسكري تحت مسميات شتى من «حظر جوي» او «مناطق معزولة» او«ممرات انسانية» او.. الى ما اليه من العناوين التي تستلزم استعمال القوة العسكرية الاجنبية التي تشل الجيش السوري وتفتح الطريق امام «مجلس العملاء» لاستلام السلطة، وهو امر يعلم الغرب يقينا ان طريقه مقفل ويستحيل الان فتحه لذلك راحت دوائره تحذر ثم تروج وتدفع الى «الحرب الاهلية في سورية»، فهل يمكن لمثل هذه الحرب ان تقع؟‏

في العلم العسكري، وانطلاقا من القواعد والمفاهيم المتعارف عليها فان الحرب الاهلية لا تنشب الا اذا توفرت بيئتها المتشكلة من عناصر ثلاثة:‏

– العنصر الأول: هو العنصر الرسمي المتعلق بالحكم واجهزته: ويتمثل بضعف السلطة وتشتتها وتعطل دور القوى المسلحة في الدولة إما بالانقسام والتشرذم والتحاق كل شرذمة بفريق شعبي من الفئات المتناحرة، او انحلال الجيش كليا وسيطرة القوى الشعبية والتنظيمات المسلحة على سلاحه وثكناته.‏

– العنصر الثاني وهو العنصر الشعبي ويتمثل بانقسام الشعب وتنازعه ونشوء الخوف المتبادل بين فئاته ما يدفعها الى حمل السلاح والسعي للسيطرة على ارض تغلقها بوجه الاخر ثم تطهرها منه عبر التهجير او القتل. عمل يلجأ اليه بعد شعور الفرقاء بانسداد الافق السياسي وتحسسها بالخطر على وجودها وانعدام القوة العسكرية الرسمية التي تحميها ما يضطرها للدفاع عن نفسها بنفسها.‏

– العنصر الثالث وهو العنصر الخارجي ويتمثل بوجود القوى الاجنبية التي تمنع الاتفاق الداخلي والحوار بين الاطراف ثم تمد الاطراف المتنازعة بالسلاح والمال وتوفر لهم الاعلام والوسائل للتعبئة المعنوية التي تشعرهم بالخطر الداهم وتشجعهم على القتال.‏

هذه هي عناصر البئية التي تنشب فيها حرب اهلية في بلد ما وفقا لما هو معروف في تاريخ الحروب الاهلية فهل أن هذه البيئة متشكلة في سورية او قابلة للتشكل؟.‏

1- ففي البدء نرى بوضوح توفر العنصر الثالث اي وجود القوى الخارجية التي تريد الحرب الاهلية وتشجع عليها وتمنع الحوار وتمد بعض التنظيمات في الداخل بالمال والسلاح، ورغم اظهار هذه القوى الاجنبية المواقف العلنية الظاهرة ضد الحرب الاهلية ودعوتها الكاذبة لحماية المدنيين فاننا نرى في تركيا ودول عربية وغربية اخرى جهات تدفع للحرب بكل ما اوتيت من قوة وان تبرؤ هذا الطرف او ذاك من الدعم للارهابيين ليس الا من قبيل التهرب من تحمل الفشل فيما لو حصل ولذلك لا نصدق الانكار الفرنسي ونفي فرنسا تدريب المسلحين او مدهم بالسلاح كما لا نأخذ على محمل الجد الموقف الاميركي الرافض ظاهرا لتزويد الارهابيين بالسلاح وهو المحرض جديا بكل قوة على الحرب الاهلية كما ظهر من سلوك بايدن في تركيا مؤخرا، او السعي العربي المخادع لوقف «اراقة الدماء وحماية المدنيين» وهم الذين يزودون المسلحين بالمال والسلاح ويخوضون الحرب الاعلامية والنفسية ضد سورية, ولذا، بكل صراحة نقول: ان عنصرا من عناصر الحرب الاهلية الثلاثة متوفر الان في سورية وهو العنصر الخارجي.‏

لكن الحرب الاهلية كما قلنا بحاجة الى العنصرين الاخرين وهما غير قائمين حاليا كما يتضح من الواقع القائم.‏

2- ففي العنصر الاول – اي السلطة والجيش وهما في حالة استمرار فاعل في الاضطلاع بمسؤوليتهما – نرى قوى الجيش والقوى الامنية وقوى حفظ النظام السوري، قد اثبتت مقدرة فائقة على حفظ وحدتها وتماسكها، والتزام مؤكد بقرارات السلطة السياسية المتماسكة وبانضباطية كاملة، واظهرت براعة في معالجة الاضطرابات الامنية والاعمال الارهابية الى ان تم حصرها في منطقة ضيقة من مساحة البلاد، كما ان القيادة تستمر على امتلاك الاحتياط من القوى السريعة التحرك لمعالجة اي خطر طارئ او اجتثاث اي حالة يمكن ان تفسر بانها مدخل او شرارة لحرب اهلية. اما الادعاء بوجود منشقين تحت اسم «الجيش السوري الحر» فانه ادعاء كاذب لان هذا التنظيم المسلح الذي يقوده ضابط فني متقاعد لم يشمل اي وحدة عسكرية انشقت عن الجيش وفيه مدنيون ارهابيون اكثر مما فيه من العسكريين الفارين من الجيش. ما يعني ان العنصر الاول غير متوفر وان وجود القوى العسكرية العاملة على حفظ امن المواطنين يوفر على هؤلاء التفكير بحمل السلاح للدفاع عن النفس وحفظ الحق بالذات.‏

3 – اما العنصر الثاني – العنصر الشعبي – فقد يتراءى للبعض وجود تحسس ما، قام بين فئات من الشعب السوري، نشأ نتيجة اعتداء المسلحين التكفيريين والارهابيين الذين يدعون بانهم يقتلون باسم هذا المذهب او ذاك حفاظا على امن طائفتهم ووجودها وحقوقها، الا اننا لا يمكن الا ان نسجل درجة وعي الشعب السوري العالية التي مكنته من التمييز بين الارهابي والطائفة التي ينتمي اليها، وصولا الى القول بان ليس للارهاب او الاجرام دين وقد عبر مفتي سورية بعد استشهاد ابنه تعبيرا صادقا عن هذا الامر، كما ردت الطوائف التي استهدفت بعدوان الارهابيين بالقول بانها على استعداد لان «تقدم الاف الشهداء من اجل سورية ولن ننجر الى حرب اهلية»، ما يعني ان الفرز او تشكل الكتل الطائفية المتناحرة امر لا يسهل حصوله، اضافة الى ذلك فان الواقع الميداني والديمغرافي يحول دون انشاء ميادين او ساحات قتال اهلي، ويحول دون رسم خطوط تماس بين الطوائف، فضلا عن صعوبة بالغة لعملية تسلح واسعة وفاعلة للطوائف وعزل او اقتطاع مناطق – هذا اذا حدث الانقسام وهو مستبعد جدا – في ظل سيطرة امنية فاعلة للجيش والقوى المسلحة على الحدود الدولية. وفوق كل ذلك يبقى الوعي الشعبي السوري، وافتضاح خطوط المؤامرة على سورية والتي كان من حلقاتها مؤخراً اعتراف المعارضة المزعومة بنيتها اقامة الحكم العميل للغرب بما صدم الشعب السوري الذي طرح على نفسه السؤال هل يقتلوننا ويدفعوننا الى الاقتتال لنعترف باسرائيل ونتنازل عن حقوقنا؟ والجواب قطعا سيكون في السعي اكثر لتعزيز الوحدة الوطنية والتمسك اكثر بنظام المقاومة وبحركته الاصلاحية.‏

وعليه نرى ان الغرب يسعى لحرب اهلية في سورية لانه فشل في المراحل التنفيذية التي قام بها حتى الان من مؤامرته، وهو بعد ان استنفد الجامعة العربية واستهلكها ضد سورية، يرى ان اللجوء الى المنظمات الدولية الخاضعة لقراراته من مجلس حقوق الانسان الى منطمة العفو الدولية وسواها لن يجديه نفعا ولن يوصله الى امتلاك القرار السوري واستعمار البلاد، لكل ذلك، فانه يسعى للحرب الاهلية كعلاج اخير لمأزقه، لكنه يرى ان سعيه عقيم لذلك يعمل لها في الخفاء ويتنصل منها او يحذر منها في العلن حتى يتفادى تحمل الفشل في مسعاه اللئيم، فسورية اكبر واوعى من ان تنجر الى حرب اهلية او تسلم قيادها لعميل او مستعمر..‏

:::::

نشر في جريدة الثورة السورية بتاريخ 5-12-2011
الرابط: http://thawra.alwehda.gov.sy/_View_news2.asp?FileName=96485209220111205032747