عدنان برجي*
أميط اللثام مؤخرا عن بعض محاضر اجتماعات مجلس الأمن القومي الاميركي في صيف عام 1990، أي قبل فترة وجيزة من الغزو العراقي لدولة الكويت. وقد جاء في محضر الاجتماع المؤرخ في الثالث والعشرين من شهر تموز/يوليو 1990، أن مستشار الأمن القومي الأميركي في ذلك الوقت برنت سكاوكروفت قد قال:
إن قيام العراق بعمل عسكري ضد الكويت وإن كان سيمثل خطراً على مصالحنا الاقتصادية في المنطقة، إلا أنه قد يمنحنا الفرصة لكي نقضي مع أطراف دولية على القوة العسكرية العراقية.
ويضيف في المحضر عينه: لقد انصب اهتمامنا منذ انتهاء الحرب الايرانية – العراقية على كيفية منع العراقيين من خوض حرب ضد “إسرائيل”، وقد عقد الرئيس بوش (الاب) معنا ثمانية اجتماعات في الشهور الماضية لبحث هذا الموضوع تحديداً، ولتقدير خطر القوة العسكرية العراقية على مصالحنا في المنطقة. وقد انتهينا وقتها إلى أن قيام العراق بعمل عسكري ضد “إسرائيل” هو أخطر بكثير من قيامه بعمل ضد الكويت، على الرغم من أن تهديد الكويت سوف يؤثر على مصالحنا النفطية وعلى نفوذنا في المنطقة، وفي حين أن الدول العربية سوف تنقسم في مواقفها ما بين مؤيد ومعارض أو محايد بالنسبة للكويت، فإنها ستؤيد جميعها العراق في حال خوضه حرباً مع “إسرائيل”.
ويتابع: “لم يحسم العراقيون مسألة خيارهم العسكري، ونحن مازلنا نزودهم بصور الأقمار الصناعية حول سرقة الكويت لنفطهم، ومن ناحية ثانية نحن نحرّض الكويتيين على عدم الاستجابة للمطالب العراقية وبضرورة ألا يسمحوا لهم بالخروج بأية مكاسب نتيجة ضغوطهم… إن المشكلة بين العراق والكويت ما زالت تحت السطح، وعندما يقوم العراقيون بخطوتهم العسكرية فسنقابلها بكل حزم”.
ويؤكد “أن تدخلنا سيكون خطوة باتجاه أهداف أكبر، أولها تواجدنا في المنطقة وسيطرتنا على النفط الخليجي والعراقي وتأمين حلفائنا الاسرائيليين والاقتراب من الخطوط السوفييتية، وتدمير الآلة العسكرية العراقية التي أصبحت تقلق “إسرائيل”؛ وثانيها أنه سيكون بإمكاننا التدخل في شؤون أية دولة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بل سيكون بإمكاننا تغيير أنظمة حكم لا نريدها مثل النظام العراقي أو القيادة الفلسطينية التي يرأسها ياسر عرفات”.
ويشدد “إننا نحاول إدخال العراق في مصيدة الكويت، وعندها سنبدأ ولن نتوقف إلا بعد إسقاط صدام حسين. سنحارب تحت علم الأمم المتحدة، وإذا تحقق النصر فسيكون لنا، وإذا تحققت الهزيمة فستكون لغيرنا، وجيشنا لن يقاتل مباشرة هناك بل سيكون القتال من نصيب الدول العربية التي حصلنا منها على وعود بذلك، وإن قرار ضرب العراق قد اتُخذ منذ فترة، ونحتاج فقط إلى ذريعة لنسوّقها في مجلس الأمن لاستصدار قرار دولي بالأمر”.
ومعلوم أن سفيرة الولايات المتحدة آنذاك في بغداد ابريل غلاسبي قالت أثناء اجتماعها مع الرئيس العراقي صدام حسين: “إن بلادها ترغب باستقرار المنطقة ولكنها ترغب بنفس الدرجة بعودة الحقوق لأصحابها ولذلك فإنها تؤيد العراق في مطالبته بحقوقه التي سلبتها الكويت، وهي مستعدة لقبول توكيل العراق لها لتحصيل تلك الحقوق”، ويقول الكاتب العراقي عبدالله الجبوري “إن السفير الأميركي في الكويت كان يضغط على الزعماء الكويتيين حتى لا يقدموا أية تنازلات للعراق”.
قد يقول قائل إن التاريخ لا يتكرر لكننا نسأل: إذا كان الجيش العراقي يقلق إسرائيل وأميركا مع أن لاحدود للعراق مع فلسطين المحتلة، أفلا يقلقهما الجيشان المصري والسوري وهما اللذان انتصرا على الجيش الصهيوني في حرب تشرين المجيدة عام 1973؟ وهل هي صدفة أن تتزامن، محاولات ضرب المؤسسة العسكرية في مصر، التي شكلت السند الأساس لثورة 25 يناير الشعبية، مع الضغط لإحداث انقسام في الجيش السوري تحت ذريعة مواجهة النظام؟.
إن الادعاءات الأطلسية والاستعمارية بحقوق الانسان والديمقراطية ليست لها أية مصداقية، ويكفي دليلا على كذب تلك الادعاءات ذلك الاصرار الأوروبي والأميركي، مع بعض مؤيدي الأطلسي من المصريين، على تسليم السلطة في مصر لقيادة مدنية غير منتخبة مع أن الانتخابات هي الوسيلة الأمثل للديمقراطية الغربية. وإن الحقيقة التي لاتقبل النقاش هي أنه بعد حرب تموز التي تغلبت فيها مقاومة شعبية لبنانية على الجيش الصهيوني، وبعد تمكن شعب أعزل في غزة من مقاومة هذا الجيش رغم استخدامه أقصى الهمجية وأكثر الأسلحة فتكا، تأتي المحاولات الأميركية الصهيونية، لإجهاض انتفاضات الشعب العربي من محتواها من جهة، ولتقضي على أهم جيشين باقيين حتى الآن في المنطقة العربية من جهة ثانية.
إن ضرب المؤسسة العسكرية في مصر وتقسيم الجيش السوري يعني أن تصبح الأمة جسدا بلا عمود فقري، فيسهل حينها تفتيت كياناتها وتقسيم مجتمعاتها ونهب ثرواتها وإقامة الامبراطورية الصهيونية من النيل إلى الفرات، كمقدمة لمد هذه الامبراطورية لاحقا وفق قواعد وتبشيرات مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى الدول الاسلامية كتركيا وإيران.
لقد أثبت الشعب العربي توقه إلى الديمقراطية الحقيقية وإلى الاصلاح والتغيير والتطوير، لكن لابد أن نكون حذرين حيال الوعود الاستعمارية والدعاية الاعلامية المرافقة، فنستفيد من تجارب الماضي لنكون أكثر وعيا وأكثر استيعابا لمخططات الصهيونية والاستعمار فلا نهدم أوطاننا بذريعة التغيير ولا ننساق إلى حروب أهلية بدعوى مواجهة هذا النظام أو ذاك.
:::::
*مدير المركز الوطني للدراسات، مدير مجلة الموقف
بيروت 2/12/2011