العميد الدكتور امين محمد حطيط
منذ ان بدأت الازمة و انقلبت الى خطة اميركية غربية للاطاحة بالنظام السوري و الاجهاز على موقع سوريا في منظومة المقاومة، كانت الاسئلة الكبرى تطرح حول مستقبل المقاومة التي ينظمها حزب الله و قوتها و موقعها الاستراتيجي في شبكة العلاقات الاقليمية، و ثاثيرها على المشروع الغربي الاحتلالي الاستنهابي للشرق، و قد اسرف المحللون و المتبرعون باجتهادهم في رسم صورة كئيبة للمقاومة في منطقة يخرج منها النظام السوري الراهن، و تعاطى البعض مع المسالة و كان المقاومة الاسلامية هي دولة ستختنق اذا فرض الحصار عليها كما حاصرت مصر- مبارك قطاع غزة، و قد اهملت التحليلات تلك عنصرا رئيسيا في المسألة و هوان المقاومة انطلقت اصلا في ارض يحتلها العدو، وراكمت قوتها بوجود العدو، ثم تمادى هؤلاء في اهمالهم لمجريات الحركة الميدانية و السياسية في سوريا و حولها، و هي كلها تنبئ بشكل واضح، بان خطة الغرب للاطاحة بالنظام فشلت و بان ما تبقى بيد الغرب من اسلحة و وسائل مواجهة ليس له من المفاعيل اكثر من الازعاج و الانتقام لكنه لا يمكن ان يصل الى حد يغير الواقع و يرسم المستقبل بما يضيق على المقاومة.
في ظل هذه الصورة سارعت منظومة المقاومة لتوجيه رسائل هامة لاصدقائها و خصومها من طبيعة ميدانية و عسكرية ذات بعد استراتيجي،من شأنها طمأنة الصديق و تحذير الخصم و العدو من سوء التقدير. رسائل بدأًت بالتصدي الايراني الفائق الاهمية لطائرة التجسس الاميركية و انزالها الى الارض الايرانية سالمة يستفاد منها، و اتبعت بالمناورة العسكرية السورية المركبة من عنصري النار ( الصواريخ القصيرة و المتوسطة الى مسافة 200 كلم ) و الحركة و الصدم (مناورة الدبابات من الطراز الافضل الذي تملكه سوريا ) وصولا الى لبنان حيث كان التحدي في يوم عاشوراء من قبل حزب الله و امينه العام السيد حسن نصرالله الذي وجه في 50 دقيقة 5 رسائل بالغة الاهمية، من شأنها اذا تم استيعابها و فهمها ان تحدد مسار الامور على صعيد المنطقة بشكل عام، من باب واقع المقاومة و قدراتها، وخياراتها و الرؤيا الواضحة التي تعمل بوحيها اذ بعد ان اكد على تحالفاته و تمسكه بالاستقرار الداخلي و رفض اي سلوك يقود الى الفتنة، افصح عن تراكم القوة لدى المقاومة و امتلاكه اسلحة جديدة في نوعها و تأثيرها، و جهوزه للمواجهة و قدرته على الانتصار، و حرصه على منظومة المقاومة التي تواجه المشروع الغربي بكل فعالية. و لكل هذه المسائل معاني بليغة يجب ان تفهم.
1) فعندما تؤكد المقاومة بان سلاحها تراكمت قوته و تم تحديثه، فانها ببساطة تقول ان كل الاجراءات التي اتخذت في البر و البحر لم تجد اصحابها نفعا و لم تؤثر على تسليحها، الذي انجز قفزة نوعية بشموله وسائل الدفاع الجوي، و في هذا الاخير رسالة هامة ستأخذها اسرائيل على محل الجد حيث لن تكون طائراتها طليقة اليد في معالجة ما جهزت من بنك اهداف للحرب القادمة.
2) و ان افصاح المقاومة عن وقوفها الى جانب النظام السوري الحالي لان البديل الذي يعد – مجلس اسطنبول – هو مجموعة من العملاء للسياسة الاميركية الغربية، فهذا قد يعني بان المقاومة لن تكون في موقع المتفرج على حدث و حراك يؤدي الى تغيير استراتيجي اقليمي يعنيها و يعني اهدافها، و انها و لا شك تملك القدرات اللازمة لمنع تحقق حلم حصارها او نزع سلاحها، تقول ذلك رغم ثقتها التامة بان النظام في سوريا منيع تخطى المخاطر و انقلب الى الهجوم المعاكس الذي بات يئن الخصم منه، كما فعلت اسرائيل في اضطرارها للرد على المناورة السورية بمناورة، و انكفأت تركيا بعد ان ووجهت بالرد بالمثل على عقوبات اقتصادية اوقعت نفسها بها و ندمت.
3) و ان المقاومة التي راكمت قواتها ناريا و قتاليا في السنوات الخمس الاخيرة، في الوقت الذي لا زالت اسرائيل عاجزة عن ترميم ثغرات بنيتها العسكرية و الدفاعية كما كشفتها حرب 2006 – اسرائيل التي كاد جنودها يقتلون قيادتهم في المناورة الاخيرة تاكيدا على الارتباك و سوء التدريب – هذه المقاومة هي في جهوزية عملانية عالية تمكنها من منع العدو من الانتصار في اي حرب يقتدحها، و قادرة على تحويل الارض التي يغتصبها في فلسطين الى لهيب من نار لا يقوى على الصمود فيها، اي ببساطة ان المقاومة تملك من القوة الردعية ما يمنع العدو عن الهجوم و افتعال الحرب… وان لبنان و المنطقة في مأمن الان من تهديدها، و ان ما تسربه المخابرات الاسرائيلية عبر المواقع الالكترونية االتي تديرها لن يؤثر في معنويات المقاومين، حتى و لو قيل ان الحرب حدد تاريخها بين منتصف الشهر الحالي و منتصف الشهر المقبل.
4) و ان في المقاومة قيادة ترتقي في كفاءاتها العسكرية و حربها النفسية الى الحد الذي باتت تحسب فيه الامور بدقة الثانية و الدقيقة و ليس الساعات فقط، حيث ان السيد نصرالله، في ظهوره العلني و هو يعلم بالقرار الاسرائيلي السياسي باغتياله في اول فرصة تلوح ( القرار الصادر الى العسكريين و الامنيين الذين لا يحتاجون الى تاكيد سياسي لاحق من اجل تنفيذه، لا بل ان تفويت هؤلاء لفرصة التنفيذ ان ظهرت يعرضهم للمحاسبة و المساءلة كما اعتقد انه حصل في اسرائيل بعد العاشر من محرم 1433هـ الذي فات منذ ايام ثلاثة ) حيث سيدرس الاسرائيليون جيدا كيف احتسب السيد نصرالله الدقائق ال 17 ( المدة الاجمالية لسيره بين الجمهور، حتى وصوله الى المنبر، ثم خطابه على المنبر، ثم مغادرته له بين الجمهور ايضا ) و هو يعلم ان اسرائيل قادرة على التدخل الجوي بمهلة تتراوح بين 9 و 12 دقيقة ان لم يكن لها طيران في الجو، و بمهلة تتراوح بين 2 و 4 دقائق ان كان لها طائرات في السماء اللبنانية، ما يعني ان السيد رغم علمه بالخطر فانه رمى القفازات بوجهها و تحداها بشجاعة، و لكنه لم يذهب الى حد التهور و الانتحار. و في سلوكه هذا ما سيفسره المسؤولون الاسرائيليون بانه ضربة معنوية موجعة لارادتهم و لهيبة قراراتهم الاجرامية و امعان في تآكل قدرتهم الردعية،و هي امور ستؤدي مفاعيل هامة على صعيد الحرب النفسية التي يديرها الامين العام بنجاح كلي.
5) اما اطراف الداخل اللبناني ممن يخاصمون السيد فرغم ضآلة حجمهم عندما يكون الحديث عن الشؤون الاستراتيجية الكبرى، فلم ينسهم الامين العام دون رسالة تؤكد مجددا على قرار حزب الله بمنع الفتنة و دعوتهم الى رفضها و عدم السقوط في افخاخها رحمة بهم و بلبنان، لان صراعه ليس معهم لا من قريب و لا من بعيد فسلاحه اعد للعدو – و هم ليسوا بنظره اعداء لان له عدو واحد هي اسرائيل –
و بهذا تكون رسائل اركان “منظومة المقاومة ” تكاملت في تأكيد القوة و الاستعداد لاي مواجهة دفاعية او هجوم في معرض الدفاع، ما جعل الخصم يتراجع و ينكفئ، فيتبرأ هذا من سلوك عدواني، و يعود ذاك عن جفاء دبلوماسي فيعيد سفراءه الى دمشق، و تنتصل دول عربية من تنفيذ العقوبات ضد سوريا، سلوكيات توحي بان الرسائل كانت واضحة و قد تكون استوعبت.
:::::
نشر في جريدة البناء و موقع التيار الوطني الحر بتاريخ اليوم 8122011